ترجمات عبرية

هآرتس: لـم يـحـدث مـن فـراغ

هآرتس 2023-11-03، بقلم: يوسي كلاين: لـم يـحـدث مـن فـراغ

الحقيقة غير مهذبة. فهي وقحة ومزعجة. وهي تظهر في المكان غير الصحيح وفي الوقت غير الصحيح. انظروا الى ما فعلته في الاسبوع الماضي لسكرتير الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، الذي قال بأن هجوم حماس “لم يحدث من فراغ”. وبسبب ذلك تعرض للانتقاد الشديد. كل كلمة قالها كانت صحيحة. حقيقة ثقيلة ومزعجة وفي التوقيت غير المناسب. السكرتير العام أدان جرائم حماس، وكرر هذه الادانة، لكن ذلك لم يساعده. فقد تم اتهامه بـ “تفهم القتل الجماعي”.

الهجوم في يوم السبت لم يحدث من فراغ. الفظائع هناك كانت فصل آخر في قصة استمرت 57 سنة. ولكن محظور على غوتيريش قول ما نقوله ونكتب عنه منذ عشرات السنين. الجميع وصفوا وضعنا كمن يجلسون على “فوهة بركان يوشك على الانفجار” أو على “برميل متفجرات”.

عندما ينفجر البركان يخترعون حقيقة لتبرير التجاهل الغبي. الحقيقة المخترعة لا تعتبر حقيقة، بل هي تطمح الى تحويل الأمنية الى “واقع”، والأمنية كانت أنه لن يحدث أي شيء لنا اذا تجاهلنا الخطر الكامن في قمع 2.5 مليون انسان. نحن اكتفينا بـ “لا يوجد حل” كجواب مرضٍ ومريح يمكننا من الجلوس فوق هذا الثقب الساخن والغرق في الاوهام.

الاوهام ليست حقيقة. هناك فقط حقيقة واحدة وهي لم تحدث من فراغ. فمن انقض على اقوال السكرتير العام للامم المتحدة يدعي بالفعل أن سكان غزة عاشوا في جيرة طيبة مع الاسرائيليين، وبعد ذلك، فجأة وبشكل مفاجئ، في 7 تشرين الاول اصيبوا بالجنون وقاموا بالقتل والاختطاف.

ما الذي تريدونه؟ يقول نتنياهو. كيف يمكنني أن أعرف؟.

هناك اشخاص مهمتهم أن يعرفوا. نتنياهو لم يعرف في أي مرة من المرات، سواء في نيرون أو في غزة. وواجب أن يعرف من ناحيته غير مشمول في مجال مسؤوليته. كيف يمكنني معرفة أن الفلسطينيين لا يحبون حصارنا، هكذا سيسأل لجنة التحقيق.

بالنسبة له، عدم المعرفة هو الذريعة. بالنسبة له هو اعتراف بالذنب. من لا يعرف يكون هو المسؤول. ومن لا يسأل يكون هو المذنب. تحمل المسؤولية ليس بادرة حسن نية اخلاقية فارغة مثل القول “أنا أعتذر اذا اصاب الضرر أي أحد”. تحمل المسؤولية هو اعتراف بالذنب. من يعترف بالذنب يجب أن يعاقب. لو أن نتنياهو اعترف من تلقاء نفسه لكان يمكن أن نحكم عليه بعقوبة بسيطة: الاستقالة والذهاب الى المنفى.

ليس فقط نتنياهو هو الذي يختبئ وراء عدم المعرفة. نحن ايضا كذلك. نحن نختبيء وراء “ضباب المعركة”. ما لا نراه من ناحيتنا هو أمر غير موجود، وغير الموجود هو غير مفهوم. لا يُظهرون لنا اطفالاً قتلى في غزة، ونحن لا نعرف لماذا يتظاهرون ضدنا حتى بعد فظائع 7 تشرين الأول.

عندما لا نرى فنحن لا نعرف. ومن لا يعرف فهو معفي من تأنيب الضمير والتساؤل. في حين أننا نقلق من فظائع يوم السبت، فان العالم ينتقل الى حالة الصدمة من فظائع اخرى. هو لا يميز بين اطفال اليهود والاطفال العرب. هو وبحق يميز بين غزة وحماس. أما نحن فلا نميز.

7 تشرين الاول خلصنا من الاوهام. من الذي لا زال يؤمن بعد يوم السبت ذاك بوهم “هم لن يتجرؤوا”؟ ومن الذي لا زال يعتقد بأن الجيش الاسرائيلي الذي غفا في نوبة الحراسة هو الجيش “الافضل في العالم”؟ وهل ما زال بالامكان القول بعد ما حدث في بئيري “مستوطنات خط الحدود تحمي الدولة”؟.

لكن هذا ما زال لا شيء مقابل الوهم الاكبر من بينها جميعا وهو وهم “اليوم التالي”. “اليوم التالي” سيكون مثل اليوم الذي سبقه. لن يكون يوما للبداية، بل يوم للاستراحة والهدنة. طالما أننا لم نقم بحل مشكلة علاقتنا مع الفلسطينيين فنحن سنعود مرة تلو الاخرى الى المكان الذي كنا فيه. واذا واصلنا تجاهل المشكلة “التي لا يوجد حل لها” فدائما سيكون للفلسطينيين تنظيمات اجرامية أو عصابات بربرية.

يوجد لنا حلم بحياة سلام وطمأنينة ولكننا غير قادرين على تحقيقه. لا توجد لدينا الشجاعة لمواجهة القضية الفلسطينية التي انزلت علينا احداث 7 تشرين الاول. لا توجد لدينا القدرة على مواجهتها بسبب القومية المتطرفة والتحريض والكراهية والغطرسة والعنصرية. بدون مواجهة المشكلة سنجد أنفسنا نواجه كارثة.

“اليوم التالي” سيكون مثل اليوم الذي اعقب عملية “الجرف الصامد” وعملية “الرصاص المصبوب”. الآلاف دفعوا الثمن بحياتهم من اجل العودة الى ما كان. حماس سيتم تدميرها. والسؤال هو من الذي سندمره ونقضي عليه ونجتثه بعدها.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى