ترجمات عبرية

هآرتس: الاغتيالات الأخيرة في غزة: الجيش الإسرائيلي كان يعلم أنه سيقتل أطفالاً

هآرتس 2023-05-30، بقلم: حن معنيت وينيف كوفوفيتش: الاغتيالات الأخيرة في غزة: الجيش الإسرائيلي كان يعلم أنه سيقتل أطفالاً
وصف رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عملية “درع ورمح”، في نهاية الجولة القتالية في قطاع غزة، هذا الشهر، بأنها مثالية. كان يقصد الخسائر الكبيرة لـ”الجهاد الإسلامي”، من بينها اغتيال ستة من كبار قادته، وعدد المصابين الضئيل في إسرائيل في الأيام الخمسة للعملية. قيلت هذه الأقوال في ظل الأضرار التي رافقت المس برؤساء “الجهاد الإسلامي” منذ الضربة الأولى للعملية: إلى جانب القادة الثلاثة قتل عشرة مدنيين، معظمهم أقارب لهؤلاء القادة، ومن بينهم ثلاثة أطفال؛ عرفت إسرائيل مسبقا، باحتمالية عالية، أن هجمات سلاح الجو ستؤدي إلى قتل أبرياء، ومع ذلك اختارت تنفيذ الاغتيال.

خطر المس بالمدنيين غير المشاركين مباشرة في الأعمال “الإرهابية” قائم في أي عملية عسكرية، وبالتأكيد في قصف من الجو. سياسة “الاغتيالات المركزة” للجيش الإسرائيلي هي سياسة قديمة، تأخذ في الحسبان دائما احتمالية أن يقتل أيضا أبرياء إلى جانب الذين اعتبروا أهدافاً. على الأغلب إذا أصبحت هذه الاحتمالية مهمة فإنها ستؤدي إلى إلغاء العملية. وحسب رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، تامير هايمان، فقد كانت في السابق حالات كان معروفاً فيها مسبقا أنه سيتم المس بأبرياء.

لا يوجد مصدر رسمي في إسرائيل لم يعترف بأن الاحتمالية المرتفعة لقتل المدنيين في العملية الأخيرة كانت معروفة مسبقا. وقال رئيس الأركان، هرتسي هليفي، بعد انتهاء القتال: “لو كان بالإمكان لكنا ضربنا أهداف الإرهاب دون المس أبدا بغير ذوي العلاقة. نحن نبذل كل جهد ممكن من اجل ذلك”. وكتب ايلي يخر، الذي كان المستشار القانوني في “الشاباك”، الأسبوع الماضي، في الصحيفة بأن “تداعيات العملية كانت واضحة. هناك علم اسود يرفرف فوق هذه الاغتيالات”.

في الهجوم في حي التفاح في غزة، الذي كان هدفه الشخصية القيادية في “الجهاد”، خليل البهتيني، قتلت أيضا ابنته هاجر ابنة الرابعة والأم ليلى ابنة الـ 42 وشقيقتان كانتا تسكنان قرب العائلة، إيمان ودانيا عدس، 17 و19 سنة. في الهجوم في حي الرمال في مدينة غزة، الذي كان موجها ضد الشخصية الرفيعة في “الجهاد”، طارق عز الدين، قتل أيضا ولداه علي (8 سنوات) وميار (12 سنة) وأبناء عائلة كانوا يسكنون في الجوار: ميرفت حسوان (44 سنة) وزوجها جمال (52 سنة) وابنهم يوسف (19 سنة). في الهجوم في رفح، الذي استهدف أمين عام الذراع العسكرية، جهاد غانم، قتلت زوجته وفاء (61 سنة).

يقول البروفيسور الياف ليبلخ، الخبير في القانون الدولي في جامعة تل أبيب: إن العملية في غزة لم تبرر تداعياتها كما تقتضي قوانين الحرب في القانون الدولي. “لم يتم الاغتيال في وضع إطلاق النار على إسرائيل”، قال وأضاف: “أو أنه كان مطلوبا القضاء على تهديد فوري – اختارت إسرائيل زمان ومكان العملية وهي لم تكن في حالة حرب فعلية. يدور الحديث عن أشخاص تم استبدالهم بأشخاص آخرين على الفور”. غيورا آيلاند، الذي كان رئيس هيئة الأمن القومي ورئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، قال: إنه “يمكن السؤال إذا كانت أو لم تكن هناك إمكانية معقولة لتأجيل العملية وضبط الثلاثة في بيوتهم، ربما دون أن يكون هناك أطفال إلى جانبهم. وإذا تم فحص الأمور من قبل الجيش فإن الضرر يعتبر معقولاً بشكل عام”.

في الأسبوع الماضي، طلبت جمعية “يوجد حدود” وجمعية “اللجنة ضد التعذيب” من المستشارة القانونية للحكومة تشكيل لجنة مستقلة لفحص المس بالمدنيين. وحسب ادعاء هذه الجمعيات، التي توجهت بوساطة المحامي ميخائيل سفارد والمحامي شنير كلاين، فإن الدولة ملزمة بفعل ذلك طبقا لقرار المحكمة العليا من العام 2006 في أعقاب اغتيال شخصية رفيعة في “حماس”، صلاح شحادة. وقالت المستشارة القانونية: إن هذا الطلب سيحصل على الرد. بعد عملية اغتيال شحادة في 2002، التي قتل فيها 14 مدنيا من بينهم ابنة وزوجة رئيس الذراع العسكرية، بوساطة قنبلة بوزن طن أصابت المنزل في غزة، قالوا في إسرائيل وفي العالم: إن الجيش الإسرائيلي ارتكب جريمة حرب، وإن سياسة الاغتيالات المركزة في الأصل غير قانونية. رفض الجيش الإسرائيلي هذه الادعاءات (قائد سلاح الجو في حينه، دان حلوتس، قال في مقابلة مع “هآرتس” عن العملية ما يلي: “ضربة خفيفة في الجناح” عن الشعور بعد إنزال قنبلة من الطائرة، هذه الجملة التي أصبحت ترتبط به بشكل مهين)؛ قرار الحكم لرئيس المحكمة العليا في حينه، اهارون براك، شرعن هذه السياسة في ظل شروط معينة، منها أن الاغتيال يجب أن يكون هدفه منع الأضرار بإسرائيل”. وقال براك في حينه أيضا: إنه طالما أن شخصا نشيطا في منظمة “إرهابية” وينفذ من خلالها نشاطات قتالية فهو يعتبر هدفا مشروعا للهجوم. اشترط تفسير المحكمة الاغتيال بالاعتماد على معلومات موثوقة، وإذا لم يكن بالإمكان العمل ضد الشخص بوسائل أخرى. وحسب أقوال آيلاند فإن هذه الشروط في الحقيقة هي أن الاغتيال ليس بهدف العقاب؛ عندما لا توجد طريقة معقولة لاعتقال المطلوب؛ وعندما يكون خطر المس بالأبرياء ضئيلا.

قصدت الجمعيات من طلبها الأمر الذي أُعطي في قرار الحكم، أي ضرورة القيام بعد العملية بـ”فحص أساسي ومستقل له طابع موضوعي بخصوص دقة التشخيص للشخص المصاب وظروف المس به”. وقال سفارد: إنه “في حالات سابقة أصيب فيها أطفال ونساء دائما كان المتحدث بلسان الجيش يقول بعد ذلك أمورا مثل: نحن لم نعرف ولم نقدر بشكل صحيح. في هذه المرة الأمر مختلف. الشعور هو أنه يوجد هنا تغيير مهم. نحن نناضل ضد التصفيات منذ عشرين سنة. ولكننا كنا قلقين من هذه العملية لأنه للمرة الأولى الجيش الإسرائيلي، حسب ما نشر، عرف مسبقا بأنه ذاهب للمس بالأطفال”.

قالت لجنة عامة تم تشكيلها في أعقاب قرار الحكم في 2011: إنه كانت هناك إخفاقات كبيرة في تخطيط عملية اغتيال شحادة. ولكنها قالت أيضا: إنه لا شك في ارتكاب أمور جنائية من قبل ضابط معين في جهاز الأمن أو من قبل المستوى السياسي. غيرت نتائج اللجنة بشكل كبير طابع عملية جهاز الأمن في كل ما يتعلق بالاغتيالات التي ينفذها سلاح الجو، لكن يبدو أن الدروس بهتت في جولات القتال الأخيرة.

تستخدم أجهزة الأمن في إسرائيل منذ سنوات “بنك الأهداف”، وهو قائمة الأهداف التي يجب المس بها عن طريق سلاح الجو وقوات أخرى. هذا الخزان الاحتياطي، الذي لا يتعلق فقط بقطاع غزة، تم توسيعه بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بالأساس في ولاية رئيس الأركان السابق، افيف كوخافي. فهو يشمل إلى جانب قائمة الشخصيات الرفيعة والنشطاء، البنى التحتية، والبيوت خاصة والأهداف العسكرية وعقارات المنظمات “الإرهابية”.

بدأت معظم العمليات التي نفذها الجيش الإسرائيلي في القطاع منذ عملية الانفصال وبحق باغتيال شخصية رفيعة في إحدى المنظمات. والمس بأحمد الجعبري في العام 2012 الذي سبق عملية “عمود السحاب”، كان السنونو الأولى لذلك. صعوبة المس بشخصيات تدرك أن إسرائيل تسعى لاغتيالها، يقيدها عنصر المفاجأة قبل أن تسارع هذه الشخصيات إلى الاختباء في المباني المدنية أو أحياء مكتظة أو تحت الأرض.

تتم إدارة الهجمات في غرفة عمليات مشتركة لسلاح الجو والاستخبارات والنيابة العسكرية. في هذه الغرفة ذاتها “غرفة الهجوم”، يوجد على الأغلب أيضا رؤساء جهاز الأمن وممثلون عن المستوى السياسي. أحيانا يأتي رئيس الحكومة أيضا إلى المكان كي يقرر وبسرعة هل يجب إخراج العملية إلى حيز التنفيذ كما فعل نتنياهو في العام 2019 عند اغتيال بهاء أبو العطا، قائد الجناح الشمالي في “الجهاد”، قبل عملية “الحزام الأسود” التي استمرت ثلاثة أيام.

المعلومات الاستخبارية عن أي هدف، سواء أكان شخصا أو مبنى، يتم جمعها خلال فترة طويلة، إلى حين اتخاذ قرار بإطلاق الطائرات القتالية نحوه. يقتضي هذا القرار، فيما يتعلق بزعماء المنظمات، الحصول على “الخبر الذهبي” الذي يعني معلومة دقيقة جدا عن مكان تواجدهم وعن المحيط القريب منهم ووجود أشخاص آخرين وظروف تقنية تؤثر على القدرة على ضرب هذا المكان. المستشارون القانونيون في النقاشات يفحصون، ضمن أمور أخرى، إذا كان بالإمكان ضرب الأشخاص مدار الحديث بوسائل معتدلة اكثر؛ والى أي درجة هم متورطون في التخطيط لتنفيذ العمليات في إسرائيل وأن الحديث لا يدور عن عقاب على عمليات نفذوها في السابق؛ وإذا كانوا يوجدون قرب أبرياء يمكن أن يقتلوا هم أيضا في العملية؛ وما هو مبرر ذلك.

ظروف جديدة في القطاع

منذ قرار المحكمة العليا في 2006 يأمر النائب العسكري العام بالفحص والتحقيق في كل حالة قيل فيها إن أبرياء قتلوا بنار الجيش. بعد انتهاء عملية “الجرف الصامد” في 2014 تلقت النيابة العسكرية نحو 500 شكوى تتعلق بنحو 360 حادثة في زمن القتال. أمر النائب العسكري في حينه، افيحاي مندلبليت، بفتح تحقيق في بعض الحالات البارزة، التي حصلت على اهتمام وسائل الإعلام أو وصلت إلى هيئات قضائية مختلفة، منها أحداث “يوم الجمعة الأسود” في رفح بعد اختطاف جثامين هدار غولدن واورون شاؤول، وقصف مستشفى النجار وموت 16 مدنيا في هجوم على مفترق طرق البلبيسي. في جميع الحالات كان القرار متشابها، “على خلفية ما قيل لم يجد النائب العسكري العام أن نشاطات قوات الجيش الإسرائيلي تثير شكا معقولا بوقوع مخالفة جنائية. لذلك فقد أمر النائب العسكري العام بإنهاء معالجة الحدث بدون اتخاذ خطوات أخرى ضد المتورطين”.

في عملية “الحزام الأسود” قتل تسعة أشخاص من أبناء عائلة السواركة في غزة، خمسة منهم أطفال أبناء 5 – 13، في مكان اعتقد الجيش الإسرائيلي أنه كان لـ”الجهاد الإسلامي”. تحقيق النيابة العسكرية العامة، الذي تم فتحه في أعقاب سلسلة تقارير في “هآرتس”، أظهر أن اعتبار المبنى هدفا عسكريا كان خاطئا. ولو أنه تم تشخيص المكان بشكل صحيح لكان يجب أن تتم مهاجمته في إطار العملية المحددة. في التحقيق تمت الإشارة أيضا إلى أن وجود أبناء العائلة لم يكن معروفاً قبل الهجوم؛ اليوم، يعترفون في الجيش بأن التقدير كان أنهم لن يمسوا بالمدنيين. لم تؤد النتائج إلى استنتاجات شخصية ضد قادة كبار، لكن بعض الإجراءات في إعداد “ملف الهدف” وفحصه تم تغييرها في أعقاب الحادثة.

في الطلب الذي قدم للمستشارة القانونية قالت جمعية “يوجد حدود” وجمعية “اللجنة ضد التعذيب”: إن اغتيال شحادة كان الأخير الذي أدى إلى تشكيل لجنة عامة محايدة للتحقيق في المس بأبرياء. وقد طلبت هذه الجمعيات من المستشارة القانونية إجراء فحص مشابه حول المس بأطفال ونساء أثناء تصفية شخصيات رفيعة في “الجهاد” في العملية الأخيرة. يعتقد النائب السابق للمستشار القانوني للشؤون الدولية، الدكتور روعي شايندروف، أن قرار الحكم لا يسري على الحادثة مدار الحديث بسبب تغير الظروف في القطاع. “تطرقت أقوال المحكمة العليا في العام 2006 لفترة ما قبل الانسحاب من قطاع غزة”، قال شايندروف. “في الحالة الاستثنائية التي توجد فيها إسرائيل لم تكن في مواجهة مسلحة مع من سيطر في حينه على القطاع، السلطة الفلسطينية. المس بقادة (الجهاد الإسلامي) مختلف كليا لأننا في حالة مواجهة نشطة مع الجهاد ولم نعد نسيطر على الأرض”.

حسب أقوال شايندروف فإن اغتيال قادة “الجهاد” الكبار ردا على إطلاق الصواريخ والقذائف نحو إسرائيل لا يعتبر “تصفية مركزة”. “ربما يسمون ذلك هكذا”، “لكن منطق قتلهم هو أنهم قادة جيش العدو. أطلق العدو النار عليّ والآن أنا أطلق النار على قائده. ربما يجب تشكيل لجنة تحقيق إذا حدثت اليوم تصفية مركزة في الضفة الغربية التي نسيطر عليها الآن، وأصيب فيها أبرياء. ولكن لا توجد أي صلة لذلك مع ما يحدث في قطاع غزة”. في المقابل قال البروفيسور ايال غروس، من جامعة تل أبيبك إن طلب التحقيق في المس بالأبرياء ما زال قائماً. “الأمر المؤكد والذي لم يتغير هو المطالبة بعدم المس حتى بالجنود إذا كان هناك خطر حدوث ضرر غير متناسب، من الواضح أنه حدث هنا”، قال.

وقال البروفيسور ليبلخ: إن الدولة ملزمة بالتحقيق في المس بالأبرياء دون صلة بقرار الحكم، بل بسبب قواعد القانون الدولي. “لجنة تيركل، أيضا التي فحصت أحداث سفينة “مرمرة” في 2010، والقانون الدولي أيضا، ينصان على أنه حتى في زمن القتال يجب التحقيق في أحداث تثير الشك بخرق القانون. المس الكبير بالمدنيين يتجاوز العتبة التي تقتضي على الأقل التحقيق في الحادث، ليس تحقيقا عملياتيا بل تحقيق يمكن أن يوصل المسؤولين إلى التقديم للمحاكمة”.

وحذرت طل شتاينر، المديرة العامة للجنة “ضد التعذيب”، من أنه “إذا لم يتم تشكيل لجنة مستقلة لفحص قانونية العمليات في غزة فإن إسرائيل ستشهد على نفسها بأنها لا تريد أو لا تستطيع الحفاظ على قواعد القانون الدولي وقوانين الحرب. هي ستفتح الباب أمام تدخل المؤسسات الأجنبية من اجل تحقيق العدالة لضحايا سياستها غير الأخلاقية”.

وقال البروفيسور ليبلخ: “توقعات خبراء القانون الدولي هي أن إسرائيل ستقوم بفحص المس بالأبرياء كما حدث في عملية درع ورمح. يثور هنا الشك الكبير حول خرق القانون الدولي. وإذا لم تقم إسرائيل بالتحقيق في الحادثة فربما سيقوم خبراء دوليون بذلك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى