ترجمات عبرية

هآرتس: نحن جزء من عائلة الجريمة، علينا النضال ضدها

هآرتس – ميخائيل سفارد – 29/8/2025 نحن جزء من عائلة الجريمة، علينا النضال ضدها

“هذه عائلتي، يا كاي، ولست أنا”. عندما احضر مايكل كورلياونا (الذي مثل دور البتشينو) كاي آدمز (ديان كيتون) لمقابلة عائلته في حفل زفاف شقيقته في الجزء الأول  في ثلاثية “العراب”، اطلعت على قصة مقلقة جدا عن العائلة التي ستدخل اليها؛ وكيفية حلها للمشكلات بواسطة دمج العنف والفساد. عندما لاحظ مايكل ان كاي مصدومة حاول تهدئتها قائلا: “هذه عائلتي، يا كاي، ولست أنا”.

إسرائيل تقوم بتدمير غزة. سموا هذا تطهير عرقي، سموا هذا محو، ويمكنكم تسميته إبادة جماعية، سموه من شئتم. لا شك لدي بان من وضع مفهوم إبادة جماعية، رجل القانون اليهودي البولندي رفائيل ليمكن كان سيكتب بدموع الخجل ان دولة اليهود ترتكب إبادة جماعية في غزة. هي تدمر المكان وتقوم بتصفية المجموعة الإنسانية التي تعيش فيه.

التدمير المادي لفضاء غزة هو تدمير ممنهج، بيت وراء بيت، مبنى عام وراء مبنى عام، بنية تحتية وراء أخرى. تخيلوا حيكم – مدرسة الأطفال، صندوق المرضى، المركز التجاري، حديقة الألعاب والمباني السكنية. تخيلوا أن كل هذه تم محوها، لا يوجد لكم بيت أو حي أو طائفة. هذا هو الوضع في غزة. مكان كان بيت لاكثر من مليون شخص، اصبح تحت الصفر. مؤسسات تعليمية، عيادات، حوانيت، بنى تحتية للمياه والكهرباء والمجاري، شوارع وارصفة، كل ذلك اصبح رمادا. بيانات تم حسابها استنادا الى صور جوية، فان 70 في المئة من مباني القطاع تم تدميرها بالكامل أو تضررت بشكل لا يمكن ان يسمح باستخدامها، هذا قبل عملية “عربات جدعون 2” وتنفيذ وعد وزير الدفاع لحاخامات الصهيونية الدينية بأن “غزة ستكون مثل بيت حانون”.

القتل الجماعي للسكان فوضوي اكثر من تدمير الفضاء المادي. هو يتم تنفيذه من خلال القصف والقذائف غير المتزن وتدمير المنظومة الصحية، وللفظاعة، من خلال التجويع. بخلق الجوع الجماعي عن طريق المنع المتعمد لادخال الطعام والمساعدات الإنسانية، بتدمير المنظومة الدولية التي قامت بضخ المساعدات لمئات مراكز التوزيع في القطاع، واستبدالها بأربعة مراكز فقط، ثلاثة في منطقة الجنوب وواحد في الوسط. في الشمال لا يوجد أي شيء. كل ذلك من اجل فرض على الغزيين الهجرة. مثلما يقودون كلب ويدفعونه للخروج من البيت الى الساحة بواسطة صحن طعام. عدد الذين يموتون بسبب الجوع هو عدد لا يمكن تخيله. الصور تقشعر لها الابدان. إسرائيل تقوم بتدمير غزة.

كيف يمكن اذا مواصلة العيش كجزء في جماعة ترتكب الإبادة؟ كيف نستيقظ في الصباح وننظر مباشرة الى البائع في البقالة الذي عاد للتو من الاحتياط؟ والجندي الذي يجلس في المقهى أو الجارة التي علقت لافتة كتب عليها “معا سننتصر”؟ من السهل النظر الى ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش والشعور بان هذا لا يتعلق بنا. والشيء المهديء جدا هو التفكير بهذين الفاشيين، اللذان خلافا لنظرائهم في إيطاليا وفي المانيا، لا يوجد لديهما طبقة أو جمال، فقط عنصرية جامحة وقسوة سادية، والنظر اليهما والاسترخاء. من الاسهل مشاهدة سموتريتش وهو يبالغ في وصفه الأخلاقي ويتفاخر بتجويع سكان غزة، ويقول بان التضحية بالمخطوفين ليست أمر فظيع. ومن الاسهل الاستهزاء ببن غفير الذي تستفزه فكرة التطهير العرقي (التي يسميها “التشجيع على الهجرة”)، والقول لانفسنا نحن لسنا مثله. 

لكن المشروع الازعر الذي لا يغتفر لابادة غزة هو مشروع إسرائيلي – عام. هو لم يكن ليحدث بدون تعاون – سواء بالاسهام الفعال أو بالصمت  – كل أجزاء المجتمع اليهودي في البلاد. الولاء للجريمة سبق وحققته الحكومة في أيام الحرب الأولى، عندما تبلور طابع الهجوم الإسرائيلي على غزة كهجوم شامل على كل ما هو غزي، هجوم لا يتفاخر حقا بالتركيز على الأهداف العسكرية. 

في تلك الأيام، عندما اسكتت طبول الحرب الأصوات التي تحذر من جرائم الحرب، علقت كل أجزاء المجتمع بسلاسل المشاركة في الجريمة. ومثل العضو الجديد في المافيا، الذي في حضرة الرئيس ومساعديه مطلوب منه اطلاق النار على صاحب المصلحة التجارية الذي لم يدفع رسوم الحماية، فانه هكذا يتم خلق حلف الدم مع العائلة، وهكذا هم مئات آلاف الإسرائيليين الذين تجندوا لدعوة التفجير والتحطيم والمحو والتجويع. مئات الآلاف الذين يتحملون المسؤولية عن الإبادة بشكل مباشر، والملايين بشكل غير مباشر، ملزمون بهذه المؤامرة الجنائية ونفيها، وعندما لا يمكن نفيها فانهم ملزمون بتبريرها. 

الان لا يوجد ولا يمكن أن يكون أي شك حول ما يحدث في غزة. إسرائيل ترتكب جرائم ضد الإنسانية باحجام تجمد الدم في العروق. هي تدمر البنى التحتية التي تمكن من العيش في القطاع وتقوم بتجويع سكانه. هي تعلن بشكل رسمي عن نية القيام بالتطهير العرقي في القطاع أو تنفيذ “حلم” ترامب، كما تسمى خطة التطهير على لسان نتنياهو. دارث فيدر الإسرائيلي، الذي كرس نفسه كليا للجانب المظلم من القوة. 

حتى الآن حيث كل شيء اصبح واضحا ويصعب صد الادعاء بأننا ننفذ إبادة جماعية، الإسرائيليون بشكل عام ينزلون الستارة ويواصلون روتين حياتهم. لا توجد حتى أي نقابة مهنية واحدة في إسرائيل تتجرأ على اطلاق صرخة أخلاقية ضد الإبادة، سواء الهستدروت الصحية التي تصمت صمت مرضي إزاء التدمير الممنهج لمنظومة الصحة في غزة، أو قتل اكثر من 1500 شخص من الطواقم الطبية، أو منظمات المعلمين الذين صمتهم على تدمير الجهاز التعليمي في القطاع، يعلم طلاب إسرائيل بانهم ليسوا جميعهم ولدوا على صورة الله، وليس مكتب المحاماة الذي يعرف كيف يطالب باعتقال وزير العدل بسبب تغيير الاقفال في مكتبه كي يهين المستشارة القانونية للحكومة، ولكنه لا يرى ان من الصحيح قول كلمة واحدة عن خطة الترانسفير والتجويع للحكومة، وعن قصف المحاكم في غزة والتجويع والتنكيل بالسجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، التي أصبحت معسكرات تعذيب، وعن التعاون المثير للغضب للمحكمة العليا مع كل ذلك.

أي عار هذا في ان تكون عضو في نقابة مهنية قانونية، تناضل من اجل الغاء ذريعة المعقولية، لكنها لا تقول أي كلمة عن واجب السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول الى المدنيين الجائعين، أو السماح بزيارة الصليب الأحمر لاسرى العدو. وماذا عن وسائل الاعلام الإسرائيلية التي تمثل التيار العام؟ من الخسارة إضاعة الوقت على من يسمون انفسهم “مراسلون”، الذين تآمروا على عدم الإبلاغ عن المعاناة التي نتسبب فيها لسكان غزة، وهي مؤامرة تعتبر جريمة مهنية، والكتابة عن الذين خلال اشهر دعوا للحرب واشعلوها وسمحوا بالتحريض على ارتكاب الجرائم، والذين حتى الآن يمنعون اسماع الانتقادات، والذين لم ينبسوا ببنت شفة ضد القتل المتسلسل للصحافيين في غزة، وضد رفض السماح بالدخول الحر للصحافيين اليها، وليس بدبابات الجيش الإسرائيلي أو من اجل خدمة أكاذيب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. 

وسائل الاعلام في إسرائيل هي مثل نار القبيلة التي تحرق غزة بلهبها. انت لا تختار عائلتك، وإسرائيل هي عائلتي. وهي عائلة جريمة. فكيف اذا يمكن مواصلة العيش مع هذه العائلة؟ كل شيء ملوث. في نفس المساء الذي نشر فيه “ملحق هآرتس” عشرات الصور للأطفال المجوعين من قبلنا، في “اخبار 12” تم بث تقرير علاقات عامة عن المطاعم الفاخرة في إسرائيل، وعن نجوم الطبخ التي سيحصل عليها الشيفات الكبار لدينا. 

مايكل كورلياونا اعتقد بانه يمكنه البقاء جزء من العائلة، وفي نفس الوقت أن يتجنب حياة الجريمة. في النهاية ورث والده وتحول الى رئيس منظمة الجريمة العائلية. هناك طريقتان لتجنب هذا المصير المشابه. الأولى هي طلاق العائلة بشكل لا رجعة عنه. في السنتين الأخيرتين كثيرون غادروا البلاد، لكن هناك احتمالية أخرى وهي محاربة العائلة، المحاربة حقا، معرفة انه في هذه المرحلة العائلة هي العدو. 

المشكلة ليست بن غفير وسموتريتش. الشر ينبعث من بؤر كثيرة، منها “فقط ليس بيبي”، التي تعتبر ليبرالية في إسرائيليتنا المشوهة. أيضا هناك متمردون من أبناء العائلة، الذين يعملون في سلك التعليم، فنانين ومفكرين، محامين، مراسلين، أطباء، عاملين اجتماعيين، اكاديميين، نشطاء كثيرين، تجرأوا على رفع صوتهم ضد إبادة غزة من خلال العرائض والأفلام والمظاهرات.

نحن قلائل، لكن يوجد لنا وزن. معا جميعنا يجب ان ننضال ضد عائلتنا بالوسائل غير العنيفة. السير في طريق أبونا إبراهيم، الذي حسب التوراة حطم الاصنام التي كان يعبدها آباءه. وطريق سيدنا موسى الذي تمرد على عائلته المصرية التي تبنته من اجل ان يقود شعب العبيد الى الحرية. وطريق جميع الأنبياء الذين وبخوا الشعب المخطيء والملوك المجرمين. بمفاهيم هذه الأيام هذا يعني تأييد الرافضين والتشجيع على التحقيقات الدولية والدعوة الى فرض العقوبات والعزلة السياسية على إسرائيل، وأن نُدخل عن طريق الارجل ما لا يدخل عن طريق العقل والقلب، وأن نحافظ على قيم الإنسانية، والأكثر أهمية هو وقف الإبادة.


مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى