أقلام وأراء

أسعد عبود: وثائق أوكرانيا المسربة ماذا تخفي واشنطن بعد؟

أسعد عبود 12-4-2023: وثائق أوكرانيا المسربة ماذا تخفي واشنطن بعد؟

لماذا تثير الولايات المتحدة كل هذه الضجة حول الوثائق السرية المسرّبة المتعلقة بدورها في الحرب الأوكرانية؟ كثيرة هي الروايات التي صدرت منذ لحظة الكشف عن التسريب. بعضها يقول إن القلق الأميركي باعثه احتواء هذه الوثائق على معلومات يمكن أن تؤثر على سير المعارك، وأنها تكشف إلى العلن الدور الذي تقوم به واشنطن مع دول أخرى للمساهمة في الحرب، على غرار إسرائيل وكوريا الجنوبية، فضلاً عن تحليلات تتعلق بالموقف من الصين، من دون تناسي وجود اختراق كبير للوكالات الأميركية على هذا المستوى منذ بدء الحرب قبل أكثر من عام.

كل ما ورد سالفاً يشكل فعلاً، قلقاً كافياً لدى المسؤولين الأميركيين، ولن يهدأ لهم بال قبل أن يعرفوا كيف حصل التسريب، هل ثمة شخص أو أشخاص يعملون لمصلحة موسكو في الوكالات الأميركية الحساسة، أم أن قرصنة إلكترونية كانت قادرة على الكشف عن هذا الكم من الوثائق؟
واشنطن لا تخفي دورها في الحرب. لكن الوثائق أكدت وجود دور أكبر بكثير مما هو معلن، من تفاصيل ميدانية دقيقة إلى المشاركة في المعلومات الاستخباراتية الأوكرانية، إلى الكشف عن نقاط الضعف لدى الجيش الأوكراني، إلى الحديث عن الدبابات الغربية ودورها في الهجوم المعاكس الذي تعدّ له كييف، وصولاً إلى الطلعات الاستكشافية للطيران الأميركي والبريطاني في البحر الأسود بمحاذاة شبه جزيرة القرم، التي تعتبر هدفاً استراتيجياً لأوكرانيا في الحرب، وتجعل من استعادتها أولوية الأولويات قبل أي حديث عن حوار مع موسكو.
وعلى رغم أن الولايات المتحدة قللت من قيمة الوثائق لجهة أنها تعود إلى ما قبل شهرين، فإنها لم تستطع تجاهل أن ما ورد فيها صحيح، باستثناء ما ورد في مجال تقليل الخسائر البشرية الروسية وتضخيم الخسائر البشرية الأوكرانية.
إن الأخطر بالنسبة للولايات المتحدة هو أن الوثائق دليل دامغ على تورط أميركي أوسع مما يحكى عنه. ومن الممكن أن يستخدم الجمهوريون هذه المسألة في حملاتهم الانتخابية، عبر اتهام الرئيس الديموقراطي جو بايدن، بأنه في سبيله إلى جر واشنطن إلى حرب في أوروبا هي الأكثر خطورة منذ الحرب العالمية الثانية.
ما ساعد الإدارة الديموقراطية، هو أن الجمهوريين منشغلون في الوقت الحاضر، في كيفية إنقاذ الرئيس السابق دونالد ترامب من المشاكل القانونية التي يواجهها أكثر من انشغالهم في أي قضية أخرى في الوقت الحاضر.
كان يمكن الجمهوريين أن يصوبوا سهام الانتقاد إلى الديموقراطيين ويتهمونهم بتعريض الأمن القومي الأميركي للخطر، من خلال حصول هكذا اختراق للوكالات الأميركية وتسريب عشرات الوثائق المصنفة على أنها سرية للغاية. لكن الجمهوريين الذين يسيطرون على الغالبية في مجلس النواب، جلّ همهم الآن، كيفية مساءلة مدعي عام مانهاتن في نيويورك ألفين براغ، الذي وجه اتهامات جنائية لترامب وإثبات أن ثمة خلفية سياسية لتوجيهه هذه الاتهامات.
ومع ذلك، تواجه واشنطن إحراجاً مع حلفائها بدءاً بأوكرانيا التي تبين أن معلوماتها الاستخباراتية التي تتشارك بها مع أميركا ليست آمنة بعد الآن. كما أن الحلفاء في حلف شمال الأطلسي سيكونون من الآن فصاعداً أكثر حذراً في التعاطي الاستخباراتي مع الولايات المتحدة.
يمكن القول بسهولة، إن الولايات المتحدة تلقت ضربة استخباراتية قوية، في لحظة حاسمة بالنسبة للاستعدادات الجارية لمساعدة أوكرانيا على شن هجومها المعاكس. فهل يضغط البنتاغون على القيادة العسكرية الأوكرانية من أجل إرجاء الهجوم، ما دام جزء مهم من المعلومات عنه بات في حوزة الروس؟ أم سيمضون قدماً في تشجيع الجيش الأوكراني على شن الهجوم، مع العمل على تغيير التكتيكات وتلافي نقاط الضعف لدى القوات الأوكرانية التي وردت في الوثائق المسربة؟
في كلا الحالتين، تحتاج مفاعيل التسريب بعض الوقت كي تظهر على الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى