أقلام وأراء

حافظ البرغوثي يكتب – بايدن .. الأولوية للقضايا الداخلية

حافظ البرغوثي *- 10/11/2020

انتهت أشد المعارك الانتخابية ضراوة في التاريخ الأمريكي، بفوز جو بايدن، الرئيس السادس والأربعين. وتابعت مختلف الدول الكبرى والصغرى هذه المعركة، بعضها يؤيد الرئيس ترامب، والآخر يؤيد بايدن، لكن ما يهمنا في هذا السياق هو موقف الرئيس المنتحب من قضايا المنطقة. وفي المجمل يمكن القول إن بايدن له أولويات داخلية أشد إلحاحاً للمعالجة من القضايا الخارجية، تناولها في خطابه المقتضب قبل إعلان فوزه وفي خطاب النصر المطول، وفي تصريحات سابقة أثناء الحملة الانتخابية.

فقد خاض حملته ضد الرئيس ترامب على وقع جائحة كورونا، مستفيداً من سوء إدارة ترامب للأزمة الصحية والاقتصادية، وبالتالي، فإن تركيزه الأولي هو على تشكيل طاقم لمكافحة الفيروس، ثم الانتقال إلى تهدئة النفوس بعد الاستقطاب الحاد في المجتمع الأمريكي، حيث ظهر الانقسام بين معسكرين يتبادلان الكراهية والعداء، بينما ساد الانتخابات السابقة نوع من الاختلاف السلمي، لكنه لم يصل إلى الحقد والكراهية وتبادل الشتائم، كما اتضح في الحملة الانتخابية الأخيرة. فالجائحة ومحاولة امتصاص الغضب والكراهية من نفوس المجتمع الأمريكي لهما الأولوية لدى بايدن، إضافة إلى تحريك الاقتصاد وإعادته للعمل بقوة للقضاء على البطالة المتنامية.

بالطبع تبقى هناك قضايا أهم من الملف العربي وقضاياه، وهي الملف الإيراني، ثم الصيني والروسي. فالرئيس الجديد وفقاً لما صدر عنه من تصريحات سابقة، سيعمل على حث طهران على العودة للالتزام بالاتفاق النووي الذي كان شاهداً عليه، فهو وإن كان يسير على استراتيجية ترامب في منع إيران من الحصول على سلاح نووي، إلا أنه يختلف في الأسلوب، فالضغوط الشديدة التي مارسها ترامب لم تفلح في إجبار طهران على هجر مشروعها النووي؛ بل إن انسحاب واشنطن من الاتفاق وضع بلاده في عزلة دولية. ووصف بايدن في مقال نشره في سبتمبر/أيلول الماضي، «خروج ترامب من الاتفاق ووضع أكبر ضغط ممكن على طهران، بأنه كان نعمة للنظام الإيراني ونقمة على المصالح الأمريكية».

وأشار في المقال إلى أنه ليس لديه أدنى شك في أن النظام الإيراني يمثل تهديدات خطرة للمصالح الأمنية الأمريكية ولشركاء بلاده وأصدقائها في المنطقة، وكذلك على الشعب الإيراني، مشيراً إلى أن سياسة الرئيس ترامب تجاه إيران، عزلت الولايات المتحدة دولياً، كما دفعت إلى التقارب بين طهران وموسكو وبكين. وقال بايدن، إنه في حال فوزه، سيعمل على منع إيران من الحصول على السلاح النووي عبر منحها مخرجاً دبلوماسياً من عزلتها العالمية، وإنه سيعيد أمريكا إلى الاتفاق النووي كبداية للتفاوض مع طهران مرة أخرى، كما سيعمل مع شركاء بلاده في الاتفاق النووي على تعزيز شروط الاتفاق النووي، وسيعمل على خفض التوتر بين طهران وشركاء الولايات المتحدة، بما في ذلك إنهاء الحرب التي وصفها ب«الكارثة في اليمن»، لكنه أشار إلى ما وصفه بالتصرفات الخبيثة لإيران في المنطقة، عن طريق دعم الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان.

ويتفق ترامب وبايدن على أن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة يجب تقليصه إلى أدنى درجة ممكنة، وفي حال الحاجة يجب أن يظل هناك ما بين ألف وخمسمئة وألفي عسكري من القوات الخاصة، للعمل مع الشركاء المحليين لمواجهة الجماعات الإرهابية مثل «داعش» في سوريا والعراق. وقال بايدن في مقابلة مع مجلة الجيش الأمريكي (ستارز أند سترايبز)، إن «عصر الحروب اللانهائية يجب أن ننتهي منه»، ووصف بايدن الأوضاع في البلدان التي تنتشر فيها القوات الأمريكية (سوريا والعراق وأفغانستان) بأنها «معقدة ولا يمكنه التعهد بسحب القوات الأمريكية منها بشكل كامل في المستقبل القريب».

وبالنسبة لتركيا، فإن وجهة نظر الرئيس الديمقراطي تختلف عن سلفه ترامب الذي ربطته علاقات شخصية مع أردوغان، وسمح له بأن يتوغل في سوريا ويقاتل حلفاء واشنطن من الأكراد ويقصف العراق، ويشارك في حرب أرمينيا وأذربيجان، ويتدخل في ليبيا ويتحرش بقبرص واليونان. فالمحاباة من جانب ترامب لتركيا يبدو أنها انتهت الآن.

وبالنسبة للقضية الفلسطينية صرح بايدن في مايو/أيار الماضي بأنه يؤيد حل المسألة الفلسطينية على أساس إقامة دولتين عندما قال: «بغرض تحقيق السلام الفلسطيني الإسرائيلي، من الضروري أن تعود الولايات المتحدة إلى الحوار مع الجانب الفلسطيني والسعي لدى إسرائيل وحثها على عدم القيام بأي خطوات تقوض إمكانية إقامة الدولتين».

وأضاف: «سأعيد فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، ومكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، واستئناف المساعدات الأمنية والاقتصادية للفلسطينيين التي أوقفتها إدارة ترامب»، لكنه لن يسحب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي الوقت نفسه سيقر بمطالب الجانب الفلسطيني فيها. وهو على علاقة جيدة مع نتنياهو، لكنه قال عنه إنه يحبه على الرغم من الكلام اللعين الذي يقوله نتنياهو.

إن بايدن الذي يتباهى علناً بأنه صهيوني، سيواصل دعم إسرائيل مثل رئيسه السابق أوباما، إلا أن فتح بعض ملفات الشرق الأوسط سينتظر طويلاً وفق أولوياته الملحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى