أقلام وأراء

أسعد عبود: بوتين وأردوغان براغماتية بلا حدود

أسعد عبود 07-08-2022 

عندما يريد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، تجنب تسمية الأمور بأسمائها في سوريا، فإنهما يعتمدان صيغة مبهمة كمثل الاتفاق على “محاربة الإرهاب” في هذا البلد، علماً أن الإرهاب في نظر موسكو هو “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل جهادية أخرى تتمركز في الشطر الذي تهيمن عليه تركيا في شمال سوريا، بينما الإرهاب في نظر تركيا، يتمثل في “وحدات حماية الشعب” الكردية وحزب “الاتحاد” الكردي اللذين تعتبرهما أنقرة النسخة السورية لـ”حزب العمال الكردستاني” الذي يقاتل منذ عام 1984 للحصول على حكم ذاتي للأكراد في جنوب شرقي سوريا.

الاتفاق على “محاربة الإرهاب” في سوريا، كان من بين النتائج التي خلصت إليها القمة بين بوتين وأردوغان في سوتشي الجمعة. وهذا يعني أن الرجلين قررا أن ينحيا خلافاتهما جانباً في ما يتعلق بسوريا. وأقصى طموح بوتين، هو أن يحول دون شن أردوغان عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري، في توقيت غير مناسب لروسيا المنشغلة بكليتها للحرب في أوكرانيا. وأي هجوم تركي في الظرف الراهن من شأنه أن يترك تداعيات سلبية على الحكومة السورية، وهذا ما لا تريده موسكو.

وفي مقابل إرجاء هجومه الذي يلوح به منذ أشهر، حصل الرئيس التركي على مقابل لا يستهان به. ذلك، أن روسيا كرسته وسيطاً ناجحاً في اتفاق معاودة تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، ما جعله يظهر بمظهر المنقذ لعشرات الملايين من البشر من جوع محتم، على أثر معاناة دول كثيرة من نقص في الغذاء بعد نشوب الحرب الروسية-الأوكرانية.

منح بوتين هذا الامتياز الإقليمي والدولي لأردوغان وحده، علماً أن زعماء دوليين آخرين حاولوا لعب دور الوساطة على هذا الصعيد.

ليس هذا فحسب. بل إن استمرار تزويد روسيا لتركيا بالنفط والغاز واستمرار تدفق السياح الروس على المنتجعات التركية، يوفر لتركيا ما يصل إلى 35 مليار دولار سنوياً. وهذا مبلغ يبدو الاقتصاد التركي في حاجة ماسة إليه لإنقاذه من الركود والحد من تدهوره.
ولذلك، لم ينضم أردوغان إلى العقوبات الغربية على روسيا وبقي محتفظاً بعلاقة ودية مع كل من موسكو وكييف.

إن أردوغان يحاول التأقلم مع ظروف الحرب وإخراج تركيا بأقل الخسائر منها، على عكس دول أوروبية تعاني الأمرين، بحكم العقوبات التي فرضتها على روسيا.

أردوغان نجح في عدم معاداة روسيا أو أوكرانيا. وأبقى مصلحة تركيا هي الأولوية في سياسته الخارجية. ووقف في وجه انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، عندما اقتضت مصلحة بلاده ذلك، وحصل على ثمن سياسي وأمني كبير، لرفع الفيتو التركي عن عملية الإنضمام.

وها هو اليوم يوطد علاقاته بروسيا، ولا يلتفت إلى الانتقادات الغربية، ويحصل في المقابل على تعزيز لموقع تركيا، كقوة إقليمية متقدمة، من البحر الأسود إلى البحر المتوسط. وهذا دور جيوسياسي كبير من شأنه رفع شعبية الرئيس التركي على مسافة أقل من سنة من الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

لا شك في أن عدم تهور أردوغان في اتخاذ مواقف معادية لروسيا عقب غزو أوكرانيا، قد عاد عليه بفوائد جمة. هذا، رغم أن أنقرة سارعت منذ اليوم الأول إلى التنديد بالهجوم الروسي. لكن احتفاظ أردوغان بخطوط التواصل مع بوتين، أثمر توسيعاً لدور تركيا في المنطقة.

وفرضت الواقعية السياسية على كل من بوتين وأردوغان أن يسيرا على حبل مشدود وأن يعرفا كيف يوظفان العلاقة الروسية – التركية لخدمة روسيا وتركيا، وأن لا ينجرفا في سياق المواقف العاطفية التي يتبين حجم الدمار الذي تلحقه ببلدان كثيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى