شؤون اقليمية

تقرير مترجم عن فورين بوليسي – عودة المنافسة الأمريكية – الروسية في الشرق الأوسط من بوابة سوريا

فورين بوليسي – ترجمات – 9/3/2017

لقد اتسمت السنوات القليلة الماضية بازدياد المنافسة الأمريكية – الروسية في جميع أنحاء العالم. وقد كان التركيز الأساسي في تلك المنافسة على جهود روسيا المستمرة لتحدي منظمة حلف شمال الأظلسي (الناتو)، وإضعاف عزمها، وتخويف جيرانها. وعلاوة على تدخلها في سوريا، قد تلقت طموحات روسيا المتمثلة في إثبات ذاتها بالشرق الاوسط اهتماما أقل بكثير. ولكن في كل نقاش يدور تقريبا هذه الأيام مع المسؤولين الحكوميين في الشرق الأوسط وخبراء السياسة، فهي واحدة من الموضوعات الأولوية التي تثار. وهذا التركيز على العكس تماما مما كان عليه منذ سنتين عندما كان دور روسيا بالمنطقة ثانوي مقارنة بالانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط.

وتعتبر روسيا الشرق الأوسط بمثابة الخارج المقرب لها، ويقع في المراحل الأولى من تنفيذ استراتيجية طويلة الأجل، وذلك في محاولة للعودة بنفسها إلى المكانة القوية والتأثير الذي كانت تملكه بالمنطقة أثناء الحرب الباردة. وتعمل روسيا على تقويض علاقات الولايات المتحدة المتواجدة منذ أمد بعيد في منطقة الشرق الأوسط وإعادة هيكلة النظام الإقليمي وفقا لما يروق لها أكثر. وفي الواقع، لا تختلف استراتيجية روسيا في الشرق الأوسط عن نهجها لتقويض حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في أوروبا.

يذكر أن نقطة الانطلاق الواضحة كانت تتمثل في قرار روسيا بالتدخل في سوريا في خريف عام 2015 بناء على طلب من بشار الأسد. ويعد التدخل تاريخيا، حيث

يمثل المرة الأولى التي تطأ فيه أحذية الروس الأرض لدعم الصراع الدائر في المنطقة منذ دعمهم سوريا خلال حرب 1973 ضد إسرائيل. وقد كانت ناجحة بكل المقاييس، حيث قامت بتعزيز موقف الأسد في سوريا وحماية قاعدته العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط، وتسببت في جعل الجهات الإقليمية الفاعلة تقوم بإعادة التفكير في دور روسيا بالمنطقة وكل ذلك بتكلفة منخفضة نسبيا.

ولكننا بحاجة إلى تجنب الوقوع في فخ التركيز على سوريا. إن الحفاظ على الأسد في السلطة ليس هو المدى الوحيد للطموع الروسي بالمنطقة. وعوضا عن ذلك، يجب على المحللين وصناع القرار دراسة المشاركة الروسية الواسعة والمتزايدة في العديد من دول الشرق الأوسط الأخرى، والتي تسعى روسيا من خلالها لتحقيق أهداف تشمل الاقتصاد والأمن ومكافحة الإرهاب، وتحقيق النفوذ العالمي. وعلى وجه الخصوص، يجب أن يفهم صانعو السياسة الأمريكيين أن روسيا تجرب بنشاط وتسعى للانقلاب على الشراكات الاستراتيجية التي دامت لعقود طويلة، والتي قامت الولايات المتحدة ببنائها مع بعض الحكومات الأكثر أهمية في الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا ومصر وإسرائيل.

جدير بالذكر أنه من بين جميع العلاقات الروسية في الشرق الأوسط، ربما لا يكون هناك علاقة بنفس صخب تلك التي مع تركيا. وأثناء الحرب الباردة، وجد البلدان أنفسهما على طرفين متناقضين عندما انضمت تركيا لحلف شمال الأطلسي في عام 1952. وفي السنوات التي أعقبت سقوط جدار برلين، تحسنت العلاقة وذلك بفضل العلاقات الاقتصادية التجارية القوية. ولكن العلاقات التركية – الروسية أخذت منعطفا حادا في نوفمبر من عام 2015 وذلك عندما أسقطت تركيا طائرة روسية بعد اختراقها للمجال الجوي التركي، مما أدى إلى جمود عميق في العلاقات الثنائية.

وعلى الرغم من أن العلاقات الثنائية لروسيا وتركيا مع الولايات المتحدة توترت، إلا أن كلتا البلدتين قامتا فجأة بالحث على تعزيز العلاقة بينهما، خاصة في سوريا. إن تركيا تتطلع لإبعاد الروس عن الأكراد السوريين في شمال سوريا، وتريد روسيا التخفيف من تركيز تركيا على الإطاحة بالأسد من السلطة. وكلا البلدين قد شعروا بالإحباط تجاه نهج واشنطن فيما يتعلق بالصراع. ولذلك في صيف 2016 التقى أردوغان وبوتين في سانت بيترسبرغ، ويتعاونان حاليا في سوريا في كثير من الأحيان دون أي تشاور مع الولايات المتحدة. وقاموا مؤخرا بالتوصل لوقف إطلاق النار بين نظام الأسد وقوات المعارضة، حيث لم يكن للولايات المتحدة أي دور على الإطلاق، كما قاموا بالبدء في التنسيق لبعض الضربات ضد تنظيم الدولة.

جدير بالذكر أن مصر واحدة من الدول الأخرى التي تشق روسيا طريقها نحوها. ولمدة 25 عام بداية من ثورة عام 1952 التي جلبت جمال عبد الناصر وأنصاره للسلطة وحتى معاهدة كامب ديفيد في عام 1979، كانت مصر هي موضوع المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي من أجل تحقيق النفوذ. ولكن في عهد الرئيس السادات، بدأت مصر في السبعينات بالتحرك داخل الفلك الأمريكي، وهو التحول الذي تأصل في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد، وأصبحت مصر واحدة من شركاء أمريكا الأكثر موثوقية بالمنطقة كما أصبحت قوة دبلوماسية للاستقرار بالمنطقة.

ولكن الفوضى الناتجة عن اندلاع الربيع العربي في مصر منحت روسيا ثغرة جديدة. وفي الوقت الذي انسحبت فيه الولايات المتحدة في عام 2013 في أعقاب استيلاء الجنرال عبد الفتاح السيسي على السلطة وقامت بالتعليق المؤقت للمساعدات

العسكرية في محاولة للضغط باتجاه الإصلاح السياسي، لم يكن حينها لدى الروس مثل هذه الهواجس.

وفي عام 2014 وقعت مصر وروسيا أول اتفاقية رئيسية بينهم للأسلحة منذ الحرب الباردة، ومنذ ذلك الحين تم المضي قدما في متابعة إتمام صفقات إضافية، بينما حافظ السيسي وبوتين على جدول منتظم للقاءات. وقد تقرب المصريون أيضا من روسيا بخصوص الشأن السوري وذلك بحجة السيسي العلنية بأن الاستقرار في هذا البلد يمكن أن يتحقق بشكل أفضل من خلال دعم الأسد. ويقف الروس حاليا إلى جانب المصريين في دعم الدور الرئيسي لخليفة حفتر في الحكومة الليبية.

يذكر أن إسرائيل تعد مثالا آخر، حيث يكتسب الروس تأثيرا عليها، على الرغم من أنه من المؤكد أن العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة لا تزال أساسية بالنسبة للإسرائيليين. ومنذ التدخل الروسي في سوريا، يبدو أن الإسرائيليين والروس قد تفاوضوا على أساس السماح للإسرائيليين بمواصلة القيام بضربات جوية محدودة في سوريا إذا ما قاموا بالكشف عن تحركات للأسلحة المتطورة من دمشق إلى حزب الله في لبنان.

وقد قام نتنياهو كذلك بثلاث زيارات إلى موسكو خلال العامين الماضيين، وهو ما يعد زيادة ملحوظة في العلاقات. ودخل بوتين إلى الساحة التي كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة، من خلال محاولة تدخل طفيفية في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية ومحاولة تنظيم قمة بين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وفي عدد من المناسبات على مدار السنوات القليلة الماضية، حاولت إسرائيل تجنب التدخل بين موسكو وواشنطن في الأمم المتحدة، وهذا يمثل اختلافا واضحا عن النهج السابق للانحياز إلى جانب الولايات المتحدة. وفي خضم أزمة القرم في مارس

من عام 2014، اختارت إسرائيل التغيب أثناء تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الالتزام الإقليمي لأوكرانيا. وبناء على طلب روسيا، غادرت إسرائيل مؤخرا التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القيام بتحقيقات في مزاعم بارتكاب جرائم حرب في سوريا.

يذكر أن عدم الاستجابة لهذه الاستراتيجية الروسية الجديدة ليست مسألة تحزبية. وصناع القرار من اليسار واليمين على حد سواء لم يروا قدوم ذلك وكانوا بطيئين في الرد. وفي الشرق الأوسط، قد طغت إدارة أوباما عن طريق الفوضى الناجمة عن الربيع العربي والحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا، وصعود تنظيم الدولة.

وعندما تعلق الأمر بسياسة روسيا كانت الإدارة معنية أكثر بالتحديات المطروحة في أوكرانيا وفي جميع أنحاء أوروبا. ومحاولة التراجع والكشف عن رد على مثل هذه المسألة الاستراتيجية الرئيسية التي تربط بين نواحي مختلفة من المسؤولية، تعد هي التحدي الصعب للغاية بالنسبة للبريوقراطية بطيئة الحركة والتأثير.

جدير بالذكر أن مهمة صناع القرار الأمريكيين وإدارة ترامب للمضي قدما تعد أكبر ثلاثة أضعاف. أولا وقبل كل شيء، يجب على مجتمع صنع السياسات في الولايات المتحدة (بما في ذلك من مهم داخل الحكومة وخارجها على حد سواء) أن يقوموا بعمل أفضل فيما يتعلق بالتدقيق فيما تقوم به روسيا بالضبط في جميع انحاء منطقة الشرق الأوسط منذ عودة الرئيس بوتين للسلطة في عام 2012. وهذا يعني أن نلقي نظرة قريبة على مجموعة العلاقات المتطورة التي قد تسعى إليها روسيا مع عدد من شركاء الولايات المتحدة وعدم التركيز فقط على سوريا.

ثانيا، يجب على الولايات المتحدة البحث عن فرص للتعاون مع الحكومة الروسية في النقاط التي تتفق فيها مصالح الطرفين. وبالطبع يعد أفضل مثال على التعاون

الروسي الأمريكي في المنطقة هو المفاوضات بشأن الخطة الواسعة المشتركة للعمل، حيث قامت الولايات المتحدة وروسيا بالتعاون بشأن قضية ذات اهتمام مشترك وذلك بهدف زيادة السلامة والأمن بالمنطقة. وليس سرا أن الشرق الأوسط يمكن أن يكون بمثابة المجرى الاستراتيجي، والذي يقوم بدفع الاستثمارات غير المتجانسة للحياة والثروة الأمريكية. وبلا شك قد يكون تقاسم العبء مع قوى خارجية أخرى مثل روسيا، يخفف سياسيا وماليا وعسكريا من الضغط على الولايات المتحدة.

ويشير هذا إلى أن هناك الكثير من الأمثلة التي تتعاون فيها روسيا بنشاط مع شركاء في الشرق الأوسط لتحقيق التوازن ضد مصالح الولايات المتحدة. وهذا يقود إلى المهمة الثالثة، وهي التأكد من أن الولايات المتحدة مستعدة ومجهزة بشكل جيد لمواجهة مثل هذه التحديات. واتسمت الولايات المتحدة بالبطء والخرق عندما قررت روسيا إرسال “الرجل الأخضر الصغير” في أوكرانيا في وقت مبكر من عام 2014. وبالمثل، فوجئوا برؤية التحرك العسكري الروسي داخل سوريا. وفي حين أن صناع السياسة الأمريكيين لا يمكنهم التنبؤ بالمستقبل، فهم بحاجة إلى القيام بالمزيد من التنبؤ والتحليل لتجنب المجالات المتحملة للصراع مع روسيا في الشرق الأوسط.

يذكر أن روسيا قد تدعم تحركا كبيرا نحو الجنوب من قبل نظام الأسد باتجاه الحدود الأردنية – الإسرائيلية، فهل هذا يؤخذ على قوى المعارضة المعتدلة التي أنشأت منطقة عازلة مفيدة للشريكين الأمريكيين الرئيسيين؟ هل يمكن أن تزيد بشكل كبير من مبيعات الأسلحة المتطورة إلى إيران. أم ربما تتحرك باتجاه إملاء أوامرها بشأن العواقب في سوريا وليبيا مع الشريكين الأمريكيين التقليديين، تركيا ومصر في أعقابها، وبذلك يتم إزاحة الولايات المتحدة خارج هذه العملية.

ومن المؤكد أن روسيا لن تسعى لضم أراضٍ في منطقة الشرق الأوسط ولكن يمكنها القيام بتحرك مفاجيء أو سلسلة من التحركات التي من شأنها التقويض بشكل كبير لمصالح الولايات المتحدة ووضع الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع مثلما فعلت سابقا في سوريا.

وفي نهاية المطاف، لن يكون الشرق الأوسط هو الساحة الرئيسية التي تقوم عليها المنافسة الروسية الأمريكية. ولكن اللعب الروسي واسع النطاق في سوريا وخارجها لا يمكن تجاهله.

التقرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى