ترجمات عبرية

هآرتس: لن يتنازل الفلسطينيون عن غزة

 هآرتس 26/8/2022، بقلم: شاؤول ارئيلي

علاقة المجتمع الإسرائيلي – اليهودي بمستقبل قطاع غزة السياسي وسكانه مرت بانقلابين تاريخيين منذ حرب الاستقلال: الأول، عند التوقيع على اتفاق أوسلو في 1993، حيث كان هناك تنازل عن التوق إلى تحويل القطاع إلى جزء من دولة إسرائيل بسبب الاستيقاظ من الحب الأعمى للقطاع، الذي أدى حتى ذلك الحين إلى تجاهل الواقع السياسي والأمني والديمغرافي. في المقابل، تمثل الانقلاب الثاني بتبني الرؤية التي تعتبر غزة كياناً سياسياً منفصلاً ومستقلاً تحت سيطرة حماس، والذي لا يرتبط مستقبله بمستقبل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية، الأمر الذي يدل على تجاهل تاريخ النزاع والعمى السياسي فيما يتعلق بالتداعيات السياسية الحالية.

في إطار لجنة المصالحة في لوزان، وافقت إسرائيل على “خطة غزة” في آذار 1949، التي أساسها أن تضم إسرائيل قطاع غزة ويسمح للمئة ألف فلسطيني الذين يعيشون فيه بالعودة إلى بيوتهم داخل إسرائيل. في المقابل، تعوّض إسرائيل مصر والأردن بمساحة بالحجم الذي سيحدد، كما يبدو في جنوب النقب. دافيد بن غوريون أورد بالتفصيل في مذكراته بشكل مختصر اعتباراته للموافقة على الشروط المذكورة أعلاه: 1- الأرض جيدة، ويمكن أن تقام عليها قرى للصيادين. 2- شاطئ غزة مهم بدرجة كبيرة وسنمنع وجود جيرة مصرية في المكان. 3- ثمة له قيمة اقتصادية وأمنية حيث سنمنع دخول عبد الله (ملك الأردن) إلى قطاع غزة… إذا سيطر عبد الله على غزة فسيتعين عليه أن يطالب بممر من القطاع إلى الأردن. وهذا العرض رفضته مصر وتم حفظه.

حرب الأيام الستة أشعلت مجدداً حب القطاع الذي ثلثا سكانه من اللاجئين. خطة ألون من العام 1967 نصت على أن إسرائيل ستضم القطاع على الفور، وأنه سيتم توطين اللاجئين فيه خارج حدود القطاع. ومن تجرأ على طرح شكوك بخصوص المنطق في هذه الخطة قام الوزير غليلي بإيقافه عند حده عندما قال: “قطاع غزة سيكون جزءاً من دولة إسرائيل. وحسب معرفتي، هذا أمر قيل لجهات دولية وجهات سياسية جدية، ليس في مناسبات علنية فقط، بل وفي مفاوضات دبلوماسية. ولا أعرف أحداً يخالف هذا الرأي، وبالتأكيد ليس حزب العمال الموحد الذي ضمن هذا في خطة السلام خاصته على الفور بعد انتهاء حرب الأيام الستة (خطابات الكنيست، 27/3/1972).

في العام 1977 لم يؤد استبدال السلطة إلى تغيير السياسة في موضوع غزة. وفي 28 كانون الأول 1977 عرض رئيس الحكومة في حينه، مناحيم بيغن، خطة الحكم الذاتي التي تبناها، والتي أساسها: “في يهودا والسامرة وفي القطاع يقام حكم ذاتي إداري للسكان العرب في هذه المناطق من قبل سكانها ومن أجلهم”. بعد سنة من ذلك، في أحد اتفاقات الإطار الذي وقع بين إسرائيل ومصر في كامب ديفيد في 1978، صمم بيغن على إبقاء القطاع تحت سيطرة إسرائيل في إطار الحكم الذاتي (الذي لم يخرج إلى حيز التنفيذ حتى اتفاقات أوسلو). وبعد ذلك، قال بأنه كان ينوي ضمه بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

حدث الانقلاب الأول، وفي اتفاق أوسلو الذي وقع في 1993 شطبت إسرائيل غزة للمرة الأولى من مجمل طلباتها الجغرافية التي ستتم تسويتها في إطار الاتفاق النهائي مع الفلسطينيين. في أيار 1994 نقلت إسرائيل 80 في المئة من أراضي القطاع إلى مسؤولية السلطة الفلسطينية. أريئيل شارون أكمل المهمة والصحوة عندما كان رئيساً للحكومة وأعلن في 2003 عن خطة الانفصال. وفي 26/5/2003 قدم في جلسة قائمة الليكود تفسيراً لموقفه، وقال: “الاحتفاظ بـ 3.5 مليون فلسطيني تحت الاحتلال أمر سيئ لإسرائيل، وأيضاً للفلسطينيين ولاقتصاد إسرائيل. الآن هناك مليون فلسطيني تقوم منظمات دولية بتمويلهم. تريدون أن تأخذوا ذلك على مسؤوليتكم… لا أعتقد أنه أمر صحيح”. وقال أيضاً في موضوع الانفصال: “كنت آمل أن نستطيع الاحتفاظ به إلى الأبد… لكن الواقع المتغير في البلاد والعالم أجبرني على تقدير آخر وتغيير موقفي. في صيف 2005 انتشر الجيش الإسرائيلي خارج القطاع وتم إخلاء 8 آلاف مستوطن من المستوطنات الموجودة في القطاع”.

فوز حماس في انتخابات برلمان السلطة الفلسطينية عام 2006 وسيطرتها العسكرية على غزة في 2007 كانت المحرك للانقلاب الثاني الذي حدث في رؤية إسرائيل بخصوص مستقبل قطاع غزة. سارع إيهود أولمرت إلى فرض الحصار على القطاع عندما كان رئيساً للحكومة، وتبنى سياسة استهدفت تثبيت الوضع. بنيامين نتنياهو عند انتخابه رئيساً للحكومة في 2009 تبنى السياسة التي استهدفت تثبيت وعي الجمهور بأن القطاع كيان منفصل ومستقبله السياسي منفصل عن المستقبل السياسي للضفة الغربية، وكل حدوده، بحراً وجواً وبراً، يتم التحكم بها من قبل إسرائيل. أوضح نتنياهو ذلك جيداً في جلسة قائمة الليكود في آذار 2019: “من يريد إفشال إقامة الدولة الفلسطينية فعليه تقوية حماس ونقل الأموال إليها. هذا جزء من استراتيجيتها، التفريق بين الفلسطينيين في قطاع غزة والفلسطينيين في يهودا والسامرة”.

في الخطاب الذي ألقاه في الأمم المتحدة عام 2018، أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس: “لن تقوم دولة في قطاع غزة، ولن تقوم دولة بدون قطاع غزة. ولن تقوم دولة فلسطينية في حدود مؤقتة”. مؤخراً، رؤية إسرائيل هذه وصفها الجهاد الإسلامي الذي نشر أثناء عملية “طلوع الفجر” في موقعه بياناً جاء فيه: “الاحتلال الإسرائيلي يحاول فصل الضفة عن القطاع، وفصل القدس عنهما… الاحتلال الإسرائيلي لا يرى نصب عينيه الكل الفلسطيني. والرد والسلوك يجب أن ينبع من قناعة داخلية عميقة بأن هذا الكل قائم”.

هذه الرؤية الفلسطينية، رؤية “الكل الفلسطيني الكامل”، تجيب على ادعاء إسرائيل القائل لو أرادت منظمة حماس ذلك لألقت سلاحها وحولت القطاع إلى سنغافورة. نضال حماس يتعلق بموضوع النزاع كله: فلسطين الانتدابية. لم يكن الهدف في أي يوم إقامة إمارة في القطاع، الذي مساحته 1.2 في المئة فقط من مساحة فلسطين. حماس أظهرت في الواقع عدة مرات الاستعداد للاكتفاء، لكنها اضافت إلى ذلك طلباً يتعلق بموضوع اللاجئين والمستوطنات، التي لا تتساوق والمعايير التي أجرت عليها م.ت.ف المفاوضات مع إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، إسرائيل معنية بأن يكون القطاع كياناً مستقلاً قابلاً للحياة. وحتى يحدث ذلك، مطلوب من إسرائيل أن ترفع الحصار عن القطاع وتقيم تنسيقاً كاملاً ووثيقاً في مجال الجو والبحر والبر والاقتصاد والمواصلات والبيئة وما شابه. ولكن إسرائيل تمتنع عن رفع الحصار، ولا تسمح بإقامة ميناء أو مطار ومعابر دولية. لأنها تدرك أهداف حماس وتخشى من أن الفلسطينيين في الضفة الغربية سيتبنون رؤيتها العنيفة، وتخشى من أن حماس ستزداد قوة وستسيطر على تمثيل الشعب الفلسطيني.

الرؤية الجديدة التي تجذرت في أوساط الجمهور الإسرائيلي، التي تقول بأنه سيكون بالإمكان ضم الضفة الغربية فقط من أجل الحفاظ على أكثرية يهودية هي 60 في المئة وضرب غزة كلما أرادت ذلك، تعكس عمى سياسياً وفهماً معطوباً بالنسبة للعمليات المتوقعة في كل سيناريو معقول.

من جهة، ستبذل إسرائيل كل جهدها لتجنب ضم الضفة الغربية مع الـ 2.8 مليون فلسطيني من سكانها. من جهة أخرى، جميع رؤساء الأحزاب، من اليمين وحتى “يوجد مستقبل”، أعلنوا تأييدهم الضم الجزئي في الضفة الغربية (على سبيل المثال غور الأردن). وينوون ضماً أحادي الجانب للمستوطنات التي يواصلون توسيعها والبؤر غير القانونية التي يقومون “بتبييضها” بشكل حثيث.

بحث معمق ومتعدد المجالات حول أفكار الضم نشر في العام 2018، وأجرته حركة “قادة من أجل أمن إسرائيل”، أظهر بأن الأمر يتعلق بعملية متدحرجة على شكل أحجار الدومينو، ستضطر إسرائيل في نهايتها إلى ضم كل الضفة الغربية وستتحمل المسؤولية عن جميع السكان. حتى لو طبقت إسرائيل في حينه بالنسبة للضفة نموذج شرقي القدس، الذي يميز بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وحتى لو لم يظهر الفلسطينيون أي مقاومة لهذه العملية، فقد أظهر البحث بأن إسرائيل ستتضرر اقتصادياً بسبب الحاجة إلى استثمار 52 مليار شيكل في السنة في السكان الذين سيتم ضمهم. هذا ليس التحدي الرئيسي الذي يتعين على إسرائيل مواجهته في حالة الضم.

يمكن الافتراض بأن الشباب الفلسطيني سيديرون بعد الضم نضالاً من أجل المساواة الكاملة في الحقوق، بما في ذلك إعطاء الجنسية الإسرائيلية (أيضاً لسكان شرقي القدس). ولا أحد يعرف كم سيستغرق هذا الصراع وبأي قوة سيجري. وإلى أي درجة سيشبه الحرب الأهلية التي ستتعب وتضعف إسرائيل، لكن هذا سيحدث في نهاية المطاف، وسيحصل الفلسطينيون على المواطنة الإسرائيلية. من هناك ستكون المسافة قصيرة لتحقيق أكثرية عربية، حتى بسبب الهجرة المتوقعة لإسرائيليين كثيرين الذين لن يسلموا بالواقع الجديد، وتشكيل حكومة مع أغلبية عربية وإلغاء قانون العودة وقانون القومية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وإعادة توحيد كل فلسطين عن طريق ضم قطاع غزة.

هذا السيناريو هو المرجح إذا تمسكت إسرائيل بالسياسة القائمة وبقيت الظروف في المنطقة والعالم على حالها. على الجمهور الإسرائيلي الإدراك بأن قطاع غزة كان جزءاً من فلسطين الانتدابية، وسكانها يعتبرون أنفسهم جزءاً من الشعب الفلسطيني، الذي تحددت هويته الوطنية عن طريق حدود فلسطين الانتدابية. قطاع غزة كان وبقي جزءاً من النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، لذلك يجب أن يكون أيضاً جزءاً لا ينفصل عن حله في أي سيناريو سياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى