شؤون اقليمية

معهد واشنطن – قمة تركية روسية – إيرانية : القيود أمام تفاهم ثلاثي

معهد واشنطن – سونر چاغاپتاي, آنا بورشفسكايا, و نادر أوسكوي *- 3/4/2018
في 4 نيسان/أبريل، يستضيف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني في أول لقاء ثلاثي يجمعهم منذ قمة 22 تشرين الثاني/نوفمبر التي عُقدت في سوتشي. وقد سبق لبوتين أن بدأ زيارته للمشاركة في رئاسة الاجتماع السابع لـ”مجلس التعاون التركي الروسي الرفيع المستوى” وحضور حفل وضع حجر الأساس لمحطة الطاقة النووية في “أكويو” جنوبي تركيا التي ستتولى بناؤها شركة ”روساتوم” النووية الروسية.
وقد عقد الرؤساء الثلاثة أردوغان وبوتين وروحاني اجتماعات متكررة في الآونة الأخيرة، مما يشير إلى بروز علاقة ثلاثية الأطراف بينهم. لكن في الواقع، تخيّم التوترات على العلاقات بين أنقرة وطهران، كما لا تزال موسكو الخصم التاريخي لتركيا رغم مصالحهما المشتركة حول بعض القضايا الإقليمية.
المشهد من أنقرة
طوال ستة قرون من الحكم العثماني، هزم الأتراك جميع الدول المجاورة وحكموها باستثناء روسيا وإيران، وهو واقع عظّم هاتين الدولتين في الرؤية التركية للعالم. من هنا، تميل أنقرة إلى التعامل بحذر مع الروس والإيرانيين، دون مواجهتهم أو تجاهلهم.
وقد شهدت العلاقة مع موسكو عدة عداوات تاريخية قبل القرن العشرين وخلال الحرب الباردة، لكنها تحسنت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وبفضل التجارة المزدهرة، أخذت العلاقات التركية-الروسية تتحسن خلال تسعينيات القرن الماضي وخلال العقد الأول من القرن الحالي، مما أتاح للبلدين الدخول في فترة طويلة من العلاقات المحسنة للمرة الأولى في التاريخ. إلّا أنّ الحرب السورية قوّضت هذه الروابط، إذ دعمت موسكو نظام الأسد في حين وقفت أنقرة في صف خصومه. وتفاقم الوضع في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حين أسقطت تركيا طائرةً روسية انتهكت مجالها الجوي. وردّ بوتين بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة وهدد باستهداف القوات التركية التي تدخل سوريا لدعم المتمردين.
لكن الأوضاع تحولت من جديد بعد الانقلاب الفاشل ضد أردوغان عام 2016، الأمر الذي دفع بوتين إلى تليين سياسته من أجل الاستفادة من تزايد المشاعر المعادية للغرب في تركيا. وقد زعم عدد كبير من المفكرين، بمن فيهم أعضاء في حزب أردوغان، أن الولايات المتحدة وأعضاء آخرين من حلف “الناتو” كانوا وراء الانقلاب. وفي حين أن بعضاً من هؤلاء الحلفاء نفسهم لم يسارعوا إلى مدّ يد العون إلى أنقرة فور إحباط الانقلاب، إلّا أن بوتين اتصل بأردوغان في اليوم التالي وتمنى له الخير. ومنذ ذلك الحين تحسّنت العلاقات الثنائية بين البلدين.
أما في سوريا، فتوصّل الأتراك والروس إلى تسوية مؤقتة حيث أبرموا اتفاقات ومنعوا وقوع نزاع بين قواتهم في الشمال على أساس كل حالة على حدة. وفي الآونة الأخيرة، منح بوتين أنقرة الضوء الأخضر لعملية “غصن الزيتون”، مما أدى إلى استيلاء تركيا على مدينة عفرين من أيدي «وحدات حماية الشعب»، وهو فرع سوري كردي لـ «حزب العمال الكردستاني»، عدو تركيا الأزلي. وفي المقابل، لم يحرك أردوغان ساكناً عندما ساعدت روسيا نظام الأسد على قصف المدنيين في الغوطة الشرقية، وهي إحدى المناطق الأخيرة المتبقية تحت سيطرة المتمردين وتشهد تخفيفاً لحدة التصعيد.
وخلال المرحلة القادمة، من المتوقع أن يعرض بوتين على أردوغان المزيد من الصفقات لأغراض خاصة في شمال سوريا، كما جرى في تل رفعت، مما يسمح لتركيا بتحقيق المزيد من التقدم على حساب «وحدات حماية الشعب» مقابل استمرار القبول الضمني للتحركات الروسية. وسيقبل أردوغان بأي اتفاق يساعده على هزيمة «وحدات حماية الشعب» و«حزب العمال الكردستاني»، وهما منظمتان تحتقرهما تركيا بكاملها تقريباً. ومن المفترض أيضاً أن يطلب بوتين دعم أنقرة لعملية السلام في الأستانة، التي تشكّل البديل بالنسبة لروسيا عن المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف التي تهدف إلى إنهاء الحرب.
وباختصار، وضع بوتين تركيا في الموقع الذي يريده تماماً، أي حليف مستاء في حلف “الناتو” مستعد للانشقاق عن موقف الحلف تجاه روسيا. وفي الآونة الأخيرة انضمت تركيا إلى بعض أعضاء “الناتو” الآخرين في رفضهم اتباع المسار الأمريكي القائم على طرد الدبلوماسيين الروس رداً على الاشتباه بإقدام الكرملين على اغتيال ضابط مخابرات سابق في بريطانيا. فبوتين لا يريد أن تغادر تركيا “الناتو” – بل أن تبقى ضمن التحالف كعضو غير مشارك، مما يقوّض بالتالي فعالية المنظمة.
أما بالنسبة إلى تركيا وإيران، فالعلاقة بينهما مليئة بالخلافات، حيث يتجذر الكثير منها في استياء طهران من عملية عفرين وصفقات مماثلة سمحت لأنقرة بالاستيلاء على أرض سورية وبمباركة بوتين. وخلافاً لموسكو، لا توافق إيران على نتيجة قائمة على مبدأ “التقسيم الناعم” في سوريا وتعترض على أي وجود عسكري تركي هناك. وبناء على ذلك، استهدفت الميليشيات المدعومة من إيران مراراً القوات التركية في الشمال حتى رغم موافقة روسيا على تحركات أنقرة العابرة للحدود.
وبالتالي، سيواجه بوتين مهمةً عسيرةً إذا كان يهدف إلى التوصل إلى تفاهم مع روحاني وأردوغان خلال القمة التي ستُعقد هذا الأسبوع. ومن الناحية التاريخية، تحاربت الإمبراطوريتان المتنافستان العثمانية والفارسية إلى حدّ الإفلاس بعد قرنين من الحروب غير الحاسمة، إلى أن قررتا الحفاظ على علاقة تعادل القوى في منتصف القرن السابع عشر، واتفقتا على تجنب الصراع في المستقبل ضد بعضهما البعض مهما كان الثمن. غير أن طهران ترى أن دعم أنقرة للمتمردين الذين يقاتلون النظام المدعوم من إيران في دمشق هو انتهاك لهذا التكافؤ التاريخي – وبالفعل، تشكّل الحرب السورية المناسبة الأقرب في الذاكرة الحديثة التي أوشك خلالها البلدان على الدخول في صراع شامل. غير أن حظوظ إيران وحلفاءها تزداد في سوريا حالياً، لذا من المرجح أن تحاول استعادة تعادل القوى مع تركيا وفق شروطها الخاصة – لا سيما من خلال المطالبة بالوقف الكامل للدعم الذي تقدمه أنقرة للمتمردين وإرغام الأتراك على الاعتراف بسيطرة إيران الكاملة على سوريا.
المشهد من موسكو
خلال المحادثات الثلاثية، سيركّز بوتين على سوريا في حين ستتركز محادثاته الثنائية مع المسؤولين الأتراك على اتفاقهم المبدئي على شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية “إس-400″، التي من المقرر حالياً تسليمها إلى تركيا في عام 2020. ورغم أن بوتين سيؤكد علناً عملية البيع، يجب أن ننتظر لنرى ما إذا كانت روسيا سترسل الصواريخ فعلياً – بالإضافة إلى المأزق المتمثل في توفير أسلحة حساسة إلى خصم منذ زمن طويل، مما قد يعرّض الروس أيضاً لعمليات تدقيق أكبر من قبل الاستخبارات الأمريكية.
ويتمثل هدف موسكو في تحريض الأتراك والأمريكيين وجعلهم يغضبون من بعضهم البعض. وبالتالي، يبدو أن لعبتها تقوم على جعل عملية البيع أقرب ما يكون إلى الواقع، علماً أن هذا الانطباع قد يضر أكثر بنظرة حلف “الناتو” إلى تركيا ويسهل على روسيا تحقيق هدفها بعزل أنقرة ضمن الحلف. وسيستغل بوتين تهديد نقل صواريخ “إس-400” لأطول فترة ممكنة، ولا يجدر بواشنطن إلغاء احتمال حصول عملية البيع في النهاية.
وعلى نطاق أوسع، تُعتبر زيارة بوتين إلى تركيا أول رحلة يقوم بها الرئيس الروسي إلى الخارج منذ فوزه بالولاية الرئاسية الرابعة في 18 آذار/مارس، مما يظهر الأهمية التي يوليها إلى الشرق الأوسط ورغبته في نسف دور واشنطن كصانعة للسلام في المنطقة. يجب أن تركز القمة أيضاً على عزمه التوصل إلى تسوية بشأن سوريا وفق شروطه، مع بقاء بشار الأسد في السلطة واحتمال انسحاب أمريكا من المنطقة، مما يصب في مصلحة موسكو. ومن المرجح أن تركز المحادثات حول سوريا على محافظة إدلب، التي هي آخر معاقل المعارضة. وقد يضغط بوتين على أردوغان لإقناع الجماعات المتمردة هناك بضرورة وقف محاربة الأسد. وفي المقابل، قد توافق موسكو على السماح لتركيا بزيادة تحركاتها ضد «وحدات حماية الشعب».
المشهد من طهران
تتوقع إيران انسحاب القوات الأمريكية من سوريا أو تخفيضاَ كبيراً في عددها على المدى القريب. وبناءً على ذلك، قد تتمثل استراتيجية روحاني خلال قمة أنقرة في احتواء توغل تركيا من خلال الحد من تقدمها إلى المناطق الحدودية المباشرة بعد انسحاب الولايات المتحدة. وعلى وجه الخصوص، تريد طهران إبقاء القوات التركية خارج منبج وعفرين.
ولتحقيق هذه الغاية، تبدو إيران مستعدةً لعرض اتفاق على أنقرة، يتمثل بضمان أمن حدود تركيا من خلال نشر القوات السورية على المناطق الحدودية ذات الأغلبية الكردية، وتقديم المشورة والمساعدة من قبل القوات الإيرانية. باختصار، لا تريد طهران رؤية أي جندي تركي في سوريا بمجرد مغادرة القوات الأمريكية. وتتمثل استراتيجية إيران الأساسية في سوريا باستعادة تفوقها وتوسيع نفوذها في المؤسسات السياسية والأمنية السورية، كما فعلت في العراق.
*سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن. آنا بورشفسكايا هي زميلة “آيرا وينر” في المعهد. نادر أوسكوي انضم إلى المعهد كزميل زائر بعد أن عمل أربع سنوات كمستشار مدني أقدم في مجال السياسات للقيادة المركزية الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى