ترجمات عبرية

هآرتس – ذي ماركر – بقلم تسفي برئيل – الميناء مغلق بأمر من الشعب

هآرتس –  ذي ماركر – بقلم  تسفي برئيل – 5/12/2019

في الشارع الذي يؤدي الى ميناء أم قصر، ميناء النفط والتجارة الرئيسي في العراق، تم وضع مكعبات من الاسمنت ثقيلة، يستند اليها عدد من الشباب الملثمين ويلفون أعناقهم باعلام العراق. “الطريق مغلقة بأمر من الشعب”، هكذا كتب على الحائط باللون الاحمر. لا أحد يدخل ولا أحد يخرج، على الاقل في تلك الايام التي فيها الطريق التي تؤدي الى الميناء الاكثر اهمية مغلقة. في نهاية الاسبوع قالت الحكومة إن العراق قد خسر تقريبا 6 مليارات دولار بسبب اغلاق طريق العبور الى الميناء، واغلاق طرق العاملين في شركات النفط، التي اضطر عدد منها الى تقليص بصورة كبيرة استخراج النفط من الآبار.

يوجد ثمن باهظ للمظاهرات التي بدأت في بداية تشرين الاول الماضي، وليس فقط حياة اكثر من 420 شخص قتلوا وآلاف المصابين، بل ايضا الضرر الاقتصادي الضخم. عدد من المحللين العراقيين يعتقدون بأن الحكومة تقوم بتضخيم حجم الضرر الاقتصادي بشكل متعمد، لا سيما في فرع النفط، من اجل تخويف المتظاهرين وجعلهم يفهمون أن من يريد تغيير طريقة الحكم واجتثاث الفساد يجب عليه أن يفكر ايضا بأنه لن يكون للحكومة الاموال لدفع الرواتب اذا لم تتمكن من تصدير النفط.

ولكن المتظاهرين لا يعنيهم هذا الامر. عندما تكون نسبة البطالة في الدولة هي 11 في المئة. وعندما تكون هذه النسبة 25 في المئة في اوساط الشباب، وفي محافظات معينة تصل الى 40 في المئة، فان الرواتب التي لا يحصلون عليها أصلا، لا تعنيهم. وردا على ذلك هم يعرضون الحجم الخيالي لرواتب اعضاء البرلمان والقيادة التي تبلغ اكثر من 35 ألف دولار شهريا لعضو في البرلمان مقابل أجر الحد الادنى يبلغ 200 دولار للعامل البسيط.

الراتب الاساسي الذي تم تحديده لعضو البرلمان هو في الحقيقة نحو 800 دولار، لكن تضاف اليه علاوات مثل علاوة وظيفة وعلاوة مقابل لقب دكتور (100 في المئة) وعلاوة لاصحاب اللقب الثاني (75 في المئة). اضافة الى ذلك، عضو البرلمان يحصل على منافع كبيرة جدا مثل السيارة والوقود وبدل استضافة ضخمة ونفقات مختلفة، تزيد راتبه بشكل كبير يفوق المتعارف عليه في دول الغرب.

خزينة الدولة تدفع رواتب تقاعد لنحو 3.7 مليون متقاعد عملوا في الاجهزة الحكومية، ونحو 4 ملايين موظف يعملون (من بين عدد السكان الذي يبلغ 40 مليون نسمة). هذه هي المعطيات الرسمية. عمليا، تدفع الدولة لعدد اكبر من الموظفين الذين يحصلون على 75 في المئة من الميزانية التي تبلغ 112 مليار دولار. النتيجة هي أن شريحة صغيرة من الميزانية تبقى للاستثمار في مشاريع البنى التحتية وتطويرها. مثل مشروع قومي لبناء آلاف الصفوف تمت المصادقة عليه في ميزانية السنة الماضية، لكن عدد قليل من الصفوف تم بناءها. ومن غير الواضح أين اختفت الاموال. ولكن حسب معطيات ميزانية 2018 فان 12 في المئة منها كانت مخصصة للتطوير، وعمليا استغل 5 في المئة منها.

أين اختفت الاموال المتبقية؟ في ظل غياب الرقابة وعندما مفهوم الشفافية غير معروف، فمن الصعب متابعة ليس فقط النفقات، بل ايضا المداخيل  هي موضوع متروك للتخمين. وحسب تقرير البنك الدولي في تشرين الاول، مداخيل العراق من الضرائب انخفضت بـ 33 في المئة بسبب زيادة عدد المعفيين من دفع الضرائب، في حين أن النفقات زادت بـ 29 في المئة بسبب ضم المليشيات الشيعية تحت مسؤولية وزارة الدفاع. نتيجة لذلك يتوقع البنك أن النمو في الاقتصاد سيكون هذا العام 4.6 في المئة، في حين أنه في 2021 ستنخفض نسبة النمو الى 2.7 في المئة.

اقتصاديون عراقيون قالوا إن المشكلة لا تكمن في نقص الاموال – في الحقيقة ميزانية 2018 انتهت بفائض بلغ 21 مليار دولار، بل بسبب الادارة السيئة والفساد الممأسس. والمثال على ذلك هو حصة الدولارات التي يستطيع المستوردون الحصول عليها بسعر مخفض من البنك المركزي. من اجل الحصول على الحصة يجب عليهم عرض اثباتات لاستيراد البضائع. وهذه يتبين أنه من السهل الحصول عليها بواسطة رخص كاذبة يوفرها لهم الملحقون الاقتصاديون في سفارات العراق في ارجاء العالم. الدولارات الرخيصة يبيعها المستوردون في السوق السوداء، وحياتهم جميلة.

مثال آخر هو السيطرة الحزبية على محطات النفط. في ميناء أم قصر تسيطر ثلاث حركات سياسية وهي حركة عمار الحكيم، وحركة مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي الذي يثير مؤيديه ضد الحكومة وضد سرقة الخزينة العامة، وحزب القانون برئاسة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، وهو من اكثر الزعماء الفاسدين الذين تولوا رئاسة الحكومة في العراق، كل بضاعة تدخل أو تخرج من الميناء تدر عمولة جيدة لهذه الاحزاب، اضافة الى الشرائح السميكة التي تحصل عليها من ميزانية الدولة بغطاء تمويل الوزارات الحكومية التي تسيطر عليها. هذه هي “طريقة الحصص” التي يحتج عليها المتظاهرون الذين يطالبون بتشكيل حكومة تقنوقراط نظيفة وشفافة. ولكن يصعب ايجاد شخص تقنوقراط في العراق غير مرتبط بأحد التيارات السياسية.

صحيح أن العراق نهض بصورة مثيرة للانطباع منذ انتهاء الحرب ضد داعش: الوضع الامني افضل بكثير، انتاج النفط وصل الى 5 ملايين برميل يوميا (مقابل 3 ملايين برميل في العام 2014)، وعدد من البنى التحتية مثل شبكة المياه، تحسنت. ولكن دولة لديها احتياطي النفط الخامس في العالم، مديونة بنحو 66 مليار دولار (منها 40 مليار دولار من فترة صدام حسين)، وهي تدفع في كل سنة 12 مليار دولار على الفوائد والمبالغ المستردة.

ولكن هذه المعطيات لا تقنع المتظاهرين من اجل التوقف عن احتجاجهم. فهم غير مستعدين لدفع ثمن الفساد واخفاقات الادارة. وهم يطالبون بحلول فورية، وبالاساس اماكن العمل. وحتى استقالة الحكومة ورئيسها عادل عبد المهدي لا يمكنها تلبية هذه المطالب. ولا حتى الحكومة الجديدة التي من غير المعروف متى سيتم تشكيلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى