ترجمة خاصة عن مركز دراسات الأمن القومي – ليس هذا وقت إلغاء الاتفاق مع إيران
ترجمة خاصة عن مركز دراسات الأمن القومي – بقلم عاموس يدلين وأفنير غولوب – 10/10/2017
لغاية الـ 15 من أكتوبر، مطلوبٌ من الرئيس دونالد ترامب الاجابة عن سؤاليْن مركزييْن فيما يخص الاتفاق النووي الموقع بين إيران والدول الكبرى في يوليو 2015: هل تلتزم إيران بتعهداتها في الاتفاق؟ وهل الاتفاق يخدم المصالح الأمريكية؟ إذا أجاب الرئيس بالسلب على واحد من هذين السؤالين فسوف يدفع بحوار في الكونغرس الأمريكي حول تجديد جزء من العقوبات المفروضة على إيران والشركات التي تتاجر معها أو جميعها.
مؤخرًا، صرح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بأن الحفاظ على الاتفاق مصلحة أمريكية، رئيس الأركان المشتركة جوزيف دانفورد صرح بأن إيران لا تخرق الاتفاق، ولكن الرئيس يعاود الكرة ويعلن أن الحديث يدور عن اتفاق سيء، وأنه يرغب في إلغائه أو على الأقل فتحه مجددًا للتفاوض مع إيران. كذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو دعا إلى إلغاء الاتفاق أو إصلاحه.
الاتفاق النووي مع إيران بالفعل هو اتفاق إشكالي وينطوي على خطر استراتيجي على إسرائيل على المدى البعيد. رغم ذلك، سيكون من الخطأ التفكير بأن إلغاء الاتفاق لا ينطوي على مخاطر استراتيجية، أن قيادة مسؤولة يجب ان تدرس السيناريوهات المعقولة والواقعية التي يمكن ان تحدث في أعقاب إلغاء الاتفاق وتقديرها بما يتناسب مع وضع الإبقاء على الاتفاق كما هو. على التشريح ان يركز على اسئلة ثلاثة: هل هناك بديل أفضل من الاتفاق؟ إذا كان الجواب إيجابيًا؛ كيف
يمكن ان نعمل على إلغاء الاتفاق أو على الأقل تحسينه؟ وما هو الوقت الأنسب للقيام بذلك؟، الاستنتاج من التشريح هو أنه لا ينبغي في الوقت الحالي إلغاء الاتفاق؛ وإنما ينبغي خلق ظروف استراتيجية مناسبة لإلغائه في المستقبل إذا تقرر ان هناك ما يوجب القيام بذلك، وإيجاد روافع لبديل مستقبلي أفضل.
في مركز دراسات الأمن القومي قدّر الاتفاق بأنه “اتفاق جيد”، لأنه أفضل من البديلين المركزيين (قنبلة إيرانية أو قنبلة على إيران)، والبديلان لهما ثمن باهظ، لذلك يجب الامتناع عن معضلة “القنبلة أو القصف” إلى حين إيجاد جميع البدائل الأخرى لمنع إيران من إنتاج قنبلة نووية، من يوافقون على اتفاق فيينا (JCPOA) يزعمون بأنه أفضل من بقية البدائل، إذ أنه بالفعل يسحب البرنامج النووي الإيراني إلى الخلف لـ “وقت الاختراق” لعام (الوقت المطلوب من أجل إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لإنتاج السلاح النووي) ويخضع البرنامج لقيود صارمة لمدة 10 – 15 عامًا.
في المقابل، فإن منتقدي الاتفاق يحتجون على أنه عمليًا يمهد أمام إيران الطريق للوقوف على العتبة النووية على “مسافة صفر ” من إنتاج القنبلة. في العقد الثاني بعد توقيع الاتفاق، سوف يسمح لإيران بتجاوز العتبة النووية دون أن يكون من الممكن إيقافها، وحسب هذا المنطق فإن الاتفاق يقودنا إلى خيار القنبلة النووية الإيرانية. حالة كوريا الشمالية التي وقعت قبل 20 عامًا على اتفاقيات مشابهة، بينما هي اليوم تتسلح بالقنبلة النووية يعزز هذه الحجة. ويشير معارضو الاتفاق إلى زيادة الموارد التي تمتلكها إيران في أعقاب رفع العقوبات وتسمح لها ببناء قوة عسكرية تقليدية، وسيما الصواريخ البالستية والدفاع الجوي المتطور، وكذلك تمويل النشاطات التخريبية والمقلقلة للاستقرار في الشرق الأوسط، والتي لا يتطرق الاتفاق إليها.
كلا الجانبين (مؤيدي الاتفاق ومنتقديه) يعرضون تشريحًا صحيحًا، لكنه جزئي في نتائجه. على المدى القريب (5 – 8 سنوات قادمة) يخلق الاتفاق واقعًا استراتيجيًا أفضل من خياري “القنبلة أو القصف”، بعدها سيسمح الاتفاق بالتدريج بإيجاد واقع أكثر خطورة فيه تقف إيران على العتبة النووية. في هذا الواقع سيكون صعبًا للغاية، بل ربما غير ممكن منع إيران إذا ما قررت إنتاج سلاح نووي، على ضوء ذلك فإن الوقت الصحيح لدراسة إلغاء الاتفاق أو فتحه ليس اليوم، وإنما قبل رفع القيود عن البرنامج النووي الإيراني بقليل (عام 2023 – 2025). قبل ذلك فالاتفاق أفضل من البدائل الأخرى طالما أن إيران لم تخرقه.
في هذه الفترة يجب التركيز على المراقبة الصارمة على البرنامج النووي الإيراني، ويجب الحرص على ألا تكون إيران أقرب من عام من القدرة على إنتاج السلاح النووي ولجم نشاطاتها التي تعرض المصالح الأمريكية والإسرائيلية للخطر، والتي لا يغطيها إطار الاتفاق النووي: وقف برنامج الصواريخ وضرب المساعدات الإيرانية للتنظيمات الإرهابية والتخريب في المنطقة. بعد ذلك وبالتدريج سيفقد هذا الخيار أفضليته على البدائل الأخرى. لا يجب بلوغ هذا الوضع دون جهوزية، وعند الحاجة سيكون المطلوب استبدال الاتفاق أو حتى إلغاؤه.
يبدو ان الرئيس ترامب يقدّر بأن هناك بديلًا أفضل من الاتفاق على المدى القريب، في الأيام الأخيرة نشر بأنه لا ينوي الانسحاب من الاتفاق، لكنه لا ينوي أيضًا ألا يتأكد للمرة الثالثة من ان إيران لا تلتزم به أو أن الاتفاق يخدم المصالح الأمريكية. ينوي الرئيس على ما يبدو ان يعلن ان إيران تخرق الاتفاق، والبدء في الكونغرس بمناقشة إعادة العقوبات. الكونغرس يستطيع ان يقرر خلال ستين يوم إعادة العقوبات وعمليًا “قتل الاتفاق”.
خيار آخر هو ان يقرر مؤقتًا عدم إعادة العقوبات ومواصلة النقاش، وبالتالي الحفاظ على إطار الاتفاق وعلى “عصا” الإعادة الفورية للعقوبات؛ هذا الخيار يخدم محاولة أمريكا الضغط على إيران لتوافق على إصلاح الاتفاق، بحيث تعالج النقاط الضعيفة فيه: استمرار جهود البحث والتطوير الإيرانيين التي تحسن القدرة على تخصيب اليورانيوم وتختصر زمن إحداث الاختراق باتجاه القنبلة والمراقبة غير الدقيقة للمواقع العسكرية الإيرانية (العلنية وغير العلنية) وكذلك الاستمرار المحدود لتجميد برنامج إيران النووي. نظريًا يدور الحديث عن بديل يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية، لكن ستكون هناك حاجة لخلق ضغط غير مسبوق على إيران، بحيث توافق على كل هذه التغييرات في الاتفاق.
إيران لم توافق على هذه التغييرات في إطار المفاوضات معها، والتي جرت في عهد أوباما. يصعب ان نرى كيف يمكن ان نخلق مثل هذا الضغط اليوم، حيث ان جميع الدول الكبرى – عدا عن الولايات المتحدة – لا تقبل الحجة بأن إيران لا تعمل وفق الاتفاق أو “بروحه”. قبل ان يتشكل ائتلاف صلب بقيادة الولايات المتحدة ويضم الشركاء الاوربيين في الاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) فإن الروافع التي يمكن ان تستخدم للضغط على إيران ستكون ضعيفة أكثر من تلك التي استخدمت خلال المفاوضات في الأعوام 2012 – 2015، من أجل ضمان ضغط فعال على إيران، على هذا التحالف ان يعمل بالتنسيق مع دول أخرى لها علاقات تجارية واسعة النطاق مع إيران (من بينها الهند وتركيا وجنوب افريقيا).
ثمة خطر أيضًا ألا يستطيع الرئيس ترامب السيطرة لوقت طويل على مجلسي الشيوخ والنواب، حيث الأغلبية الجمهورية اليوم تعارض الاتفاق. إلغاء الاتفاق أو فتحه بطريقة أو توقيت غير صحيح قد يخلقان واقعًا تتحرر فيه إيران من قيود الاتفاق،
وتكون طريقها إلى القنبلة حينها ممهدة، بينما واشنطن معزولة وفاقدة لشرعية العمل على ايقافها؛ هذا الوقع خطير، إذ أنه فعلًا سيشدد من معضلة “القنبلة أو القصف”.
تحسين الاتفاق هو خيار يجب السعي إليه على المدى المتوسط – البعيد، لكن فقط بعد خلق الظروف الدولية للضغط على إيران لكي تقبل القيود المقترحة. يجب الضمان انه سيكون من الممكن التحرك ضد إيران إذا ما قررت الانسحاب من الاتفاق أو بدلًا من ذلك الاندفاع المفاجئ نحو القنبلة النووية؛ من أجل ذلك على الولايات المتحدة أن تدشن منذ اليوم معركة دبلوماسية دولية لتشكيل تحالف لتحسين الاتفاق مع حلفائها في أوروبا وآسيا، يجب بلورة توافقات بشأن الإصلاحات المطلوبة في الاتفاق، والاشارة إلى استراتيجية متوافق عليها للتحرك إذا لم توافق إيران على مطلب تصحيح الاتفاق.
على المدى القريب الذي يمثل الاتفاق فيه البديل الواقعي الأفضل، وبالطبع طالما لم يتبلور تحالف لتغيير الاتفاق بعد على الإدارة الأمريكية تركز سياستها على ان إلغاء الاتفاق سيكون نتيجة لقرار إيران أو خرقها الواضح للاتفاق. على المدى البعيد، وعندما يفقد الاتفاق مزاياه المركزية، على واشنطن ان تعمل على تغيير الاتفاق، وفي حال لم يتحقق التغيير فعليها حتى أن تنسحب منه أو حينها تكون قدرة الولايات المتحدة على قيادة تحالف للعمل ضد إيران ضرورية لمنع إيران من إنتاج سلاح نووي.
تأجيل القرار بشأن مستقبل “اتفاق فيينا” لا يفسر بأنه سياسة سلبية أمام إيران، إلى جانب جهود إقامة ائتلاف دولي أمام إيران؛ يجب العمل ضد جميع التحركات الإيرانية السلبية غير المشمولة في الاتفاق. الحجج التي أدلى بها رئيس الحكومة نتنياهو ضد الاتفاق (ان إيران ليست معتدلة سياسيًا، وأنها تطور منظومة صواريخ
بالستية، والإرهاب) هي حجج قوية، لكن أي واحدة منها ليست مشمولة رسميًا في الاتفاق. من المهم – بل ومن الممكن – العمل ضد إيران في جميع هذه المجالات، وخصوصًا انها ليست في إطار الاتفاق النووي.
إدارة ترامب – وهي التي لا تشبه إدارة أوباما – لا تخشى الانسحاب الإيراني من الاتفاق، لذلك فهي تستطيع العمل حثيثًا على دفع قرار جديد في مجلس الأمن يحظر على إيران القيام بتجارب الصواريخ والصواريخ البحرية التي تستطيع في المستقبل ان تحمل رؤوسًا نووية، وكذلك العمل على إحباط أعمال التخريب والإرهاب الإيراني في سوريا واليمن ولبنان والعراق وفرض عقوبات أخرى على النظام الإيراني بسبب دعمه للإرهاب وتجارب الصواريخ التي تعارض قرارات مجلس الأمن والمساس بحقوق الانسان؛ هذا الضغط يمكن ان يخدم أيضًا محاولة مستقبلية لاستبدال الاتفاق النووي باتفاق أفضل.
في المقابل، على الولايات المتحدة وإسرائيل (غير الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران) أن تقدما “اتفاقًا موازيًا” يعتبر ان هذه التحركات الإيرانية ستعد خرقًا بارزًا للاتفاق، وأن تبلورا توافقًا بشأن التحركات المطلوبة للرد على هذه الخروقات. على هذا الاتفاق الموازي ان يتناول تنسيق المجهود الاستخباري في مواجهة برنامج إيران النووي والسياسة الإسرائيلية والأمريكية التي ستنتهج في حال قيام إيران بتجربة سرية أو علنية لإنتاج السلاح النووي، وبلورة خطة لبناء قدرة إسرائيلية مستقلة لمواجهة هذا السيناريو، وأخيرًا على الاتفاق ان يشمل سياسة مشتركة ضد التهديد الإيراني غير النووي على إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
على المدى البعيد في مواجهة إيران، فإن إصلاح الاتفاق وإطالة المدة التي يعتبر فيها الخيار المفضل يجب ان يكون هو الهدف الإسرائيلي – الأمريكي. من أجل
تحقيق هذا الهدف، ومن أجل مواجهة التهديدات الكامنة فيه؛ هناك حاجة إلى معركة دبلوماسية استباقية، وبالتنسيق الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة. في إسرائيل هناك رغبة في استغلال إصرار الرئيس ترامب للعمل على استبدال الاتفاق أو عند الحاجة لإلغائه. إلى ذلك، من المهم القول بأن أي خطوة متهورة قبل تهيئة الظروف الدولية المناسبة سيضع الدولتين أمام تهديدات خطيرة أكثر حتى من تلك النابعة اليوم من الاتفاق، وسيعرض للخطر إمكانية التقدم باتجاه هدفهما المشترك: منع إيران من انتاج السلاح النووي.
اطلس للدراسات