#شؤون اقليمية

ماري ماهر: مشهد مُغاير: قراءة في نتائج الانتخابات المحلية التركية 2024

ماري ماهر * 3-4-2024: مشهد مُغاير: قراءة في نتائج الانتخابات المحلية التركية 2024

 

ماري ماهر

أغلقت لجان الاقتراع أبوابها في الانتخابات المحلية التركية الثالثة عشرة التي جرت يوم 31 مارس الماضي، لتدخل السياسة الداخلية والنظام الحزبي مرحلة جديدة تُحددها النتائج التي حققتها الأحزاب وقدرتها على المنافسة والسيطرة على البلديات الحضرية الكبرى. ولما كانت الانتخابات إحدى أدوات التنافس السياسي الرئيسية، وتحمل أهمية بالنسبة لمستقبل النظام الحزبي؛ فإن هذه الورقة تقدم تحليلًا لدلالات نتائج الانتخابات المحلية وتأثيراتها على المشهدين السياسي والحزبي خلال السنوات المقبلة.

تُظهر خريطة النتائج تغيرًا ملحوظًا في اتجاهات التصويت التقليدية التي باتت شبه مستقرة خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، وفيما يلي عرض كمي وتفسير لنتائج الانتخابات البلدية 2024:

1. الخروج على قواعد التصويت التقليدية:

بالنظر لخريطتي توزيع الأصوات بين الانتخابات المحلية 2019 و2024 تبدو تغيرات لافتة في الميول التصويتية، حيث تمدد حزب الشعب الجمهوري في الولايات الداخلية لإقليم بحر إيجه وإقليم وسط الأناضول، وشهدت بعض الولايات تبديلًا بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية نتيجة التفاهمات الانتخابية بينهما، كما ظهرت أحزاب الرفاه الجديد والجيد والوحدة الكبرى بواقع ولايتين للأول وولاية للثاني والثالث، فيما عزز حزب المساواة والديموقراطية الشعبية الموالي للأكراد مكاسبه من خلال التمدد في بعض الولايات جنوب شرق البلاد.

Source- Milliyet, https://secim.milliyet.com.tr/31-mart-2024-yerel-secimleri/secim-sonuclari/#scroll-to 

وتترجم الخريطة السابقة في اختلاف نسب التصويت لكل حزب خلال انتخابات 2024 مقارنة بعام 2019، حيث يتبين من الشكل (2) أن نسب التصويت لحزب الشعب الجمهوري ارتفعت من 30.11% إلى 37.77% ليزيح بذلك حزب العدالة والتنمية من الصدارة حيث شهد تراجعًا في نسب التصويب من 44.33% إلى 35.49%. كما تمكن حزب الرفاه الجديد من الإطاحة بحزب الجيد من المركز الثالث للمرة الأولى، وإزاحته إلى المركز السادس رغم تمكن الأخير من انتزاع رئاسة إحدى المقاطعات.

Source- Milliyet, https://secim.milliyet.com.tr/31-mart-2024-yerel-secimleri/secim-sonuclari/#scroll-to 

كما تنعكس خريطة اتجاهات التصويت على عدد البلديات التي استطاع أن يحصدها كل حزب؛ إذ حصل حزب الشعب الجمهوري على 35 بلدية مقارنة بنحو 24 بلدية حصل عليها حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات عام 2024 مقابل 24 بلدية حصل عليها الأول في انتخابات 2014، و39 بلدية للأخير، ومن هنا يتبين أن نسبة الزيادة في عدد البلديات التي حصدها حزب الشعب الجمهوري تبلغ 66.6% حيث حصد نحو 14 بلدية جديدة، مقابل فقدان حزب العدالة والتنمية نحو 15 بلدية أيضًا بنسبة تراجع تبلغ 38.4%. لكن تتوجب الإشارة إلى أن البلديات التي خسرها العدالة والتنمية لم تذهب جلها للشعب الجمهوري؛ فقد استطاع الأخير انتزاع بعض بلديات حزب الحركة القومية أيضًا، كما أن بعض البلديات التي خسرها العدالة والتنمية ذهبت للحركة القومية نتيجة التنسيق ضمن التحالف الانتخابي بينهما، وبعضها الآخر كان من نصيب أحزاب الرفاه الجديد، والجيد، والمساواة والديمقراطية الشعبية.

Source- Milliyet, https://secim.milliyet.com.tr/31-mart-2024-yerel-secimleri/secim-sonuclari/#scroll-to 

ويُبين الشكل أعلاه أن حزب العدالة والتنمية خسر 50% من بلدياته الإقليمية مقارنة بانتخابات 2019، حيث تراجع عددها من 24 بلدية إلى 12 بلدية، مقابل خسارة 3 بلديات حضرية، فيما ضاعف حزب الشعب الجمهوري بلدياته الإقليمية وأضاف ثلاثًا لبلدياته الحضرية.

2. المعارضة تحسم بلديتي إسطنبول وأنقرة لصالحها: 

انتزع مرشح الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو بلدية إسطنبول للمرة الثانية بحصوله على 51.14% بفارق 11.55 نقطة عن منافسة مرشح حزب العدالة والتنمية مراد كوروم الذي حصد 39.59% من الأصوات، ويُمكن إرجاع ذلك لعدة عوامل، أولها: حصوله على أصوات القواعد الانتخابية لحزبي الجيد والمساواة والديمقراطية الشعبية؛ إذ إن درجة التزام قواعد حزب الجيد بتوجيهات قيادته ضعيفة، وينظر بعض ناخبيه للانتخابات على أنها معركة مع العدالة والتنمية وليس بالضرورة معركة لفوز مرشحهم، وبالتالي يدعمون المنافس الأبرز، كما جاءت منافسة حزب المساواة والديمقراطية الشعبية صورية، فهو لم يقدم شخصية من قيادات الصف الأول، واتسمت حملته الانتخابية بالضعف.

وثانيها: وجود تفاهمات غير علنية بين حزبي الشعب الجمهوري والمساواة والديمقراطية دفعت ناخبيه للتصويت لصالح إمام أوغلو. وثالثها: معاقبة الناخبين الساخطين على أداء الحكومة لحزب العدالة والتنمية، ورغبتهم في إحداث توازن مع المعارضة، وتجنب السيطرة الحكومية الكاملة على المناصب السياسية والإدارية. ورابعها: الشخصية الكاريزمية لإمام أوغلو، وقدرته على التواصل مع جمهور الناخبين بفئاتهم العمرية المختلفة عبر توظيف فن الخطابة، والظهور المتكرر سواء تلفزيونيًا أو عبر الإعلانات العامة، وتطوير خطاب سياسي يجتذب المرشحين اليمينيين.

وبالمثل، احتفظ حزب الشعب الجمهوري ببلدية أنقرة برئاسة منصور يافاش نظرًا لابتعاد الأخير عن التجاذبات السياسية، والتركيز على الجانب الخدمي وإنجاز تقدم ملحوظ على صعيد معالجة القضايا المحلية بأنقرة، وامتلاكه شعبية واسعة بين قطاعات واسعة من الناخبين نظرًا لخلفيته القومية، حيث كان عضوًا بحزب الحركة القومية اليمين المحافظ قبل أن ينضم لحزب الشعب الجمهوري، وانخفاض تركيز حزب العدالة والتنمية على أنقرة مقارنة بإسطنبول. وربما يُؤهله الفوز للصعود سياسيًا داخل حزب الشعب الجمهوري في ظل المنافسات المحتدمة بين رئيسه الحالي أوزغور أوزيل ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وربما يؤهله للمنافسة في الانتخابات الرئاسية 2028 لا سيَّما أنه وجه مقبول بين قطاعات جماهيرية واسعة نظرًا لانتمائه المحافظ وابتعاده عن التراشق السياسي.

3. هزيمة مدوية لحزب العدالة والتنمية: 

شهد الحزب انتكاسة غير مسبوقة منذ صعوده إلى الحكم عام 2002 فاقدًا 15 بلدية مقارنة بمحليات 2019؛ حيث فاز برئاسة 24 ولاية فقط (12 حضرية و12 إقليمية) نزولًا من 39 ولاية خلال انتخابات 2019 و48 ولاية خلال انتخابات 2014. محققًا بذلك أدنى نسبة تصويت منذ وصوله للحكم، حيث سجل 35.49% (مقارنة بـ 43.16% خلال انتخابات 2014 – 44.33% خلال انتخابات 2019)، كما أنه فقد ملايين الأصوات مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية السابقة، حيث صوّت له هذه المرة 16 مليونًا و313 ألفًا و661 صوتًا (حصل الحزب على 20 مليونًا و583 ألفًا و896 صوتًا خلال محليات 2019). وهو ما يبينه الشكل الآتي:

Source- Milliyet, https://secim.milliyet.com.tr/31-mart-2024-yerel-secimleri/secim-sonuclari/#scroll-to 

ورغم أن النسبة التي أحزرها الحزب (35.49%) شديدة التقارب من تلك التي حصل عليها خلال الانتخابات البرلمانية الفائتة (35.61%)، إلا أنها تحمل رسالة صريحة مفادها الانزعاج وعدم الرضى عن الممارسات الحكومية للحزب، وتمثل دلالة على تراجع شعبية الحزب حتى داخل معاقله التقليدية نتيجة لعوامل عديدة أبرزها: تدهور الوضع الاقتصادي، وتنامي غضب فئة المتقاعدين نتيجة تدهور أوضاعهم المعيشية، وتباطؤ معدلات تنفيذ مشاريع إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال، وتراجع حالة الديمقراطية والحريات مقابل تعزيز النزعة السلطوية منذ التحول للنظام الرئاسي عام 2017، فضلًا عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان وتنامي الممارسات الاستعلائية ضد المعارضة والعنصرية بحق الأقليات القومية لا سيَّما الأكراد، وسيطرة الكوادر غير الفعالة على الحزب، وامتناع قطاع من ناخبي الحزب عن التصويت.

4. تعظيم مكاسب حزب الشعب الجمهوري: 

حقق الحزب انتصارًا انتخابيًا غير مسبوق منذ نشأة التعددية الحزبية في تركيا خلال أربعينيات القرن العشرين؛ إذ تصدر النسب التصويتية بـ 37.77% متجاوزًا بذلك كافة الانتخابات المحلية السابقة (26.44% خلال محليات 2014 – 30.11% خلال محليات 2019)، ومستقطبًا بذلك أصوات أعلى قاعدة جماهيرية في تاريخه تُقدر بـ 17 مليونًا و385 ألفًا و867 صوتًا (مقارنة بـ 11 مليونًا و44 ألفًا و130 صوتًا خلال بلديات 2014 – 13 مليونًا و983 ألفًا و738 صوتًا خلال بلديات 2019)، ورفع الحزب عدد البلديات التي يرأسها إلى 35 بلدية منهم 14 بلدية حضرية، مقارنة بـ 14 بلدية عام 2014، و21 بلدية عام 2019، كما يُبين الشكل الآتي:

Source- Milliyet, https://secim.milliyet.com.tr/31-mart-2024-yerel-secimleri/secim-sonuclari/#scroll-to 

ويُمكن إيعاز هذا الأداء إلى إظهار رؤساء بلديات الحزب أداءً خدميًا مُرضيًا للناخبين، وانخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية في المدن الكبرى نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وانتشار مزاعم الفساد والرشوة. ولم تكن تلك النتيجة متوقعة بالنظر للهزيمة التي لحقت بتحالف الطاولة السداسية المعارض خلال الانتخابات العامة 2023، وتفكك التحالف، والانشقاقات الداخلية بالحزب والصراع على رئاسته؛ إلا أنّ أداءه الإيجابي كاشف لكونه بات يُمثل تهديدًا حقيقيًا لحزب العدالة والتنمية حتى لو على المستوى المحلي فقط، وليس أدل على ذلك من انتزاع الحزب ولايات تعتبر معاقل تقليدية للحزب الحاكم مثل كيليس وأديامان وكيركالي وسيفاس وبورصة وأفيون وكوتاهيا ودنيزلي. إلى جانب احتفاظه بمعاقله التقليدية في بلديات الساحل الغربي للبلاد، حيث يميل سكانها للتيار العلماني نظرًا لانفتاحها على الثقافة الأوروبية.

5. أداءٌ مُرضٍ لحزب الجيد: 

حقق الحزب إنجازا سياسيًا باقتناص رئاسة بلدية نيفشهير فيما ينافس منفردًا للمرة الأولى في الانتخابات منذ تأسيسه عام 2017، وهو تقدم غير متوقع بالنظر لحجم الخلافات الداخلية وإشكالية الهوية وتراجع الانتماء الحزبي. ومع ذلك، لا يجب إغفال تراجع النسبة الإجمالية للتصويت للحزب بحصوله على 3.77% ونزوله للمرتبة السادسة مقارنة بالانتخابات المحلية 2019 التي حل فيها في المرتبة الثالثة مسجلًا 7.45%، بما يدل على فقدان حوالي نصف قاعدته الانتخابية لتصبح مليونًا و735 ألفًا و942 صوتًا نزولًا من 3 ملايين و459 ألفًا و491 صوتًا خلال الانتخابات المحلية 2019، أي فقدان مليون و723 ألف و549 صوتًا، الأمر الذي يعني حاجته للعمل على اجتذاب قطاعات شعبية واسعة عبر إنتاج استراتيجيات حركة جديدة تراعي التحديد والتمايز الدقيق للهوية الأيديولوجية للحزب لإقناع القطاعات المستهدفة التي يُفترض انتماؤها للتيار القومي المحافظ، فحتى الآن لا وجود مؤثر للحزب الذي يُعرف نفسه بالقومي بين القواعد القومية، خاصة في المدن الشرقية التي تُعرف على أنها قومية، علاوة على ضرورة تعزيز الانتماء والالتزام الحزبي بين المركز والقواعد، ومعالجة الانقسامات الداخلية.

6. صعود لافت لحزب الرفاه الجديد: 

استطاع الحزب إثبات نفسه منافسًا داخل التيار الإسلامي المحافظ، بانتزاعه بلديتي يوزغات وشانلي أورفا من حزب العدالة والتنمية، واستطاعته إزاحة أحزاب الجيد والحركة القومية والمساواة والديمقراطية الشعبية الذين غالبًا ما يتنافسون على المرتبة الثالثة بعد الحزبين الرئيسيين: العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري، ليصبح ثالث أكبر الأحزاب تصويتًا بنسبة 6.19%، وبإجمالي 2 مليون و851 ألف و784 صوتًا، ما يجعله رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية التركية خلال المرحلة المقبلة، ويؤهله للمنافسة بشكل أكبر وربما منفردًا خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويمكنه من اجتذاب أعضاء جدد، لا سيَّما أن عدد أعضائه تضاعف تقريبًا عقب الانتخابات العامة الأخيرة ليقارب حوالي 400 ألف عضو. 

ويُمكن إيعاز هذا الانتصار السياسي إلى تمايز أيديولوجيا الحزب كحزب إسلامي ورث تمثيل حزب الرفاه (باعث الحياة في التيار الإسلامي التركي) وحركة مللي غوروش (الرؤية الوطنية) حيث يستهدف استعادة زخم الحركة التي خسرت جزءًا كبيرًا منه لصالح حزب العدالة والتنمية منذ 2001، لذلك شكَّل بديلًا قادرًا على تمثيل الناخبين المحافظين غير الراضين عن أداء حزب العدالة والتنمية بسبب الأزمة الاقتصادية وخلافها من سياسات داخلية وخارجية، لا سيَّما أن قطاعًا عريضًا من أعضائه ومرشحيه في الانتخابات البلدية هم أعضاء منشقون عن حزب العدالة والتنمية، ومن ثم قادرون على اجتذاب قطاع من الإسلاميين الساخطين على أداء حزب العدالة والتنمية. 

علاوة على أن النهج المعارض للحزب اتسم بالذكاء ومراعاة المزاج الشعبي بعكس الأحزاب الصغيرة الأخرى المنشقة عن حزب العدالة والتنمية، مثل المستقبل والديمقراطية والتقدم؛ إذ عارض حزب الرفاه الجديد، حزب العدالة والتنمية، دون معارضة أردوغان إدراكًا منه لكونه شخصية كاريزمية تحظى بقبول داخل المجتمع التركي وتمتلك خبرات سياسية كبيرة، كما أنه انخرط ضمن تحالف الجمهور خلال الانتخابات العامة الأخيرة، بمعنى أنه ينتمي للتيار الحاكم ولدية استعداد للتعاون والتنسيق معه وليس محسوبًا على المعارضة، ما اكسبه مقبولية وشرعية داخل الأوساط القومية الإسلامية المحافظة. كذلك، استطاع الحزب تطوير خطاب شعبوي إسلامي استطاع اجتذاب القاعدة القومية، علاوة على أن رئيس الحزب فاتح أربكان يعتمد على الإرث التاريخي لشخصية والده نجم الدين أربكان الكاريزمية، بل إنه يحاول تقليد أطروحاته السياسية وإيماءاته وتعبيرات وجهه وأسلوبه.

7. تصدر المساواة والديمقراطية الشعبية في المدن الكردية: 

فاز حزب المساواة والديمقراطية الشعبية، الموالي للأكراد، برئاسة معظم بلديات جنوب شرق تركيا، فيما عدا شرناق وبيتليس، كما تصدر الجمعيات العمومية الإقليمية بتلك البلدات بما يتفق واتجاهات التصويت التقليدية بهذه المنطقة التي تُشكل معقلًا تقليديًا للأكراد، مع ملاحظة فوزه برئاسة بلديتين إضافيتين مقارنة بانتخابات 2019 هما تونجلي وأغري لتصبح إجمالي البلديات التي فاز بها 11 بلدية، وفقدان بلدية شرناق مقارنة بالانتخابات البرلمانية 2023، كما أنه تقدم على قائمة الأحزاب الأكثر تصويتًا متموضعًا في المركز الرابع بإجمالي أصوات 2 مليون و609 آلاف و802 صوت بنسبة 5.67% ارتفاعًا من المركز الخامس بإجمالي أصوات مليون و970 ألفًا و379 صوتًا بنسبة 4.24%، ما يؤشر إلى فشل الممارسات التضييقية والعنصرية بحق الأكراد، كما يدل اقتصار ظهور الحزب داخل معاقله التقليدية رغم منافسته على 59 ولاية، على تفضيل ناخبيه دعم مرشحي الشعب الجمهوري على امتداد القُطر التركي.

8. تراجع أداء حزب الحركة القومية:

انخفضت أصوات الحزب، الشريك الرئيسي لحزب العدالة والتنمية ضمن تحالف الشعب، إلى أدنى مستوياتها منذ انتخابات 2014، مسجلًا 4.98% بإجمالي أصوات 2 مليون و297 ألفًا و62 صوتًا (مقارنة بـ17.72% بإجمالي 7 ملايين و403 آلاف صوت خلال محليات 2014 – و7.31% بإجمالي 3 ملايين و394 ألفًا و366 صوتًا خلال محليات 2019)، وفقد الحزب رئاسة 3 بلديات ليسيطر على 8 فقط (مقارنة بـ11 عام 2019 و8 عام 2014)، وكانت الخسارة الأكبر هي بلدية مانيسا التي دخلوها بدعم من حزب العدالة والتنمية، لصالح حزب الشعب الجمهوري، كما ذهبت بلدية كوتاهيا، التي كان يسيطر عليها الحزب منذ عام 1950، إلى الشعب الجمهوري لأول مرة، ولا يبتعد تفسير تلك النتائج عن مسببات تراجع أداء العدالة والتنمية. ويُبين الشكل الآتي أداء الحزب خلال آخر ثلاثة انتخابات محلية.

Source- Milliyet, https://secim.milliyet.com.tr/31-mart-2024-yerel-secimleri/secim-sonuclari/#scroll-to 

8. استقرار نسبي للتصويت ببلديات الزلزال: 

اتسمت اتجاهات التصويت في الولايات المتضررة بزلزال 9 فبراير 2023 باستقرار نسبي؛ إذ حصل حزب العدالة والتنمية على بلديات غازي عنتاب وملاطية وهاتاي وكرامان ماراش، فيما ذهبت بلدية عثمانية لحزب الحرمة القومية، وبلدية ديار بكر لحزب المساواة والشعوب الديمقراطية، وهو المشهد الانتخابي ذاته بالنسبة لمحليات 2019، ويُمكن إيعاز ذلك لكون تلك الولايات معاقل تقليدية للعدالة والتنمية وأردوغان، ويغلب عليها المزاج المحافظ، فضلًا عن تنفيذ الحزب مشروعات تنموية وبنية تحتية ساهمت في تعزيز التجارة بالمنطقة. 

أما الجديد فهو خسارة العدالة والتنمية بلدتي كيليس وأديامان لصالح حزب الشعب الجمهوري لتنضمان بذلك إلى بلدتي هاتاي وأضنة اللتين صوتتا خلال الانتخابات المحلية 2019 والرئاسية 2023 لحزب الشعب الجمهوري، ويُمكن تفسير هذا السلوك الانتخابي بالفارق الزمني بين الاستحقاقين الرئاسي والمحلي؛ فقد وقعت الانتخابات الرئاسية عقب ثلاثة شهور تقريبًا من الزلزال، حيث تكثفت الزيارات الرئاسية والوزارية التي أجراها أردوغان ووزراؤه للمنطقة عقب الزلزال والوعود بمشاريع إعادة الإعمار التي أشعرت المواطنين بالتواجد والاهتمام الحكومي، بينما حلت الانتخابات المحلية عقب أكثر من عام ولا تزال معدلات إنجاز بعض مشاريع إعادة الإعمار متراجعة وسط اتهامات بالفساد. علاوة على خسارة العدالة والتنمية بلدية شانلي أورفا التي ذهبت في استحقاقات 2019 و2023 لصالحه، بينما انتزعها حزب الرفاه الجديد الذي ظهر كبديل مناسب للناخبين ذوي الميول المحافظة.

9. تقدم حزب العدالة والتنمية في انتخابات رؤساء المقاطعات: 

بعكس تصدر الشعب الجمهوري رؤساء البلديات، يتقدم العدالة والتنمية في انتخابات رؤساء المقاطعات بحصوله على 356 مقاطعة، ورغم احتلاله المركز الأول إلا أنه حصد عدد مقاطعات أقل بـ179 مقاطعة مقارنة بعام 2019، مقابل زيادة عدد المقاطعات التي حصدها حزب الشعب الجمهوري بـ150 مقاطعة جديدة مقارنة بعام 2019 لتصبح 337 مقاطعة ارتفاعًا من 187 مقاطعة. ويُمكن تفسير تصدر العدالة والتنمية بضيق نطاق التصويت بالنسبة للمقاطعات الفرعية عن البلديات، ما يتيح المجال لظهور التصويت على أساس الروابط الشخصية والعائلية بين الناخبين والمرشحين، ووجود تحالفات بين الحزب ورواد الأعمال المحليين، واتضاح ظاهرة العلاقات الزبائنية بين المجتمعات المحلية والحزب بدرجة أكثر حدة، والتصويت على أساس هوياتي أيديولوجي بالنسبة للمقاطعات التي تُشكل معاقل تقليدية للعدالة والتنمية. ويُقارن الشكل أدناه بين أداء أبرز الأحزاب خلال محليات 2019 و2024:

Source- Milliyet, https://secim.milliyet.com.tr/31-mart-2024-yerel-secimleri/secim-sonuclari/#scroll-to 

10. اتساق مشهد انتخابات الجمعيات العمومية الإقليمية مع البلديات:

سار مشهد انتخابات الجمعيات العمومية الإقليمية على وتيرة رئاسة البلديات بتصدر الشعب الجمهوري النسب التصويتية بـ 34.46% بإجمالي 15 مليونًا و791 ألفًا و979 صوتًا، يليه العدالة والتنمية بـ 32.42% بإجمالي 16 مليونًا و339 ألفًا و771 صوتًا، وهي نتيجة معاكسة لانتخابات 2019 التي تصدر خلالها العدالة والتنمية، كما حل حزب الرفاه للمرة الأولى في المرتبة الثالثة بواقع 6.19%، وحافظ حزب المساواة والديمقراطية الشعبية على معاقله جنوب شرقي البلاد، بينما تراجع حزب الجيد للمرتبة السادسة بـ4.98%. ويُظهر الشكل أدناه نسب التصويت للأحزاب في انتخابات الجمعيات العمومية الإقليمية 2024 مقارنة بعام 2019:

Source- Milliyet, https://secim.milliyet.com.tr/31-mart-2024-yerel-secimleri/secim-sonuclari/#scroll-to 

11. تراجع طفيف لنسبة الإقبال: 

سجل معدل المشاركة 78.55% بإجمالي 48 مليون و256 ألف و117 صوتًا، ورغم كونها نسبة مرتفعة للغاية إلا أنها أقل قليلًا من المتوقعة بالنظر لتجاوز نسب التصويت خلال الانتخابات التركية عتبة 80% (بلغت 89.17% خلال محليات 2014 – و84.66% خلال محليات 2019 – و86.98% خلال الانتخابات العامة 2023)، وربما يرجع ذلك لظروف إجراء الانتخابات بالتزامن مع شهر رمضان واقتراب موسم الإجازات والأعياد الذي تستغله بعض العائلات للسفر، علاوة على احتمالات الملل الانتخابي أو الامتناع المتعمد عن التصويت احتجاجًا على سياسات الحزب الحاكم ورفض البدائل المتاحة والسأم من السياسات الاستقطابية.

تمثل الانتخابات المحلية 2024 نقطة تحول في السياسة التركية، ما يطرح تساؤلات بشأن ملامح السياسة الداخلية والمشهد الحزبي خلال المرحلة المقبلة، وهذا ما يجيب عنه الجزء التالي:

1. انتقال زعامة المعارضة لأكرم إمام أوغلو: إن نجاح إمام أوغلو في الاحتفاظ ببلدية إسطنبول للمرة الثانية على التوالي، يجعل منه زعيمًا طبيعيًا للمعارضة باعتباره السياسي القادر على مواجهة أردوغان وهزيمته؛ فالأمر يُشكل هزيمة لأردوغان شخصيًا وليس فقط لمنافسه مراد كوروم، حيث ألقى أردوغان بثقله خلف مرشح إسطنبول وكان يُدير حملته الانتخابية بنفسه. ويؤهله الفوز للصعود السياسي داخل حزب الشعب الجمهوري وعلى المستوى الوطني ليسير على خطي أردوغان لتحقيق طموحه السياسي الأكبر بالمنافسة في الانتخابات الرئاسية 2028. 

2. محاولة عرقلة مسيرة إمام أوغلو السياسية: تبرز احتمالية لمحاولة أردوغان قطع الطريق أمام منافسة إمام أوغلو في الانتخابات الرئاسية 2028 بتنشيط القضية المرفوعة ضده لحرمانه من ممارسة العمل السياسي، أو بطرح مسألة إجراء انتخابات مبكرة تتيح لأردوغان إعادة ترشيح نفسه لكنها قضية مُثيرة للجدل، وستكون المعارضة حريصة على عدم السماح بتمرير هكذا قرار يجعل أردوغان مرشحًا مرة أخرى في البرلمان ما يُنذر بصراع سياسي.

3. تصعيب مهمة تعديل أو تغيير الدستور: يُمكن أن يطرح أردوغان إجراء تعديل أو تغيير دستوري يكرس الهوية الإسلامية للدولة ويقضي على الإرث الكمالي العلماني لمغازلة قواعده المحافظة، وربما يُوجِد مخرجًا للعائق الدستوري المتعلق بانقضاء المدد الدستورية المتاحة لترشحه في الانتخابات الرئاسية، كما يُمكن أن يتضمن تغييرًا لنظام احتساب الأصوات بحيث يصبح الفوز بالأكثرية العددية وليس الأغلبية المطلقة (50% + 1). ورغم كون مسألة التعديل/التغيير الدستوري طُرحت قبل الانتخابات المحلية، إلا أن الانتكاسة السياسية تصعب مهمة أردوغان عبر إضعاف قدرته على حشد تأييد أحزاب المعارضة للتعديل/التغيير المقترح، وارتكان الأخيرة إلى ظهيرها الشعبي لقطع الطريق أمام محاولات أردوغان كسب زخم سياسي، حيث يتطلب إجراء تعديل دستوري موافقة ثلاثة أخماس البرلمان (360 نائبًا) بينما يشغل “تحالف الأمة” الحاكم 323 مقعدًا فقط، لذا يحتاج لجذب قطاعات عريضة من الطيف السياسي.

4. إفساح مجال للأحزاب الصغيرة داخل النظام الحزبي: تؤمن الانتصارات السياسية التي حققتها الأحزاب الصغيرة مثل الجيد والرفاه الجديد، مواقعهما داخل هيكل النظام الحزبي، وتضمن لهما صوتًا في المعادلة السياسية، وتعطي قواعدهما الشعبية دفعة معنوية تحفزهما وتمنحهما دفعة للمنافسة خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة والتطلع لتحقيق نتائج أفضل، وتبني سياسات حزبية أكثر نضجًا مثل الميل للتفاهمات والتحالفات لتعظيم المكاسب الانتخابية، بعدما استطاعا إثبات قدراتهما أمام قواعدهما الشعبية منفردين خلال الانتخابات المحلية.

5. تعزيز الاستقرار والتماسك داخل أحزاب المعارضة الرئيسية: من شأن النجاحات الانتخابية المتحققة أيضًا تعزيز الاستقرار والتماسك المؤسسي داخل أحزاب المعارضة عبر توطيد مكانة قادتها ومنحهم دورًا أكبر في معالجة الانشقاقات الداخلية والاختلالات البنيوية والهيكلية. فمثلًا يُمكن لميرال أكشنار، رئيسة حزب الجيد، استثمار فوز حزبها ببلدية نيفشهير لإثبات صحة سياستها وقرارها بالمنافسة منفردًا في مواجهة تنامي المعارضة الداخلية وإنقاذ منصبها ومستقبلها السياسي الذي كان مهددًا مع تصاعد المطالبات بضرورة استقالتها وتحميلها الفشل الانتخابي خلال الانتخابات العامة 2023. كما أن الأداء الانتخابي المتميز لحزب الشعب الجمهوري يُمثل نجاحًا لرئيسة الجيد أوزغور أوزيل يقطع الطريق أمام محاولات رئيسه السابق كمال كيليجدار أوغلو استغلال أي هزيمة انتخابية للمطالبة بالعودة للمشهد السياسي، ويُخفض حدة الانتقادات الداخلية لنهج مؤتمره العام في انتقاء المرشحين، لكنه بالمقابل يُعزز مركزية أكرم إمام أوغلو داخل الحزب ويجعل منه منازعًا قويًا لأوزيل فيما يتعلق بالقرارات المحورية. 

لكن عملًا كثيرًا مطلوبًا للمحافظة على المكاسب الانتخابية الحالية يتضمن إعادة تلك الأحزاب صياغة سياساتها بما يُفضي إلى توسيع قواعدها الجماهيرية واجتذاب قطاعات شعبية متنوعة، مع ضرورة التحديد الدقيق لموقعها داخل الطيف السياسي، بمعنى هويتها وانتمائها الأيديولوجي؛ فينبغي لحزب الجيد تعريف نفسه بالحزب القومي، أما حزب الشعب الجمهوري فعليه التحديد الدقيق لتوجهه كحزب يساري ديمقراطي اجتماعي يُقدم سردية يسارية تتسق مع التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العالمية التي طالت الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية، يُبنى عليها برنامج للسياسات الخارجية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، وذلك بعدما أظهرت النتائج أداءً مُرضيًا للحزبين خلال المنافسة المنفردة مقارنةً بحالة تحالف الطاولة السداسية، ما يُثبت أن التمايز الأيديولوجي والهوياتي يُمثل عاملًا رئيسيًا في اجتذاب الأصوات، وأن تشتت الهوية يعني تآكل الدعم الانتخابي. 

6. إجراء مراجعات داخلية في حزب العدالة والتنمية: أضعفت نتيجة الانتخابات الموقف السياسي لحزب العدالة والتنمية، وأظهرت وجود منافسين حقيقيين له يُمكنهم تهديد حكمه على الأمد الطويل، ووضعته في مأزق أمام قواعده الشعبية بكشف حالة الوهن السياسي التي اعترته، بدرجة باتت تتطلب إجراء مراجعات داخلية لتحديد أسباب الهزيمة وقراءة رسائلها الجليّة، ومن ثم إعادة صياغة سياسات الحزب الاقتصادية والاجتماعية نحو نهج أقل صدامية وأكثر احتوائية للتيارات السياسية والمجموعات القومية التي تعمد شيطنتها خلال المرحلة الفائتة مثل العلمانيين واليساريين والأكراد، وباتجاه سياسات اقتصادية توزيعية عادلة أكثر مراعاة للطبقات المتوسطة والدنيا في ظل الاتهامات الموجهة للحزب بإنشاء نخبة رأسمالية ترتبط بعلاقات فاسدة بالسلطة، وتعمل كظهير سياسي لأردوغان وتحتكر الثروة في البلاد. 

علاوة على ضرورة التنسيق مع الأحزاب المحافظة الصاعدة مثل الرفاه الجديد والهدى بار لرأب التصدعات داخل المعسكر القومي المحافظ. ومع ذلك، يجب الحذر من الوقوع في فخ الجزم باعتبار نتائج هذه الانتخابات بداية النهاية لحزب العدالة والتنمية؛ فلا يزال الحزب يتمتع بظهير شعبي قومي محافظ عريض، وإرثه يحظى باحترام جماهيري، كما أنه يمتلك متسعًا من الوقت قبل الانتخابات العامة المقبلة 2028 يُقدر بحوالي 4 سنوات ربما نشهد خلاله إعادة هيكلة للحزب وتعيين كوارد أكثر فاعلية، وقيادة مشروعات تنموية تمكنه من استعادة شعبيته المفقودة.

7. تعزيز الموارد المالية لحزب الشعب الجمهوري: يتيح السيطرة على البلديات الكبرى موارد مالية وفيرة للأحزاب يُمكن توظيفها لخدمة مصالحها الانتخابية وتوسيع قواعدها الشعبية عبر تمويل الحملات الدعائية وبناء علاقات زبائنية مع الجماهير المحلية؛ حيث تتكون ميزانيات البلديات من الحصص الواردة من إيرادات ضرائب الموازنة العامة، ويتم دعمها بموارد إضافية توفرها أنشطة الشركات البلدية الهادفة للربح، التي تدر في بعض الأحيان عوائد تتجاوز ميزانيات بعض الوزارات. وعليه، سيتمتع حزب الشعب الجمهوري المُسيطر على 35 بلدية منها 14 حضرية بموارد مالية هائلة تخدم سياساته المستقبلية لا سيَّما أنه يسيطر على بلديات كبرى أهمها إسطنبول التي تُمثل قرابة نصف القاعدة الضريبية في تركيا، وحوالي ثلث ناتجها الاقتصادي، وتدر مشاريع البناء المحلية والعقارات والتحديث الحضري، مثل هدم المباني المعرضة للزلازل لبناء هياكل مقاومة للزلازل، مبالغ مالية كبيرة.

8. أردوغان بين بناء الإرث أو تكريس الاستقطاب: يُمكن أن تُحفز الهزيمة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، أردوغان، للتحرك في أحد المسارين التاليين؛ الأول: تبني سياسات احتوائية لمعالجة آثار الهزيمة وبناء إرث شخصي إيجابي كزعيم محبوب استطاع جعل تركيا دولة محورية محققًا إنجازات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، وليس سياسيًا مثيرًا للانقسام والاستقطاب، ويُمكن أن نشهد هنا مساعي لتسوية عادلة للقضية الكردية باعتبار أردوغان السياسي الأجدر بمعالجتها نظرًا لامتلاكه أدوات السلطة اللازمة. أما الثاني: فيتعلق بتكريس السياسات الاستقطابية، وشيطنة المعارضين، وتعزيز النزعة القومية العنصرية المناهضة للأكراد، وتبني سياسات اجتماعية يمينية متشددة، وتوظيف قضايا السياسة الخارجية ذات المردودات المحلية لتنشيط القاعدة الجماهيرية اليمينية المحافظة. 

9. استقرار توجهات السياسة الخارجية: يصعب توقع حدوث تغييرات جذرية في سياسات تركيا الخارجية بناءً على نتائج الانتخابات المحلية، كونها شأنًا داخليًا يتعلق بالقضايا الحزبية والخدمية، ويُرجح استمرار سياسات المصالحات الإقليمية وتهدئة العلاقات مع حلفاء الناتو وفق أسس براجماتية، مع احتمالات توظيف بعض قضايا السياسة الخارجية مثل محاربة حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق وحرب غزة لكسب شعبية داخلية؛ فربما تنفذ أنقرة عملية عسكرية في مناطق الشمال العراقي للقضاء على التهديد الكردي حسب تصورها، وتواصل التصريحات المؤيدة للفلسطينيين دون اتخاذ قرارات عقابية حقيقية بحق إسرائيل لا سيَّما على الصعيد الاقتصادي والتجاري.

ختامًا، رغم المؤشرات الكاشفة لنتائج الانتخابات المحلية بشأن تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، إلا أنه يجب الانتباه لحقيقة الفارق بين الانتخابات المحلية والعامة سواء رئاسية أو برلمانية؛ فالأولى ذات طابع خدمي ويتراجع خلالها التصويت على أسس أيديولوجية وهوياتية وقومية بدرجة ما، وتبرز مساحة للتصويت العقابي دون تغيير التيار الحاكم، وبالتالي يوجد هامش حركة أكبر أمام انتقال الأصوات بين الأحزاب المنتمية للتيار ذاته أو بعض الأحزاب المعارضة. أما الاتجاهات التصويتية في الانتخابات العامة فتحكمها اعتبارات أخرى تتعلق بالتصويت على أساس هوياتي أيديولوجي، مع التسليم بحقيقة أن معظم المجتمع التركي محافظ قومي، علاوةً على الرفض التام للتصويت للمنافسين، كما أن الناخبين الأتراك يميلون للشخصيات الكاريزمية والزعماء السياسيين القادرين على تقديم إنجازاتهم. وعليه، فإن تراجع الأداء الانتخابي للعدالة والتنمية في الانتخابات المحلية لا يعني بالضرورة انتظار أداء مماثل خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، مع الإقرار بحقيقة صعود الأحزاب المعارضة بدرجةٍ ما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى