ترجمات عبرية

معاريف: إسرائيل الجديدة تختلف كثيراً عن تلك التي عرفناها

معاريف 2022-11-23، بقلم: ميخائيل ميلشتاين : إسرائيل الجديدة تختلف كثيراً عن تلك التي عرفناها

هناك أوجه شبه كثيرة ما بين الانتخابات الأخيرة وانقلاب سنة 1977. في الحالتين، تم انتخاب قيادة يمينية واضحة من معسكر اليمين، تريد أن تضع إسرائيل على مسار استراتيجي جديد مختلف جوهرياً عن النظام القديم: حكم “مباي” الطويل و”حكومة التغيير” القصيرة العمر.

في الحالتين كانت مشاعر الإحباط تسيطر على فئات واسعة في المجتمع، اتسع تأثيرها بعد الانتخابات: الشرقيون في انتخابات 1977، والصهيونية الدينية اليوم.

اتّسم الانقلاب في سنة 1977 بصعود قيادة تحمل رؤية سياسية ورأياً مختلفاً عن القيادة التي سيطرت قبل ذلك. لكن من الناحيتين الثقافية والاجتماعية، يدور الحديث عن ممثلين من طبقة “النخب” تتشارك في عدة أمور، وبصورة خاصة في مجال تعريف المصالح الاستراتيجية الأساسية لإسرائيل والعلاقات بين فئات المجتمع، وما بينها وبين مؤسسات الحكم المختلفة.

في الانتخابات الأخيرة، تعززت قوة فئة ثورية تمثلت في الصهيونية الدينية، المعنية بتغييرات أساسية، داخلياً وخارجياً: الصورة الجغرافية لإسرائيل (تطبيق السيادة على الضفة والتشدد بالخط المعتمد حيال السلطة)، ومكانة الدين في حياة السكان، والعلاقة بين السلطات، مع التركيز على تقليل تأثير المنظومة القضائية.

وهذا كله، من دون وضوح في السياسات المتبعة تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، وأسئلة عديدة عن معرفة قيادة المعسكر بأهمية العلاقات الخارجية الإسرائيلية.

إذاً، يدور الحديث عن ائتلاف حكومي، على الأقل ربعه يريد تغييراً دراماتيكياً للواقع، ولا يريد الحفاظ على الوضع القائم. فقبل تنصيب الحكومة الجديدة، هناك الكثير من المخاوف من الداخل والخارج، بعضها مؤسساتي، والآخر يدور حول الاتجاهات، لكن بعضها أصلي ويرتبط بأسئلة الهوية والقيم والرؤية. لذلك، هناك حاجة إلى بعض الحساسية من طرف الحكومة المقبلة، وذلك لأنها من الممكن أن تؤدي إلى نمو بؤر توتُّر واحتكاك مستقبلية داخل المجتمع اليهودي، بين السلطة والمؤسسات الرسمية المختلفة، وبين الدولة والمواطنين العرب، وبينها وبين جاراتها في الساحة الإقليمية والدولية.

في ما يتعلق بالمنظومة السياسية نفسها، تظهر تغييرات أُخرى: تقريباً نصف أعضاء الكنيست المنتخبين محسوبون على أحزاب لا تُجري انتخابات داخلية، وهو ما يعني مشاركة محدودة نسبياً في الحياة السياسية داخل الأجسام المنتخبة نفسها، ولذلك، من المفضل أن تُسمى “قوائم” أكثر مما هي “أحزاب”.

يدور الحديث عن ظاهرة ليست جديدة (بصورة خاصة في الأحزاب الحريدية، وليس فيها فقط)، لكن حجم هذه الظاهرة ازداد، وخصوصاً في معسكر “الوسط”، وحزب يوجد مستقبل، والمعسكر الرسمي، و”إسرائيل بيتنا”.

إذا كانت فروع الأحزاب سابقاً تشكل بؤر حياة سياسية في حياة الجمهور – في الأيام التي كانت فيها للأحزاب السياسية برامج وأفكار عميقة وواضحة ووظيفة مركزية في صوغ الهوية الشخصية والجماعية للمواطنين – فاليوم يدور الحديث عن قوائم تمثل، في أغلب الأحيان، طريقة حياة قيمية وصورة ثقافية عامة أكثر مما هي رؤية.

القوائم نفسها تعيش أكثر من مرة داخل الفضاء الافتراضي، في اللقاءات الجماهيرية، أو داخل الجلسات المنزلية (التي تزداد وتيرتها قبل الانتخابات) أكثر مما تعيش داخل مبانٍ ثابتة في الحيز العام، وتتحول أحياناً إلى رموز. “الليكود” إلى جانب “حداش” و”راعام” وحزب “العمل” هي الأحزاب الوحيدة تقريباً التي لا تزال تحافظ على التقليد القديم، والتي تدمج ما بين دعوة الجمهور إلى المشاركة في اللعبة السياسية وبين وجود فروع للحزب كمواقع نشطة في الحيز العام.

اتجاهات عميقة أُخرى تعكسها هذه الانتخابات تتطرق إلى القصة اليهودية – العربية في إسرائيل. فانتخابات سنة 2022 أشارت، ليس فقط إلى الفضل (من الممكن أن يكون مؤقتاً) لـ”التجربة” التي في أساسها دمج حزب عربي في الحكم بإسرائيل، إنما أيضاً إلى عمق الفجوة بين المجتمعيْن، وهو ما تشير إليه أنماط التصويت. فللتخوف من سيطرة العرب، الذي رافقه خوف من عودة “أحداث” أيار 2021 (حارس الأسوار) وفقدان السيادة الواسع في مواقع مختلفة في الدولة (خاصة النقب)، دور مركزي في التصويت داخل الجمهور اليهودي، وأجواء مشابهة يدلل عليها التصويت لـ”التجمع”، الذي كان على عتبة عبور نسبة الحسم.

داخل المجتمع العربي، شكلت الانتخابات الأخيرة، إلى حد ما، نهاية السياسة القديمة. تلك التي بدأت تتفكك مع دخول “القائمة العربية الموحدة” إلى الائتلاف وقيامها بخطوة “ثورية” برفض الوقوف جانباً، وتلقت هذه السياسة ضربة عميقة مع تفكُّك القائمة المشتركة نهائياً عشية الانتخابات والضياع العميق بعد ذلك.

الحزبان المتنافسان – “الجبهة العربية للتغيير” و”حداش – تاعل” – وجدا نفسيهما سوياً في المعارضة من دون تأثير، في الوقت الذي بقي “التجمع” خارج النظام البرلماني، ويمكن أن يتحول إلى البديل خارج السياسة الرسمية، مستغلاً شعور الإحباط والخوف والاغتراب المسيطر على فئات واسعة من الجمهور العربي في أعقاب الانتخابات.

الانتخابات الأخيرة ليست فقط تعبيراً عن التغييرات في الرؤى أو المزاج العام للشرائح داخل إسرائيل، إنما تعكس أيضاً الميزان الديموغرافي الداخلي. تعزّز قوة اليمين ليس نتيجة التوتر العربي – اليهودي فقط، و”موجات الإرهاب”، أو التغييرات في الساحة الإقليمية، إنما أيضاً حقيقة أن الوزن الديموغرافي للفئات المقربة من الرؤية ذاتها يرتفع. في الجمهور العربي، لا توجد الاتجاهات نفسها، إما بسبب المشاركة المنخفضة في الانتخابات، وإما بسبب نسبة الولادات التي تنخفض بالتدريج (اليوم نسبة الولادات لدى النساء اليهوديات في إسرائيل أعلى منها لدى النساء المسلمات).

في البعد الثقافي، عبّرت الانتخابات الأخيرة بشكل صارخ جداً عن وزن “الجيل Z”. هذا الذي وُلد ما قبل سنة 2000 بقليل أو بعدها، وبعضهم شهد عدة جولات انتخابية في الأعوام الأخيرة. المميزات الأساسية العالمية لهذا الجيل تغلغلت إلى عمق اللغة السياسية، وأثّرت إلى حد معين في نتائج الانتخابات: مركزية شبكات التواصل الاجتماعي كأداة تمرير الرسائل والمعلومات وتشكيل رأي، والميل إلى مضامين سطحية وشعارات يتم فيها دمج أخبار كاذبة، وصعوبة في التعامل مع القضايا المعقدة، وتفضيل رد واضح، قاطع وسريع لمشاكل الساعة على محاولات تفسير الاتجاهات وتوضيح أنه لا توجد حلول سحرية (يدور الحديث عن نوع قيادات كانت موجودة سابقاً واختفت).

بعد ثلاثة أعوام ونصف من الفوضى السياسية المستمرة، حسمت إسرائيل طريقها الاستراتيجي، صحيح أنها لا تبدو الدولة نفسها كما كانت عليه في نهاية سنة 2018. معسكر “اليسار” تقلص، وتقريباً اختفى؛ القصة اليهودية – العربية شهدت زعزعة عميقة وبقيت كقصة مفتوحة يمكنها أن تنفجر، ويوجد عملياً معسكر سياسي – جماهيري واحد فقط تقف أمامه مجموعة من المؤسسات المتناقضة داخلياً، ولا يمكن القول إنها “معسكر”، استصعبت ولا تزال تستصعب العمل بتنسيق، والأسوأ أن تتوحد.

دول أُخرى في العالم كانت ستنهار بسبب الفراغ السياسي والاستقطاب الاجتماعي المتصاعد كما حدث في الأعوام الأخيرة. “الأمراء” الذين ساعدوا إسرائيل لتنجح في عبور هذه الفترة كان المجتمع المدني المتماسك، والاقتصاد القوي، والمنظومات الأمنية والبيروقراطية المستقرة والمؤسساتية، بالإضافة إلى حقيقة أن أغلبية أعداء إسرائيل، وعلى رأسها إيران، تعاني جرّاء ضعف عميق داخلياً، ومنشغلة بتحديات أُخرى، بدلاً من استغلال الحساسية الداخلية المستمرة، بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي في الدولة.

إسرائيل ما بعد الانتخابات ليست هادئة أو متكتلة أكثر. العكس هو الصحيح. التوترات الداخلية يمكن أن تزداد في الواقع، بسبب المخاوف في أوساط الفئات المختلفة من تغيير دراماتيكي وسريع.

الخطاب السائد الذي سيطر على الوجود الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة – “نعم بيبي ولا بيبي” – ومنع النقاش في القضايا الاستراتيجية يتراجع، لكنه يترك الحيز لنقاشات محتدمة ومتوترة بشأن قضايا جوهرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى