معهد واشنطن – معضلة روحاني أمام الاحتجاجات
معهد واشنطن – الرائد عومير كرمي، “جيش الدفاع الإسرائيلي” – 8/1/2018
خلال حملة إعادة انتخابه في عام 2017، صوّر حسن روحاني نفسه على أنه الأمل الأمثل لانتعاش إيران من الناحية الاقتصادية، مطلقاً شعارات على غرار “الحرية والأمن والسلام والتقدّم”، مع وعده بتعزيز “العدالة والإصلاحات”. وحتى أنه هاجم «الحرس الثوري الإسلامي»، مدعياً أنه لا يمكن إدخال تحسينات إلا إذا امتنعت “الجماعات التي تحظى بدعم أمني وسياسي” عن التدخل في الاقتصاد.
غير أن أفعال الرئيس روحاني منذ ذلك الحين تشير إلى أنه لا يفي بوعوده الانتخابية. فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، خفف من حدّة لهجته تجاه «الحرس الثوري»، ولم ينجح في تعيين نساء في حكومته، واختار الشخصية المثيرة للجدل منصور غلامي، رئيس جامعة سابق تربطه علاقات مع المعسكر المحافظ، وزيراً للعلوم – وهو منصب له قيمة كبيرة في أوساط الإصلاحيين نظراً إلى أنه يشرف على جامعات البلاد. ونتيجةً لذلك، تعرض روحاني لوابل من الانتقادات القاسية من قبل شخصيات إصلاحية بارزة بسبب “انتقاله إلى اليمين” ضمن الخريطة السياسية.
وبالتالي، فإن المظاهرات الحالية تمثل تحدياً خطيراً لروحاني. فقد هتف بعض المتظاهرين شعارات مباشرة ضده، وحتى دعوا إلى موته. وبشكل عام، ركزوا مظاهراتهم على الفساد والفقر، وهما قضيتان وعد روحاني بالتخفيف من وطأتهما خلال حملته الانتخابية.
رد روحاني على الاحتجاجات السابقة
في صيف عام 1999، واجه النظام الإيراني احتجاجات واسعة النطاق بعد إغلاق صحيفة إصلاحية كانت قد انتقدت القيادة الإيرانية بسبب قضايا تتعلق بحقوق الإنسان. وكان المتظاهرون عموماً من طلاب الطبقة الوسطى ذوي التوجه الإصلاحي؛ وقد شملت جهودهم – في نطاق تسليطهم الضوء على غياب الحريات الأساسية في إيران، الهتاف بشعارات مناهضة للمرشد الأعلى علي خامنئي. ورد النظام بقسوة، الأمر الذي أسفر عن مقتل ستة طلاب واحتجاز أكثر من ألف آخرين خلال ستة أيام فقط.
وفي ذلك الوقت، كان روحاني يشغل منصب الأمين العام لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي”، التي هي جهة فاعلة رئيسية في المؤسسة الأمنية الإيرانية، لذلك يُفترض أن يكون قد اضطلع بدور في عملية صنع القرار التي أدت إلى شنّ حملة القمع. وفي يوم انتهاء الاحتجاجات، خاطب حشداً موالياً للنظام واتهم المتظاهرين بأنهم يخدمون “مخططاً أجنبياً” يهدف إلى إسقاط النظام. وبعباراته، “أطلق العدو هجوماً على الحجر الأساس للهيكل الأبوي للثورة…واستهدف الحرمة المقدسة لـ «ولاية الفقيه»”. وبعد ذلك، ادعى أن الإساءة إلى هذا المبدأ تُعتبر “إساءة للأمة بأسرها”، وحذر من أنه ستتمّ محاكمة المشاغبين المعتقلين باعتبارهم “أعداء الدولة” ومصدر “الفساد على الأرض” – وهما جريمتان عقوبتهما الإعدام. ووفقاً لبعض التقارير، أوضح روحاني لاحقاً أنه لم يكن أمامه أي خيار آخر لأنه كان في الحكومة في ذلك الوقت.
ومن الأمثلة الأخرى على أفعاله خلال السنوات التي قضاها في المجلس، أصدر روحاني أوامر قضائية فرضت قيوداً على الصحف الإصلاحية واتخذ تدابير مختلفة للحدّ من انتقاد الشعب للنظام. ولدى سؤاله عن اعتماد هذه السياسات في عام 2002، قال إن هناك فرق بين “الحرية” و”الفوضى”، وشدّد على ضرورة تقيّد كافة الإيرانيين بالقانون. وكّرر المنطق نفسه بعد سنوات عندما سُئل عن سبب صمته أثناء احتجاجات “الحركة الخضراء”، بقوله إن أولئك المتظاهرين ملزمون بالتصرف ضمن حدود القانون، وفي عام 2011 وصف الحركة بأنها “تحريضية”.
التزام الحياد حتى الآن
منذ اندلاع الاحتجاجات الأخيرة، يبدو أن روحاني يتقيّد بنقاط النقاش التي يفرضها النظام. ففي خطاب مسجل أدلى به في 31 كانون الأول/ديسمبر، أشار إلى أن “المواطنين يتمتعون بكامل الحرية للانتقاد والتعبير عن احتجاجاتهم”، لكن فقط بطريقة “تؤدي إلى تحسين الحياة العامة والوضع في البلاد”. وكرر طريقة تفكيره الأساسية القائمة على “القانون والنظام” شارحاً أن الانتقاد “يختلف عن العنف”، وأنه يتوجب على الإيرانيين الساخطين إيجاد “وسيلة صحيحة وقانونية ومنطقية” للتعبير عن انتقاداتهم. وإلا سيكون المحتجون “زائفين” و”يرضون الأعداء” على حدّ قوله.
وحذا مستشارو روحاني حذوه من خلال الإشارة إلى احتمال إجراء إصلاحات محذرين في الوقت نفسه من أي محاولة لزعزعة الاستقرار في إيران. و نشر أحد المستشارين وهو حسام الدین آشنا استطلاعاً على موقع “تويتر” سأل فيه العامة إذا كانوا مستعدين لوقف الاحتجاجات مقابل خطة عمل جديدة لتلبية مطالبهم (على الرغم من عدم موثوقية استطلاعات الرأي على الإنترنت، لا بد من الإشارة إلى أن ما يقرب من 60 في المائة من الناخبين البالغ عددهم 17,500 قد رفضوا الاقتراح). وبدوره، ذكر كبير مستشاري روحاني أكبر توركان أنه رغم ضرورة اتخاذ الحكومة خطوات فعلية لمحاربة الفساد، بذلت الولايات المتحدة وإسرائيل قصارى جهودهما “للاستفادة من الاحتجاجات”.
ومثل هذه الخطابات قد تجدي نفعاً لروحاني على المدى القصير، خاصةٍ إذا تراجعت وتيرة الاحتجاجات. ولكن إذا استمرت أو زادت حدّتها أو إذا اعتمد النظام رداً أكثر صرامةً، سيجد نفسه مجبراً على مواجهة معضلة. فمن جهة، هو رئيس إيران وبالتالي يحرص على عدم اتخاذ أي خطوات من شأنها زعزعة أسس حكومة البلاد. وفي النهاية، فقد شكل جزءاً لا يتجزأ من الجمهورية الإسلامية منذ أيام آية الله روح الله الخميني حيث شغل منصب قائد القوات الجوية ونائب رئيس البرلمان، إضافةً إلى العديد من المناصب الرئيسية الأخرى. وهو يسعى في الدرجة الأولى إلى الحفاظ على المفاهيم والأهداف الأساسية للجمهورية الإسلامية، رغم أنه يسلك في بعض الأحيان مساراً أكثر واقعية من آخرين في النظام لتحقيق هذه الغاية.
ومن جهة أخرى، انتُخب روحاني استناداً إلى وعوده بالاعتدال والإصلاح والحفاظ على حقوق الإنسان، والأهم من ذلك تحقيق انتعاش اقتصادي. وقد اندلعت المعارضة الحالية في الشوارع إلى حد كبير بسبب عدم قدرته على الوفاء بهذا الوعد الأخير – وفي الواقع، قد يقول البعض إن التوقعات الكبيرة التي أطلقها هو ومستشاروه منذ إبرام الاتفاق النووي قد أصابت الشعب بخيبة أمل كبيرة. وبناءً على ذلك، إذا شنّ النظام حملات قمع بالقوة، وتجاوب معه روحاني، فمن المرجح أن يفقد بعض الدعم حتى في أوساط أبرز ناخبيه.
التشديد على المقايضة التي يواجهها روحاني
على الرغم من أن المرشد الأعلى يبقى صانع القرار النهائي في إيران، إلّا أنّه لا يزال بإمكان روحاني استخدام نفوذه المحدود للتأثير على حسابات خامنئي – لا سيما إذا ردد الشعب الإيراني رسائله، كما حصل على ما يبدو في المسألة النووية. وبغض النظر عن المنحى الذي ستتخذه الاحتجاجات، ستكون بمثابة جرس إنذار للرئيس. وفي المرحلة المقبلة، قد يدرك أخيراً أن الاقتصاد بحاجة إلى إنعاش طارئ، وأن العجز عن تحقيق هذا الهدف سيطلق موجة جديدة من الاحتجاجات، قد تكون على الأرجح أكثر حدّةً من الجولة الحالية. وللمباشرة بعملية الانتعاش هذه، قد يقرر اتخاذ قرارات صارمة بشأن الإصلاحات الاقتصادية التي من شأنها أن تلحق الضرر بأبرز الجهات الفاعلة في النظام الإيراني.
كما قد يسعى روحاني إلى تحريك عجلة الاقتصاد من خلال جذب المزيد من الشركات والاستثمارات الأجنبية إلى إيران. ولكن ذلك قد يتطلب منه إدراك وجود تسوية بين أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط ورغبته في تحسين الاقتصاد. ويمكن للمجتمع الدولي أن يدعم طريقة التفكير هذه من خلال التأكيد له – سواء في المجالس الخاصة أو العامة – على أن العديد من الشركات ستبقى مترددة حيال مزاولة الأعمال في طهران طالما تواصل سلوكها المؤذي في الخارج وتطويرها للصواريخ البالستية. ووسط هتافات المتظاهرين الغاضبين، قد يتردد صدى هذه الرسالة بوضوح أكبر في أرجاء قاعات مقر الرئاسة أكثر من أي وقت مضى.
وبطبيعة الحال، قد يرفض خامنئي مع ذلك أي طلبات من روحاني حول التدخل في شؤون الدول الأخرى ومسألة الصواريخ. فالمرشد الأعلى متشدد شرس يؤمن بمفهوم “تصدير الثورة”، لذلك فحتى لو كان مقتنعاً بالسماح بإجراء إصلاحات اقتصادية (وهي خطوة لن يكون لها تأثير كبير إلا على المدى الطويل وليس على المدى القصير)، إلّا أنّه سوف يتردد في تقليص الدعم لشبكة الوكلاء الإيرانيين في الخارج. وفي هذه الحالة، قد تساعد الضغوط الخارجية على إقناع روحاني بضرورة استخدام أدواته الرئاسية المحدودة لتقويض بعض أنشطة «الحرس الثوري» في المنطقة. وتشمل هذه الأدوات تقليص مخصصات ميزانية الدفاع، باستخدام سلطته على وزارة الدفاع لعرقلة التعاون مع «الحرس الثوري»، إضافةً إلى زيادة وتيرة انتقاده العلني من حين لآخر لهذا «الحرس». وقد لا تغيّر هذه المقاربة بالكامل سلوك إيران في المنطقة، لكنها قد تتصدى لبعض الخطط التي ربما أعدّها قادة «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» للشرق الأوسط.
*عومير كرمي هو زميل عسكري زائر سابق في معهد واشنطن. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قاد جهوداً تحليلية وبحثية في “جيش الدفاع الإسرائيلي” تتعلق بالتطورات الخاصة بالشرق الأوسط والأمن القومي. الآراء الواردة في هذا المرصد السياسي هي آراء المؤلف ولا تعكس وجهة نظر “جيش الدفاع الإسرائيلي” أو الحكومة الإسرائيلية.