ترجمات عبرية

هآرتس – مظاهرات تحقيقات انفجار مرفأ بيروت تهدد بتحطيم لبنان

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 17/10/2021

” بالتحديد حيث يبدو أن الدولة تسير نحو مستقبل سياسي واقتصادي افضل، انفجر لغم يهدد الحكومة. واستمرار التحقيق في الانفجار في ميناء بيروت هو اختبار لقوة حزب الله “.

في لبنان من السهل ايقاظ الذاكرة الجماعية للحرب الاهلية. في كل مرة تحدث فيها مواجهة عنيفة بين المليشيات والمواطنين يستيقظ على الفور الخوف من اندلاع حرب اهلية جديدة. هذه المواجهات كانت دائما موجودة في لبنان منذ انتهاء الحرب في 1990، ولكن يبدو أن رعب هذه الحرب التي استمرت 15 سنة ومزقت الدولة الى اشلاء، نجح دائما في التغلب ووقف التحطم. 

هذا ما حدث بعد قتل رئيس الحكومة رفيق الحريري في 2005، الذي اخرج الى الشوارع مئات آلاف الاشخاص. وهذا ما حدث ايضا في المظاهرات الكبيرة في 2019 التي فيها واجه رجال حزب الله المواطنين الذين طالبوا بابعاد الحكومة بسبب الازمة الاقتصادية. ايضا بعد المواجهات أول أمس يبدو أن ذكرى الحرب الاهلية وتدخل الجيش نجح في خفض نسبة العنف حتى لو بقي التوتر والعداء على حاله.

ذريعة المواجهات هذه المرة كانت قرار طارق بيطار، القاضي الذي يحقق في قضية الانفجار في ميناء بيروت في آب 2020، استدعاء وزراء سابقين للتحقيق، من بينهم وزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزير المواصلات السابق غازي زعيتر، ووزير الاشغال العامة السابق يوسف بنيانوس. الاولان كانا الممثلين لحركة أمل الشيعية في الحكومة. استدعاء خليل في يوم الثلاثاء الماضي الى التحقيق، الذي يمكن أن ينتهي بتقديم لائحة اتهام خطيرة، كان الشرارة التي اشعلت الشارع. 

رئيس حزب الله، حسن نصر الله، دعا في يوم الخميس لاجراء مظاهرات احتجاج ضد القرار والمطالبة باقالة القاضي. المتظاهرون، الذين هم من رجال حزب الله وأمل، الذين لم ينجحوا في تجنيد نشطاء من حركات سياسية اخرى، تجمعوا في حي تونيا في بيروت، في منطقة توصف بأنها الخط الفاصل بين الاحياء الشيعية والاحياء المسيحية. ليس من الواضح من الذي بدأ باطلاق النار. حسب البيان الاول الذي نشره الجيش، المتظاهرون ووجهوا بنار القناصة التي اصابتهم، ونتيجة ذلك قتل سبعة اشخاص. ولكن بعد فترة قصيرة نشر الجيش بيان آخر “معدل” يقول إن تبادل اطلاق النار حدث بين الطرفين دون الاشارة الى الطرف الذي بدأ باطلاق النار.

حزب الله وأمل يتهمون القوات اللبنانية بالبدء باطلاق النار، وهي المليشيا المسيحية. سمير جعجع، رئيس المليشيا وخصم قديم وعنيد لحزب الله، رفض هذا الاتهام بشكل مطلق. في نفس الوقت غضب حزب الله من بيان الجيش الذي يصف المواجهة بأنها ثنائية. حزب الله من ناحيته قال إن المتظاهرين كانوا ضحية هجوم مخطط له من قبل مسلحين. واعتبر بيان الجيش “تسييس للمواجهة”، حسب تعبير المتحدثين باسم حزب الله.

فقط قبل شهر تم تعيين رئيس حكومة جديد في لبنان وهو الملياردير الذي يحب الملذات، نجيب ميقاتي. وكان يبدو أن الدولة بدأت تسير في مسار يمكن أن ينقذها من الازمة السياسية والاقتصادية العميقة الغارقة فيها. وها هو قد انفجر اللغم القوي الاول الذي يهدد الحكومة.

هذه ليست المرة الاولى التي فيها التحقيق في انفجار ميناء بيروت يهز النسيج السياسي الهش. ففي شهر شباط الماضي تمت اقالة القاضي المحقق السابق فادي صوان من مهمة التحقيق بعد أن قدم وزراء سابقون تم استدعاءهم للتحقيق، ضده دعوى للمحكمة بسبب ما اعتبروه تجاوز لصلاحياته ومحاولة لتسييس التحقيق. صوان تم تعيينه من قبل مجلس القضاء الاعلى، الذي تقوم الحكومة بتعيينه. مجلس القضاء قدر أنه سيتصرف حسب قواعد اللعب السياسية المعروفة وأن يبحث عن ضحية صغيرة. ولكن صوان استدعى الى التحقيق ايضا رئيس الحكومة السابق حسن ذياب وسلفه سعد الحريري. بسبب ذلك تعرض للانتقاد الشديد منهما، اللذان لم يكلفا انفسهما عناء المثول امامه، مثلما فعل ايضا الوزراء الآخرين الذين تجاهلوا الاستدعاء بذريعة أنهم يتمتعون بالحصانة.

القاضي المحقق الذي حل محله، طارق بيطار، رجل القانون الذي ترأس المحكمة الجنائية في بيروت وحصل على ثناء كبير بسبب مواهبه القانونية، لم يرغب أبدا في هذه المهمة المستحيلة. وزيرة العدل في حينه ماري كلود نجم، توجهت اليه بعد فترة قصيرة على الانفجار الذي قتل فيه 200 شخص واصيب الآلاف ومئات الآلاف بقوا بلا مأوى، وطلبت منه أن يترأس لجنة التحقيق. هو شكرها على ذلك، لكنه تنازل عن ذلك. من غير الواضح لماذا وافق في هذه المرة على تولي التحقيق، لكنه اوضح بأنه ينوي التحقيق بنزاهة ودون اعتبار لوضع أو منصب من هم مسؤولون عن الكارثة.

بيطار لم يكن عليه الانتظار لوقف طويل حتى التصادم المتوقع مع معارضي التحقيق. منذ اللحظة التي تم تعيينه فيها بدأت تنشر مقالات انتقاد ضده. هو وابناء عائلته حصلوا على تهديدات هاتفية، ورافقته حراسة مشددة وايضا مطالبة باقالته قدمت للمحكمة، التي رفضتها في هذه المرة. حزب الله هدد بأنه اذا لم تتم اقالة بيطار فانه سيشل نشاط الحكومة عن طريق الامتناع عن المشاركة في الجلسات. في الاصل هي لا تستطيع اتخاذ قرارات مصيرية، التي هي حيوية لأداء الدولة. 

بيطار لم يتراجع حتى الآن، بل حصل على دعم علني من رئيس الدولة، ميشيل عون، الذي صرح أول أمس بأن “الشارع ليس هو المكان المناسب للمواجهة”. وقد طالب الجميع بالهدوء. ايضا هذا التصريح حصل على ادانة حزب الله الذي اعتبره محاولة من جانب الرئيس لتقييد حرية التعبير، بالاساس تصفية مركزة للرواية التي تقول بأن المتظاهرين هم الذين كانوا ضحية الهجوم. حيث أنه عندما يطالب عون الجميع الحفاظ على الهدوء فانه يلقي المسؤولية على الطرفين، بالاساس يدير ظهره لحزب الله. 

حزب الله وأمل حساسان بشكل خاص لهذه الفروق الدقيقة، وهما اللذان يديران الصراع في اعلى الجبل على شرعيتهما السياسية والشعبية. حزب الله الذي حقق لنفسه مؤخرا تأييد سياسي مهم عندما فتح مسار النفط من ايران الى لبنان عبر سوريا، وطرح نفسه كمن ينقذ بذلك اقتصاد الدولة، قدر أنه يمكنه ايضا املاء طبيعة التحقيق في الانفجار في الميناء وتحديد من هو القاضي المحقق. هذه مهمة عليا من ناحية حزب الله لأنه اذا تبين أنه شريك في المسؤولية عن الانفجار فانه سيكون عليه التصادم مع معظم الجمهور في لبنان الذي يكن غضب شديد تجاه الحكومة، غضب سبق واثبت قوته في اسقاط الحكومات.

حزب الله يحذر الآن كي لا يصل الى مواجهة عنيفة في الشوارع. هذا الامر يمكن أن يمس ليس فقط بقدرته على المناورة امام الحكومة، بل ايضا بقدرة ايران على مواصلة كونها عامل مؤثر في لبنان، بشكل خاص بعد أن تلقت هزيمة سياسية في الانتخابات العراقية. “نحن لن ننجر الى حرب اهلية”، اعلن المتحدث بلسان حزب الله. في حين أنه في جنازة القتلى اتهم كبار قادة حزب الله الولايات المتحدة و”القوات اللبنانية” بحياكة مؤامرة لاشعال حرب اهلية. أي ليس حزب الله، بل اعداء الدولة هم المسؤولون. 

الخوف هو أن الاحداث الاخيرة ستعيق مرة اخرى التحقيق، أو أنه في اعقابها سيستقيل القاضي المحقق. هذا التعويق يمكن أن يخرج آلاف الاشخاص الى الشوارع ويعيد لبنان الى ايام المظاهرات الصاخبة، وهذه من شأنها يمكن أن تكون خطيرة اكثر بسبب شحنة الاحباط الضخمة التي تتغذى على الازمة الاقتصادية التي دهورت مئات الآلاف واوصلتهم الى تحت خط الفقر. من الضربة الشديدة للكورونا ومن غياب افق سياسي واقتصادي.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى