ترجمات عبريةشؤون مكافحة الاٍرهاب

هل يسيطر الظواهري على القاعدة – في سوريا ووراء حدودها؟

 

بقلم  يورام شفايتسر، ميكي لوزون وافيعاد مندلبلوم   – 14/6/2018

تواصلت في الاشهر الاخيرة الانشقاقات والصدامات الداخلية بين الاجنحة المتماثلة مع القاعدة في سوريا. فالاحتكاكات والخصومات ارتبطت بمسألة الولاء لزعيم القاعدة، ايمن الظواهري، ولايديولوجيا التنظيم، وبرزت على خلفية التحولات والانعطافات التي وقعت في السنوات الاخيرة في شبكة تحالفاته مع شركائه في ارجاء الشرق الاوسط. وتطرح الاحداث التي وقعت في سوريا علامات استفهام حول مدى وحدة “معسكر” القاعدة ومدى تحكم الظواهري بشركائه في سوريا وفي شبكة تحالفاته في اماكن اخرى في ارجاء العالم.

عين مجلس شورى القاعدة د. ايمن الظواهري ليقود التنظيم، بعد وقت قصير من تصفية بن لادن في ايار 2011. وكانت مكانة بن لادن تنبع من تراثه القتالي في افغانستان في عهد الاحتلال السوفياتي ومن مسؤوليته عن سلسلة من العمليات الارهابية الاستعراضية التي نفذها التنظيم ضد الولايات المتحدة، كريهة نفس القاعدة ومؤيديها، وذروتها هجمات 11 ايلول 2001. ورغم كونه مطلوب من أجهزة استخبارات عديدة في العالم، وبناء على ذلك اضطر لان يختبىء في عزبة منعزلة في الباكستان على نحو عقد من الزمان، نجح بن لادن في مواصلة قيادة تنظيمه بل والتأثير على المنظمات المتحالفة المنتشرة في أرجاء العالم. وشهدت على ذلك وثائق جمعت من مكان اختبائه في الباكستان حيث تمت تصفيته.

ويعد استبدال زعيم اسطوري، يتمتع بمكانة خاصة وسمعة عالمية في اوساط التنظيم وشركائه، تحديا غير بسيط لكل من يأتي عده. وبالفعل، فقد وجد ايمن الظواهري صعوبة في حلول محل سلفه ونيل مكانته في التنظيم الذي علق في ازمة عميقة بعد أن فقد الكثير من كبار زعمائه كنتيجة لهجمات الطائرات الامريكية المسيرة، وكذا لكونه مطلوبا ويحشر في عملية مطاردة عالمية. عوائق اخرى تقف في وجه الظواهري حين يسعى الى قيادة شبكة التحالفات المتنوعة، ذات الانتشار العالمي، والتي تتوقف الى زعيم كاريزماتي وموحد، كانت انعدام التجربة القتالية وشخصيته موضع الخلاف.

ان  اسقاط زعماء عرب بارزين كحسني مبارك رئيس مصر، معمر القذافي حاكم ليبيا، زين العابدين بن علي رئيس تونس ورئيس اليمن علي عبدلله صالح، على خلفية هزة الربيع العربي، ساعد الظواهري وتنظيمه في الخروج من الازمة التي ألمت بهم. فقد ضخت الصدمة دما جديدا في عروق القاعدة والفصائل المتحالفة معها، والتي عززت صفوفها بعد ان فر الكثيرون من اعضائها من السجون في بلدانهم. ومنحت الحرب الاهلية المستمرة في سوريا، والتي اجتذبت اليها آلاف المتطوعين المسلمين من ارجاء العالم، منحت الظواهري وتنظيمه فرصة ذهبية للاعلان عن سوريا كـ “ساحة الجهاد” التالية وايقاظ التجند الجماهيري بهدف تحقيق فكرة الجهاد العالمي من خلال المشاركة في القتال الجاري في هذه الدولة.

ولكن، في نفس الوقت، شكلت الهزة في الشرق الاوسط ايضا نقطة انعطافة في علاقات القاعدة مع شركائها. فتنظيم القاعدة في العراق، بقيادة ابو بكر البغدادي، أدار له ظهر المجن. فقد تجاهل البغدادي مكانة الصدارة للظواهري واقام تنظيما جديدا باسم داعش، فيما الحق بإمرته جبهة النصرة، الفرع السوري، وذلك بشكل احادي الجانب ودون التشاور مع الظواهري او تلقي الاذن منه لهذه الخطوة. جبهة النصرة، بقيادة ابو محمد الجولاني، رفضت الطلب الذي وصلها من العراق للولاء للبغدادي وأعربت عن تأييدها وولائها للظواهري. من هنا فصاعدا بدأت سلسلة انعطافات وانشقاقات في اوساط الموالين للقاعدة في سوريا، مما اثار الشك في قدرة الظواهري على قيادة “معسكر” القاعدة.

واعلنت جبهة النصرة بقيادة الجولاني، التي سارعت الى الاعراب عن الولاء للظواهري في 2014 في اثناء المواجهة بينها وبين البغدادي، اعلنت في تموز 2016 عن تميزها عن القاعدة عقب ضغوط داخلية وخارجية للتنكر لقربها لهذا التنظيم وأعربت عن ذلك ايضا من خلال تغيير اسمها الى جبهة فتح الشام، وقد تمت هذه الخطوة، ظاهرا، بمباركة الظواهري، ولكن ما ان مرت الايام حتى تبين بان من أذن بالتغيير، دون اذن الظواهري، كان نائبه، ابو خير المصري، الذي قتلته القوات الامريكية لاحقا. كما أن مسؤولين كبار من بين رجال الدين المؤيدين للقاعدة، وعلى رأسهم ابو محمد المقدسي الاردني تحفظوا من الخطوة بل وعرضوها كتحد لقيادة القاعدة وخرق الولاء او البيعة للظواهري. واعربوا عن التخوف من شرخ وحرب أهلية (فتنة) اخرى في اوساط مؤيدي القاعدة، مثلما حصل في اعقاب الانشقاق عن القاعدة بقيادة أبو بكر البغدادي.

في كانون الثاني 2017، ولاعتبارات سورية داخلية، واصلت جبهة النصرة مساعيها لطمس صلتها بالقاعدة وغيرت اسمها الى هيئة تحرير الشام. هذه الخطوة اثارت خلافا شديدا آخر في صفوف التنظيم، بين المؤيدين لابراز الجانب السوري في التنظيم وبين مؤيدي القاعدة العالمية. وهدد اعضاء بارزون في التنظيم بالانسحاب من صفوفه وحاولوا إثارة اعضاء آخرين على التمرد. وقد اعتقل هؤلاء ومؤيدوهم لهذا السبب في اواخر 2017 بامر من زعماء هيئة تحرير الشام.

في اعقاب فشل الحوار بين الصقور ومحاولات الوساطة بينهم، بهدف حل الخلافات ومنع مزيد من الشرخ الداخلي في التنظيم في سوريا، تأسس في سوريا في بداية 2018 تنظيم جديد من نحو 11 فصيل انسحب من هيئة تحرير الشام، باسم حراس الدين. ومع ان كبار حراس الدين هم من مؤيدي القاعدة، الا ان مدى تحكم الظواهري في هذا التنظيم الجديد ليس واضحا.

تقاتل التنظيمات السلفية – الجهادية، الموالية للقاعدة في الماضي وفي الحاضر، الان ضد جملة خصوم في سوريا، بينهم، من جهة، قوات الجيش السوري، روسيا، ايران وحزب الله ومن جهة اخرى تقاتل قوات الثوار، بينهم داعش وتحالف محلي جديد يسمى “جبهة تحرير سوريا”، بقيادة تنظيم أحرار الشام. بعض من الخلافات بين هيئة تحرير الشام وبين القاعدة ومؤيديها في سوريا نشبت حول علاقات هيئة تحرير الشام مع تركيا. وبينما تجري هيئة تحرير الشام اتصالات مع تركيا، كنتيجة لاضطرابات وضغوط شديدة بل وتهديدات تركية في الحرب ضدها، فان موقف القاعدة والموالين لها في سوريا يرفض رفضا باتا هذه الاتصالات وهم يرون فيها انحرافا ايديولوجيا خطيرا وخطأ استراتيجيا. ووجد هذا النهج تعبيره، ضمن امور اخرى في اقوال الظواهري، الذي يرى في علاقة التنظيمات السلفية الجهادية مع الدول التي تتعاون مع النظام السوري، بما فيها تركيا، فخ عسل نهايته محملة بالمصيبة ومعروفة مسبقا، ولهذا فيجب الامتناع عنه بكل ثمن.

يوجد “معسكر” القاعدة في سوريا في مواجهة داخلية قاسية تهدد بقاءه وتخدم خصومه من كل الوان الطيف. وحالة سوريا تطرح علامة استفهام على قدرة الظواهري والقاعدة على التحكم بما يجري في ساحات اخرى ايضا، ينتشر فيها شركاؤهم وحلفاؤهم، وبالتالي فان النهج السائد في اوساط الباحثين الاكاديميين والمحللين في ارجاء العالم حول تعزز قوة “معسكر” القاعدة، رغم انه ازداد عدديا بالفعل وانتشر في دول كثيرة في ارجاء العالم، يجب أن يراجع ايضا في ظل فحص مدى تراص صفوفه، وحدته واستعداد رجاله لقبول قيادة القاعدة والظواهري.

اسرائيل هي الاخرى مطالبة بان تتابع التطورات المتعلقة بالتنظيمات المتماثلة مع تيار السلفية الجهادية – لانه رغم الخصومات والصراعات الشديدة الجارية بينهم وفي داخلهم، فانهم كلهم يرون في اسرائيل وفي اليهود عدوا يجب القتال ضده. هذا القاسم المشترك من شأنه ان يدحر جانبا الخصومة بينهم في صالح الصراع ضد من يعتبر خصما مكروها يجب مهاجمته ما أن تلوح فرصة لذلك. ولكن بالمقابل، فان اسرائيل وباقي المحافل التي تقاتل ضد الجهاد العالمي يمكنهم وينبغي لهم أن يستغلوا الخلافات الداخلية والنزاعات بين عناصر الجهادية السلفية كي يقاتلوهم ويستغلوهم في صالحهم، سواء على المستوى الاستخباري العملياتي ام على صعيد الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى