الانتخابات الرئاسية التركية المبكرة: الدوافع والمآلات
بقلم: آيه عبد العزيز، المركز العربي للبحوث والدراسات ١٩-٤-٢٠١٨م
أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مبكرة في 24 يونيو/ حزيران 2018، بعد إجراء اجتماع مع قائد “الحركة القومية”، بالتزامن مع مرور عام على إجراء الاستفتاء الدستوري في تركيا، وفي خطوة مبكرة اقترح رئيس حزب الحركة القومية المعارض “دولت بهشتلي”، والمتحالف مع حزب “العدالة والتنمية” لخوض الانتخابات المقبلة في إطار تحالف انتخابي واحد، يوم الثلاثاء الموافق 17 أبريل/ نيسان 2018، بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى 26 أغسطس/ آب 2018، بدلاً من 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
والجدير بالذكر؛ ’’يعد “دولت بهشتلي” رئيس ثاني أكبر الأحزاب التركية المعارضة، الذي أعلن دعمه المطلق للرئيس التركي “رجب أردوغان” في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما إنه دعا لإجراء انتخابات مبكرة في 2002، ثم كان مقترحًا لتحويل أنقرة من نظام برلماني إلى رئاسي‘‘(1).
ردود الفعل المثارة داخليًا
أثار هذا المقترح جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية الحزبية، حيث أعلن سابقًا الرئيس التركي وزعيم الحزب الحاكم “رجب طيب أردوغان” أن التعديلات التي أسفرت عن الاستفتاء الأخير في 16 أبريل/ نيسان 2017 ستطبق بالكامل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي بموجبها سيتحول النظام السياسي التركي من برلماني إلى رئاسي، مانحًا الرئيس “أردوغان” سلطات سياسية وتنفيذية أوسع. فيما أشار نائبه “بكر بوزداج” أن المؤسسات الرسمية ستقيم هذه الدعوة(2)، وسيعقب ذلك ببيان بهذا الشأن.
في حين علق نائب رئيس حزب “الشعب الجمهوري” “بولنت تيزجان” أبرز أحزاب المعارضة على فكرة تقديم موعد الانتخابات؛ بإنهم جاهزون لهذا التحدي، حيث تعاني أنقرة من العديد من التحديات اقتصادية وسياسة، تعجز الحكومة الحالية عن إداراتها بكفاءة وفعالية للخروج من وطئتها(3). في حين أعرب حزب “الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة عن استعداده لخوض هذه الانتخابات، وقبوله التحدي.
دوافع التعجيل المبكر بالانتخابات
على الصعيد السياسي: ترجع أسباب التعجيل بإجراء الانتخابات المبكرة وأن كانت في ظاهرها دعوة فردية من قبل أحد قادة الأحزاب إلا إنها تتزامن مع الوضع الحرج الذي تشهده البلاد إبان الانقلاب العسكري وما تبعه من تراجع الاستقرار السياسي رغم إحكام الحكومة قبضتها الأمنية على الأوضاع. بجانب انتشار الجيش خارج حدود أراضيه للقيام بعمليات عسكرية في سوريا والعراق جاءت أخرهم في مدينة “عفرين” .
على الصعيد الاقتصادي: تدهور الأوضاع الاقتصادية؛ حيث يتعرض الاقتصاد التركي لسلسلة من الأزمات رغم الإجراءات الاستباقية التي قامت بها الحكومة الحالية، نبعت هذه الأزمات من العجز في التجارة الخارجية، وميزان المعاملات الجارية. فقد تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى ما قيمته 511 مليون دولار، خلال فبراير/ شباط الماضي وفقًا لمؤشرات البنك المركزي ، علاوة على هروب رؤوس الأموال الأجنبية بما قيمته 779 مليون دولار . بينما بلغ حجم الصادرات 2.5 مليار دولار ، ارتفع حجم الواردات إلى 9 مليار دولار، وذلك في الربع الأول من العام الجاري. فيما غادر ما يقرب من 70 علامة تجارية عالمية خلال 3 أعوام الماضية. الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على قيمة الليرة التركية. جاء ذلك نتيجة فرض حالة الطوارئ الذي افسد بيئة الاستثمار ، بجانب حالة عدم الاستقرار الأمني(4).
على الصعيد الخارجي: يحاول “أردوغان” استعادة شرعيته داخليًا، مستغلاً انتصاراته الخارجية، وتقدمه كفاعل مؤثر في العديد من الملفات الإقليمية المثارة. بالتزامن مع توطيد حكمه داخليًا للانطلاق أكثر بدون قيود، وتحقيق أطماعه التوسعية والنابعة من استعادة أمجاد الدولة العثمانية. علاوة على تحركها وفقًا لفكرة العمق الاستراتيجي باعتبار أنقرة دولة مركزية يمكنها التحرك في اكثر من إطار باعتبارها جزء من آسيا، والشرق الأوسط، والعالم الإسلامي. وهو بالفعل ما أكده “أردوغان” في بداية العام الحالي، موضحًا أن ضمان مستقبل أنقرة مرهونًا بحل مشاكل المنطقة.
الإجراءات الاستباقية للانتخابات الرئاسية
هيمنت الانتخابات والتحضير لها على المشهد السياسي الداخلي وذلك بعد الاستفتاء الدستوري. بدأت الحملة الانتخابية بشكل غير رسمي لحزب “العدالة والتنمية” عبر إجراء المؤتمرات على مستوى المناطق والولايات بجانب تغييرات واسعة في قيادات الحزب المحلية، ورؤساء البلديات التابعة للحزب، مع تكوين تحالف بعرف باسم “تحالف الجمهورية” مع حزب “الحركة القومية”.
وعلى الجانب الأخر استمرت عمليات الاعتقال للعسكريين والأكاديميين والمدنيين بتهمة التورط في محاولة الانقلاب التي شهدتها أنقرة في يوليو/ تموز 2018، جاءت أخرها في مارس/ أذار 2018 بإصدار النيابة قرار اعتقال 25 عسكريًا يعملون بالإدارة العامة لقوات الدرك. جاءت قرارات الاعتقال ضمن الحملة الأمنية على 9 مدن تركية مركزها أنقرة. تزامنت هذه الحملة مع التدخل العسكري في “عفرين” التي بدأت في 20 يناير/ كانون الثاني 2018 وذلك لتوجيه رسالة رادعة للمعارضين في صفوف الجيش لهذا التدخل(5).
في المقابل؛ دعا حزب “الخير” المعارض المنبثق عن حزب “الحركة القومية” أحزاب المعارضة التركية للتصدي لـ”أردوغان” عبر تشكيل تحالف من قبل أحزاب المعارضة يقضي بتقديم كل حزب مرشحه في الجولة الأولى، على أن تقوم كافة أحزاب المعارضة بتدعيم المرشح الذي سيصل في الجولة الأخيرة(6).
تحديات “تحالف الجمهورية”
يواجه التحالف عدد من التحديات التي تقف عائق أمام استمراريته في الحراك السياسي التركي، يرجع ذلك لعدد من العوامل وأهمها مخاوف الحزب الحاكم من خسارة قاعدة ناخبيه من الأكراد في جنوب شرق تركيا. لذا فإن تكلفة التحالف ستكون باهظة نظرًا لأن أصوات الأكراد كانت بالغة التأثير في تمرير التعديلات الدستورية الأخيرة، خاصة مع في إطار رفض المدن الكبيرة هذه التعديلات.
فضلًا عن انخفاض شعبية “الحركة القومية”، وانشقاق بعض أعضاءها مثل “ميرال أكشنار” التي أسست حزب “الخير” المعارض لحكومة “أردوغان” خارج سياق “الحركة القومية”، الأمر الذي دفع “بهشتلي” سابقًا بالمطالبة بتحفيض حجم الحصة المخصصة لدخول الأحزاب”العتبة الانتخابي” إلى البرلمان، إذ يجب أن يحصل كل حزب على 10% من الأصوات للدخول إلى البرلمان، وإلا سيخسر كافة مقاعده(7).
والجدير بالذكر، شكل حزب “الحركة القومية” في الانتخابات البرلمانية في 2015 رابع أكبر كتلة من حيث عدد المقاعد بحصوله على 11.9% من الأصوات(8).
السيناريوهات المحتملة
في هذا الحراك السياسي الذي تشهده أنقرة في أعقاب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، من المتوقع أن تأثير بشكل كبير على السياسة الداخلية والخارجية حتى في ظل فوز “أردوغان” أو أحد منافسيه. يرجع ذلك تحول النظام إلى رئاسي، بالإضافة إلى الصلاحيات التي مُنحت للرئيس عبر التعديلات الدستورية الأخيرة ، حيث منكته من التحرك بدون قيود على كافة الصعدة وأن كانت هناك رقابة من قبل البرلمان، إلا إنها منح الرئيس الحق في إلغاء منصب رئيس الوزراء، وتعين نائبًا أو أكثر للرئيس، علاوة على التدخل المباشر في عمل القضاء، كما سيكون للرئيس حق فرض حالة الطوارئ قبل عرضه على البرلمان في أعقاب “انتفاضة ضد الوطن”(9).
فعلى المستوى الداخلي؛ من المتوقع أن تستمر حالة الخناق والتضيق على العسكريين، والأكاديميين، وبعض التابعين لحركة “فتح غولن” بحجة تورتهم في محاولة الانقلاب لتكون بمثابة سياسة ردع صامتة في وجه المناهضين للسياسات الداخلية. من المتوقع عدم التوافق الداخلي بين الأتراك حول السياسات المقبلة من قبل “أردوغان” أو أحد زعماء المعارضة نتيجة الاختلاف حول المصالح العامة للدولة، وتنامي حالة السخط العام نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية من قبل الحكومة الحالية. ومن المحتمل استمرار الوضع الاقتصادي الحالي نتيجة عدم الاستقرار ، مع هروب الاستثمارات الأجنبية برغم من وضع الحكومة الحالية حزم من المساعدات لتحفيز الاستثمار، وان كانت في باطنها ما هي إلا مهدئات لحالة الخناق الاقتصادي الحالي.
أما خارجيًا؛ من المتوقع استمرار العمليات العسكرية الخارجية، لتحقيق الأطماع العثمانية في المحيط العربي، عبر إقامة قواعد عسكرية على غرار الصومال وقطر. فضلًا عن دعم الجماعات والتنظيمات المسلحة في الدول العربية لتكون أذرعها الخارجية لتحقيق وتنفيذ مصالحها خارجيًا مثل “الجيش السوري الحر “. وذلك لأن الحرب الدائرة الآن هي حرب بالوكالة كونها غير متماثلة، كما إنها تمثل استنزاف للجيوش الوطنية. من المتوقع التصدي بجراءة وحزم للمشروع الكردي المتنامي على الحدود مع سوريا للحفاظ على سيادة الدولة التركية عبر الحسم العسكري على غرار العملية العسكرية في “عفرين”. وذلك في سياق؛ علاقات استمرار علاقات التنافس مع القوى الإقليمية والدولية على تقسيم النفوذ بما يتوافق مع المصلحة الوطنية التركية التي تجلت في سوريا.
ختامًا؛ يعد إعلان “أردوغان” بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، مؤشرًا على تراجع شعبيته داخليًا، وخوفًا من انفلات زمام الأمور. علاوة على الرغبة في التوسع خارجيًا بدون تطويق من الداخل، وردع من المعارضة الحزبية.
الهوامش
(1) “تركيا: هل الانتخابات المبكرة مكيدة من أردوغان ضد المعارضة؟”، أحوال تركية.
(2) الحياة، 18 أبريل 2018. “اقتراح مفاجئ لحزب معارض بتقديم موعد انتخابات الرئاسة التركية”
(3) البوابة نيوز، 17 أبريل 2018. الرابط”الشعب الجمهوري” التركي يرد على دعوة “الانتخابات المبكرة”
(4) “تركيا.. إرهاب اقتصادي وتقلبات مفرطة في الأسواق”، أحوال تركية.
(5)”، جريدة زمان التركية،13 مارس 2018، “تركيا: الحكومة تواصل اعتقال العسكريين بينما الجيش يشن حربًا في عفرين!،
(6) “المعارضة التركية تتوحد استعدادا لمواجهة أردوغان فى الانتخابات الرئاسية”، صدي البلد، 16 ديسمبر 2017.
(7) باسم دباغ، “انطلاقة مبكرة لماراثون الانتخابات التركية 2019: عودة عبدالله غول؟”، العربي الجديد، 9 يناير 2018. الرابط
(8) “حزب أردوغان بصدد النظر في دعوة لانتخابات رئاسية مبكرة”، روسيا اليوم، 17 /4/2018.
(9)”ما هي أبرز التعديلات الدستورية في تركيا؟”، الحياة، 10 فبراير2017