ترجمات عبرية

هآرتس: خرائط القدس القديمة توضح أن الواقع ليس هو المهم حقًا

هآرتس 4-8-2023، بقلم نير حسون: خرائط القدس القديمة توضح أن الواقع ليس هو المهم حقًا

ما زال هوارد (حاييم) غولدن يذكر جيداً زياراته مكتب رئيس بلدية القدس الأسطوري، تيدي كوليك. يذكر غولدن بشكل خاص الخرائط القديمة والرائعة للمدينة التي كانت معلقة على جدران المكتب. تأثر بها ولكنه لم يكن بإمكانه في حينه أن يسمح لنفسه بشراء واحدة منها. فقط بعد سنوات من ذلك أصبح احد جامعي الخرائط الكبار في العالم. “لقد تكلفت حينئذ بـ 200 دولار وكسبت حينئذ 275 دولارا، لم اذكر كم كان هذا يعادل بالشواكل ولكني اذكر بأن راتبي لم يكن يكفيني لنهاية الشهر” قال. “كنت أعيش على شيكات مؤجلة”. المقابلة معه جرت باللغة الانجليزية ولكن كلمات الشيكات المؤجلة قالها باللغة العبرية بلهجة أميركية.

جولة في القدس: أبنية وطرق عبر خرائط الانتداب البريطاني
جولة في القدس: أبنية وطرق عبر خرائط الانتداب البريطاني

مثل يهود أميركيين كثيرين، أيضا تغير مسار حياة غولدن في أعقاب حرب “الأيام الستة”. “رأيت القوات والطائرات والدبابات التي جمعت من اجل القضاء على إسرائيل. بدأت الحرب، وقلت، إنني يجب أن اذهب للمساعدة، لأنني لم اعش في زمن الكارثة، ولا استطيع أن أسمح بهذا”، تذكر غولدن. “بعت دراجتي واشتريت تذكرة طيران، ولكنني وصلت إلى إسرائيل بعد أن انتهت الحرب”.

قرر غولدن مع هذا أن يتجند للجيش، وخدم سائقا في لواء “غولاني”. بعد الخدمة عاد إلى الولايات المتحدة من اجل أن يتجند من جديد للجيش الأميركي، وأثناء حرب فيتنام خدم أيضا في النيابة العسكرية. فوراً، بعد تسرحه هاجر إلى إسرائيل، ودرس اللغة العبرية في معهد، وبدأ في العمل في القسم القانوني في بلدية القدس. في احد الأيام طلب منه كوليك أن يأتي إلى المكتب. في المكتب، كان يقف ممثلان لكنيستين. لم يتذكر غولدن بالضبط، ولكن من المرجح أن يكونا ممثلي البطريركية اليونانية والكنيسة الأرمنية.

احتاج كوليك مساعدة غولدن من اجل حل أزمة دينية – سياسية بين الكنيستين. حسب اتفاقات الوضع الراهن فيما يتعلق بتوزيع كنيسة القيامة، والتي وضعت في القرن التاسع عشر، فقد قسم احد سلالم الكنيسة إلى اثنين: إحدى الكنيستين حصلت على الحق في تنظيف الإدراج العليا الثلاثة والثانية حصلت على الدرجتين السفليين. ولكن في عمليات الترميم التي قامت بها بلدية القدس بعد انفجار أنبوب المجاري تم إلغاء إحدى الدرجات. السؤال الذي طرح أمام كوليك كان كيف سيعاد تقسيم الإدراج.

“تيدي قال لي: عليك أن تجد الكتاب الذي هو من عهد الانتداب البريطاني والذي مكتوب فيه الاتفاق، وانظر هل يوجد فيه ما يمكننا من المساعدة”. ذهبت إلى احد محلات بيع الكتب في شارع الملك شلومو تسيون وبدأت بالقراءة. حينئذ جاء إلي صاحب المكتبة وسألني: ما الذي تفعله؟ قلت له: ابحث عن شيء ما. قال لي: هنا ليس مكتبة. هل تريد الكتاب؟ يجب عليك شراؤه. كنت بحاجة للكتاب، ذهبت إلى أمين صندوق البلدية وقلت له إنني بحاجة إلى 50 دولارا، وصرخ علي 50 دولاراً ! حينئذ اتصل بتيدي وأعطى تيدي موافقته وهذا أعطاني النقود. اشتريت الكتاب، وقرأته، وفي الكتاب كان مكتوبا أن إحدى الكنيستين تحصل على الدرجات العليا الثلاثة والثانية على الاثنتين السفليين. لم يكن في هذا ما ساعدني. ولا اعرف ماذا حدث بعد ذلك”.

رغم الفشل في حل مشكلة الإدراج، فإن غولدن يتذكر جيدا المحل في شارع شلومو تسيون والذي على جدرانه أيضا علقت خرائط مدهشة من النوع الذي زين جدران مكتب كوليك. بعد بضع سنوات في المكتب القانوني في البلدية والتي ساعد فيها من بين أمور أخرى في صياغة الاتفاقيات بين البلدية والفاتيكان، غادر إسرائيل وانتقل إلى الولايات المتحدة، هناك بدأ في العمل محامياً. “بعد 4 – 5 سنوات بدأت بتدبر أمري من ناحية اقتصادية وبدأت بجمع خرائط قديمة لإسرائيل” يقول.

العجل الذهبي ورموز الأسباط

مرت 40 سنة على تلك الأيام، واليوم جامع الخرائط غولدن البالغ من العمر 77 سنة يعتبر احد الكبار والمهمين في هذا المجال في العالم. مؤخرا، قرر أن ينقل مجموعته لهيئة المكتبة الوطنية في القدس. مئات الخرائط التي تحتويها مجموعته تأتي من أوروبا ومؤرخة ما بين القرن الخامس عشر والقرن الثامن عشر. ليست هذه خرائط مساحة حديثة من شأنها أن تعكس واقعا جغرافيا أو تساعد في الملاحة. بدلا من ذلك هدفها هو أن تغرس في الجمهور الجغرافيا التوراتية في البلاد، مثلما كانت تتصورها المؤسسة الدينية في أوروبا في ذلك الوقت.

موضة خرائط الأرض المقدسة والتي انتشرت في أوروبا في فترة عصر النهضة مرتبطة أيضا بتكنولوجيا الطباعة الحديثة التي طورت حينئذ، وأيضا بالعودة إلى الكتب المقدسة بروحية المسيحية البروتستنتية الجديدة. هكذا حدث أن خرائط “ارض إسرائيل” كانت هي الأولى التي طبعت ونشرت بصورة تجارية. نظرا لأن الأمر يتعلق بخرائط للعالم التوراتي، يمكن أن نجد تقريبا في جميعها علامات الحدود لقبائل إسرائيل، ومسار تنقل أبناء إسرائيل في الصحراء، ورسوما توضيحية صغيرة لأحداث بارزة من الكتاب المقدس والعهد الجديد، وتكبيرا غير متناسب للمواقع المقدسة.

الخارطة الأثمن الذي اشتراها غولدن هي من كتاب التوراة الذي ترجمه الملك جيمس سنة 1619. تم تضمين الخريطة في مشروع لغوي ضخم: ترجمة التوراة للانجليزية بمبادرة الملك الانجليزي جيمس الأول. الكتاب وفي داخله الخريطة اشتراه غولدن بـ 12 ألف دولار، “لقد استغرقني ثمانية شهور لكي ادفع ثمنه، حيث كان هذا مبلغا كبيرا بالنسبة لي” يقول. ومثل العديد من خرائطه، الخارطة من توراة جيمس محفوظة جيدا نظرا لأنه خلال مئات السنين الأخيرة كانت مطوية داخل كتاب، ولم تتعرض للضوء والرطوبة.

هذه الخرائط تم استيعابها في الأشهر الأخيرة في مكتبة خرائط المكتبة الوطنية بإدارة اييلت روبين. وقد مرت بعملية حفظ وترقيم وهي الآن متاحة في موقع المكتبة على الإنترنت.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى