ترجمات عبرية

هآرتس: مجزرة الطنطورة: شهادات تُفنّد أكاذيب المُنكرين

هآرتس  2022-07-23، بقلم: الون شفارتس (مخرج فيلم الطنطورة)

كانت التقنية الأساسية، التي أسكت بها تيدي كاتس، قبل ربع قرن تقريباً، البحث في عدة اقتباسات وقعت فيها أخطاء في رسالة الماجستير خاصته، والتي تتكون من مئات الصفحات. بعد ذلك قاموا بتخويفه بقضية فضائحية لإسكاته والطعن في مصداقيته في حملة عامة ورفض رسالته بالكامل على اعتبار أنها غير جديرة.

المقالات التي كتبها غيورا آردنست، والمراسل الموسيقي، حاجي حيترون، والمؤرخ يوآف غلبر حول هذا الموضوع المحامي هي أمثلة حديثة للظاهرة المنتشرة جدا في إسرائيل، في اليسار وفي اليمين، والتي تتمثل في النفي أو التقليل من قيمة النكبة.

أمامنا إحدى قضايا الإسكات الخطيرة، التي وُجدت منذ قيام الدولة. معظم الإسرائيليين يجدون الراحة في قراءة مقالات كهذه والتي وظيفتها الحقيقية هي الحفاظ على القصة الجميلة التي تربينا عليها، والسماح بمواصلة إبعادها، وهي أننا لم نطرد، بل هرب العرب بإرادتهم، والجيش الإسرائيلي هو الجيش الأخلاقي في العالم، وجنوده لا يذبحون أبداً، وما شابه. أوصي برؤية فيلم “الطنطورة” والحكم بأنفسكم. ورغم محاولات الاسكات إلا أن الفيلم سيتم عرضه في بداية الأسبوع القادم في قناة “اتش.او.تي8”.

قبل الدخول الى إثبات مزاعمهم الخاطئة سأضيف شيئا عاما، يصلح أيضا بخصوص الرسالة الوحشية والتهكمية لعميد جامعة حيفا، البروفيسور غور الروي، التي تم إرسالها لأعضاء الطاقم قبل يوم من عرض فيلم “الطنطورة” في الجامعة. لا يتناول الفيلم جودة الرسالة الاكاديمية لتيدي كاتس، أو مسألة هل حدثت أخطاء في تسجيل عدد من الاقتباسات التي سجلها في تسجيلاته كجزء من البحث، في الوقت الذي كتب فيه الرسالة الأولى قبل 23 سنة. ليس هذا هو المهم بالنسبة لي، لذلك فإن الفيلم لا يتناول ذلك على الإطلاق.

الطنطورة: 23 أيار 1948

المهم بالنسبة لي هو ما حدث في قرية الطنطورة في 23 ايار 1948 وكيف أن هذا الأمر تم اخفاؤه وإسكاته منذ ذلك الحين بصورة استحواذية تقريباً في المجتمع الإسرائيلي. يأخذ الفيلم المادة الخام التي سجلها كاتس في حينه، ويجعل المشاهد يستمع إليها بشكل مباشر، وذلك من خلال دمج مقابلات حديثة مصورة مع جنود كانوا هناك، وبحث شامل ومستقل يرتكز إلى وثائق، صور جوية، ومواد ارشيفية أخرى. الادعاء بأنه بسبب عدم الدقة في عدة اقتباسات في عمل كاتس قبل 23 سنة فإن الفيلم يعتبر معيبا، هو تقنية للتضليل وتكرار تجربة إسكات القضية.

في اساس فرضيته قال كاتس بأنه في 23 أيار 1948، وبعد انتهاء المعركة في الليل، قتلت قوات الجيش الإسرائيلي في الطنطورة الكثير من الرجال، ممن كانوا بدون حماية، من خلال تنفيذ جرائم حرب فظيعة واستخدام أساليب قتل مختلفة. بهذا فان كاتس كان على حق حسب رأيي.

خلافاً لما كتبه حيترون فان الفيلم لا يركز على مسألة هل قتلوا في الطنطورة 12 شخصا أم 20 أم 200. هذه محاولة لتأطير وتسطيح النقاش وتوجيه الحوار نحو ما هو مريح لأعضاء جبهة الإسكات. يأتي الفيلم بقصة واسعة تشمل، ضمن امور اخرى، خلفية حرب 1948 وكيف تم بناء وإبعاد الذاكرة الى جانب روايات مختلفة عما حدث في الطنطورة، حيث ينفي متحدثون كثيرون المذبحة. إضافة الى ذلك فان الفيلم يتناول الإخفاء المحدد لقضية الطنطورة والاخفاء الشامل للنكبة، ويعرض أمثلة حول طريقة بناء الرواية في تلك الفترة على يد المؤسسة الإسرائيلية. هكذا فان الفيلم هو صورة تاريخية للمجتمع الإسرائيلي وفرصة نادرة للسماع من أبناء جيل 1948 أنفسهم في شهادة أخيرة قبل وفاتهم.

اساس وظيفة الفيلم الوثائقي هي إثارة نقاش عام يقظ ومتواصل حول مواضيع مهمة. يبدو لي في هذا الامر أن الفيلم نجح بصورة غير مسبوقة حتى قبل أن يتم عرضه في إسرائيل. تحتل “مناقشة الأرقام” مكانا هامشيا في الفيلم بشكل متعمد. يظهر في الفيلم طوفيا هيلر، الذي قاد القوة المقاتلة التي جاءت من الشمال، ويقول إنهم لم يقتلوا في الطنطورة أي شخص بعد انتهاء المعركة، وإن القصة حول قناة حفروها ودفنوا فيها 300 شخص هي اسطورة. هذا كان أيضا الموقف الرسمي الذي قاله قائد الكتيبة 33، بن تسيون (بنتس فريدمان) طوال السنين. “لقد قتل هناك 20 – 30 شخصا في المعركة”، قال فريدمان امام كاتس قبل تفجر القضية.

كان مردخاي (موتل) سوكلر مرشدا من زخرون يعقوب، حيث رافق القوات الى المعركة في الطنطورة وبقي هناك بضعة أيام كي ينفذ على الأقل جزءاً من عملية دفن العرب. لم يكن للجنود المقاتلين أي وسيلة لمعرفة ما هو العدد الدقيق لجثث العرب، التي بقيت مرمية على الارض. فقد غادروا المنطقة بعد أقل من يوم، وقبل أن يتم جمع ودفن جميع الجثث. أي في الظهيرة وفي المساء بعد المعركة الليلية. استمرت مهمة الدفن وجمع الجثث طوال الاسبوع الذي أعقب المعركة. يمكن فهم ذلك حسب وثائق مختلفة متاحة لنا، الآن، من عدة ارشيفات. هناك توثيق خطي وشهادات على أنه في أرجاء المنطقة كانت هناك جثث كثيرة منتشرة: في الطرق وفي البيوت وفي الشوارع. لا أحد يعرف ما هو عدد القتلى الدقيق.

سوكلر، الذي هو من الاشخاص الوحيدين الذين كان يمكنهم معرفة عدد الجثث التي تم جمعها في المنطقة وتم دفنها، يدعي وجود عدد كبير من القتلى دفنهم هو وسكان الفريديس الذين تم احضارهم الى الطنطورة من أجل تنفيذ المهمة. خلافا لما يدعيه اردنست في مقاله فان سوكلر لم يكن مجنونا. فقد تذكر جيدا في المقابلة معي من من ابناء زخرون يعقوب رافق القوات المقاتلة. ومع أي فصيل بالضبط ذهب كل واحد منهم. يوجد في هذا الامر توافق مطلق مع وثائق الجيش الإسرائيلي حول يوم المعركة. يمكن الادعاء بأن سوكلر بالغ في التقدير بخصوص عدد الجثث التي دفنت، وأنه لم يكن هناك 270 قتيلا كما تم الادعاء، لكن القول بأنه مجنون فهذا غير صحيح. ردا على سوكلر فان الفيلم يأتي بأقوال البروفيسور يوآف غلبر. فهو يدعي بأنه لا يصدق الشهود، ولذلك فانه لم يكلف نفسه عناء الاستماع لشهادات الجنود وهو يصف سوكلر بأنه مجنون.

حول سؤال لماذا نحن في إسرائيل نصدق شهادات ضحايا الكارثة في حين لا نصدق شهادات ضحايا النكبة، أو لماذا نصدق قصص جنودنا التي تحولت الى جزء من ارث الجيش ولكننا لا نصدقهم عندما يتحدثون الواحد تلو الآخر عن جرائم الحرب التي ارتكبت في 1948، نبقي للقراء التفكير والاجابة.

نعم كانت هناك قبور جماعية

لماذا يدعي حيترون أنه لا يوجد خلاف حول أنه في الطنطورة قتل 12 أو 20 عربيا بعد انتهاء المعركة؟ حسب معرفتي، الى أن تم عرض فيلم “الطنطورة” فان ممثلي رابطة الكسندروني لم يعترفوا بأنه قتل هناك اشخاص بعد المعركة، لا 12 ولا 20. هذه زيادة متأخرة، ويبدو أنها تغيير في مواقفهم، إذا صدقنا حيترون. من هذه الناحية فان الاعتراف بشكل متأخر أفضل من أن لا يكون هناك اعتراف. اذا لم يعد بالامكان بعد عرض الفيلم أن يتم النفي تماما فعلى الأقل سنحاول التقليل. اذا كان الامر هكذا فان الهدف الآن هو تقليص عدد القتلى من أجل خلق صورة وكأن الامر يتعلق بحالات محددة “على هامش المعركة”، كما كتب اردنست في مقاله. هذه لم تكن الحال حسب رأيي، على الاقل ليس حسب عدد الشهادات التي تراكمت حول اعمال قتل بعدد من الطرق.

خلافاً لحيترون فانه لا يوجد في الفيلم أي تناقض في موضوع القبر الجماعي. يعرض الفيلم شهادة حديثة لشاهد عيان عن الكشف العرضي عن قبر جماعي مع هياكل عظمية، وتغطيته بالتراب في بداية التسعينيات الى جانب الشك في تنظيف قبر جماعي في العام 1949. يدور الحديث عن قبور جماعية مختلفة وفي اماكن مختلفة. المنطقة التي توجد شهادة على العثور فيها على عظام في التسعينيات توجد قرب الشاطئ خلف منزل عائلة يحيى، الذي ما زال قائما على الأرض حتى الآن. في المقابل، القناة المفتوحة، التي يوجد شك بأنه رفعت منها الهياكل العظمية، توجد الآن تحت موقف السيارات في حوف دور.

يبدو أن حيترون متردد في التعمق في الخرائط والصور الجوية. بالمناسبة، هذه ذريعة اخرى استخدمها في حينه لدحض اطروحة كاتس. “لم تحضر ما يكفي من الخرائط”، قالوا له. ولكن عندما يأتي شخص ببحث عميق يحلل صور جوية كثيرة تم تصويرها خلال 75 سنة فانهم يختارون في جبهة الاسكات النظر الى الاتجاه الآخر ودحرجة العيون نحو السماء. القناة المشبوهة هي قبر مفتوح، تظهر في الصورة الجوية من العام 1949، بطول 35 مترا وعرض 4 امتار. بجانبها يظهر بوضوح كومة من التراب، وليس من السهل اثبات ما ورد في الفيلم. لذلك، تم فحص الامر بتعمق مع خمسة خبراء. جلستُ أنا بسرية مع أفضل الخبراء في دولة إسرائيل وفي الجيش الإسرائيلي.

في الصور الجوية من العام 1949 تظهر قناة مفتوحة تشبه القبور الجماعية الكبيرة المعروفة لنا من اماكن اخرى في العالم. وقد استغرقني وقت طويل كي أدرك بأن جهة معينة، كما يبدو، سواء محلية أو تابعة للدولة، أخلت من هناك محتويات القبر الجماعي بمساعدة آلة ميكانيكية، مهما كان دافعها. هذا كما يبدو منطقة القبر الجماعي الكبير الذي وصف في معظم الشهادات. وهذا يتوافق مع وصف القبر الجماعي الموجود قرب المقبرة التي تظهر في وثيقة من تلك الفترة في ارشيف الجيش الإسرائيلي، الذي يوجد في ايدينا. حسب اقوال سوكلر، الذي قام بالدفن، فان الجثث تم وضعها في القبر على طبقتين. طريقة حساب حجم القبر من خلال الصورة الجوية وعرض نموذج القبر بالابعاد الثلاثة حسب الصور الجوية من اجل تقدير عدد الموتى الذين كان يمكن دفنهم في هذا القبر، سأبقيها لمقال آخر أو للجنة التحقيق. من يدّعون ضد الفيلم مدعوون للالتقاء والحصول على تفسير مفصل من الاشخاص المهنيين في هذا المجال. من نافل القول أن لا أحد منهم جاء حتى الآن الى أي لقاء كهذا.

سواء أتم اخلاء جثث من هناك، كما نقدر، أم لم يتم ذلك، فلا أحد من جبهة الاسكات عرض تفسيرا بديلا: لماذا تظهر في موقع القبر الجماعي الموجود قرب المقبرة قناة مفتوحة لمدة سنة ونصف بعد الدفن؟ حتى بدون الحفر هناك يمكن التحقيق في القصة بوسائل تكنولوجية متقدمة مثل الرادار تحت الأرضي المتاح الآن. حسب تقديرات الخبراء سنشخص، كما يبدو، عدم انتظام في التربة، أو على الاقل يمكننا تأكيد حجم القناة التي كانت هناك، أو ربما سنرى ارتدادات الرادار اذا كانت الهياكل العظمية ما زالت موجودة. حتى الآن فانه في كل شتاء تتجمع في المكان بركة مياه كبيرة، الامر الذي يشير الى عدم انتظام من تحت الارض، ويحاول ابناء المكان إخفاءها عن طريق وضع التراب بشكل متكرر. من المهم اذا كانت دولة إسرائيل ستساعد في إجراء تحقيق جدي في هذه القضية. ويدور الحديث عن تحقيق لعلماء آثار مشهورين وجيولوجيين لا مؤرخين. أنا موجود هنا، استدعوني عند تشكيل لجنة التحقيق.

من اجل تعزيز اقواله، يعرض حيترون امام القراء الاقوال التي قالها له المؤرخ بني موريس. عندما عرضت على موريس الصور الجوية للطنطورة تكدر وجهه، وادعى بأن الأمر غير ممكن؛ لأنه في تلك الفترة لم يصوروا البلاد من الجو. لشديد الاحراج، هذه لم تكن اقوال الهراء الوحيدة التي سمعتها من موريس. فهو أيضا قال أمامي إنه تشاور في حينه مع خبير ووجد أن الجثث “لا يمكن أن تنتفخ”، في محاولة لمناقضة الشهادات حول القبور المليئة بالجثث التي انتفخت على الارض بعد الدفن.

ادعاء آخر لموريس حسب اقوال حيترون هو أنه لا تتوفر وثائق يمكن من خلالها الفهم بأنه حدث قتل جماعي في الطنطورة. هذا الادعاء غير دقيق. ورغم أنه ليس لدينا طريقة للوصول الى جميع المواد ذات الصلة التي يحتفظ بها حتى الآن في الارشيفات، إلا أنه توجد في يدنا وثيقة مهمة كتبها قائد محافظة نفتالي لقائد المنطقة 1، التي كانت تنتمي اليها الطنطورة. في 29 أيار 1948، أي بعد مرور ستة ايام على الحدث على الارض، وبخ قائد المحافظة مرؤوسه:

“أ- يجب عليك التأكد من أن يتم دفن جثث العرب الموجودين في الطنطورة وأن تمنع حدوث وباء.

ب- من غير المعقول أن لا تنفذ ما يفرض عليك. هذه المرة القصد هو تخطيط الطنطورة. كان يجب أن يكون لك ما يكفي من الوقت للانتهاء الكامل”. ما هو تفسير هذه الرسالة؟ ماذا يعني “تخطيط الطنطورة” الذي تم التحدث عنه بعد احتلال القرية في سياق دفن جثث العرب؟ لماذا استغرق الامر وقتا طويلا لإنهاء دفن جثث العرب؟ لماذا يوجد خوف من تفشي وباء؟ يبدو أن الاجابة مرتبطة بالصعوبة الكامنة في الدفن اليدوي لعدد كبير من القتلى في الميدان.

رسالة رئيس الأركان

من الجدير التطرق ايضا لمقال البروفيسور غلبر، الذي نشر في موقع “ديوما”. كتب غلبر بأن ما نفذه جنود الكسندروني في الطنطورة كان إضراراً بالممتلكات. مصدر هذا الادعاء موجود في المراسلات العسكرية في 1 حزيران 1948. حينها أصدر مكتب رئيس الاركان برقية لقائد لواء الكسندروني بهذه الصيغة: الموضوع: “الطنطورة.

“لقد علمت من قسم الشؤون العربية بأن الجنود الذين دخلوا الى الطنطورة نفذوا اعمال تخريب كثيرة بعد الاحتلال وبدون أي حاجة. رجاء أعلموني مدى صحة هذه الاقوال التي وردتني وماذا فعلت لمنع أعمال كهذه في المستقبل”.

لماذا كتب حيترون بأنه “اليوم أصبح من المعروف أن عميتسور كوهين لم يكن في الطنطورة أبدا؟”. بحث سريع في “غوغل” عن كلمة طنطورة + عميتسور سيقود القراء الى شهادتين مختلفتين لعميتسور تم اعطاؤهما قبل سنوات من اجراء المقابلة معه من اجل فيلم الطنطورة. يروي عميتسور كيف تم ضمه للكتيبة 33 في المعركة في الطنطورة رغم أنه كان من كتيبة أخرى، لأنه كان مدفعيا من فصيل مساعد في لواء الكسندروني.

اضافة الى ذلك، تحدث عميتسور في الفيلم عن “الأشهر الاولى” للحرب، التي لم يكن فيها حسب شهادته يأخذ أسرى، بل كان يقتل. هكذا من الواضح أنه لا يتحدث بشكل محدد عن الطنطورة في هذا المقطع. ومثلما قيل في السابق فان الفيلم يعرض صورة واسعة ولا يتناول فقط الطنطورة. هذا الامر تم توضيحه لحيترون في محادثتي معه، لكنه اختار تشويه ما تم توضيحه له بكل ثمن.

القاضية درورا فلفل

الآن، سننتقل لىسعادة القاضية درورا فلفل. خلافاً لجماعة المُسكتين الذين هم غير مستعدين للاعتراف بالخطأ الذي استمر سنين بعد الحدث، وحتى أمام الصوت الواضح لجزء من الجنود الذين يعترفون بشجاعة كبيرة بجرائم الحرب التي ارتكبت هناك، توجه القاضية نظرة مباشرة الى الكاميرا وتقول بدون مواربة: «لو أنه كان لدى تيدي كاتس مواد كهذه لكان عليه أن يواصل حتى النهاية. حتى أن القاضية ردت في هذه الصحيفة باختصار وبصورة موضوعية على مقال اردنست وعلى ادعاءاته بشأن ما حدث في قاعة المحكمة بالقول: «يقدم المحامي اردنست في مقاله معلومات غير صحيحة». وحسب رأيي، مطلوب درجة كبيرة من الشجاعة والاستقامة من أجل فعل ما فعلته القاضية فلفل.

كتب اردنست في مقاله بأن أخطاء كاتس لم تنبع من الإهمال، بل يدور الحديث عن «تزوير حقيقي». فهل حكمت أي محكمة في أي يوم بشيء يؤيد هذه التهمة الخطيرة؟ هل في اللجان المشكّلة من قبل جامعة حيفا، التي ناقشت العمل، توصلوا في أي وقت الى هذا الاستنتاج؟ بالتأكيد لا. ومثلما شرح في الفيلم المحامي افيغدور فيلدمان: من يؤمن تماما بصدق نهجه يجب عليه اثبات ذلك في المحكمة، وأن لا يناضل من اجل أن تنتهي المحاكمة بتسوية شبه مفروضة أو إلغاء بدون نقاش كامل وعميق فيه تعرض جميع الشهادات وتسمع فيه ادعاءات جميع الأطراف.

أريد النسيان

منذ انتهاء المحاكمة بشكل سريع وبمصالحة يستند أعضاء طائفة المنكرين إلى أنه «كانت هناك محاكمة»، ويعلنون بأنهم انتصروا فيها. لذلك، هم يخلقون مظهراً خاطئاً لا يصيب الحقيقة ويضلل الرأي العام. الحقيقة هي أن المحاكمة انتهت برسالة استسلام تم املاؤها على كاتس. فقد وقع كاتس على الرسالة كما هي بدون أي تغيير تحت الضغط الذي استخدم عليه، سواء من قبل جنود الكسندروني أو من قبل رجال جامعة حيفا، أو ربما بالأساس من قبل عائلته التي تراجعت نفسياً واقتصادياً تحت مكبس الضغط. يعتبر هذا وصمة عار لرجال الكسندروني ووصمة عار لجامعة حيفا وايضا وصمة عار لجهاز القضاء في إسرائيل، الذي لم يقبل طلبه التراجع وإجراء محاكمة عادلة حتى النهاية. لا أحد رغب في أن يجرى في إسرائيل «محاكمة للنكبة». هذه هي الحقيقة المجردة.

سنستمر مع المحامي اردنست، الذي يأتي تعزيزاً لاقواله، بشهادة شلومو انبر، الذي كان في حينه ضابطا شابا في الكتيبة 33 وبعد ذلك أصبح قائدا للكتيبة وقائدا للدفاع المدني في الجيش الإسرائيلي. كتب اردنست: «المشاهد ايضا لا يعرف أن شلومو انبر، الذي يستند اليه شفارتس، لم يحارب في الطنطورة في المرحلة التي فيها حسب ما تم الادعاء، ارتكبت ‘المذبحة’. كان انبر ضابط متفجرات وصل فقط حتى بوابة القرية التي قام بتفجيرها، ولم يدخل الى الداخل». امامنا مثال حي عن كيفية تعبير اردنست عن نفسه من خلال التلاعب الأساسي بما ادعي به فعلياً: حدث تفجير السلسلة قبل الدخول الى القرية من الشرق في الليل، وانتهى القتال عند بزوغ الفجر. أثناء اليوم الذي ادعي فيه بأنه ارتكبت عملية قتل لاشخاص عاجزين لم يكن هناك قتال. هذه هي القصة. شهادة انبر ربما هي من الشهادات الاكثر اهمية التي سجلها كاتس. حاول انبر في الحقيقة في بداية الشهادة إبعاد نفسه عما حدث في الطنطورة من خلال القول بأنه كان في حينه جنديا شابا في الكتيبة. وأشار الى أنه تقريبا لم يشارك في معركة الطنطورة، بل فقط قام بفتح السلسلة التي توجد بين منحدرات الكركار عند مدخل القرية.

ما نسي اردنست الإشارة اليه هو ما قاله انبر لكاتس في نهاية شهادته. قال انبر إنه كان في المقبرة وعلى شاطئ البحر غداة ليلة المعركة، وهناك رأى اشخاصاً قتلى. منطقة المقبرة هي المكان الذي تم فيه تنفيذ جزء من الاعدامات، ضمن امور اخرى وحسب شهادات اخرى. من الامور التي شرحها انبر لكاتس يُفهم لمن يستمع بأنه حسب رأي انبر فإنه بسبب أنه لم يسمع صوته في حينه ووقف جانباً، فليس له حق أخلاقي للتحدث والاحتجاج بأثر رجعي على ما حدث في الطنطورة. حتى أن انبر قال لكاتس في شهادته بأنه حتى الألمان لم يقتلوا أسرى حرب غربيين، بالاشارة الى ما فعله جنودنا مع الأسرى في الطنطورة.

في نظرة إلى الصور الجوية يتبين أن أخاديد الكركار التي تم فتح السلسلة قربها توجد على بعد 950 متراً شرق المقبرة (الآن المكان موقف سيارات في حوف دور والعشب الاخضر في جنوب متحف الزجاج). لذلك، يتبين من شهادة انبر أنه مر بـ «بوابة الدخول الى القرية» وشاهد ما شاهده خلافاً لما يدعيه اردنست.

من المهم الاستماع الى الشهادة الكاملة والطويلة لانبر بصوته من أجل فهم التناقض. من يصغي جيداً يعرف أن هذه المشاهد طاردت انبر عشرات السنين بعد ذلك. «اريد النسيان»، قال انبر بصوت منكسر. من يبحث عن عدم سماع الحقيقة فانه كالعادة سينجح في ذلك. ومن يصغي جيداً لصوت انبر المتألم والنغمات في صوته والوقفات الصامتة سيفهم كل القصة. امامنا مثال واضح لماذا النص الجاف المتبع في المحاكم وفي الاكاديميا ليس وسيلة كافية لفهم كل الصورة، ولماذا من يتعاملون مع المهنة السيزيفية لجمع الشهادات، مثلما فعل تيدي كاتس، ومثلما فعلت أنا، يمكنهم أن ينزلوا اكثر الى عمق الامور، اكثر من الذين لا يريدون أن يعرفوا ويرفضون الاستماع للصوت والنغمة نفسها. ما يحاول اردنست فعله هو إسكات النقاش وإسكات من يتجرؤون على الحديث عما كان هناك من زاوية لا تتفق مع القصة المجملة التي يقدمها.

أنا مسرور لأنني سمعت اردنست يقول في الأشهر الأخيرة في المذياع وفي التلفاز بأنه مات في الطنطورة اشخاص أيضا «على هامش المعركة». هذا كما يبدو مفهوم قام هو بتطويره، لأنه لا يمكنه مواصلة التمسك بفرضية أنهم لم يقتلوا أي أحد هناك.

أحضرتُ هنا فقط عدة امثلة على تشويه الحقيقة من قبل رجال جبهة الاسكات. معظمهم كانوا مرتبطين بالقضية قبل فترة طويلة من صدور الفيلم. هم غير موضوعيين. وسنحتاج الى مقال من عشرات الصفحات لدحض ادعاءاتهم المتبقية. ولكن لا توجد حقيقة اقوى من لغة الجسد للجنود الإسرائيليين الذين كانوا هناك، سواء اعترفوا أو لم يعترفوا بأحداث ذاك اليوم التي يريد الجميع نسيانها. لا توجد شهادة أقوى من الشهادة المصورة على شاشة السينما. ليس باستطاعة أي قدر من الحنكة القانونية لمحامٍ رفيع المستوى أو أي هذيان اكاديمي لهذا المحاضر أو ذاك اخفاء الحقيقة المرئية للمشاهد عن أعين الجنود أنفسهم.

هذا لن يتكرر .

حتى لو أن الامر كان يتعلق بشهادات شفوية عمرها خمسون سنة وأكثر، وهنا وهناك حدث خطأ، إلا أن أي عاقل يعرف أنه حدث في الطنطورة أمر فظيع. كما يبدو العدد الدقيق للقتلى، الذين استغرق دفنهم وقتاً طويلاً، لن نعرفه في أي يوم. شملت أساليب القتل، حسب الشهادات، إطلاق النار على أشخاص تم توقيفهم في طوابير أمام الحائط، وإطلاق النار من مدفعية على خيام تم تجميع أشخاص فيها، وإطلاق النار من مسدس «باربيلوم» من مسافة صفر على رؤوس أشخاص، وإلقاء قنابل داخل الغرف التي تم فيها تجميع مدنيين، وإحراق عدد من الاشخاص وهم على قيد الحياة (بما في ذلك امرأة) بقاذفة ملتهبة، وفي بعض الحالات صدرت اوامر لأشخاص بحفر بئر وأطلقت النار على رؤوسهم. هذه قائمة جزئية. يوجد في يدنا ايضا شهادات، رغم أنه لم تشمل في الفيلم، بأنه تم قتل اشخاص بعد التحقيق معهم من قبل «شاي» (جهاز مخابرات الهاغاناة). اضافة الى ذلك، حسب الشهادات، كان هناك تسجيلات، ومن كان لديه في بيته سلاح تم اطلاق النار عليه بعد تسليم هذا السلاح للجنود.

هذه الجرائم لم ينفذها فقط جنود مارقون. توجد لدينا شهادات مع اسماء عدد من القتلة، التي بشكل متعمد لم يتم إدخالها في الفيلم بدافع حماية ابناء عائلاتهم. يشمل هذا ايضا ضابطاً شاباً اصبح بعد ذلك ضابطاً رفيعاً جداً في الجيش الإسرائيلي وفي أجهزة الدولة. لا يدور الحديث فقط عن «ناجين من الكارثة وصلوا الآن من المعسكرات» أو عن «رجال الايتسل الذين تم ضمهم». كان القتلة هناك من «افضل الشباب لدينا». أولادنا جميعا. وهناك شيء آخر مهم وهو أنه حسب الشهادات التي لدينا فان الكثيرين عرفوا وقاموا بإخفاء ذلك.يجب على الشعب الإسرائيلي الخجل مما حدث في الطنطورة وأن يتعلم. يجب عليه التعلم بأن فصل التاريخ هذا ممنوع أن يتكرر. ممنوع أن تكون هنا نكبة ثانية. «يجب عدم تكرار ذلك في أي يوم»، هذه الاقوال تسري هنا ايضا.

يجب علينا الفهم بأنه في السياق غير المعقول لما بعد الكارثة فان الحدث الذي كان في الطنطورة واحداث الذبح في عشرات الاماكن الاخرى في تلك الحرب غير مبررة، ولم تعد جديرة بالإخفاء.

مع كل ذلك لا أعتقد أنه يمكن اعادة العجلة الى الوراء. لا أعتقد بأن اليهود يجب أن يتنازلوا عن مكانهم في هذه البلاد. أنا على ثقة بأنه بعد ثلاثة ارباع القرن التي مرت حان الوقت للنظر مباشرة في المرآة، وأن نعرف بأننا اقوياء بما فيه الكفاية كي نعترف بمعاناة الطرف الثاني والاعتذار بشكل رسمي عن جرائم تلك الحرب. سيكون من الافضل لنا اذا عرفنا أنه يجب علينا تحمل المسؤولية عن الطرد الجماعي والمتعمد الذي حدث هنا، الذي يُعتبر المفهوم الصحيح والحديث لتعريفه هو «التطهير العرقي».

يجب علينا فعل ذلك من خلال البحث عن طرق جديدة واصيلة تمكن من اجراء مصالحة وانهاء للنزاع. الاعتراف هو الأساس لكل شيء. بدون الاعتراف ستستمر الحرب. مطلوب تفكير خارج الصندوق. يجب أن تطور الصهيونية منظومة تشغيلها اذا كانت تنوي البقاء. لا يعني تحمل المسؤولية اعادة اللاجئين الى الطنطورة، وطرد اعضاء الكيبوتسات من نحشوليم واعادتهم الى تركيا. توجد طرق اخرى أفضل وعادلة أكثر. أعتقد أن احتمالية تغيير الاتجاه تكمن اولا وقبل أي شيء في قدرتنا على قول الحقيقة، والتوقف عن محو تاريخ وذاكرة الشعب الذي يقاسمنا هذه البلاد، والاعتراف بحقه في أن يقوم بالحداد على كارثته حتى في يوم عيدنا (أو معنا في يوم ذكرانا) حتى أن يرفع علمه بدون أن يهددنا ذلك.

أنا على قناعة بأنه اذا قلنا الحقيقة فسنستطيع أخيرا الخروج قليلا من موقف الدفاع الأبدي الذي تمترسنا فيه لعشرات السنين، والتفرغ لانتاج مستقبل افضل يتضمن مصالحة تاريخية بين الشعبين على اساس تقسيم البلاد الحبيبة والنازفة هذه. يجب أن تعترف دولة إسرائيل بالنكبة. وقد حان الوقت للتوقف عن الكذب. بعد أن نفعل ذلك وبعد أن نعلم ذلك في جميع اجهزة التعليم لدينا سيكون من الأسهل علينا التحاور مع الفلسطينيين والادعاء بأن عليهم أن يغيروا من ناحيتهم حلم حق العودة الى ارض إسرائيل مقابل تعويضات كبيرة، وأن يكون لهم حق في العودة الى داخل حدود دولة فلسطين التي يجب أن تقوم الى جانب دولة إسرائيل. الزمن ينفد ويجب التقدم. تقضي الصهيونية على نفسها بالسير الحثيث نحو دولة ثنائية القومية من البحر وحتى النهر. لا يوجد مستقبل لدولة اليهود إذا استمر حكم القمع وإذا لم يتم تقسيم البلاد.

إذا شئنا، هذا ليس اسطورة.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى