#شؤون اقليمية

مني قشطة: تصعيد مُنضبط: قراءة أوليّة في الهجوم الإيراني على إسرائيل

مني قشطة * 14-4-2024: تصعيد مُنضبط: قراءة أوليّة في الهجوم الإيراني على إسرائيل

منى قشطة

شنّت إيران مساء السبت 13 إبريل 2024 هجومًا مُركبًا، أطلقت عليه اسم “الوعد الصادق” باستخدام ما يزيد على 330 من الطائرات المُسيرة والصواريخ الباليستية وصورايخ كروز التي انطلقت من أراضيها تجاه إسرائيل، وذلك على خلفية الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أسبوعين، والذي أسفر عن مقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني أبرزهم الجنرال “محمد رضا زاهدي”. فيما أعلن الجيش الإسرائيلي تمكنه من اعتراض 99 % من عمليات الإطلاق الإيرانية، وانتهى اجتماع مجلس الوزراء الأمني السياسي المصغر الإسرائيلي بتفويض مجلس الحرب برئاسة “بنيامين نتانياهو” باتخاذ القرارات بشأن الرد على أول هجوم إيراني مُباشر على الأراضي الإسرائيلية.

تنطوي تفاصيل عملية “الوعد الصادق” التي أطلقتها إيران ضد إسرائيل على جملة من المُلاحظات الهامة، يُمكن الوقوف على أبرزها فيما يلي:

1. تبنّت التصريحات الإيرانية الرسمية حتى الآن لهجة مُنضبطة حاولت تأطير الهجوم بحق إيران في الدفاع عن نفسها بعد استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق، والتأكيد عن أن العملية العسكرية التي شنّتها طهران كانت تحذيرية فقط، مع تعمد النأي بتلك العملية بعيدًا عن الحرب الدائرة في غزة حيث تتجنب طهران الزج بنفسها كمدبر لعملية طوفان الأقصى من ناحية، كما ترفض حركة حماس نسب انجازها العسكري في 7 أكتوبر لأية أطراف إقليمية من ناحية ثانية، وهو ما عكسته تصريحات المسؤوليين الإيرانيين منذ الأمس، فعلى سبيل المثال، قالت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة إن “العمل العسكري الإيراني، الذي تم تنفيذه استنادًا إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع المشروع، كان ردًا على عدوان النظام الصهيوني على مبانينا الدبلوماسية في دمشق، ويمكن اعتبار الأمر منتهيًا”. وفي السياق ذاته علّق “حسين سلامي” القائد العام للحرس الثوري الإيراني على الهجوم قائلًا: “حتى اللحظة لا نملك معلومات دقيقة عن نتائج عمليات ليلة أمس؛ لكن لدينا معلومات بأنها تمت بنجاح وحققت أهدافها بدقة. لقد قمنا بعمليات محدودة بحجم ووزن معين لتحذير إسرائيل، وكان يمكن أن تكون عملية موسعة”.

2. رغم أن الهجوم الإيراني ضد إسرائيل يُشكل تطورًا إقليميًا لافتًا ومُهمًا، باعتباره نقلة نوعية في معادلة التصعيد بين البلدين، إلا أنه لم يتحقق فيه عنصر “المفاجأة والمباغتة الاستراتيجية” في ظل وجود مُعطيات مُسبقة وواضحة تُؤشر على وجود احتمالات لإقدام طهران على تنفيذ عمليات إطلاق صواريخ من أراضيها ضد أهداف إسرائيلية، وهو ما مكّن إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية من اتخاذ كافة الإجراءات الدفاعية والهجومية الاستباقية للتعاطي مع هذا الهجوم وتداعياته المُحتملة. ويدلل على هذا التصور تأكيد وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” في مكالمات هاتفية مع نظرائه الأوروبيين على أنه تم تحذير الولايات المتحدة على النحو اللازم والكافي، وكذا وجود تقارير غربية وإسرائيلية تُفيد بأن الولايات المتحدة كانت على معرفة مسبقة بموعد رد طهران على استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق، وثمة مفاوضات جرت خلال الأيام الأخيرة لتحديد مدى ونطاق وتوقيت هذا الرد بحيثُ لا يؤدي إلى الانزلاق في حرب إقليمية واسعة.

3. يُؤكد التعاطي الإسرائيلي مع الهجوم الإيراني على وجود تعاون وتنسيقات أمنية واستراتيجية واسعة بين إسرائيل وحلفاؤها، وهو ما تجسّد في إعلان الرئيس الأميركي “جو بايدن” والمتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي “أدريان واتسون” عن “التزام الولايات المتحدة الثابت بضمان أمن إسرائيل”، وكذا تأكيد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي “دانيال هاغاري” على أن تل أبيب عملت بشكل وثيق مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في صد وإسقاط عدد من الطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران ضدها، ناهيك عن اتخاذ ردود الأفعال الغربية بشكل عام خطًا داعمًا لإسرائيل ومُنددًا بالهجوم على أراضيها ومُؤكدًا على مواصلة التعاون الوثيق في الدفاع عن أمنها.

4. رغم عدم وجود معلومات دقيقة بشأن حجم الخسائر التي تكبّدتها إسرائيل جرّاء الهجوم الإيراني، إلا أنه يمكن مُلاحظة ارتفاع حجم هذه الخسائر على الصعيدين النفسي والاقتصادي، حيثُ تُشير بعض التقديرات الإسرائيلية إلى أن تكلفة التصدي للهجوم الإيراني وصلت إلى ما بين 4 و 5 مليارات شيكل (نحو 1.35 مليار دولار)، بجانب حالة التوتر والاستنفار والذُعر الكبير التي شهدها الشارع الإسرائيلي حيثُ دوت صافرات الإنذار 720 مرة في مواقع مُختلفة جرّاء الدفعة الأولى من الهجوم. بينما جاءت الخسائر على الصعيد الميداني العسكري محدودة مع أضرار طفيفة بالبنية التحتية؛ بعدما نجحت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي – بمساندة أمريكية بريطانية فرنسية – في صد واسقاط السواد الأعظم من الصواريخ والمسيرات التي أطلقها الجانب الإيراني خارج حدود إسرائيل.

5. لُوحظ عدم تدخل أي من وكلاء إيران في المنطقة بشكل مُؤثر ميدانيًا كعامل مُساند في عملية “الوعد الصادق” ضد إسرائيل، حيثُ اكتفت حركة حماس بإصدار بيان أكدت فيه على أن الهجوم الإيراني ضد إسرائيل حق طبيعي ورد مشروع على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، فيما جاء استهداف حزب الله اللبناني لعدة مواقع إسرائيلية في الجولان بعشرات من صواريخ الكاتيوشا باعتباره ردًا على غارات إسرائيلية استهدفت عدة قرى وبلدات في جنوب لبنان، وليس جزء الهجوم الإيراني على إسرائيل، وهو ما يُمكن تفسيره في ضوء رغبة طهران في ضبط التصعيد الأخير قد الإمكان، وتجنب الاقتراب من السيناريو المحظور وهو انزلاق الأوضاع إلى حرب إقليمية عسكرية مفتوحة.

6. كان لافتًا حرص الولايات المتحدة على ثني إسرائيل عن القيام بشن أي هجوم عسكري مُضاد غير محسوب ضد إيران دون التفكير في تداعياته ونتائجه على معادلة الأمن الإقليمي، حيثُ عكست ردود الأفعال الأمريكية في هذا الإطار – من قبيل إبلاغ الرئيس “جو بايدن” لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في اتصال هاتفي أن “الولايات المتحدة لن تشارك في أي عمليات هجومية ضد إيران“، وكذا إعلانه أنه سيقوم بالتنسيق مع مجموعة السبع لرد “دبلوماسي” موحد على الهجوم الإيراني – رغبة واشنطن في ضبط زمام الأمور، والحيلولة دون انتقال التصعيد التكتيكي الراهن بين إيران وإسرائيل إلى تصعيد استراتيجي يُفاقم من المشهد الأمني المضطرب على خلفية حرب غزة، ويضر مصالحها العسكرية والأمنية والاقتصادية في المنطقة. لكن في الوقت ذاته، لم تغفل إدارة “بايدن” عن تأكيد دعمها لإسرائيل والتزامها بضمان أمنها، رغبةً منها في تحقيق مكاسب في سباق الانتخابات الرئاسية المُقبلة، في الوقت الذي تُظهر فيه استطلاعات الرأي الأمريكية انخفاضًا كبيرًا في شعبية “بايدن” بسبب نهجه في التعاطي مع حرب غزة. ناهيك عن محاولة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” توظيف الهجوم في دعاياه الانتخابية من خلال إرجاع الهجوم الإيراني على إسرائيل إلى “الضعف الكبير” للولايات المتحدة في عهد “بايدن”.

رسائل إيرانية

رغم أن الهجوم الإيراني على إسرائيل كان منضبطًا على الصعيد التكتيكي ومحدودًا في أضراره العسكرية إلا أنه ينطوي على رسائل هامة تُريد إيران إرسالها داخليا وخارجيًا، كالتالي:

• أولًا – على الصعيد الداخلي، ترغب طهران الرد في تهدئة الرأي العام الذي تزايدت مطالبه في الآونة الأخيرة بالرد على الاستفزازات الإسرائيلية؛ خصوصًا أن استهداف إسرائيل لمقر القنصلية الإيرانية في سوريا مطلع إبريل الجاري، وما أسفر عنه من مقتل عدد من كبار أعضاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، بما في ذلك “محمد رضا زاهدي”، قائد لبنان وسوريا ونائبه “محمد هادي حاج رحيمي”، أحرج الحكومة الإيرانية ووضعها موضع المضطر للرد على انتهاك مباشر على منطقة تخضع لسيادتها، ولذا تجادل بعض التحليلات بأن الهجوم الإيراني على إسرائيل هدفه الرئيسي “حفظ ماء الوجه” وتهدئة الشارع الإيراني، لا سيما أنه منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى” كبدت الضربات الإسرائيلية إيران ووكلاءها خسائر عديدة في مواردها المالية وكواردها القيادية بمناطق نفوذها الإقليمية في المنطقة، إلا أن تلك الضربات لم تُقابل برد قوي من طهران يناسب ما خلفته من خسائر.

• ثانيًا – على الصعيد الخارجي، تُريد إيران إرسال رسالة ردع قويه لإسرائيل لدرئها عن المساس المُباشر بمصالحها. غير أن طهران تبدو حريصة على حصر المواجهة العسكرية مع إسرائيل دونما الحياد عن مُقاربة “درء المخاطر” التي تنتهجها مُؤخرًا للتهدئة مع الولايات المتحدة، وتركيزها على هدفها الاستراتيجي المتمثل في امتلاك السلاح النووي كوسيلة للردع، مع الحفاظ على تمددها الإقليمي من خلال ميليشياتها المنتشرة في عدد من دول الشرق الأوسط، وربما هذا ما يُفسر غياب عنصر المفاجأة في عملية “الوعد الصادق” وحرص الجانب الإيراني التنسيق الضمني مع واشنطن قبل تنفيذها كما أشرنا سلفًا.

ختامًا، يُمكن القول إن الهجوم الإيراني على إسرائيل – وإن كان محدودًا – أحدث نقلة نوعية في مُعادلة الصراع بين طهران وتل أبيب، لتنتقل من “حرب الظل” بين الطرفين إلى المواجهة العسكرية المُباشرة التي ظلت قابعة خلال السنوات الماضية عند مستوى “السيناريو المحظور”. ويمكن التكهن بأن سيناريوهات التصعيد المُحتملة للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية خلال الفترة القادمة ستحكمها عوامل عديدة تتعلق بحسابات الطرفين وقدراتهما على الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة من قبيل الرد والرد المضاد، غير أن العامل الأهم هو قدرة الولايات المتحدة على احتواء هذا التصعيد، ولجم أي تحركات غير محسوبة لـ”نتنياهو” قد تؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق.

 

*منى قشطة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى