ترجمات عبرية

هآرتس: ليس المجر ولا بولندا تونس هي نموذج إسرائيل

هآرتس 26-2-2023، بقلم تسفي برئيل: ليس المجر ولا بولندا تونس هي نموذج إسرائيل

 تركيا وهنغاريا وبولندا، ومرة أخرى تركيا وهنغاريا وبولندا. كم مرة ستتوافق هذه الدول على تشكيل نموذج لإسرائيل بدون أن تأخذ عمولتها مقابل هذا الاستخدام. سيأتي يوم، لن يكون بعيداً، سيقولون لنا فيه: كفى. كفى للاستخفاف بدولتين أوروبيتين ودولة أخرى تريد أن تكون أوروبية. جدوا نموذجاً آخر للتقليد: إسرائيل في الشرق الأوسط. وهي ليست الديمقراطية الوحيدة فيه، فهي تقترب لتكون شبيهة بأخواتها التي تتحدث العربية. إذا كان الأمر هكذا، فتفضلوا وخذوا الإلهام منها. واحدة منها على الأقل، هي تونس، مستعدة لتقديم نموذجها. هذه الدولة الصغيرة التي بدأت حملة الربيع العربي في كانون الأول 2010، نجحت في فترة قصيرة في إزاحة النظام الديكتاتوري للرئيس زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي التي تتملكها شهوة الرفاهية، وإقامة نظام ديمقراطي.

كانت تونس ماثلة أمام عيون ملايين العرب الذين خرجوا للتظاهر في شوارع مصر واليمن وسوريا وليبيا والمغرب والأردن. هؤلاء تطلعوا إلى تأسيس ديمقراطية في بلادهم، التي مثلما في تونس، ستحصل على فصل السلطات: منظومة القضاء ستكون مستقلة، وسيكون في البرلمان مكان محترم لمعارضة قوية ذات وزن، ولن تكون حرية التعبير فيها مجرد بند استعراضي في الدستور، بل ممارسة مقدسة.

سجلت تونس “في” في كل البنود. إضافة إلى ذلك، لا يوجد في تونس فصل بين الدين والدولة. الحزب الديني، النهضة، وهو فرع من حركة الإخوان المسلمين، حصل على 37 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأولى بعد الثورة، في 2011، وشكل الحكومة. ولكن نشأت أزمة سياسية على خلفية الخوف من أسلمة الدولة ومقتل سياسيين علمانيين، جعلت الحزب يتنازل عن السلطة وأفسح المجال لائتلاف واسع جديد، علماني في معظمه، لتشكيل الحكومة. لا توجد في إسرائيل إمكانية للحلم بمثل هذه الخطوة.

بقيت الديمقراطية في تونس على قيد الحياة رغم العمليات التي نفذها فيها نشطاء “داعش” والتنظيمات الإسلامية المتطرفة الأخرى، والأزمات الاقتصادية وكورونا. في الانتخابات الرئاسية في 2019 لم يحلم أحد بأنها ستكون المشهد الديمقراطي الأخير. فقد انتخب للرئاسة بروفيسور في القانون، هو قيس سعيد، وهو محافظ متشدد، تكنوقراطي ويكره المثليين. خلال سنتين، في تموز 2021 نفذ انقلاباً نظامياً في بلاده.

قام بحل البرلمان بجرة قلم، وأقال رئيسة الوزراء والوزراء، وجمد الدستور، وأعلن بأنه سيدير البلاد بمراسيم رئاسية. اندلعت مظاهرات كبيرة على الفور، وخلقت احتجاجاً عاماً وسياسياً في جميع مدن الدولة، لكن النتيجة بقيت على حالها. في شباط 2022 قام سعيد بحل مجلس القضاء الأعلى، الذي كان من أعضائه قضاة ومدعون عامون وأكاديميون ومثقفون. حتى ذلك الوقت، كان هذا المجلس يحظى بالاستقلالية وكان مسؤولاً، ضمن أمور أخرى، عن تعيين القضاة والرقابة المهنية على المحاكم.

اتهم سعيد المجلس بالفساد والتسبب بأضرار للمواطنين بسبب تراكم ملفات طوال سنين، وبالأساس المس بالدولة. “لا يمكن تطهير الدولة بدون تطهير المحاكم وجهاز القضاء”، قال، وأقال 27 قاضياً، ومن المتوقع تقديم هؤلاء للمحاكمة بسبب الجرائم التي ارتكبوها أثناء توليهم مناصبهم. في الوقت نفسه، عين “مجلس قضاء مؤقتاً”، تم اختيار معظم أعضائه من قبله بالطبع، وهم مجندون لمهمة القضاء على استقلالية الذراع القضائي.

يستند سعيد بالأساس إلى الجيش والشرطة، وإلى الحرس الوطني أيضاً، وشرح لضباطه بأن “واجبكم المقدس هو محاسبة كل من يرتكب جرائم ضد الدولة. وكل مجرم لن يتمكن من التملص من المسؤولية. على الحرس الوطني وجهاز القضاء تأدية الرسالة ومواجهة المتآمرين ضد الدولة في السابق وما زالوا يفعلون ذلك”. مؤخراً، حذر سعيد من اللاجئين الذين دخلوا إلى تونس من دول إفريقية. هدفهم، حسب قوله، تغيير البنية الديمغرافية في بلاده، ومنها التسلل إلى أوروبا وتحويلها إلى سوداء. من المهم معرفة من أين استقى هذه النظرية.

نظرية المؤامرة ضد الدولة، أي ضده، غير جديدة. نشر سعيد والمقربون منه في السنوات الأخيرة بأنه كانت هناك خمس محاولات لاغتياله وتسميمه وإطلاق النار عليه أو قتله بواسطة مغلفات متفجرة، ولكن لم يتم عرض أدلة على ذلك في أي حالة منها. شعبويته ضد القضاة والمدعين العامين تجعلهم يصفهم بأنهم “يسارعون إلى حكم وإدانة الفقراء فقط، ومن سرقوا الخضار وليس من سرقوا المليارات، ويتآمرون ضد الدولة يتجولون بحرية. هؤلاء هم خونة”. وعد بأن “الصواريخ منصوبة على منصات الإطلاق، وتكفي إشارة واحدة لضرب هؤلاء الفاسدين”. سبق استخدام هذه الصواريخ ضد الصحافيين ورؤساء الأحزاب والمحاضرين في الجامعات وضد من كتب منشوراً أو عبر عن رأي يفسر بأنه انتقاد للرئيس.

قيس سعيد معارض شديد للتطبيع مع إسرائيل، ولكن مشكوك فيه أن يقدم دعاوى ضدها بسبب استخدامها لأساليبه. لأن بإمكانه من الآن فصاعداً القول بأن تونس وإسرائيل هما الديمقراطيتان الوحيدتان في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى