ترجمات أجنبية

هل تستطيع حكومة جديدة وقف السقوط الحر للبنان ..؟

مركز ستراتفور للدراسات الإستراتيجية والأمنية 14/9/2021

الحكومة اللبنانية الجديدة يمكنها التخفيف من حدة الأزمات التي تشهدها البلاد من خلال تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية الجذرية. لكن التناحر السياسي داخل الحكومة الطائفية سيعمل مرةً أخرى على الحد من قدرة بيروت على إنقاذ اقتصاد البلاد السريع التدهور والمحافظة على الاستقرار الاجتماعي في البلاد.

أعلن رئيس الوزراء اللبناني المكلف نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة في 10 سبتمبر / أيلول بعد 13 شهرًا طويلة من دون حكومة والعديد من المحاولات الفاشلة لتشكيل حكومة. ويتألف مجلس الوزراء المؤلف من 24 عضوا من مزيج من المطلعين السياسيين والتكنوقراط ، بما في ذلك العديد من الوجوه الجديدة. ومع ذلك ، من حيث الأحزاب والطوائف الممثلة ، لا تزال الحكومة تشبه بشكل عام حكومة كل من رئيس الوزراء السابق حسان دياب وسلفه سعد الحريري ، مما يشير إلى أن حكومة ميقاتي الجديدة ستواجه تحديات مماثلة في تنفيذ الإصلاحات الشاملة اللازمة لتخفيف أزمات لبنان التي لا تعد ولا تحصى.

ويُشير التقرير إلى أن دياب استقال في أعقاب وقوع انفجار مرفأ بيروت في أغسطس (آب) 2020، والذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص وألحق أضرارًا بالغة بآلاف المنازل. وكانت التحقيقات الخارجية المختلفة قد ربطت بين وقوع الانفجار وبين إهمال الحكومة. وأدَّى تفاقم أزمات الوقود والكهرباء في لبنان، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، إلى تسريع عملية تشكيل الحكومة. ومنذ أواخر عام 2019، شهد لبنان تضخمًا جامحًا أدَّى إلى تعطيل كل جوانب الحياة اليومية لهؤلاء الذين يعيشون في البلاد، لا سيما الطبقات الدنيا والمتوسطة.

الأولوية : أزمات الكهرباء والوقود والتضخم!

يلفت التقرير إلى أن استمرار فشل القادة اللبنانيين في تشكيل حكومة خلال العام الماضي أدَّى إلى أن تصبح بيروت غير قادرة على إدخال إصلاحات سياسية جذرية تمنع تدهور اقتصاد البلاد من التفاقم أكثر فأكثر، فضلًا عن معالجة بعض المشكلات الهيكلية الأكثر عمقًا.

ونتيجةً لذلك، تدهورت الأوضاع المالية الهشة بالفعل في لبنان منذ استقالة حسان دياب في أغسطس (آب) 2020، والتي ظهرت بوضوح مؤخرًا في نقص الوقود على نطاق واسع، مما ترك أعدادًا كبيرة من المنازل والمدارس والمستشفيات والشركات في ظلام دامس.

وأثارت حدة الكارثة الاقتصادية التي تتكشف في لبنان بعض المخاوف من أن تترنح البلاد على حافة الانهيار الكامل، مما أدَّى إلى ممارسة مزيد من الضغوط الداخلية والخارجية على النخبة السياسية في بيروت من أجل تشكيل حكومة على أمل استعادة بعض الشعور بالاستقرار. وكان البنك الدولي قد صنَّف في وقت سابق من هذا العام أزمة لبنان المالية على أنها واحدة من أسوأ ثلاث أزمات شهدها العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.

ويُنوِّه التقرير إلى أن الحكومة الجديدة تميل إلى إعطاء الأولوية للتخفيف من حدة أزمة الكهرباء في لبنان والتخفيف من التضخم الجامح من خلال اتخاذ تدابير تدريجية. وفي خطاباته الأولى للشعب اللبناني، أكد ميقاتي منذ توليه منصب رئيس الوزراء اعتزامه تخفيف معاناة الشعب اليومية من خلال زيادة توافر الوقود والنقود والكهرباء، والتي أصبحت جميعها نادرة على نحو متزايد. ويمكن تحقيق بعض من هذه الأهداف من خلال المساعدات المالية من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى مساعدات الشركاء الأجانب مثل فرنسا والولايات المتحدة.

هل تتمكن حكومة ميقاتي من استعادة الثقة؟

يتابع التقرير موضحًا أن استعادة الثقة في الحكومة اللبنانية على نطاق واسع يُمكن أن تؤدي إلى تشجيع مزيد من الاستثمار المحلي والأجنبي، بالإضافة إلى أنها ستساعد على استقرار عملة البلاد المحلية. وبمجرد استعادة الثقة الأساسية، يُمكن، خلال الأشهر القليلة المقبلة، تحقيق بعض الإصلاحات الطفيفة، بما في ذلك إعادة هيكلة بعض القروض المعدومة التحصيل، وبمجرد استعادة تلك الثقة الأساسية ستُنفَّذ بعض إجراءات إعادة الهيكلة لشركة الكهرباء اللبنانية غير الفعَّالة.

ويؤكد التقرير أن مجرد وجود حكومة رسمية في السلطة سيساعد أيضًا في تجنب خطر التعرض للعقوبات المفروضة من بعض دول الاتحاد الأوروبي، والتي هدَّدت فرنسا بفرضها على لبنان خلال العام الماضي مع انغماس البلاد أكثر في لُجَج الأزمات والشلل السياسي.

وفي أواخر يوليو (تموز)، أقرَّ الاتحاد الأوروبي إطارًا قانونيًّا لنظام عقوبات، وهدَّد بفرضها إذا استمر لبنان في التصدي لتشكيل الحكومة وتأخيرها.

وأعلنت فرنسا في أبريل (نيسان) فرض قيود على دخول بعض المسؤولين اللبنانيين، من دون أن تفصح عن هوياتهم أو ماهية تلك القيود، لتورطهم في اتهامات بالفساد. وكان ميقاتي، الذي يوصف في أغلب الأحيان بأنه شخصية معتدلة، قد تولى منصب رئيس الوزراء اللبناني خلال حقبتين حرجتين من حدوث الأزمة في لبنان (في عام 2005 وفي المدة من 2011 حتى 2014)، لكنه في كلتا المرتين، لم يُحرز سوى تقدم ضئيل في إصلاح المشكلات السياسية العميقة في لبنان.

التناحر الطائفي يُعرقل الجهود الرامية للإصلاح!

يُشير التقرير إلى أن صندوق النقد الدولي أعلن، في غضون أيام من تشكيل حكومة ميقاتي، أنه سيُخصص حوالي مليار دولار من احتياطات حقوق السحب الخاصة للبنك المركزي اللبناني. ومن المقرر أن تتسلَّم لبنان هذه الأموال في 16 سبتمبر، وسيكون للحكومة اللبنانية السلطة التقديرية الكاملة بشأن استخدامها وتوزيعها. وصحيحٌ أن هذا المبلغ زهيد بالنظر إلى ما يحتاجه لبنان بالفعل للتخفيف من حدة أزماته الهائلة الشاملة، لكن على الرغم من ذلك فإن الأموال ستساعد في دعم الاحتياطيات المالية المستنفدة في البلاد. وكان احتياطي لبنان من العملات الأجنبية قد انخفض من نحو 38 مليار دولار في عام 2019 إلى 15 مليار دولار في يونيو (حزيران) عام 2021.

ويرجح التقرير أن يُؤدي الاقتتال الطائفي الداخلي إلى تعطيل الجهود المبذولة لإجراء إصلاحات أعمق من شأنها حل الأزمة المالية العميقة في لبنان، بدلًا من تخفيف حدة الأزمة بصورة مؤقتة. ونظرًا لأن الحكومة الجديدة تماثل الحكومات السابقة فيما يتعلق بالتخصيص الطائفي للمقاعد، فمن المرجح أن تسقط في النمط نفسه من المشاحنات والخلافات التي أعاقت محاولات سابقة لإجراء إصلاحات أساسية.

وشدَّد التقرير على أن أمورًا مثل إعادة العمل بنظام معونات الدعم أو إجراء تعداد سكاني يؤدي إلى سن قوانين انتخابية جديدة تساعد على كسر الجمود الطائفي أو إعادة هيكلة قطاع البنوك التجارية، والتي تُعد جميعها ضرورية لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي على المدى البعيد في لبنان، يلزمها اتفاقًا كبيرًا بين جميع السياسيين أصحاب المصلحة في لبنان. ومن المرجح أن يرفض هؤلاء الذين يحاولون البقاء في السلطة، بمن فيهم أعضاء الحكومة الجديدة، من جديد أي شيء يُهدد أنظمة المحاباة الاقتصادية والسياسية في البلاد التي تخدم مصالحهم.

إصلاحات يتعذر تنفيذها!

يُفيد التقرير أن وزير المالية في الحكومة اللبنانية الجديدة هو مسؤول سابق في البنك المركزي، والذي لعب دورًا رئيسًا في إنشاء المنظومة الاقتصادية التي انهارت في عام 2019؛ ولذلك قد يكون من الصعب تحقيق إصلاحات كبيرة في البنك المركزي تحت قيادته.

ويتحدث ميقاتي بالفعل عن ضرورة التوصل إلى اتفاق أكبر مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يُخصص للبنان كميات كبيرة من المساعدات المالية. لكن المحادثات بشأن التوصل إلى هذا الاتفاق انهارت في الصيف الماضي وسط خلافات ذات صلة بالجوانب المحاسبية بين البنك المركزي ووزارة المالية ومجلس الوزراء وبرلمان لبنان ومكتب رئيس الجمهورية. ومن السهل تخيل حدوث معوقات مماثلة داخل حكومة ميقاتي.

وفي ختام التقرير، يُؤكد المركز الأمريكي على أن إصلاح منظومة الأجور العامة يُعد أحد أهم الإصلاحات التي يتعين استكمالها على الأرجح من أجل تحقيق استقرار القطاع المالي في لبنان على المدى البعيد. لكن تنفيذ ذلك الأمر لن يُؤدي إلى إجراء تغييرات على تأمين الوظائف والأجور الحكومية فحسب، بل سيؤثر في الطريقة التي يستطيع السياسيون من خلالها توفير بعض المزايا للناخبين الذين يُصوتون من أجلهم في العملية الانتخابية، مما يجعل تنفيذ مثل هذه الإصلاحات أمرًا صعب التنفيذ.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى