ترجمات عبرية

معاريف: حتى على الساحة الدولية، يُنظر إلى خطابات نتنياهو أنها “فارغة”

معاريف 24-9-2023، بن كاسبيت: حتى على الساحة الدولية، يُنظر إلى خطابات نتنياهو أنها “فارغة”

لحظة واحدة تجسد المفارقة كلها، تلك اللحظة التي صعد فيها رئيس وزراء إسرائيل ليلقي فيها خطاباً تاريخياً آخر، ملتهباً وحالماً، أمام الجمعية العمومية (الفارغة) للأمم المتحدة. في تلك الدقيقة، بينما كان رأس نتنياهو يبحر في السماء، كانت أقدامه تغرق في مياه ضحلة. في تلك الدقيقة، غرد ابنه يئير من جديد ببوست يدعو إلى تحرير القاتل عميرام بن أوليئيل. إرهابي يهودي ألقى بزجاجة حارقة في غرفة كانت فيها عائلة فلسطينية غارقة في نومها فأحرق الأب والأم، والابن الرضيع ابن السنة والنصف. يبدو أن الابن لم يرَ الأمر الذي أصدره جيش الأبواق قبل بضعة أيام للتنكر لتلك الحملة المخيفة من أجل تحرير القاتل. للابن حياة خاصة به؛ فهو لا يتعرق معنا في الهلال الخصيب. السؤال هو: من هنا الذيل، ومن هو الكلب، ومن يستيقظ مع البراغيث؟

يدور الحديث عن مأساة. كان خطاب نتنياهو، كالمعتاد، مصوغاً جيداً ومبنياً على هيئة طوابق. نتنياهو لا تنقصه القدرة. ما له، له. ما ينقصه هو الإرادة. بيد واحدة يعنى بسلام عالمي وباتفاق تاريخي مع السعودية وبالذكاء الاصطناعي وباقي شؤون العالم الكبير، وفي اليد الأخرى يتثبت مع متطرفي المتطرفين، يعزز ائتلاف المجانين الذي يدعو قسم غير صغير منه الآن لإحقاق “العدل” لقاتل غاشم. بيد واحدة يعد الأمريكيين والسعوديين بالجبال والتلال، وباليد الثانية يرقص مع “فتيان التلال”. في الصباح، يجري مفاوضات مع محمد بن سلمان، وفي المساء ينبطح ويعتذر أمام كل أزعر.

المشكلة في خطاب نتنياهو وجود مشكلة المصداقية. في هذه المرحلة من حياته السياسية، تعتبر خطابات نتنياهو في الساحة الدولية عابثة. لا أحد يصدق ولو واحدة تصدر عن فمه. رئيس وزراء إسرائيل الذي اعتبر ذات مرة في “مصاف آخر” بمقاييس دولية، خطب الجمعة أمام قاعدة فارغة بين رئيس وزراء كوريا الشمالية ورئيس وزراء اوريسيوس. وحتى السفيرة الأمريكية لم تكلف نفسها العناء (وإن جلست مندوبة سعودية في القاعة). تصوروا كلاسيكو بين ريال وبرشلونة بدون جمهور.

نتنياهو 2023 فقد لمسته الدولية. عندما يجلب اتفاقاً مع السعودية، فسيكون برحمة الأمريكيين وبناء على نية السعوديين الطيبة. سيكون نتنياهو طرفاً ثالثاً، سيستمتع بالغنيمة. ومثلما كانت اتفاقات إبراهيم أهون الشرور للضم، سيكون الموضوع السعودي نتاجاً ثانوياً للقاء مصالح أمريكي – سعودي. ولا يزال الحديث يدور عن اتفاق تاريخي يخير واقعاً علينا جميعاً أن نرحب به. هذا الاتفاق سيسجل على اسم نتنياهو أيضاً. من جهة أخرى، سيجعله الزعيم الأول في التاريخ الذي يعلن بأنه أبو قنبلتين نوويتين: الإيرانية والسعودية.

الجمهور الذي تجمع في وقت خطاب نتنياهو لم يكن جمهور نتنياهو، كان “جمهوراً خارجياً” شجع الفريق الخصم. آلاف المتظاهرين وقفوا هناك مع أعلام إسرائيل وجعلوا الميدان النيويوركي نوعاً من كابلان. كان هناك إسرائيليون ويهود، ومن جاءوا من البلاد، وكثيرون آخرون تجمعوا من أرجاء الولايات المتحدة كافة. وكمن أقام في إسرائيل معسكراً ليبرالياً يتجاوز القطاعات والهويات، هكذا نجح نتنياهو في توحيد يهود أمريكا. يكاد الجميع يكون ضده باستثناء الحريديم والحبادييين. زعماء يهود أمريكا انكشفوا قبل يومين أيضاً على الأجواء الحميمة لعائلة نتنياهو، حيث تلقوا “حماماً” رناناً من العقيلة لأنهم تجرأوا على الصمت في ضوء تشهير يجرى لها ولأبنائها. نعم، هذا تقرير صحافي حقيقي.

يصرخ البيبيون بأن التظاهر ضد رئيس وزراء في الخارج أمر محظور، حتى وإن كنا تجاهلنا نماذج كثيرة كان قد انتقد فيها نتنياهو من قبل الحكومة في الخارج وبالإنجليزية، بألف طريقة وطريقة، وحتى لو تجاهلنا المظاهرات الكبرى لمؤيديه ضد رئيس الوزراء شارون، حين كان في الخارج، وضد رئيس الوزراء أولمرت حين كان في الخارج. وحتى لو تجاهلنا اقتباسات نتنياهو نفسه الذي يشرح بكفاءة عالية بأن على المعارضة أن تشرح مواقفها حتى في الخارج، ومع ذلك نتذكر إصرار نتنياهو على ألا يتحدث مع الإسرائيليين بلغتهم وألا يجري اللقاءات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية. يبدو أنه يخشى ألا يسير الجميع على الخط مع المقابلات التي يمنحها للقناة 14. وبالفعل، فإن من لا يجري اللقاءات إلا مع وسائل الإعلام في الخارج، فلا يجب عليه أن يشكو حين يحتج الناس ضده في الخارج.

لنعُد إلى الخطاب

لإدراك مدى بعد نتنياهو عن فهم الواقع الحالي، تعالوا نحلل هذه الجملة المأخوذة من النص نفسه: “قبل ثماني سنوات وعدتنا دول الغرب بأنه إذا ما خرقت إيران الاتفاق فستعود العقوبات. وبالفعل، إيران خرقت الاتفاق، لكن العقوبات لم تعد”. عندما تسمع جملة كهذه، تتساءل عن أهلية الرجل. فهو يعرف الحقائق والتفاصيل، وما زال يسمح لنفسه بالكذب.

الحقيقة كالتالي: إيران نفذت كل التزاماتها في الاتفاق النووي؛ السهل والمتشدد على حد سواء. هذا ما أكدته أجهزة الاستخبارات الغربية، بما فيها الموساد، وهذا ما قرره مراقبو الأمم المتحدة الذين راقبوا الاتفاق عن كثب. غير أن نتنياهو والعبقري إلى جانبه رون ديرمر، قررا في حينه إقناع الرئيس ترامب للخروج من الاتفاق. فخرج ترامب. من تلك اللحظة، لم تكن إيران ملزمة باحترام الاتفاق. فلماذا تحترمه؟ أعاد الأمريكيون العقوبات، بل شددوها. إذا لم تحصل إيران على المقابل، فلماذا تورد البضاعة؟

بكلمات أخرى، إن من تسبب لإيران بخرق الاتفاق وصمت العالم هو نتنياهو؛ فهو أبو القنبلة الإيرانية، فبفضله باتوا “دولة حافة نووية”. والأكثر دهشة أنه ينزل باللائمة الآن. من جهة أخرى، كان في خطابه أيضاً تلميح بأنه يعترف بالواقع. الجملة التالية تثبت ذلك.. “ما دمت رئيس وزراء إسرائيل، فسأفعل كل شيء لمنع إيران من نيل سلاح نووي”.

يعد هذا تغييراً بارزاً في طريقة الصياغة: حتى اليوم صرح عدد لا يحصى من المرات بأن إيران لن تكون نووية. نقطة. الآن يتحفظ عن هذا. “ما دمت” أو “سأفعل كل شيء”. نتنياهو سلم بهزيمته في الساحة الإيرانية. كل ما تبقى له عمله أن يجد من يتهمه. ثقوا به، فهو ممتاز في هذا.

من ينظر إليه عن كثب يدرك مدى ضعفه. فتلك العثرات الصغيرة آخذة في التزايد: تحدث عن “تهديد نووي مصداق”، يجب تفعيله على إيران، بدلاً من “تهديد عسكري”. لم ينجح في مناورة المذيعة التي التقته في وسيلة الإعلام الأجنبية كما درج في الماضي. العكس هو الصحيح؛ هم الذين ناوروه؛ فقد بدا ضعيفاً ومنتوفاً، أكثر من السعال، ومصادر في الحاشية تبلغ بأنه اجتاز قدراً أكبر مما ينبغي، وأن القرار بالمقابلات مع وسائل إعلام أمريكية كان خطأ، وأن المزاج كان متردياً، وأن الاحتجاج الذي يلاحقه حتى هنا، يقض مضاجعه.

الراحة الهزلية في أثناء الزيارة تعود إلى المقابلة مع السي.ان.ان. فبعد أن تملص على مدى دقيقتين من القول إنه سيطيع قرار محكمة العدل العليا، سُئل عن بادرات طيبة للفلسطينيين وعن فرص موافقة شركائه من اليمين. السؤال هو -أجاب نتنياهو- ليس إذا كانوا سيوافقون، بل إن كنت أنا سأوافق. نسي للحظة أنه لم يعد الكلب، بل الذيل. هو رهينة أولئك الشركاء الذين استخف بهم في أثناء المقابلة. ربما عول على ألا تبث المقابلة يوم السبت، وأن يوم الغفران سيقتحم حياتنا بعدها. مهما يكن من أمر، أفضل أنه سيضطر إلى إيضاح أقواله خشية أن يدعوه الطاغية بن غفير أو الأزعر سموتريتش إلى النظام. ليسا هما المتعلقين به، بل هو المتعلق بهما.

عشية يوم الغفران، يجدر بنتنياهو أن يجري حساباً للنفس. لا حاجة للفزعة. ليس هذا حساباً يحتاج بطاقة ائتمان، بل حساب نفس أخلاقي حقيقي. انظر إلى الدولة التي تقف على رأسها، يا سيد نتنياهو. بينما أنت في نيويورك، يعود غلاف غزة للاشتعال. الإرهاب يتصاعد. أعمال القتل داخل إسرائيل تحطم أرقاماً قياسية. الحوكمة اختفت منذ زمن بعيد. الاقتصاد في الدرك الأسفل. الدولار يقلع في إسرائيل فقط. الشيكل ينهار. التكنولوجيا العليا تذوب. أفضل العقول تبحث عن مستقبلها في الخارج. الجيش الإسرائيلي في أزمة عميقة. المجتمع الإسرائيلي يتفكك إلى عناصره. إنك تدهور دولة كانت قصة نجاح هائلة، نحو حائط من الإسمنت. ألا ترى هذا؟ ألا تسمع؟ ما الذي تقوله لنفسك؟ كيف تفسر كل هذا لنفسك؟

في يوم الدين، يا سيد نتنياهو، لن تتمكن من إيقاع هذا على يريف لفين، ولا على سمحا روتمان. حتى بن غفير وسموتريتش لن يكونا هناك، حين يتقرر حكمك التاريخي. ستكون وحدك. ولأول مرة، لن تتمكن من اتهام أحد غيرك. هذا أنت، ومصيرك. ومصيرنا.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى