شؤون اقليمية

ترجمة خاصة عن مركز دراسات الأمن القومي – العلاقات الإيرانية – الأمريكية بعد إقامة حكم ترامب

ترجمة خاصة عن مركز دراسات الأمن القومي – بقلم الداد شبيط وسيما شاين وآنا كوهين – 7/3/2017

علاقات النظام الأمريكي الجديد وإيران تسير على طريق التصادم، حتى قبل الأيام التي سبقت تأدية الرئيس ترامب القسم. تجارب الصواريخ التي أجرتها إيران (29 يناير 2017) بعد دخوله المنصب بأيام قليلة أدى إلى رد فعل فوري، وإن لم يكن مختلفًا في جوهره عن رد فعل الرئيس أوباما؛ عقوبات بحق 13 شخصًا و12 شركة على علاقة بصناعة الصواريخ، بما في ذلك جهات من الحرس الثوري الإيراني (قائمة كانت معدة مسبقًا على ما يبدو)، مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين قرر (3 فبراير) ومن دون ان يفصل أن “إيران تحت التحذير”، وأكد وزير الدفاع بعد هجوم للحوثيين في اليمن – والمدعومين من قبل إيران – على سفينة سعودية ان إيران هي الدولة الداعمة الأكبر للإرهاب في العالم.

إيران من جانبها تبنت المسؤولية بالتالي عن التجربة الصاروخية، ولكنها أكدت على أنها لا تخرق قرارات مجلس الأمن، وأنها جزء من برنامج تجاربها السنوي، كما دعت النظام الجديد إلى عدم استغلال التجربة لكي يزيد من شدة التوتر بين البلدين، إلا انها أكدت ان خطوات الولايات المتحدة سيرد عليها بخطوات مشابهة من طرفها. في ذات الوقت تستمر إيران بإجراء سلسلة من التدريبات التي تعتبرها جزءًا من برنامج عملها السنوي، ولكن من المتوقع ان هذا أيضًا محاولة لتحديد الحقائق واختبار ردات فعل الولايات المتحدة.

على المستوى العلني، حرص النظام الإيراني في الأيام التي تلت تعيين ترامب على انتقاء التصريحات المعتدلة نسبيًا وعدم الخروج برسائل بارزة ضده، علي أكبر ولايتي المستشار السياسي للقائد الأعلى خامنئي تطرق إلى تصريحات ترامب، وأكد ان إيران “لا تأخذ تصرفات ترامب على محمل الجد”، رئيس منظمة الطاقة الذرية أيضًا أكد أن على إيران أن تعمل بحكمة وأن تؤسس أمام الولايات المتحدة لاستراتيجية معتدلة، خامنئي ذاته شكك (16 فبراير) بجدية تهديدات ترامب بالتحرك عسكريًا ضد إيران، وزعم ان الحرب الحقيقية “للعدو هي على المستوى الاقتصادي، ويراد منها جعل الشعب ييأس من الثورة”.

الخطاب الإيراني المعتدل نسبيًا عبرت عنه أيضًا أحداث “يوم الثورة”؛ فإلى جانب الدعوات التقليدية “الموت لأمريكا” والدوس على علميْ الولايات المتحدة وإسرائيل، برزت هذا العام شعارات ميزت بين ترامب ونظام الحكم في الولايات المتحدة وبين الشعب الأمريكي. الرئيس حسن روحاني أيضًا زعم ان المقصود هو “مبتدئ سياسي” في معرض رده على “تهديدات” ترامب، وأكد انها سيرد عليها بـ “رد مناسب”. التفرقة بين ترامب والشعب الأمريكي تنعكس أيضًا في الخطاب الإعلامي الإيراني، عدد من المقالات الافتتاحية تطرقت إلى مشاركة المنتخب الأمريكي في بطولة المصارعة الدولية التي عقدت مؤخرًا في إيران، وأكدت على أن تعامل الإيرانيين مع المنتخب الأمريكي أثبت ان الشعب الإيراني ليس له أي مشكلة معه.

من جهة النظام الأمريكي، يبدو انه ورغم الوقت القصير الذي مرّ منذ بدء تعيين ترامب، فإن سلوكه العلني على الأقل يعكس تغير الملامح التي كانت معروفة في السنوات الأخيرة بخصوص التعاطي مع إيران، ذلك مع التأكيد على اعتماد خط التصادم والتهديد خطابيًا على الأقل – على ما يبدو – في محاولة لتأسيس فهم لدى

الإيرانيين انه وبخلاف فترة رئاسة أوباما فإن نظام ترامب لا ينوي ان يمر مرور الكرام على خطوات إيران المتحدية؛ هذا الخط يعكس الاعتقاد بأنه بهذه الطريقة سيكون من الممكن تحسين الردع الأمريكي، وكذلك الإثبات للعالم قاطبة ان الانتقادات التي وجهها ترامب خلال المعركة الانتخابية لتصرف نظام أوباما تجاه إيران ستترجم سريعًا إلى سياسة أمريكية جديدة.

في ذات الوقت بدى جليًا ان النظام حذر في تعاطيه مع الاتفاق النووي، وواضح انه لم يكرر تصريحات ترامب عشية الانتخابات بأنه سيعمل على إلغائه. يبدو ان النظام يحاول التفريق بين التعاطي والرد على الاتفاق وبين ردوده على تصرف إيران في الشرق الأوسط؛ بهذا الخصوص في تقرير البيت الأبيض حول حوار ترامب مع ملك العربية السعودية أُكد ان “الزعيمين اتفقا على الحاجة إلى التطبيق الصارم للاتفاق”، على ما يبدو انه تبلور تفاهم بأن الاتفاق سيبقى على حاله، وعلى ما يبدو أيضًا فإن تلك هي رغبة السعوديين كذلك.

يبدو انه أيضًا وبعد الخطوات التي قد اتخذها النظام فإنه ما يزال في بداية عملية بلورة سياسة بعيدة المدى أمام إيران، الهدف الذي وضعه النظام سيركز على ما يبدو على تقليص نفوذ إيران الإقليمي، من خلال تعميق ردعها من اتخاذ خطوات جريئة ومن خرق الاتفاق النووي، بهذا الخصوص سيضطر النظام إلى مواجهة تعقيدات التحديات الماثلة أمامه، وعلى رأسها:

– الحاجة إلى إنفاذ تصريحاته الصلبة بخطوات راسخة تثبت جدية توجهه، واضح للنظام ان الامتناع عن ذلك سيقدم على انه وعاء فارغ، وسيأتي في الحقيقة بنتائج عكسية ضده. الولايات المتحدة تستطيع بكل تأكيد ان تستخدم قوتها العسكرية ضد أهداف إيرانية و/ أو أهداف حلفائها، رغم ذلك نشكك في جهوزية النظام، وسيما في

هذه المرحلة من ولايته للانجرار لتدهور سريع، وهو سيناريو مرجح في حال حدوث التصعيد العسكري.

– سيناريو محتمل حقًا، وهو تشديد العقوبات الأمريكية في المجالات التي لا علاقة لها بالنووي، سواء من خلال المراسيم الرئاسية أو من خلال التشريع في الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون. رغم ذلك ومن أجل تشديد العبء على إيران، سيكون النظام بحاجة إلى إقناع الأوروبيين وروسيا بالانضمام، وهي خطوة لن تحظى بدعمهم، لأن هؤلاء لن يريدوا أن يغلقوا مجددًا الباب الذي تم فتحه للاستثمارات في إيران مع التوقيع على الاتفاق النووي.

– محاولة دق إسفين بين روسيا وإيران من خلال إقناع الروس بإبعاد إيران عن التدخل في سوريا، مقابل تنازلات أمريكية في الأمور المهمة لروسيا. إنها مهمة صعبة في ظل ارتفاع التعاون العسكري القائم بين روسيا وإيران في سوريا درجة، وأكثر من ذلك في العراق أيضًا في الحرب على “داعش”، إسهام إيران يبدو ضروريًا أكثر من أي وقت مضى، ولا يبدو ان الولايات المتحدة تريد ان تخاطر بمنجزاتها على هذه الجبهة، الروس أيضًا يعودون ويؤكدون أنه سيكون من الخطأ استثناء إيران من التحالف الذي أقيم لمحاربة “الإرهاب الإسلامي”.

إيران من ناحيتها غير معنية بتشديد التوتر، ولا يبدو أنها ستختار – على الأقل في الوقت الحالي – أن تعتمد خطًا مختلفًا وأكثر عدوانية ممّا سلكته لغاية الآن، مهمة روحاني الأساسية في الأشهر القريبة القادمة ستكون منع تفاقم الصراع الداخلي في إيران، التهديدات المتزايدة من قبل نظام ترامب بحق إيران من شأنها ان تعزز قوة المعسكر المحافظ المتطرف في إيران الذي عارض الاتفاق النووي وزعم طوال الوقت أنه ليس من الممكن تصديق الولايات المتحدة، وفي المقابل يضعف معسكر روحاني

الذي حاول دفع سياسة الانفتاح على الغرب، هذه القضية ستقف على ما يبدو في مركز تصرف مختلف الأطراف في إيران في الأشهر القليلة التي بقيت للانتخابات الرئاسية، والتي ستجرى في مايو 2017.

تطرف الخطاب في إيران في أعقاب تشدد آخر بردود الفعل الأمريكية من شأنه ان يدفع الرئيس روحاني إلى تبني خطاب وخطوات تنازعية من طرفه أيضًا خشية ان يقدم على انه خضع للأمريكيين وعلى أنه شخص باءت سياسته بالفشل، يبرز بهذا الشأن انه وللمرة الأولى منذ سنوات ان المعسكر الإصلاحي اضطر إلى الوقوف بجانب النظام في مواجهة تهديدات الولايات المتحدة من خلال التصريح بأنه في ظل وجود تهديد خارجي فالشعب الإيراني جاهز للتوحد.

ملخص

تغيير قواعد اللعب الأمريكية أمام إيران – النجاح في تقليص نفوذها الإقليمي من دون الانجرار إلى مواجهة، ومن دون ان تقوم إيران بأعمال انتقامية (بخلاف الردع) – يستلزم بلورة استراتيجية موسعة، تبدو لغاية الآن صعبة المنال، بالنظر إلى التحديات المعقدة التي ستضطر الولايات المتحدة إلى الرد عليها.

بشكل عام، أمام سياسة النظام الأمريكي ستركز إيران على جهود إبقاء مكانتها الاقليمية وقدرتها على المواصلة وتطوير قدراتها النووية، بما يتوافق والتفاهمات التي تحققت في إطار الاتفاق النووي، ربما يحقق الخط الهجومي الأمريكي “ردعًا موضعيًا” على هيئة الكف عن الخطوات الجريئة البارزة في الوقت الحالي، لكن ومع الوقت، وفي حال تضاعفت الضغوط من جانب الولايات المتحدة ستزداد بالتالي القيود على روحاني، وسيضطر وبخلاف رغبته ان يتبنى مطالب المتطرفين.

النظام الأمريكي الجديد وإيران يواصلان – كلٌ من جهته – دراسة خطوات الطرف الآخر من دون ان تكون لهما مصلحة في التدهور إلى العنف، الذي من شأنه ان يقلقل الاستقرار في منطقة الخليج، وأن يضع تحت الاختبار الإصرار على إنفاذ تصريحاتهم. رغم ذلك التوتر أيضًا على مستوى التصريحات، التي ليس من ورائها توجه عملي، من شأنها ان تقود إلى تدهور سيقع في أعقاب حسابات خاطئة يقوم بها أحد الطرفين بخصوص توجهات الطرف الآخر.

القيود المعقدة والتحديات التي يقف نظام ترامب في مواجهتها عند عزمه بلورة سياسة أمام إيران يلزم إسرائيل بأن تركز الحوار الذي سيجري بينها وبين الولايات المتحدة على الطرق الممكنة لتحقيق الأهداف المركزية التالية: تغيير سياسة إيران في الشرق الأوسط، وعلى المستوى العالمي منع تآكل التزام إيران بالقيود التي يمليها عليها الاتفاق النووي، وكذلك الاستعداد لعهد ما بعد انتهاء سريانه.

على إسرائيل ان تسعى جاهدة لأن تركز السياسة الأمريكية على مجهود تعزيز المكونات المعتدلة في المنظومة السياسية الإيرانية، وعلى رأسها الرئيس روحاني، وألا تكون دمية في يد المتطرفين. للجمع الصحيح بين خطوات الردع من ناحية والانفتاح من جهة أخرى، والتي ستنفذ بالتعاون مع جهات دولية أخرى، ستكون هناك فرصة للإثبات لروحاني – الذي يبدو ان لديه الفرص الجيدة للفوز ثانية في الانتخابات – بأنه شخصيًا، وإيران عمومًا، لديهم الكثير ليخسروه بسبب تكسير الأواني في وجه نظام ترامب.

أطلس للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى