ترجمات عبرية

هآرتس: هجوم اسطنبول: هل تدفع تركيا ثمن الحرب في سوريا؟

هآرتس 14-11-2022، بقلم تسفي برئيل: هجوم اسطنبول: هل تدفع تركيا ثمن الحرب في سوريا؟

تحول شارع الاستقلال وميدان تقسيم منذ فترة طويلة إلى هدف مفضل لمنظمات الإرهاب العاملة ضد تركيا. هذا أحد الشوارع المكتظة في الدولة، يغص بالمقاهي والمطاعم والمحلات التجارية التي حولته إلى موقع سياحي مطلوب. عملية مثل عملية أمس، التي قتل فيها على الأقل ستة أشخاص وأصيب العشرات، عملية تضر بمكانة الدولة وفرع السياحة الذي أخذ يتعافى بسرعة بعد أن كاد يتحطم بسبب كورونا، وتضر بمكانة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. التفاصيل القليلة عن طبيعة تنفيذ العملية لا تدل حتى الآن على هوية المنفذين ولم تتحمل أي حركة أو أي تنظيم المسؤولية حتى الآن عن تنفيذها.

سارعت الحكومة في هذه الأثناء إلى منع نشر أي تفصيل يتعلق بالعملية، بما في ذلك صور وأفلام سبق ونشرت في الشبكات الاجتماعية من أجل “منع الذعر في أوساط السكان والسماح للتحقيق بأن يأخذ مجراه بدون إزعاج”. في ظل غياب إعلام حر في الأصل، مشكوك فيه إذا كان النظام سيوفر إجابات على أسئلة صعبة تتعلق بسيطرة الاستخبارات والمعلومات المسبقة، إذا وجدت، وبالأساس كيفية تنفيذ عملية في وضح النهار، في شارع واقع في مركز رقابة الاستخبارات، والذي وضع فيه عدد لا يحصى من الكاميرات في الشوارع وفيه عشرات رجال الشرطة بالزي الرسمي والملابس المدنية.

المتهمون الفوريون هم كالعادة نشطاء حزب العمال الكردي الـ “بي.كي.كي” أو بقايا خلايا “داعش” التي ما زالت تعمل في الدولة. ولكن بؤر العداء للنظام في تركيا لا تقتصر فقط على هذه الأهداف الاستخبارية، التي ترمز لتركيا، فالحساب الدموي بين النظام والتنظيمات الكردية يجري منذ أكثر من أربعين سنة، وقد جبى أرواح عشرات آلاف الأشخاص من المدنيين ورجال الشرطة والجنود. هذه حرب سيزيفية لا نهاية تلوح في الأفق لها.

تعمل القوات التركية في جنوب شرق الدولة، وتقوم باختراق الأراضي العراقية وتفجير قواعد حزب العمال، ويسيطرون على الأقاليم الكردية في الدولة التي أصبحت حتى بدون أن تعتبر كذلك بشكل رسمي أقاليم معادية. الحرب الأهلية في سوريا، التي اندلعت في العام 2011، أضافت جبهة أخرى نازفة ورطت تركيا في غزو عمق الأراضي السورية واحتلال مدن مثل جرابلس وعفرين وأراض واسعة في الأقاليم الكردية بأراضي سوريا. باسم الحرب ضد الحركات الكردية التي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية تتعاون مع حزب العمال، فإن تركيا تطلب لنفسها السيطرة على قطاع من الأراضي بطول نحو 170 كم وعمق 30 كم على طول الحدود مع سوريا. هذا طموح لم يتحقق بالكامل بعد، لكنها الآن طورت بؤر احتكاك ومواجهات عنيفة بين القوات التركية وسكان هذه الأقاليم.

تركيا تنفذ السيطرة على الأقاليم السورية بمساعدة 40 مليشيا مسلحة تعمل تحت مظلة باسم “الجيش الوطني السوري”، الذي أسس في 2017 كحفيد لـ “جيش سوريا الحر”. كان على رأسه التنظيم العسكري الأكبر الذي بادر وجمع العصيان المدني والقتال ضد جيش الأسد، لكن مع مرور السنين انشق التنظيم الذي يشمل عشرات المليشيات التي تحصل في الواقع على دعم وتمويل وتسليح تركيا، لكن درجة امتثالها لأوامر تركيا وأخذت القيادة العليا للتنظيم في التضاؤل إلى أن قررت تركيا مؤخراً على هذا الخليط للمليشيات أن يشكل إطاراً موحداً ممتثلاً وناجعاً، وإغلاق غرف العمليات “الخاصة” للمليشيات والتوصل إلى تفاهمات مع تنظيم جبهة تحرير الشام (في السابق جبهة النصرة التي كانت فرعاً لمنظمة القاعدة).

ما كل قادة هذه المليشيات على استعداد لقبول إملاءات تركيا. حتى إن بعضهم امتنعوا عن المشاركة في اللقاء الذي بادرت إليه تركيا في بداية تشرين الثاني الحالي، وهم غير مستعدين لقبول أوامر القيادة التركية أو أوامر “الحكومة المؤقتة” التي تشكلت في شمال سوريا برعاية تركيا.

من غير المستبعد أن هذا الانقسام والمعارضة لإملاءات تركيا ستتسبب بحدوث جبهة عنيفة بين هذه المليشيات وتركيا. ثمة نزاعات مشابهة في السابق أدت إلى مواجهات عنيفة، حتى لو لم يكن معروفاً حدوث عمليات نفذتها هذه المليشيات في أراضي تركيا.

ما لم يُعرف منفذ هذه العملية، تبقى هيئة الأخبار ملزمة في هذه الأثناء بتضمين إمكانية محاولة منظمات غير راضية إظهار القوة وتهديد تركيا.

تركيا التي تستضيف أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري بدأت مؤخراً في إعادة آلاف اللاجئين إلى سوريا، الذين تعهدت بإسكانهم في شمال سوريا في مناطق ليست تحت سيطرة النظام السوري، وحتى بناء عشرات آلاف الشقق السكنية لهم. هذه خطوة تثير معارضة شديدة في أوساط اللاجئين الذين يخشون على تعرض حياتهم للخطر بالعودة إلى سوريا، وبدون بنى تحتية للتشغيل أو مصادر دخل أخرى، في حين أنهم يتمتعون في تركيا بمخصصات من الحكومة وبالخدمات العامة. تقارير حول مواجهات عنيفة بين لاجئين سوريين ومواطنين أتراك باتت أمراً يومياً، وقد وصف محللون أتراك الوجود السوري في تركيا بأنه “قنبلة موقوتة” تهدد اقتصاد تركيا وأمنها. يجب التأكيد على أنه لا أنباء عن تنظيمات إرهابية مصدرها مخيمات اللاجئين أو اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات.

السؤال الذي يقلق الرئيس التركي والمخابرات التركية هو: هل يدور الحديث عن عملية فردية، مهما كانت أهدافها أو ذريعتها، أم أنه يجب على الدولة الاستعداد لسلسلة عمليات من النوع الذي أرعبها في الأعوام 2015 – 2017 التي قتل فيها مئات الأشخاص وأصيب الآلاف. هذه العمليات شكلت استراتيجية تركيا التي أملت نقل جبهة القتال ضد التنظيمات الكردية إلى خارج الدولة وخلق قطاع أمن جغرافي يمنع انتقال الإرهابيين. هذه الاستراتيجية وضعت تركيا في مواجهة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكن اردوغان عرض على ضيوفه الإنجازات التي تم التعبير عنها بتقليص دراماتيكي للعمليات داخل الأراضي التركية.

 العملية الأخيرة تخدم طلبات أردوغان من الدول الأوروبية، خاصة السويد وفنلندا، اللتين تنتظران مصادقة نهائية من تركيا على انضمامهما إلى الناتو: تسليم نشطاء أكراد يعملون في هاتين الدولتين وإغلاق مراكز الإعلام والإغاثة الكردية التي تستخدم، حسب قوله، كقواعد لنشاطات إرهابية. في الوقت نفسه، قال إن استراتيجية الدرع الواقي الذي أقامه داخل الأراضي السورية لن تضمن أمن المواطنين الأتراك بشكل كامل. هذه ليست مسألة أمنية فحسب، بل إنها تهدد مكانة أردوغان السياسية وشعبيته التي انخفضت في السنوات الأخيرة، وليس للمعارضة في هذه الأثناء مرشح ذو وزن ينافسه في الانتخابات التي ستجرى في حزيران القادم. الأمر الأخير الذي يحتاجه اردوغان ظهوره كمن أفلت أمن الدولة من يديه، إضافة إلى أزمة اقتصادية تغرق فيها تركيا وأدت إلى انهيار سعر الليرة التركية إلى تضخم تجاوز خط الـ 85 في المئة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى