تقرير عن معهد واشنطن – هل سيتمكن الإسلاميون الجزائريون المنقسمون من الحفاظ على جاذبيتهم كحركة؟
معهد واشنطن – وورلد بوليتيكس ريفيو – ڤيش سكثيفيل – 27/2/2017
قبل موعد الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أيار/مايو، أعلنت الأحزاب الإسلامية المنقسمة في الجزائر عن تشكيل مجموعات جديدة غير مألوفة من الكتل الانتخابية. وهذه التحالفات الجديدة المربكة ليست التكرار الأخير لحساء الأحرف الأبجدية للإسلاميين الجزائريين فحسب، بل تعكس أيضاً القيود المستمرة المفروضة على سياسات الأحزاب الإسلامية، مما يشكّل صورة غير مكتملة للإسلام السياسي في الجزائر.
وأعلنت “حركة مجتمع السلم”، التي تشكّل أكبر حزب إسلامي في الجزائر، عن تحالف جديد مع “جبهة التغيير”، وهي مجموعة انشقّت عن “حركة مجتمع السلم” في عام 2008. وكانت ثلاثة أحزاب إسلامية بارزة أخرى، وهي “البناء الوطني” و”العدالة” و”النهضة”، قد أعلنت في وقت سابق أنها ستشكّل تحالفاً انتخابياً خاصاً بها. ويجدر بالذكر أن “حركة البناء الوطني” هي جماعة أخرى منشقة عن “حركة مجتمع السلم”.
وهذه الانشقاقات قد أربكت الجزائريين، إذ أنها تمثّل الخلافات والمعادلات غير المجدية في صفوف الإسلاميين الجزائريين. وقد فقدت الأحزاب من أهميتها نظراً إلى تهافت كل منها على الادعاء بموثوقيتها وبالتزامها بأيديولوجيتها التأسيسية منذ خروج الجزائر من عقدٍ من العنف في التسعينات.
وفي أعقاب تلك الحرب الأهلية العنيفة، كان على الأحزاب الإسلامية العمل على كبح النفور الشعبي الواسع النطاق من الإسلام السياسي، علماً أن الوعد بالالتزام بهذا الهدف قد تلاشى بعد النزاع. وفي المقابل، فإن الأحزاب الإسلامية القليلة التي حصلت على ترخيص من الدولة اتخذت لنفسها صفة الوفاء ومناصرة التغيير التدريجي. ولكنها تكافح حالياً لكي تُخلص نفسها من الروابط التي تربطها بالحكومة، إذ لم تعد الخطوط الفاصلة بين اعتدالها السياسي واندراجها المتحدي في الجهاز الحكومي واضحة.
وكان لهذه الضغوط تداعيات مختلفة في صفوف الأحزاب الإسلامية الجزائرية، التي تنقسم عموماً بين تلك المناصرة لـ “حركة مجتمع السلم” الحليفة لـ جماعة «الإخوان المسلمين» ومؤسسها محفوظ نحناح وتلك التي شكّلها الزعيم الإسلامي المنافس عبد الله جاب الله في شرق الجزائر.
ولا تزال “حركة مجتمع السلم” وفروعها تترنّح من وفاة نحناح في عام 2003. وقد حشد مؤسس “حركة مجتمع السلم” قاعدته الحزبية في أواخر التسعينات عندما بدا أنّ العنف وانعدام الاستقرار الناجمين عن الحرب الأهلية الجزائرية سيستمران للأبد. وبما أنّ الحزب وضع خططه وخطاباته السياسية أثناء ذلك الصراع، فعند إنتهاء العنف، كافحت “حركة مجتمع السلم” لتصنع لنفسها هوية جديدة ورؤية سياسية مستحدثة. وعندما تعرّضت غالبية الإسلاميين المسلّحين للهزيمة، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا بِمَن ستتمّ مقارنة “حركة مجتمع السلم” على أنها البديل المعتدل؟
وفي أواخر التسعينات وأوائل الألفية الجديدة، اعتُبرت مشاركة “حركة مجتمع السلم” في الحكومة تعاوناً ضرورياً وتصالحياً، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى مفهوم لاستئثار الدولة. ومنذ ذلك الحين، تضاءل الدعم الشعبي الذي كانت تحظى به
الحركة على خلفية فضائح متعلقة بقضايا فساد وبتصورات أن الحركة باتت انتهازية وفقدت التقوى بالإضافة إلى حقائب وزارية غير فعالة وجمود تشريعي.
وظلّت معايير نحناح للمشاركة السياسية غامضة، مما حدّ من مدى إدماج “حركة مجتمع السلم” في مؤسسات الدولة وتأثيرها الديني. وبقيت النقاشات الداخلية حول هذه المواضيع عالقة في ظل قيادة نحناح، مما مهدت الطريق إلى حدوث انقسامات في الحركة بعد وفاته.
وبالنسبة إلى الكثير من الجزائريين، إن “الهيئة التي تدير شؤون الدولة”، أي الشبكة الغامضة من “السلطة” العسكرية والاستخبارية والسياسية والتجارية التي تمسك بزمام الأمور في الحكومة الجزائرية، هي التي عزّزت هذه الاحتدامات الإسلامية. فقد تسبّب تطفّلها في تأجيج الانقسامات، وأدّى إلى تزايد الأحزاب الإسلامية الصغيرة التي انشقّت عن “حركة مجتمع السلم”، مما أفاد النظام عبر إضعاف “حركة مجتمع السلم” وفروعها على حد سواء. وسرعان ما أصبحت هذه المجموعة المتزايدة من الأحزاب الإسلامية تمثّل كافة الاختلالات الواسعة النطاق التي تعاني منها السياسة الجزائرية، سواء تمثلت في نزعتها الإقليمية، أو القبلية، أو في الانشقاقات التي تنم عن الغرور في صفوف الحزب الواحد، أو في فضائح الفساد أو في الشبكات الزبائنية الواسعة الانتشار التي زادت من ثروات قياديي الحركة وأفقدتهم ثقة الشعب.
إلا أنّ الأحزاب التي تشكّلت في عهد جاب الله في شرق الجزائر قد تصدّعت لأسباب مغايرة تماماً. فبدلاً من تبجيل المؤسس، اعتبر الكثير من أولئك القياديين الرفيعي المستوى الذين يضعون نصب أعينهم التقرب من الحكومة، أنّ وجهات نظر جاب الله المتشددة متطرفة للغاية، مما أدّى إلى طرده من الحركتين اللتين أسسهما وهما “النهضة” و”الإصلاح”. ويترأس حالياً حركة ثالثة هي “العدالة”.
وليس هناك فارق إيديولوجي فعلي بين “حركة مجتمع السلم” ومعسكرات جاب الله. إلا أن “حركة مجتمع السلم” كانت قد قدّمت دعمها بشكل غير مشروط لاتفاقيات النظام الجزائري المثيرة للجدل التي أبصرت النور بعد انتهاء النزاعات، بينما انتقدت معسكرات جاب الله هذه الاتفاقات بشكل أكثر صرامةً وإصرار. وقد انتُقدت الاتفاقات التي أنهت الحرب الأهلية الجزائرية لتبرئتها الدولة من الذنب، وإضفائها الطابع المؤسساتي على الإفلات من العقاب، وعرقلتها أي إجراء قانوني يُتخذ بحق الدولة وجهازها الاستخباري النافذ – “دائرة الاستعلام والأمن الجزائرية” – الذي تشير الأدلة أنه لعب دوراً وحشياً في أعمال العنف.
وبالنسبة إلى معظم الشعب الجزائري، ليس هناك فارق إيديولوجي بين مختلف الأحزاب والفصائل الإسلامية وهي تفتقر إلى بعض البرامج السياسية المحددة. فالتناحر والاقتتال الداخلي بينها قد شتتّا القاعدة الناخبة الإسلامية، لصالح الدولة ذاتها التي تدّعي هذه الحركات أنها مناهضة لها. وعُرضت إعادة تشكيل التحالفات الانتخابية التي أُعلن عنها في كانون الثاني/يناير كخطوات نحو التوحيد، إلا أنها في الواقع تعزّز التنافر. ولا تزال أحزاب “حركة مجتمع السلم” اليتيمة مُعارضة بشدة، مما دفعها إلى الانضمام إلى الكتل الانتخابية المعارضة.
ويبدو أن الائتلافيْن الجديديْن للإسلاميين هما محاولات يائسة لاستعادة الأصوات في انتخابات أيار/مايو والحصول على نسبة 5 بالمئة من الأصوات التي تخولهم الحصول على مقاعد نيابية في “المجلس الشعبي الوطني”، أو مجلس النواب [الغرفة السفلى في البرلمان]. إلا أن هناك أمل ضئيل يحدو الصحف الجزائرية في حصول أي حركة إسلامية، حتى إذا شكّلت كتلاً انتخابية موحّدة، على عدد كافٍ من الأصوات، نظراً لأنها شهدت هبوطاً مستمراً في معدلات الأصوات التي حصلت
عليها في جولات الانتخابات الأخيرة. فلم يحصل “الائتلاف الأخضر” – الذي يضمّ الكتلة الانتخابية السابقة لـ “حركة مجتمع السلم” بالإضافة إلى حركتين صغيرتين تابعتين لجاب الله – في عام 2012 سوى على 49 مقعداً من مقاعد المجلس الأربعمائة واثنين وستين، بينما حازت “حركة مجتمع السلم”، التي كانت تخوض الانتخابات بمفردها عام 2007، على 52 مقعداً. وجاءت “حركة مجتمع السلم” في المرتبة الثانية في انتخابات عام 1997، إذ حصلت على 69 من أصل 389 مقعداً، وتفوّقت حتى على حزب “جبهة التحرير الوطني”، التابع للحكومة، الذي جاء في المركز الثالث.
وخلافاً لبعض النظراء الإقليميين لـ “حركة مجتمع السلم” الذين حافظوا على بعض ملامح الغموض لديهم واعتبروها قاعدًة لقوتهم، فإنّ رهان “الحركة” على أن تصبح الخيار البديهي لدى الجزائريين قد جاء على حساب وصمها كحركة إسلامية. وأدت استراتيجية المشاركة المدروسة إلى اعتمادها للبيروقراطية، مما بدّد الادعاءات بطهارة مهمتها.
إلا أنّ جاذبيتها كحركة لم تتلاشى بشكلٍ تام. فكلّ خمس سنوات، تنتظر الصحف الجزائرية والمحللون الدوليون أن يدقّ ناقوس نهاية الإسلاميين الجزائريين، الأمر الذي لم يحصل بعد. فقد تمكّنت الحركات من الاستمرار، ويعود ذلك جزئياً إلى أنّ “الهيئة التي تدير شؤون الدولة” [السلطة] تنوي المحافظة على وجود رمزي للإسلاميين في المؤسسات الحكومية. ولكنه يعود أيضاً إلى وجود الإسلاميين في مناطق لا تنطبق عليها السياسات الرسمية مما يسمح لهم بالمحافظة على حيويتهم وتأثيرهم، كما هو الحال في المساجد، وما يعرف ببرامج القيادات غير الحزبية،
والمهاجع، والاتحادات الطلابية، والفرق الكشفية وغيرها من التجمعات الشبابية المهمة.
وينتظر الإسلاميون الفرصة السانحة للعمل على تحقيق هذه الأهداف. فلا تزال مؤسساتهم الموجّهة غير السياسية التابعة للدولة قوية، وهي تقوم بإرسال الشبان بشكل دوري لكي يحتلوا مراكز القيادة في الحركة. وحتى أن “حركة مجتمع السلم” تمكنت من كسر احتكار الدولة للمجالات المؤثرة مثل الاتحادات الطلابية والفرق الكشفية، وكلتاهما ساهمتا على مر التاريخ في إشراك الشبان في صفوف المؤسسات الحكومية و”جبهة التحرير الشعبية” – الحزب التابع للنظام. وحيثما كان ذلك ممكناً، قامت الحركة بالتأثير على الحكومة المحلية، وتسخير المصالح التجارية المحلية، وعمدت إلى استخدام وسائل غير رسمية أخرى للترويج لجدول أعمالها الإيديولوجي.
وفي نهاية المطاف، وعلى الرغم من الاقتتال الداخلي والتراجع الانتخابي، لم تتعرض بعد الأحزاب الإسلامية الجزائرية للضربة القاضية، وإن كان من المستبعد فوزها في الانتخابات في أيار/مايو. بيد، يبقى أن نرى كم من الوقت سيستغرق لهذه الأحزاب لكي تحاول إعادة بناء قاعدتها وإعادة تشكيل نفسها عبر ضمّ رفاق جدد وغرباء.
*ڤيش سكثيفيل هي زميلة “فوكس” في “معهد أبحاث السياسة الخارجية”. وهي أيضاً طالبة دكتوراه في جامعة أكسفورد، وتكتب أطروحتها حول الإسلاموية في الجزائر، حيث عاشت مؤخراً لمدة عام واحد.