شؤون اقليمية

لماذا يُثير مَوقِف الرئيس أردوغان المُؤَيِّد للعُدوان الثُّلاثي على سورية العَديد من التَّساؤلات وعَلامات الاستفهام؟

رأي الْيَوْمَ ١٥-٤-٢٠١٨م
ترحيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالعُدوان الثُّلاثي الأمريكي البِريطاني الفَرنسي على سورية فَجر السَّبت الماضي يُثير العَديد من علاماتِ الاستفهام لسَببين: الأوّل: أنّ الرئيس التركي يَنتمي إلى تَحالفٍ من المُفتَرض أنّه استراتيجي مع دَولتين مُعارِضتين بقُوّة لهذا العُدوان، وهُما روسيا وإيران، وشارَك في قِمّة ثُلاثيّة مع زَعيميها قبل ثلاثة أسابيع في أنقرة، والثَّاني: أنّه يعيش صِراعًا حَقيقيًّا مع الولايات المتحدة الأمريكيٍة، ورئيسِها دونالد ترامب، بسبب دَعمِها لقُوّات سُورية الدِّيمقراطيّة الكُرديّة التي يُصنِّفها أردوغان ضِمن قائِمة الجماعات الإرهابيّة، ويتَّهِمها، أي الولايات المتحدة، بِدَعم الدَّاعِية التُّركي فتح الله غولن المُقيم على أراضِيها.
الرئيس أردوغان كان الأكثر غَضبًا من مَواقِف الولايات المتحدة هذهِ الدَّاعِمة للانقلاب العَسكريّ الذي استهدف حُكومَته، والتي اختارت، أي أمريكا، الوُقوف في الخَندق الكُردي عندما خيَّرها بين الوُقوف في خَندقِه كحَليفٍ استراتيجيّ، وعُضو في حِلف الناتو لأكثر من 60 عامًا، وبين الأكراد، ولذلك كان مُفاجِئًا للكَثيرين أن يُؤيِّد عُدوانها الثُّلاثي الذي عارَضته أحزابًا وشَخصيّات أمريكيّة وأوروبيّة بارِزة، ونِسبة كَبيرة من المُواطنين العَرب والمُسلمين.
نُدرِك جيّدًا أنّ الرئيس أردوغان لا يَكِن أيَّ وِدٍّ للحُكومة السُّوريّة وللرئيس بشار الأسد، ويَدعم العَديد مِن الفصائِل السُّوريّة المُسلَّحة المُعارِضة لها، ولكنّنا كنا نَتوقّع أن يتَّخِذ مَواقِف أكثر براغماتيّة، ويَقِف إلى جانِب حليفيه الرُّوسي والإيراني على الأقل، في رَفض هذا العُدوان، أو أن يُطالِب بانتظار نتيجة التَّحقيقات التي تُجريها مُنظَّمة مَنع انتشار الأسلحة الكيماويّة، التي وصل مَندوبيها إلى دِمشق لمُباشَرة تحقيقاتِهم في اليوم نَفسِه التي انطلقت فيه الصَّواريخ الأمريكيّة، ثم يُحَدِّد مَوقِفه.
لا نَتوقَّع في هذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم” أن يَقِف الرئيس أردوغان وحُكومته في خَندق الحُكومة السُّوريّة، ولكن، في خَندق حُلفائِه الرُّوس والإيرانيين كحَدٍّ أدنى خاصَّةً في هذا الوَقت الذي يتحدَّث فيه بقُوّة عن وجود مُؤامرة أمريكيّة غربيّة تَستهدِف تركيا ووِحدتها التُّرابيّة والدِّيمغرافيّة وأمنها واستقرارها واقتصادها، ويُحاط بالأعداء حُلفاء أمريكا من كُل جانِب.
هُناك من يُجادِل بأنّ الرئيس أردوغان حاوَل التَّوسُّط بين الرُّوس وحُلفائِهم من ناحِية، والأمريكان من ناحِيةً أُخرى، من خِلال إجرائِه اتّصالات هاتِفيّة مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض قبل الضَّربة، وربّما تكون هذهِ الوَساطة ساهَمت في جَعلِها مَحدودة التَّأثير، وهو جَدلٌ يَحتاج أن يَجري دَعمُه بأدلَّةٍ وشُروحات مُقنِعة، إن لم يَكُن هذهِ الأيّام، ففي الأيّام القَليلة المُقبِلة.
صحيح أن الصَّواريخ والطَّائِرات الأمريكيّة التي نَفَّذت هذا العُدوان لم تَنطَلِق من قاعِدة إنجرليك الجَويّة التُّركيّة، وإنّما من قواعِد أمريكيّة في دُوَلٍ عَربيّة خليجيّة، وهذا مَوقِف إيجابي في حَدِّ ذاتِه، يَستحِق الالتفات، ولكنّه في تَقديرِنا يَظل غير كافٍ خاصَّةً أن الرئيس ترامب سارَع إلى إبلاغ الرئيس التُّركِي بمَوعِد العُدوان قَبل حُدوثِه، ومَحدوديّة أهدافِه، ضِمن مجموعة قليلة من الزُّعماء العالَميين.
الرئيس أردوغان مُطالَب من الكَثيرين الذين أُعجِبوا بالنَّموذج التُّركي في التَّزاوج بين الإسلام المُعتدِل والدِّيمقراطيّة والتنمية الاقتصاديّة الذي وَضع أُسسه، ووضع تُركيا في المَرتبة 16 كأقوى اقتصادٍ في العالم، أن يُجيب على العَديد من تَساؤلات هؤلاء، ونِسبة مَعقولة مِنهم من الأتراك العَرب والمُسلِمين، وتَقديم توضيحات حَوْلَ مَوقِفِه هذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى