شؤون اقليمية

إيران لن تغلق مضيق هرمز


مركز الناطور للدراسات والابحاث

 

استطاعت إيران إغلاق مضيق هرمز فعلاً، فسوف يتضرر الاقتصاد العالمي حتماً، لكن سيتأذى أيضاً الاقتصاد الإيراني الهش أصلاً لأنها تتكل على ذلك المضيق لتسليم صادرات النفط إلى الصين وعملاء آخرين.

هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز في الأسبوع الماضي رداً على تحركات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الرامية إلى فرض العقوبات على قطاع النفط الإيراني. يبلغ عرض أصغر نقطة في المضيق 21 ميلاً فقط، وهو يشهد يومياً عبور حوالي 28 سفينة لنقل البترول ولا تكون دوماً محملة بالكامل، كذلك، يعبر حوالي 17 مليون برميل من النفط (أي ما يساوي 20% من كمية النفط التي تُشحَن حوال العالم) عبر هذا الممر، فإذا استطاعت إيران إغلاق المضيق فعلاً، فسوف يتضرر الاقتصاد العالمي حتماً، لكن سيتأذى أيضاً الاقتصاد الإيراني الهش أصلاً لأنها تتكل على ذلك المضيق لتسليم صادرات النفط إلى الصين وعملاء آخرين.

 في مطلق الأحوال، لن يكون إغلاق المضيق سهلاً بقدر ما يظن قائد البحرية الإيرانية حبيب الله سياري، فقد اعتبر أن إغلاق المضيق سيكون سهلاً كشرب الماء، لكن عملياً، ستكون هذه الخطوة أصعب بكثير.

 جرّبت إيران هذه الحيلة في السابق ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً، وعام 1984، خلال الحرب العراقية الإيرانية، هاجم صدام حسين ناقلات النفط الإيرانية ومنشأة إيرانية لتكرير النفط في جزيرة خارك، فردت إيران بمهاجمة الناقلات الكويتية التي كانت تشحن النفط العراقي الخام ثم ناقلات أخرى في الخليج العربي، وعام 1987، بعد سنوات على تزايد الاضطرابات في هذا الممر المائي الحيوي، رد الرئيس رونالد ريغان بعرض تغيير جنسية الناقلات الكويتية ورفع العلم الأميركي عليها وتخصيص سفن أميركية أخرى لمرافقتها، فتجنبت إيران الرد باعتداءات مباشرة على السفن الحربية الأميركية، ولكنها تابعت زرع الألغام وشن الاعتداءات من زوارق صغيرة وإطلاق مختلف الصواريخ على الناقلات.

في 14 أبريل 1988، اصطدمت الفرقاطة المزودة بالصواريخ الموجهة “صامويل بي روبرتس” بلغم إيراني، ولم يُقتل أي بحار بل جُرح البعض وكادت السفينة تغرق، فردت البحرية الأميركية بإطلاق عملية عسكرية شكلت أوسع تحرك هجومي لها منذ الحرب العالمية الثانية.

 ثم تحركت حوالي ست سفن حربية أميركية ضمن مجموعتين منفصلتين لتدمير منصتي نفط إيرانيتين، فرد الإيرانيون بإرسال زوارق سريعة مسلحة وفرقاطات وطائرة من طراز “إف-4″ (F-4) لاستهداف السفن الحربية الأميركية.

 عندما كانت السفن الأميركية تدافع عن نفسها، أغرقت على الأقل ثلاثة زوارق إيرانية سريعة، وزورقاً حربياً، وفرقاطة واحدة. كذلك، تضررت سفن إيرانية أخرى وطائرة إيرانية إضافية، أما الخسارة الوحيدة التي تكبدها الأميركيون، فوقعت عندما تحطمت مروحية “كوبرا” التابعة لسلاح البحرية (كان الأمر مجرد حادث على ما يبدو)، ما أسفر عن مقتل شخصين من طاقم الطائرة.

انتهت الحرب بعد أقل من ثلاثة أشهر عندما أطلقت حاملة الطائرات المزودة بالصواريخ الموجهة “يو إس إس فينسين”، عن طريق الخطأ، صاروخاً أرض-جو على طائرة ركاب إيرانية لأنها اعتقدت أنها طائرة مقاتلة، تدمرت الطائرة وقُتل 290 شخصاً. صحيح أن الأمر كان مجرد حادث، إلا أن النظام الإيراني كان مقتنعاً بأن واشنطن أرادت تصعيد حدة الصراع، فقرر الاتفاق على هدنة مع العراق.

وقعت أكبر خسارة تكبدتها القوات الأميركية خلال هذا الصراع كله في عام 1987، عندما أطلقت طائرة عراقية صاروخاً من طراز “أكسوسيت” استهدف الفرقاطة “يو إس إس ستارك”، ما أسفر عن مقتل 37 بحاراً وجرح 21 آخرين. (ادعى صدام حسين أن تلك العملية كانت مجرد حادثة).

لم تثمر الجهود الإيرانية عن أي نتائج إيجابية فعلاً، فقد أشارت تقديرات شركة “لويدز أوف لندن” إلى أن الحرب بين ناقلات النفط أدت إلى تضرر 546 سفينة تجارية ومقتل 430 بحاراً مدنياً، لكن كان العراق، وليس إيران، هو من تسبب بمعظم هذه الخسائر. صحيح أن هذه الاعتداءات أدت إلى إعاقة مرور النفط بشكل موقت، إلا أنها لم تقترب يوماً من إغلاق المضيق نهائياً.

على الرغم من الكشف عن صاروخ جديد ومضاد للسفن من طراز “كروز” ويحمل اسم “قادر”، لم تصل القوات البحرية والجوية الإيرانية التقليدية إلى مضاهاة قدرات الأميركيين وحلفائهم في المنطقة، حيث تنشر الولايات المتحدة وحدها مجموعتين من حاملات الطائرات وقوة للتدخل السريع (تتمركز حول سفينة هجومية برمائية كانت في الأصل حاملة طائرات صغيرة)، بالإضافة إلى عدد من الطائرات الموجودة في قواعد عدة مثل قاعدة “العيديد” في قطر، وقاعدة “الظفرة” في الإمارات العربية المتحدة، وقاعدة “عيسى” الجوية في البحرين. يمكن أن تستعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب في المنطقة (المزودون بعدد متزايد من المعدات الأميركية الصنع مثل طائرات “إف-15″ (F15) و”إف-16″ (F-16)) قوة فاعلة لتدمير القوات البحرية الإيرانية التقليدية من خلال عملية قصيرة.

لإعاقة تدفق النفط، ترتكز قدرة إيران الحقيقية على إمكاناتها المتفاوتة في طريقة خوض الحروب، إذ تملك آلاف الألغام (تستطيع بعض السفن زرع الألغام تحت الماء)، وعدداً صغيراً من الغواصات القزمية، وآلاف السفن الصغيرة التي يمكن استعمالها في الاعتداءات الجماعية، بالإضافة إلى صواريخ “كروز” المضادة للسفن. إذا أقدم الإيرانيون على زرع الألغام، فستتطلب إزالتها كلها وقتاً طويلاً، فقد استلزمت إزالة جميع الألغام بعد حرب ناقلات النفط أشهراً عدة، لكن احتاج تنظيف الممرات الآمنة عبر الخليج العربي، من محطات شحن النفط وإليها، فترة أقصر من ذلك.

من المعروف أن صواريخ “كروز” المضادة للسفن تكون متحركة، لكن يمكن رصدها وتدميرها رغم ذلك. تشكل غواصات “يونو” تهديداً قصير الأمد لأنها تضطر في مرحلة معينة إلى العودة إلى محطتها الأساسية لإعادة التزود بالإمدادات التي تحتاج إليها، وعندما تقوم بذلك تصبح هدفاً سهلاً، وقد تتكبد القوات الأميركية بعض الخسائر، كما حصل عندما استُهدفت سفن “يو إس إس ستارك” و”صامويل بي روبرتس”، لكن سرعان ما تسيطر على الوضع مجدداً.

يجب أن يدرك الإيرانيون أن ميزان القوى لا يميل إلى كفتهم، فمن خلال شن الأعمال العدائية، هم يجازفون بمواجهة رد أميركي عنيف يستهدف أثمن ما يملكونه: البرنامج النووي السري، ومن المحتمل إذن ألا يتابع الإيرانيون تهديداتهم باستعمال القوة.

  ومع ذلك، يشير هذا الخطاب الناري إلى حجم القلق الذي يشعر به الإيرانيون من تداعيات العقوبات الأخيرة على قطاع النفط الإيراني. إنه سبب إضافي ليتابع الأوروبيون فرض عقوبات مماثلة .

 lBradley Russell & Max Boot -Wall Street Journal 

قسم الترجمة بالقوة الثالثة 10/1/2012

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى