الأزمة النووية التي ورثها ترامب في كوريا الشمالية والعبرة بشأن إيران
مركز دراسات الأمن القومي – بقلم اميلي لانداو – 1/4/2017
نظام ترامب يدرس هذه الأيام وضع الإطار النووي في كوريا الشمالية، بهدف بلورة أسلوب جديد لوقف البرنامج النووي العسكري، في الرحلة التي قام بها مؤخرًا وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون في آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية والصين) أشار إلى ان الجهود الدبلوماسية التي بذلت في العقدين الأخيرين من أجل تفكيك قدرة كوريا الشمالية النووية قد فشلت، وأنه معني برؤى دول المنطقة حول تصميم سياسة أكثر فاعلية.
منذ اليوم الأول من رحلته، تعهد تيلرسون لكوريا الشمالية بأنها “يجب ألا تخاف” من الولايات المتحدة أو من جيرانها الإقليميين، والذين يسعون للعيش معها بسلام لا أكثر، وفيما بعد دعاها إلى التخلي عن برنامجها النووي وصواريخها. في اليوم التالي، وفي زيارته سول، أوصل تيلرسون رسالة أكثر هجومية؛ حيث أكد انه في حال واصلت كوريا الشمالية تصعيد تهديداتها النووية فإن الولايات المتحدة ستضطر ربما إلى القيام بتوجيه ضربة استباقية. ربما بعد لقائه مع وزير خارجية الصين وانغ يي أبدى تيلرسون الاستعداد للعمل المشترك مع الصين لجعل كوريا الشمالية تغير توجهها.
ما الذي يساعد في تغيير وجهة الأمور في كوريا الشمالية بعد سنوات طويلة من فشل المفاوضات التي تقدمت الدولة خلالها في برنامجها النووي والصاروخي؟ غالبية التوصيات التي أوصى بها الخبراء كانت في المجمل مجرد حزمة مستحدثة من الأفكار القديمة، والتي لم تنجح خلال العقدين ونصف العقد الأخيرين بأن تثمر اتفاقًا بعيد المدى لتفكيك برنامج كوريا الشمالية النووي، كان هناك من قال ان على
تيلرسون ان يبدي إصرارًا مع إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا بعض الشيء في حال لمح كم جونغ أون باستعداده لتجدد المفاوضات، لكن إذا تمسك زعيم كوريا الشمالية برفضه سيكون على الولايات المتحدة ان تعتمد عقوبات اقتصادية إضافية. واقترح آخرون محاولة التفاوض مع كوريا الشمالية حول تجميد برنامجها ونشاطاتها مقابل رفع العقوبات أو ربما حتى اقتراح توقيع اتفاقية سلام معها. فرص اتفاق كهذا في التطبيق في هذه المرحلة واهية للغاية، وفي جميع الأحوال فإنه سيبقي كوريا الشمالية دولة نووية.
جهود تيلرسون المبذولة لبلورة أسلوب جديد تقوم على خلفية التوتر المتنامي في المنطقة. في الـ 6 من مارس أطلقت كوريا الشمالية زخة من أربعة صواريخ صوب اليابان، وأعلنت انه تدريب على ضرب القواعد الأمريكية في اليابان. صواريخ كوريا الشمالية تمت تجربتها في الماضي وجعلت المحللين يستنتجون ان كوريا الشمالية تركز على تفحص قدرتها على التدشين والنشر والإطلاق السريع لزخات الصواريخ في سيناريو اندلاع الحرب. تم الإطلاق بالتوازي مع مناورة عسكرية مشتركة تقوم بها الولايات المتحدة بمشاركة كوريا الجنوبية كل عام، والتي تعتبرها كوريا الشمالية جزءًا من الاستعداد للحرب عليها.
في هذا الجو المتوتر، تسعى اليابان وكوريا الجنوبية (حليفتي الولايات المتحدة) إلى التثبت من التزام الولايات المتحدة الصلب بالرد بكامل قوتها على أي هجوم تقوم به كوريا الجنوبية، الصين من جانبها متشككة بشأن العمليات الأمريكية في المنطقة – وسيما وضع منظومة THAAD للدفاع الإقليمي المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية – خشية ان تغير هذه المنظومة موازين القوى الحالية في المنطقة كجزء من الاستراتيجية الأمريكية في لجم الصين. في قلب هذا النظام الإقليمي المعقد يسعى
تيلرسون للحصول على دعم كل من اليابان وكوريا الجنوبية والصين في مواجهة تهديد كوريا الشمالية النووي.
فرصة إقامة مفاوضات ناجحة ضعيفة، وسيما في ظل تاريخ الإخفاقات المتكررة في المحادثات منذ مطلع التسعينات. كوريا الشمالية انضمت إلى ميثاق منع انتشار السلاح النووي (NPT) في ديسمبر 1985، لكنها لم توقع على اتفاقية المراقبة (safeguards agreements) مع وكالة الطاقة الذرية الدولية إلا بعد إخراج السلاح النووي الأمريكي من كوريا الجنوبية عام 1991. كوريا الشمالية قدمت تقريرها الأول للوكالة الدولية في مايو 1992، وجدت الوكالة تناقضات في تفاصيله، وفي أعقاب ذلك طلبت القيام بزيارة لمواقعها. في العامين التاليين قدمت طلبات متكررة من قبل الوكالة الدولية للحصول على إيضاحات، حيث هددت كوريا الشمالية بالانسحاب من ميثاق منع انتشار السلاح النووي، وفي النهاية جرت الزيارات التي قادت إلى الاستنتاج بأن كوريا الشمالية استخلصت البلوتونيوم من الوقود المشع في مفاعلها في بيونغ يانغ بكميات أكبر مما أعلنت عنها في التقرير.
في يونيو 1994 أعلنت كوريا الشمالية عن انسحابها من ميثاق الـ (NPT)، الخطوة التي أثارت جهودًا أمريكية في السعي إلى اتفاق معها. “الإطار التوافقي” الذي أنجز في أكتوبر 1994 منع الأزمة الفورية، وكانت قد أوشكت على ان تؤدي إلى تجميد وتفكيك المواقع النووية في كوريا الشمالية، لكن في العام 2002 اتضح ان كوريا الشمالية تعمل على برنامج لتخصيب اليورانيوم لصالح سلاح نووي، وبالتالي نشبت أزمة نووية جديدة. بين السنوات (2003 – 2008) حاولت القوى العظمى الخمسة الإقليمية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وكوريا الجنوبية واليابان) التوصل مع
كوريا الشمالية إلى اتفاق حول تفكيك السلاح النووي في إطار “محادثات الستة”، لكن جهودهم فشلت.
بعد انهيار “محادثات الستة”، وعلى مدار السنوات الثمان الأخيرة، تمسك نظام أوباما بسياسة “التسامح الاستراتيجي” في ملف كوريا الشمالية، والتي كانت في الواقع انتظار إشارة من البلد المارق بشأن نيتها الشروع في مفاوضات جدية حول ملفها النووي، ولكن بدلًا من العودة إلى طاولة المفاوضات استغلت كوريا الشمالية هذه السنوات لتحقيق تقدم كبير في البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ، بما في ذلك القيام بأربعة تجارب نووية إضافية، وكذلك التقدم في مجال التقنية الصاروخية البالستية العابرة للقارات وتصغير الرؤوس الحربية بغرض موائمتها لتصبح لرؤوس صواريخ. كوريا الشمالية هي دولة نووية اليوم، وعلى وشك ان تهدد الولايات المتحدة بصاروخ باليستي عابر للقارات يحمل رأسًا حربيًا نوويًا.
قبيل انتهاء حقبة أوباما، وبعد ان امتنع عن اعتماد سياسة استباقية للجم طموح كوريا الشمالية النووي، أبلغ ترامب ان تهديد كوريا الشمالية النووي والصاروخي من شأنه ان يكون التحدي الأمني الأول الذي سيضطر ترامب إلى مواجهته. في المقال الذي نشر مؤخرًا في صحيفة “نيويورك تايمز” كشف انه في عام 2014 بادر نظام أوباما بعمليات سايبر سرية تستهدف صواريخ كوريا الشمالية، رغم ان هذه الخطوة لتعطيل مكون مركزي في قدرة كوريا الشمالية النووية – منظومة إطلاقها – إلا انها تثير بحد ذاتها مادة وأسئلة أكثر من الاجوبة فيما يتعلق بمصداقية المبادرة التي تركز على الصواريخ. إضافة إلى ذلك وفي ظل الكشف فيحتمل ان ترامب لا يمكنه الآن الاستمرار في العمليات السرية، وربما ان كشفًا كهذا يعتبر إيذانًا بانتهائها.
تخوف آخر بشأن كوريا الشمالية، يتعلق بالدور الذي تقوم به بمساعدة دول أخرى تتطلع إلى النووي العسكري مثل إيران، فمنذ وقت ليس بعيد لفتت صحيفة “وول ستريت جورنال” الانتباه إلى تقرير الأمم المتحدة الذي يؤكد أن كوريا الشمالية تحاول ان تبيع لمشترين غير معروفين “ليثيوم 6″، وهو مادة ضرورية لتطوير سلاح نووي صغير، وتشير الفرضيات إلى إيران كزبون محتمل رئيسي.
الصحيح انه وإلى يومنا هذا فليس هناك طريقة مثلى لجعل كوريا الشمالية تغير وجهتها في المجال النووي، سواء من خلال الدبلوماسية أو بأسلوب أكثر عدوانية يثير التخوف من التصعيد باتجاه حرب نووية؛ هذا الواقع هو نتاج فشل المجهود الدبلوماسي على مدار سنوات طوال، وتلاه ثمان سنوات من التسامح الاستراتيجي، واللذان وفرا عمليًا لكوريا الشمالية الوقت المطلوب من أجل دفع برامجها وتحديث قدراتها.
رغم ان تفكيك قدرات كوريا الشمالية النووية هو هدف بعيد المنال، يجب ان نستخلص عبرة من هذه الحالة بشأن التصرف حيال إيران. نظام أوباما في حين أشاد بالاتفاق النووي على انه قصة نجاح في منع انتشار السلاح النووي، لكن يوجد في الاتفاق نقاط ضعف جوهرية كثيرة، نقطة الضعف المركزية من بينها هي تاريخ انتهاء صلاحية الاتفاق الذي سيأتي بعد تسع وحتى أربعة عشر عامًا، عندما ترفع العقوبات ستكون إيران قوية أكثر ممّا كانت عند بدء المحادثات في العام 2013، ومزودة ببنية نووية متطورة أكثر بكثير.
إيران تطور أيضًا وبنمط سريع برنامجها الصاروخي الباليستي من دون أي اعتراض تقريبًا، الدرس يجب ان يكون واضحًا: في كل ما يخص الاتفاق النووي مع إيران؛ المدى القصير والمدى البعيد ليسا فترتين زمنيتين منفصلتين، فهما متداخلان، إذ
بالفعل لا جدوى من إنجازات المدى القصير إذا لم تستغل هذه السنوات على نحو فاعل من أجل مواجهة إيران قبيل رفع القيود على المدى البعيد. إيران لم تظهر إلى الآن أنها نفذت انعطافًا استراتيجيًا في المجال النووي، وما تزال مصرة على تحقيق قدرات نووية عسكرية.
ممارسة الضغط على إيران هي وسيلة إثباتية على تغيير سلوكها في المجال النووي، العقوبات القارسة الموجعة من العام 2012 جاءت بإيران إلى طاولة المفاوضات في العام 2013. سيكون من الخطأ استبدال تكتيك الضغط بأمل التغيير في إيران، وسيما عندما تكون مصرة على تعزيز قوة روحاني: الرئيس الإيراني لم يظهر اعتدالًا حقيقيًا، لا في إيران الداخل ولا في كل ما يتعلق بسلوكها الإقليمي، وأكثر من ذلك خلال الثمانية عشر شهرًا بعد انجاز الاتفاق النووي، الرئيس السابق أوباما رد بالكاد على الاستفزازات الإيرانية المتكررة والعدوانية من قبلها؛ هذه السياسة الأمريكية لم تفعل سوى أنها رفعت من مكانة النظام بدلًا من ان تأتي باعتداله. إذا ما واصلت القوى العظمى الخمس وألمانيا الاحتفال بالتأخير الذي أنجزه الاتفاق في حين تراخي التفتيش والضغط على إيران، ففي نهاية المطاف سيكون عليهم الوقوف في وجه تهديد نووي عنيد بالضبط كما هو الحال مع كوريا الشمالية.
أطلس للدراسات
ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية.