#ترجمات عبرية

معهد الامن القومي (INSS): الصراع على المنطقة (ج) ضمن منطقة الاتفاقيات مع السلطة الفلسطينية

معهد الامن القومي (INSS) 17-8-2023، بقلم اودي ديكل ورام كوهين ونوي شليف: الصراع على المنطقة (ج) ضمن منطقة الاتفاقيات مع السلطة الفلسطينية

مناطق ج، التي تشكل 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية، هي نتاج اتفاقات أوسلو، وهي تحت سيطرة إسرائيل الأمنية والمدنية. الاستيطان اليهودي في المنطقة يتضمن نصف مليون مستوطن ينتشرون في أكثر من 150 بؤرة استيطانية، بما في ذلك بؤر استيطانية غير قانونية، وهو يحتل 4.5 في المئة من مساحة المنطقة. في المقابل، يعيش في مناطق ج أكثر من 200 ألف مواطن فلسطيني في أكثر من 530 قرية. الفلسطينيون يضعون اليد على ربع المنطقة – 5 في المئة للمؤسسات والسكن، وحوالي 20 في المئة للزراعة والرعي. أراضي الدولة وأراضي التسوية تشكل حوالي 60 في المئة من المنطقة.

حكومات إسرائيل تعتبر مناطق ج فضاء حيوياً للاستيطان اليهودي والأمن، وذخراً لإدارة المفاوضات في المستقبل. في المقابل، الفلسطينيون يعتبرون مناطق “ج” فضاء حيوياً لإقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة.

المقاربة الفلسطينية

أبعاد المنطقة. ترى السلطة الفلسطينية في مناطق “ج” جزءاً رئيسياً وحيوياً للدولة الفلسطينية لخلق تواصل جغرافي ولكونها تشمل مناطق زراعية وموارد طبيعية وأراضي لإقامة بنى تحتية وتوسيع البناء القروي والحضري.

الهدف الأساسي للسلطة الفلسطينية هو تمهيد الظروف للسيطرة على معظم مناطق “ج”. في هذا الإطار، تسعى السلطة لخلق تواصل جغرافي مأهول بالفلسطينيين بين هذه المناطق؛ وخلق أنشوطة خنق حول الاستيطان اليهودي لمنع توسعه؛ والسيطرة على شريان المواصلات الرئيسي والوصول المباشر إلى المملكة الأردنية. لذلك، أنشأت السلطة وزارة حكومية تشرف على النشاطات في هذه المنطقة وترسم خرائط للاحتياجات الفلسطينية

الخطط.

في بداية العام 2009 بلورت السلطة “خطة فياض”، برئاسة رئيس الحكومة في حينه، والتي تقوم على رؤية وجوب إقامة الدولة الفلسطينية من أسفل إلى أعلى. في النهاية، تمت بلورت خطة باسم “المعركة على مناطق ج” تستهدف إخضاع معظم مناطق “ج” للسيادة الفلسطينية. الخطة ممولة بميزانية أجنبية وحتى مشمولة في قرار الاتحاد الأوروبي الذي يمكن الفلسطينيين من العمل في المناطق “ج”، ليس لأسباب إنسانية واقتصادية، بل من أجل الدفع قدماً باتفاق سياسي وكرد على خطوات توسيع المستوطنات التي تقوم بها إسرائيل.

نية الفلسطينيين في السيطرة على مناطق “ج” تشمل تسجيل ملكية فلسطينية على الأراضي. حسب تقرير وزارة المعلومات، فإن السلطة الفلسطينية تستثمر في السنوات الأخيرة جهوداً كبيرة في تسجيل الأراضي مع استغلال فراغ قانوني وجد في المنطقة؛ لأن إسرائيل جمدت عملية تسوية الأراضي في 1968 لأسباب قانونية ولتوفير الموارد. في الوقت نفسه، يبذل الفلسطينيون جهوداً قانونية لمنع هدم بناء غير قانوني (بالأساس مبان عامة)، ونجحوا في الحصول على المصادقة لـ 113 تجمعاً سكانياً غير مرخص. عقب الانفصال الإسرائيلي عن شمال الضفة  (2005) حدثت زيادة كبيرة في حجم البناء الفلسطيني في شمال الضفة الغربةي واتسعت المناطق التي تم الوضع عنها 150 في المئة. نشاطات السلطة الفلسطينية في المنطقة تحظى بدعم أوروبي، لأن الفلسطينيين يعملون بتمويل أوروبي على تسجيل الأراضي وتسوية الأراضي. في الخلفية، يبدو أن هناك التزاماً واضحاً من قبل السكان الفلسطينيين بالسيطرة على مناطق “ج”، الأمر الذي ينعكس على استخدام الأراضي الزراعية والمراعي.

أسس جهود السلطة الفلسطينية تجاه مناطق “ج”

1- إقامة دولة فلسطينية مع تواصل جغرافي: أي خلق تواصل بين المناطق الفلسطينية المأهولة، حيث الشارع 60 على طوله يشكل العمود الفقري له، والربط بين مناطق الدولة الفلسطينية والأردن.

2- تشكيل الفضاء: وذلك البناء قرب شريان الحياة الرئيسي والسيطرة على مناطق مفتوحة.

3- المس بمشروع الاستيطان: وهذا عن طريق قطع التواصل الاستيطاني الإسرائيلي، واغلاق والمستوطنات بجيوب وتعميق عزلها.

4- السيطرة على الموارد: احتياطي الأراضي، الأراضي الزراعية، الموارد الطبيعية والمياه ومناطق مسيطرة.

5- التأثير على الحركة الإسرائيلية في الفضاء: وذلك بتشويش نسيج حياة المستوطنين.

6- حرمان إسرائيل من الاحتياطات الأمنية: مواقع استراتيجية ومحاور استراتيجية.

7- تشويش حرية النشاطات الأمنية الإسرائيلية في الفضاء.

البُعد الاقتصادي

في بحث خاص نشره البنك الدولي، قدرت الإمكانية الكامنة الاقتصادية لمناطق “ج”، التي قد تدر إضافة مهمة للناتج المحلي الإجمالي للسلطة الفلسطينية كالآتي:

1- الزراعة. الوصول إلى الأراضي الخصبة ومياه الري سيعطي الفلسطينيين حوالي 326 ألف دونم زراعي. زيادة الإنتاج الزراعي المقدرة بـ 740 مليون دولار (7 في المئة من الناتج الإجمالي الوطني الفلسطيني). تطوير الزراعة بالتعاون مع إسرائيل وبموافقتها سيمكن من تحسين وضع الأراضي وتقليص التلوث.

2- استخراج المعادن في شمال البحر الميت بمساعدة دولية قد يعطي الاقتصاد الفلسطيني 918 مليون دولار.

3- التنجيم والمحاجر، صناعة التصدير الأكبر للسلطة. إعطاء تصاريح التنجيم والمحاجر بالتنسيق بين السلطة وإسرائيل يمكن أن يضاعف الإنتاج ويضيف 241 مليون دولار. الآن، تنفذ هذه الأعمال بدون مصادقة وتؤدي إلى أضرار بيئية.

4- البناء. المصادقة على نسبة محددة فقط من قبل إسرائيل تؤدي إلى الاكتظاظ وارتفاع سعر السكن. وتغيير السياسة وزيادة رخص البناء ستؤدي إلى أرباح بمبلغ 239 مليون دولار.

5- السياحة. لا توجد مصادقة على الاستثمارات وعلى الوصول إلى المواقع السياحية في مناطق “ج”، لا سيما في شمال البحر الميت، الذي هو هدف للسياحة الفلسطينية الداخلية. تطوير الفندقة والسياحة يمكن أن يضيف 126 مليون دولار.

6- الاتصالات. الهواتف المحمولة والإنترنت متخلفة عقب عدم نشر خطوط وشعيرات ضوئية. وتغيير السياسة ربما يتمثل في زيادة محتملة للدخل تبلغ 48 مليون دولار.

7- غور الأردن. يمكن أن يتم في هذه المنطقة تطوير مراكز حضرية وزراعية لتوفير الغذاء. وفي هذه المنطقة أيضاً هناك إمكانية كامنة في مجال الطاقة والبنى التحتية والصناعة.

المساهمة الشاملة في الاقتصاد الفلسطيني لاستغلال الإمكانية الكامنة الاقتصادية الموجودة في مناطق “ج” تقدر بإضافة حوالي 35 في المئة للناتج الإجمالي الوطني، 3.4 مليار دولار، للميزانية الفلسطينية. هذا التطوير يمكن أن يؤدي أيضاً إلى فوائد غير مباشرة مثل تقليص نسبة البطالة والدفع قدماً باستقلالية الاقتصاد الفلسطيني وتقليص ديون السلطة وزيادة الاستثمارات الأجنبية وتحسين المواصلات والحوكمة.

مقاربة إسرائيل

حسب رؤية إسرائيل، فإن مناطق “ج” مخصصة للاستيطان في الضفة الغربية (جميع المستوطنات والبؤر الاستيطانية هي في مناطق “ج”). المنطقة تشمل فضاءات أمن غربية وشرقية، وقواعد للجيش الإسرائيلي ومواقع ومحاور حركة استراتيجية حيوية. ولكن المصالح الإسرائيلية، لا سيما المتعلقة بالاستيطان وبمستقبل المناطق، هي أمور مختلف عليها وتعكس مقاربة مختلفة في المجتمع الإسرائيلي.

حكومة إسرائيل الـ 37، المكونة جميعها من أحزاب وقوائم تنتمي ليمين الخارطة السياسية، تنفذ انقلاباً فكرياً فيما يتعلق بطريقة سيطرة الدولة على أراضي الضفة الغربية مع التركيز على مناطق “ج”. هدف هذه الحكومة هو تثبيت سيطرة إسرائيل على كل مناطق “ج” وتمهيد الظروف لضمها لدولة إسرائيل وإحباط كل إمكانية لاتفاق مستقبلي يقوم على فكرة الدولتين. جانب آخر من هذا الانقلاب هو تبني استراتيجية الوزير في وزارة الدفاع، بتسلئيل سموتريتش، للقضاء على الطموحات الوطنية للفلسطينيين. والخطوة الأولى نحو هذا الهدف هو إخراجهم من مناطق “ج”.

ارتكزت نظرية سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية خلال 55 سنة، على ثلاثة أرجل: 1- ترسيخ هدوء أمني بعيد المدى بقدر الإمكان، بواسطة حرب متواصلة ضد البنى التحتية الإرهابية وحرية نشاط عمل الجيش الإسرائيلي في كل المنطقة. 2- كسب الوقت إلى حين نضج الظروف لتسوية سياسية مع الأخذ في الحسبان أيضاً باحتياجات السكان الفلسطينيين. 3- التعهد للمجتمع الدولي بأن الضفة الغربية هي مناطق مختلف عليها، وإلى حين التوصل إلى اتفاق حول مستقبلها ستحتفظ إسرائيل بها كمناطق محتلة عسكرياً (طبقاً للقانون الدولي)، أي احتلال مؤقت. الانقلاب الإدراكي الذي تقوده الحكومة الحالية يقضي بصراع على كل قطعة أرض في مناطق “ج”، وتوسيع المستوطنات وإقامة بؤر استيطانية غير قانونية وبعد ذلك شرعنتها؛ وإقامة مزارع زراعية؛ وتوسيع مناطق الرعي والزراعة والتشغيل للمستوطنين؛ وهدم البناء الفلسطيني غير المرخص ورفض 98 في المئة من طلبات الحصول على رخص البناء للفلسطينيين؛ وإبعاد النشاطات الزراعية عن مناطق “ج”؛ وتعزيز العوامل الثابتة في سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية (من بينها نقل الصلاحيات من وزارة الدفاع ومن القائد العسكري إلى الوزير بتسلئيل سموتريتش وإلى جهات مدنية خاضعة له)… كل ذلك يستهدف خلق الشروط لفرض السيادة على مناطق “ج”.

البُعد الأمني

المقاربة الأمنية الإسرائيلية تعتبر مناطق “ج” مجالاً أمنياً للدفاع عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية – مساحات دفاعية لاعتراض الإرهابيين أثناء قيامهم بتنظيم وشن هجمات إرهابية، وإدارة معركة متواصلة لتفكيك البنى التحتية الإرهابية ومنع إدخال قدرات عسكرية معادية ووسائل قتالية إلى هذه المناطق. في الوقت نفسه، مطلوب من جهاز الأمن، بالأساس من الجيش و”الشاباك”، حماية الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية ومحاور الحركة التي تؤدي إليها ومنها. المنطقة تشمل ثلاث مناطق تعتبر مناطق ذات مصلحة حيوية: فضاء أمني شرقي – غور الأردن الذي يشكل عائقاً في حال تغيير الأردن لموقفه تجاه إسرائيل أو سيناريو في إطاره تسيطر على الأردن جهات معادية وتؤسس جبهة شرقية جديدة ضد إسرائيل؛ وغلاف القدس الذي هو أساس للحماية المكانية لعاصمة إسرائيل وطرق الوصول إليها، وفضاء أمني غربي – المنطقة المسيطرة طوبوغرافياً على قلب دولة إسرائيل ومواقعها الاستراتيجية (مثل مطار بن غوريون). هذه المنطقة محاطة في معظمها بالعائق الأمني (الجدار الأمني) وتحدد فعلياً عمقاً استراتيجياً للحد من الأخطار الأمنية والإرهاب في قلب الدولة. في الواقع، يجري في إسرائيل نقاش عام ومهني بخصوص مساهمة الاستيطان الإسرائيلي، الذي يقع في قلب الأراضي الفلسطينية وفي الأمن الشامل لدولة إسرائيل ومواطنيها أو كونه عبئاً أمنياً، يقتضي تخصيص قوات واسعة للدفاع عن المستوطنات وخطوط الحركة، وهي قوات أعدت للقيام بمهمات أمنية أخرى، وتخلق احتكاكاً دائماً ومتزايداً مع السكان الفلسطينيين وتزيد محفزات الإرهاب التي تضر بالأمن في نهاية المطاف.

البُعد الاستيطاني

تسعى سياسة المستوطنات والبؤر الاستيطانية للوصول إلى تواصل استيطاني إسرائيلي وخلق حاجز بين المناطق الفلسطينية بهدف إحباط إقامة الدولة الفلسطينية وتشكيل جيوب فلسطينية منفصلة في المستقبل (كانتونات)، التي تكون مشمولة داخل منطقة تحت سيادة إسرائيل.

حسب المقاربة التي توجه المستوطنين الأيديولوجيين ومؤيديهم في أوساط الجمهور وفي الحكومة، وبخاصة المنتمون لـ”الصهيونية اليمينية” المتطرفة، فإن وصية استيطان كل أرض إسرائيل تعادل كل الوصايا الأخرى معاً. حسب رأيهم، الاستيطان يلزم الجيش الإسرائيلي بحماية المستوطنات وشرايين حياتها، ويمنع الفلسطينيين من السيطرة على مناطق مفتوحة، ويعزز سيطرة إسرائيل عليها وعليهم. ومن أجل إبعاد حضور ونشاطات الفلسطينيين في مناطق “ج”، تتم إقامة مزارع زراعية ووضع اليد على أراضي رعي واسعة. في المقابل، هناك من يعارضون سياسة الاستيطان لأنها تقضي على اتفاق سياسي مستقبلي وتزيد الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين وتضر بتطورهم وتزيد الانتقاد الدولي لإسرائيل وتمط قوات الجيش الإسرائيلي حتى النهاية، وتحتاج إلى الاستثمار في القوات والجهود العسكرية الواسعة للدفاع عن المستوطنات والمحاور التي تؤدي إليها.

قضية فرض السيادة/ ضم مناطق ج

هذه قضية في مركز خلاف عميق داخل المجتمع الإسرائيلي. طرحت عدة أفكار حول هذا الموضوع: 1- فرض السيادة على غور الأردن التي ستحدد حدود إسرائيل الشرقية وتمنع “حق العودة” للفلسطينيين عبر الحدود الشرقية. 2- فرض السيادة/ الضم على أراضي المستوطنات فقط (منطقة مبنية أو مناطق خاضعة للولاية القضائية). 3- ضم الكتل الاستيطانية طبقاً لمسار الجدار الأمني. 4- ضم مناطق ج كلها. 5- ضم نصف مناطق “ج” كما تم التعبير عن ذلك في صفقة القرن للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2020.

الفكرة الأساسية التي تدفع بها الحكومة الحالية قدماً هي توفير الظروف للضم (هناك من يسمي الخطوات العملية على الأرض “ضماً زاحفاً”)، ويتمثل ذلك بعدة خطوات: نقل صلاحيات الإدارة المدنية إلى الوزير في وزارة الدفاع (الوزير سموتريتش) وتوسيع مشروع الاستيطان بواسطة “تسوية الاستيطان الشاب”، أي اعتراف قانوني بالبؤر الاستيطانية غير القانونية. الوزير سموتريتش الذي نقلت إليه الصلاحيات المدنية في الضفة الغربية أكد في إطار “وثيقة الحسم” التي نشرها بأن المهمة هي “نقش في وعي العرب وفي وعي العالم كله بأنه لا إمكانية لإقامة دولة عربية في أرض إسرائيل”. وهو يعتقد بأنه يجب وضع خيارين أمام الفلسطينيين، إما الهجرة إلى الدول العربية أو الاستسلام لحكم إسرائيل في كانتونات حكم ذاتي كمقيمين.

في نقاش أجرته لجنة الخارجية والأمن، كشف الوزير سموتريتش بأن الحكومة تعمل على تغيير في السياسة، الذي في إطاره سيعملون أيضاً على إنفاذ قوانين البناء في مناطق “أ” و “ب”، التي تم في إطارها إدارة الاستيطان في وزارة الدفاع الخاضعة له وإجراء نشاطات لتحسين أداء منظومة القانون، وذلك بواسطة إقامة وحدة تكتيكية محددة في حرس الحدود لإنفاذ القانون في الضفة الغربيةوحتى إن الوزير سموتريتش كشف عن نية تحريج أراضي دولة في منطقة عن طريق “الكيرن كييمت” وتخصيص مئات آلاف الدونمات للزراعة وشرعنة أكثر من 50 مزرعة.

تطبيق سياسة حكومة إسرائيل بخصوص مناطق “ج” يعني الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة. الضم الفعلي للمنطقة من أجل القضاء على أي فرصة لتسوية سياسية مع الفلسطينيين وتطبيق حلم الانفصال عنهم. عملية الضم الزاحف تقود الآن إضعاف السلطة الفلسطينية والمس بقدرتها على أداء دورها في إدارة حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية. وسيؤدي الضم إلى إضعاف آخر للسلطة الفلسطينية وحتى إلى تفككها النهائي، وسيدفع إسرائيل إلى تحمل المسؤولية الكاملة عن الحياة اليومية لثلاثة ملايين فلسطيني تقريباً، يعيشون في الضفة الغربية.

إضافة إلى ذلك، فإن الضم والتصرف أحادي الجانب والتعامل مع الوضع الحالي كوضع دائم وليس كوضع مؤقت، كل ذلك يضع إسرائيل في موقف إشكالي إزاء الانتقاد الدولي وتصنيفها كدولة أبرتهايد. إن ذوبان الفلسطينيين في إسرائيل في مناخ المواجهة المستمرة وليس كجزء من تسوية سياسية مشتركة، سيوسع الاحتكاك السلبي وسيعمل على تفاقم تحديات الهوية وسيذكي الصراعات على خلفية دينية وقومية، وكذلك إلى التصعيد في الجريمة والإرهاب والاحتجاجات العنيفة، وسيزيد من حدة تحديات الحوكمة. في رؤية للمدى البعيد، سيقوض الميزان الديمغرافي الإسرائيلي – الفلسطيني الأساس لجعل إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وسيؤدي إلى تحولها إلى “دولة واحدة” مع “تفوق يهودي” أو إلى “دولة كل مواطنيها”.

الخلاصة والتوصيات

برؤية استراتيجية، فإن الحفاظ على دولة إسرائيل يهودية وديمقراطية وآمنة ومزدهرة يستوجب وقف توجهات دمج المجموعات السكانية في الضفة الغربية والانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة. لذلك، يجب خلق الظروف لانفصال سياسي وجغرافي وديمغرافي عن الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه تثبيت سلطة فلسطينية مسؤولة، مستقرة، قادرة على القيام بدورها بفعالية وتتعاون مع إسرائيل.

من أجل الدفع قدماً بأهداف الانفصال عن الفلسطينيين ووقف الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة، يجب على إسرائيل أولاً وقبل كل شيء تغيير نظرتها من مناطق “ج”، من سيطرة أحادية الجانب إلى اعتبارها فضاء لتفاهمات مع السلطة الفلسطينية. نقترح تخصيص 25 في المئة من مناطق “ج” لتطوير بنى تحتية ومشاريع اقتصادية لتشجيع الاقتصاد الفلسطيني، وخلق تواصل في المواصلات ونقل مناطق مأهولة فلسطينية، والتي تجاوزت حدود مناطق “أ” و”ب” ووصلت إلى مناطق “ج”، إلى سيطرة فلسطينية (أكثر من 200 ألف فلسطيني يعيشون في مناطق “ج”).

في إطار تخصيص مناطق تطويرية، سيتم تشكيل لجنة خاصة بمشاركة جهات دولية لاقتراح مشاريع في مناطق “ج”. في المرحلة الأولى، لن يتم نقل صلاحية التخطيط والبناء في هذه المناطق للفلسطينيين، بل بعد ذلك، ولاحقاً بدء العمل في المشاريع وإثبات قدرة على العمل وتحمل المسؤولية من قبل الفلسطينيين. بخصوص المستوطنات، لا نوصي بإخلائها، بل بتعليق سياسة الاستيطان الحالية: يجب إخلاء كل البؤر الاستيطانية غير القانونية والمزارع غير المصرح بها وتفضيل البناء والتطوير في الكتل الاستيطانية التي تقع غرب الجدار الأمني. المستوطنات المعزولة داخل الأراضي الفلسطينية يجب وقف توسيعها، باستثناء احتياجات التكاثر الطبيعي وإحباط سياسة الوزير سموتريتش نقل نحو نصف مليون مستوطن آخر إلى هناك.

في إطار الاتصالات من أجل التطبيع بين إسرائيل والسعودية، فقد تم طرح الحاجة إلى “رزمة فلسطينية”، أي مقابل من جانب إسرائيل في الموضوع الفلسطيني، الذي يمكن لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الأمريكي جو بايدن، أن يسجلاه كإنجاز والذي سيساهم في تطبيق حل الدولتين. في هذا السياق، قال ولي العهد السعودي بن سلمان في خطاب في مؤتمر قمة الجامعة العربية الذي عقد في الرياض في أيار 2023 إن “القضية الفلسطينية على رأس سلم جدول أعمال المملكة”. وذكر بالمبادرة العربية للسلام. وتطرق توماس فريدمان في المقال الذي نشره في “نيويورك تايمز” إلى المقابل الذي تطالب به السعودية في إطار الاتفاق الثلاثي مع الولايات المتحدة: تعهد رسمي بعدم ضم المناطق؛ ووقف بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية القائمة؛ وتعهد بعدم شرعنة المزيد من البؤر الاستيطانية غير القانونية، وأيضاً نقل جزء من مناطق “ج” الموجودة تحت سيطرة إسرائيلية كاملة إلى مناطق “أ” و”ب” الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية. لإسرائيل مصلحة في الدفع قدماً باتفاق تطبيع مع السعودية بسبب أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية والدينية والسياسية، وأيضاً ضد محور إيران.

إن الاستعداد الواضح من ناحية السلطة الفلسطينية للمشاركة في اللعبة السياسية وعدم البقاء في الخلف، يشجع التفكير نحو الدفع قدماً بمشاريع اقتصادية وبنى تحتية في مناطق “ج”. هاكم عدداً من المشاريع المحتملة:

تحسين وزيادة نجاعة السيطرة المشتركة على المعابر – تحسين مستوى الخدمات والبنى التحتية. تأكيد خاص على معبر جسر اللنبي إلى الأردن وإشراك السلطة الفلسطينية في تشغيله.

إقامة مطار مشترك في غور اوركانيا للمسافرين الفلسطينيين، الإسرائيليين والحجاج، الأمر الذي سيشجع على الاستثمار في المنطقة. إقامة معابر برية في ترقوميا و”شاعر أفرايم” لفحص البضائع المعدة للتصدير من مناطق السلطة الفلسطينية والاستيراد.

الكهرباء. ربط تزويد الغاز من إسرائيل، وفي المقابل إقامة محطات كهرباء فلسطينية باستثمارات خاصة من أجل جسر الفجوة في استهلاك الكهرباء. إضافة إلى ذلك، إقامة منشآت لإنتاج الطاقة الخضراء، من الشمس والرياح، (حقوق شمسية في صحراء “يهودا”)، والربط مع شبكة التوزيع بهدف تقليل اعتماد الفلسطينيين على الطاقة من إسرائيل.

المياه. استئناف نشاطات لجنة المياه المشتركة. تخصيص منطقة على شاطئ البحر المتوسط بتمويل سعودي أو دولي لإقامة محطة تحلية فلسطينية. إقامة منشآت لتكرير مياه المجاري في الضفة الغربية ومد أنبوب مناسب لاستخدام المياه الناتجة للزراعة.

تطوير غور الأردن كفضاء اقتصادي مشترك بين إسرائيل والسلطة والأردن، وربطه بدول عربية أخرى. إن إشراك دول الخليج سيمكن من الدفع قدماً بمشاريع كبيرة مثل شبكة بنى تحتية من الخليج إلى البحر المتوسط. وربط السلطة بالبنية الإقليمية متعددة الأطراف. (المياه مقابل الطاقة بين إسرائيل والأردن والإمارات، مشاريع مشتركة في مجال التكنولوجيا والسياحة والتشغيل والمواصلات).

إقامة مزارع لتطوير تسويق فلسطيني للفواكه والخضار مع منع تلوث المياه الجوفية.

جودة البيئة. وقف عمليات تلويث الهواء والمياه والأرض (ضخ مياه المجاري في الأودية وتلويث الأرض والمياه الجوفية بمياه المجاري غير المعالجة وإحراق المواد الملوثة ورمي النفايات الإلكترونية الممنوعة).

أزمة المناخ. الدفع قدماً بمشاريع مشتركة تخدم مصالح مشتركة بمساعدة التكنولوجيا الإسرائيلية.

إن الدفع بهذه المشاريع، جزء منها أو جميعها، سيعزز مكانة السلطة الفلسطينية في الساحة الداخلية والإقليمية كلاعبة مهمة في التسويات، وسيساعد أيضاً في اندماج إسرائيل في المنطقة. إضافة إلى ذلك، إن خطوات في هذا الاتجاه ستفيد في تخفيف الصراع المتزايد بين إسرائيل والفلسطينيين، لا سيما في تمهيد الظروف للانفصال عن الفلسطينيين.

https://www.inss.org.il/he/publication/c-territory/

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى