شؤون اقليمية

التطرف في البلقان ـ الدور التركي بدعم الإسلام السياسي

وحدة الدراسات والتقارير  “14” – 17/12/2020

فرض التاريخ تشابكات سياسية لم تستطع البلقان التخلص منها ولعل أبرزها االنفوذ التركي الطامع في استعادة الإرث العثماني بالمنطقة، إذ تضطلع مؤسسات أنقرة بأدوار إنمائية واجتماعية تثير الجدل حول استقلالية القرار البلقاني ومدى قدرة الإدارات السياسية للمنطقة على مواكبة تكتل اليورو الذي تسعى للانضمام إليه.

وأنتجت السياسات الخارجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو دول البلقان مناخًا مواتيًا للدول الصديقة لممارسة دورًا مشابهًا في إطار الأجندة الدولية الداعمة لتيارات الإسلام السياسي، وأبرز هذه الدول كانت قطر التي تستغل برامجها الخيرية والاقتصادية للتواجد في المنطقة.

النفوذ التركي في البلقان

كثفت تركيا علاقتها بدول البلقان منذ التسعينيات عقب حروب الاستقلال عن يوغوسلافيا معتمدة على التاريخ السابق للعثمانيين بالمنطقة بالتوازي مع الكثرة العددية للمسلمين بما يتماشى مع رؤية أردوغان الخارجية والتي يروج له كزعيم لمسلمي العالم، فضلا عن عدد من الأتراك يعيشون بالمنطقة.

أولا: النفوذ المؤسسي لتركيا في البلقان

تبلورت العلاقة السياسية بين تركيا والبلقان في 1996 مع تأسيس (منظمة التعاون في جنوب شرق أوروبا) المعروفة بـ(SEECP) والتي تضم علاقات تعاون بين أنقرة وألبانيا والبوسنة وبلغاريا ومقدونيا وكوسوفو والجبل الأسود وصربيا وغيرهم من دول المنطقة، واستطاعت المنظمة في 2008 تطوير مجلس تعاون إقليمي يمول جزئيًا من الاتحاد الأوروبي لدعم تلك الدول وتحسين اقتصادها.

وتضطلع المؤسسة بتحسين الجوار بين تركيا والبلقان وكذلك الاتحاد الأوروبي، إذ تزعم أنقرة مساعدتها عبر المؤسسة لانضمام الدول إلى تكتل بروكسل، كما يعول البعض على المؤسسة في انضمام بعض الدول إلى حلف الناتو كمقدونيا الشمالية وألبانيا والجبل الأسود.

أن الرؤية الموازية لهذه الجهود التركية يُنظر لها أحيانًا –في إطار SEECP– كنوع من الاحتواء الشكلي من أوروبا لمنطقة البلقان ويظهر ذلك في الانضمام للناتو كخطوة مضادة للتحركات الروسية بالمنطقة.

ثانيًا: الشراكة الاقتصادية لتركيا في البلقان

عضدت تركيا تواجدها بالداخل عبر دعم الاقتصاد والاستثمار في مناحي مختلفة أبرزها الطاقة والشؤون العسكرية والعقارات، ففي أبريل 2020 وافق برلمان ألبانيا على اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين والمتضمنة دعم مالي كبير يوظف في مجال التسليح وبناء الجيش الألباني، كما أن خط أنابيب الغاز ترك ستريم المار عبر منطقة البلقان من روسيا وتركيا حتى أوروبا يلعب دورًا في استثمارات أنقرة بقطاعات الطاقة.

ثالثًا: الدعم الطبي للبلقان

عملت تركيا على استثمار أزمة انتشار فيروس كورونا لمزيد من التقارب، فوكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) أو(TIKA) قدمت إعانات صحية على شكل مستلزمات طبية عاجلة للبوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا، كما أسهمت في استقبال مرضى من البلقان لعلاجهم بأنقرة، وقد أعلنت وكالة التعاون في 9 يناير 2020 أنها نفذت 900 مشروع في البوسنة منذ انتهاء الحرب، وذلك بحسب وكالة الأناضول.

رابعًا: تركيا تمول المساجد في البلقان

تبقى النواحي الاجتماعية والتعليمية والثقافية أهم  وأخطر الملفات التي تُعنى بها أنقرة في البلقان، وأبرزها تشييد المساجد وتجديد التاريخي منها، ففي 4 مايو 2019 أفادت شبكة بي بي سي بإعادة البوسنة افتتاح مسجد (Aladza) بعد 30 عام تقريبًا من تدميره خلال حرب الانفصال عن يوغوسلافيا في التسعينيات، وذلك بمساهمة مالية تركية ضخمة، وافتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 2015 بعاصمة ألبانيا تيرانا مسجدًا ضخمًا تكلف تشييده حوالي 30 مليون دولار.

تسبب التمويل التركي للمساجد في إثارة جدال في كوسوفو حول التأثير على شقي المجتمع سواء الساسة أو الطبقات الشعبية، فطبقًا للجارديان في 2 يناير 2019 هدد المواطنون الغاضبون بقتل مفتي البلاد إذا قبلت الحكومة الاستمرار في بناء مسجد بريشتينا المركزي على الطراز العثماني بمساعدة تركيا معتبرين إياه غزو جديد.

واستمرت الحكومة في بناء المسجد رافضة رغبة الكثيرين بالتوقف عن جلب المال التركي إلى المؤسسات الدينية باعتبارها دولة داعمة للإسلام السياسي ما أجج غضب الشارع، ففي يوليو 2020 نظم الغاضبون مظاهرات حاشدة بالعاصمة لإيقاف تمويل المشروع وفي ذات الوقت تصرح صحافة تركيا بأن الرئيس هاشم ثاتشي مُرحب ببنائها للمسجد ويدعمه.

خامسًا: السيطرة على قطاع التعليم

نجح أردوغان في تعظيم نفوذه في المجال التعليمي بالبلقان وبالأخص في البوسنة والهرسك من خلال توسيع تدريس اللغة التركية بالمعاهد والمدارس، إذ وصلت اللغة في البلاد لتكون الأولى بين اللغات الأجنبية التي يُقدم الطلاب على تعلمها بالبلاد.

التأثير التركي على القرار البلقاني

يظهر تحكم أنقرة في القرار السياسي للبلقان في إرغام المسؤولين على ترحيل المعارضين لأردوغان من حركة فتح الله جولن أو تسليمهم لبلادهم، ففي ألبانيا استطاعت الاستخبارات التركية نقل هارون سيليك إلى إسطنبول في يناير 2020 بعد أن ألقي القبض عليه في ألبانيا في 2019 بتهمة السفر من كازاخستان إلى كندا عبر تيرانا بوثائق مزورة، ما عرض الحكومة الألبانية لاتهامات واسعة حول ترحيل المعارض التركي ولكنه بررته بطرد مواطن تسلل بالمخالفة للقانون.

وأغلقت ألبانيا في سبتمبر 2020 ثلاث مدارس بحجة إداراتها من قبل حركة فتح الله غولن، ومن جانبه احتفى الإعلام التركي بهذا القرار لتعامله مع الحركة كإرهابية وتحميلها مسؤولية الانقلاب الفاشل، وفي ديسمبر 2019 ألقت السلطات البوسنية القبض على مدير مدرسة يدعى فاتح كسكين لارتباطه بحركة فتح الله غولن، وفقًا لموقع (Balkan Insight)، بما يؤشر على نفوذ تركي واسع في البلقان.

النفوذ القطري بالبلقان

ارتبط النفوذ التركي في البلقان بإتاحة الفرصة لقطر كي تستخدم أدواتها للنفاذ إلى الداخل، وتبقى مؤسسة قطر الخيرية الشاهد الأبرز على هذا المنحى، إذ تعمل المؤسسة داخل دول المنطقة منذ عقود ولها مكاتب رئيسية في ألبانيا وكوسوفو افتتحتهم في 2002 .

ويعد مكتب قطر في كوسوفو هو الأكبر وسط البلقان باستثمارات داخلية يوفرها وصلت قيمتها إلى 68 مليون دولار، وتستحوذ المراكز الدينية والثقافية على النسب الأكبر من الدعم المقدم للملفات المختلفة مثل دعم الفقراء أو توفير المياه والغذاء والاحتياجات الأساسية

ووفرت جائحة فيروس كورونا  فرصة لقطر للتوسع في المنطقة وبناء اتفاقيات مع الساسة، ففي كوسوفو وقع وزير الصحة أرمند زماج مع سفير قطر، علي بن حمد المري اتفاقًا لإمداد البلاد بالأجهزة الطبية اللازمة لمساعدتها على مواجهة الفيروس، بيد أن قطر الخيرية قد تبرعت في يونيو 2020 بثلثمائة الف دولار للمجال الصحي بالبلاد.

الخلاصة

لقد جمعت تركيا مابين الشراكة مع دول البلقان وبين التأثير على صنع القرار السياسي في دول البلقان، وقد نجحت تركيا جيدا في التغلغل باتباع سياسات ناعمة في المؤسسات والمجتمعات لدول البلقان، والتي تعتبر الحديقة الخلفية الى دول أوروبا. في الوقت الذي تقدم به تركيا الى جانب قطر التمويل المالي الى عدد من المساجد والمراكز، هي تدعم في داخلها عدد من مراكز التطرف. وبالتوازي مع التغلغل التركي هناك ايضا منافع اقتصادية حققتها تركيا في البلقان من خلال الحصول على العقود والاستثمارات. ربما  دول “البلقان” مازالت دول منسية في ضوء تزايد التهديدات الى أوروبا، لكن بدون شك تبقى موضع اهتمام دول اوروبا في قضايا الهجرة والتطرف والإرهاب. من المتوقع ان يستمر النفوذ التركي في البلقان في غياب الاهتمام الاوروبي والدولي .

*المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات .

مراجعة ـ  نهى العبادي

الهوامش

Turkish aid agency carried out 900 projects in Bosnia

https://bit.ly/33xkEyY

Bosnian war: Aladza Mosque reopened after 1992 bombing

https://bbc.in/3ltnlrL

Turkey’s gift of a mosque sparks fears of ‘neo-Ottomanism’ in Kosovo

https://bit.ly/3qnPGTO

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى