#شؤون مكافحة الاٍرهاب

مركز التنبؤات الاستراتيجية “ستراتفور “- كيفَ يُمكن قياس النجاح ضد الإرهابيين؟

مركز التنبؤات الاستراتيجية “ستراتفور ”  – سكوت ستيوارت * – 12/6/2018

تنخرط الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون في عمليات مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد ضد الجماعات الإرهابية في قطاع عريض من الكوكب، والذي يمتد من غرب أفريقيا إلى جنوب الفلبين. وبينما تتضاءل قوة الجماعات المتشددة المسلحة وتخبو هالتها، من المهم التفكير في كيفية قياس مدى النجاح الذي تحققه هذه العمليات.

إضاءات

• يتطلب قياس النجاح ضد منظمة متشددة مسلحة فهم أهداف المجموعةومدى التقدم الذي أحرزته نحو تحقيقها، وكذلك أنواع الأعمال الحربية التي لديها القدرة على تنفيذها.

• بدلا من قياس قوة المجموعة المعنية من خلال عدد الهجمات الإرهابية التي تشنها، من الضروري فحص نوعية هذه الهجمات وتحديد مدى تطابقها مع عمليات المجموعات الأخرى.

تتطلب هزيمة مجموعة متشددة مسلحة أكثر من مجرد الانتصار عليها في ميدان المعركة المادي؛ إنها تتطلب تحقيق تقدم في المجال الأيديولوجي الأكثر صعوبة بكثير.

*   *   *

كان قبل أسبوع واحد فقط من كتابة هذا التحليل عندما تحدثتُ إلى شخص يعمل في مساعدة أحد البلدان على مكافحة تهديد جهادي كبير. وفي سياق حديثنا، شرعنا في التفكير في كيف يمكنكَ أن تقيس فعلياً مدى النجاح الذي تم إحرازه ضد جماعة إرهابية؟ وكما أظهرت عمليات مكافحة الإرهاب في كل أنحاء العالم، فإن تدمير عدد كبير من سيارات “تويوتا هايلوكس” التي يقودها متشددون ليس بالضرورة هو العلامة المحدِّدة للنجاح في “الحرب على الإرهاب” ببساطة، ولا تؤشر إحصائيات الخسائر التي تسببها الهجمات الإرهابية بالضرورة على فشل المجموعة المعنية. وكنتُ قد كتبتُ في السابق عن الإرهاب ونظرية التمرد وعن مسارات جماعات معينة، لكنني لم أكتب مطلقاً عن كيفية قياس قوة الجماعات المتشددة المسلحة. وكما يتبين، فإن هناك في تقدير قوة مجموعة إرهابية معينة هو أكثر من مجرد ملاحظة الأرقام المباشرة.

طيف التشدُّد

مع القليل جداً من الاستثاءات –بما فيها الجماعات الإرهابية التي تتبنى قضية واحدة مثل جماعات حقوق الحيوانات، أو نشطاء مناهضة الإجهاض- فإن ارتكاب معظم الأعمال الإرهابية يتم في إطار سعي نحو تحقيق أهداف سياسية أكبر. وتشكل الماركسية، والفوضوية، والتفوقية البيضاء والإرهابية كلها أمثلة على أيديولوجيات تُشجع على استخدام الإرهاب، ولو أنها تفعل ذلك بهدف أن تصبح قوى عسكرية أكثر إخافة. وبذلك، فإن الإرهاب –نمطياً- ليس غاية في حد ذاته، وإنما أداة تستخدمها -في أغلب الأحيان وليس دائماً- قوة عسكرية أضعف ضد واحدة أقوى. ولذلك، يشير مركز (ستراتفور) بشكل عام إلى الجماعات الماركسية والإرهابية بأنها “جماعات متشددة”، لأنها تسعى إلى استخدام طيف واسع من الأدوات العسكرية لتحقيق أهدافها المعلنة؛ وفي نهاية المطاف، يشكل الإرهاب مجرد واحدة من تلك الأدوات. وقد دفعت التسمية البعض إلى اتهامنا بأننا “متساهلون مع الإرهاب” عندما نشير إلى جماعات مثل “داعش” على أنها جماعات متشددة بدلاً من “جماعات إرهابية”. لكن وصف منظمة تستخدم الإرهاب، وأساليب التمرد في الأعمال الحربية –وعندما يكون ذلك متاحاً- أعمال حرب هجينة مختلطة، بل وحتى أساليب حرب المناورة، بأنها “منظمة إرهابية” إنما يقلل كثيراً من حجم التهديد الذي تشكله حقاً. إن الجماعات من نوع “داعش” هي أكثر بكثير من مجرد منظمة إرهابية.

بالنسبة للمفكرين الثوريين والراديكاليين، من ماو تسي توغ، وفو نغورين جياب، وتشي غيفارا، حتى إلى أسامة بن لادن وأبو بكر الناجي، فإن الإرهاب يحتل مكاناً صغيراً نسبياً من الطيف العسكري للمنظمة. وفي النظرية الثورية الكوبية، والماوية، والماركسية، وحتى الفكر الجهادي، فإن طليعة صغيرة فقط هي التي تنخرط في الإرهاب من أجل غرس البذور الأولى التي ستقود في نهاية المطاف إلى الثورة. إن الإرهاب هو “دعاية الأفعال”، والهدف منه هو الإعلان عن وجود المجموعة وأيديولوجيتها. والأهم من ذلك هو أن القصد من الإرهاب هو رفع منسوب الدعم الشعبي بهدف خلق فضاءات بشرية صديقة يمكنها أن توفر الحماية، والدعم المالي والمجندين –أو، باقتباس عبارات ماو، فضاءات تتيح لمقاتل حرب العصابات “أن يتحرك بين الناس كما تتحرك السمكة في البحر”.

بطبيعة الحال، ليست الغاية من مثل هذه الحرية العملياتية مجرد تنفيذ الهجمات الإرهابية، وإنما أيضاً بناء قوة عسكرية يمكنها أن تشن حرب عصابات، والتي تسمح للمجموعة بتوسيع مناطق نفوذها أو سيطرتها. وعن طريق التوسيع الدائم لقدرتها، سوف تتطور المجموعة إلى ما هو أبعد من مجرد خوض حرب تمرد، وتتمكن من خوض حروب مناورة، وأن تهزم العدو وتؤسس حكومة جديدة –بل وربما حتى إمبراطورية.

المبدأ الأساسي وراء حرب التمرد أو حرب العصابات هو تجنب خوض المعركة عندما يكون العدو متفوقاً، والهجوم عندما وحيثما يكون العدو ضعيفاً. وبشكل لعام، يتبنى المتمردون رؤية بعيدة الأمد للكفاح المسلح، والتي تسعى إلى تقليل الخسائر إلى الحد الأدنى و”العيش للقتال يوماً آخر” بدلاً من المخاطرة بالتعرض للتدمير الكامل على أيدي عدو متفوق بالبقاء في نفس الموقع. ومع ذلك، يمكن أن يسيء قادة حرب العصابات في بعض الأحيان تقدير حجم الدعم الشعبي الذي يتمتعون به ويبالغون فيه، فيما يفضي إلى تلقي ضربة قاصمة من الدولة، كما حدث في حالة مؤيدي “داعش” الذين استولوا على مدينة مراوي في جنوب غرب الفلبين.

بالنسبة للمتمردين، يشكل مجرد النجاة والبقاء على قيد الحياة لمواصلة القتال بينما يُجبرون العدو على إنفاق الجنود والموارد بشكل غير متناسب، انتصاراً. وفي هذا الشكل غير المتماثل من الحرب، يقف الوقت إلى جانب المتمردين الذي يؤمنون بأن نضالاً دموياً ومطوَّلاً سوف يُنهك العدو ويضعف معنوياته.

تقدم الكثير من القادة الماويين والماركسيين، بمن فيهم ماو، وفيدل كاسترو، وهو شي منه، في هذا المسار العسكري الثوري، متنقلين من الإرهاب إلى التمرد، فالانتصار –وفي نهاية المطاف، الحكم. والقصة مشابهة بين بعض الجماعات الإرهابية، بما فيها طالبان في أفغانستان، و”داعش في العراق وسورية”، و”القاعدة في شبه الجزيرة العربية” في أجزاء من اليمن، و”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في شمال مالي، و”الشباب” في أجزاء من الصومال.

قياس التقدم

ثمة فروقات في التركيز بالتأكيد بين الجماعات الإرهابية، لأن للبعض منها أهدافا أكثر قومية (طالبان الأفغانية)، في حين أن لأخريات طبيعة عابرة للحدود (داعش). ومع ذلك، فإن كل هذا المنظمات تتشارك في رغبة إقامة نظام حكم إسلامي تحكمه الشريعة. ووفقاً لذلك، من الممكن قياس مدى نجاح المجموعة المتشددة عن طريق فحص الشوط الذي قطعته في تقدمها نحو تحقيق أهدافها، ونوعة أشكال الحرب التي تمتلك القدرة على خوضها.

على سبيل المثال، تسيطر مجموعة “داعش” الآن على مناطق أقل بكثير مما كان لديها قبل أربع سنوات، كما أن قدرتها على حشد وحدات عسكرية كبيرة في الميدان للانخراط في حرب مناورة تراجعت إلى حد كبير. وبعبارات أبسط، فإن الجماعة لا تمتلك الآن نفس عدد الدبابات، وقطع المدفعية والمعدات العسكرية الأخرى التي كانت لديها في العام 2014. وبالمثل، لا تمارس الجماعة السيطرة على نفس عدد الناس أو المناطق الشاسعة التي كانت لديها. ومع أنه لم يتم تدمير المجموعة بالتأكيد، ما من شك في أنها أصبحت أضعف بقدر يعتد به مما كانت قبل أربع سنوات.

لكن المشكلة، مع ذلك، هي أن قيادة المجموعة لم تتخل عن القتال، وأن أتباعها يواصلون الإيمان بأيديولوجيتها بشدة. ويواصل متمردو المجموعة تنفيذ هجمات إرهابية وهجمات تمرد منخفضة المستوى، في محاولة لاستعادة موطئ قدم وإعادة تأسيس مصداقيتهم في داخل الفضاء البشري في الأجزاء السنية من العراق وسورية. وكانت المجموعة قد اختبرت في السابق وضعا مماثلا، فقط لتعاود الظهور أكثر قوة بعد فترة من الضعف. واليوم، يعتقد أعضاء “داعش” أن حملتهم التمردية ستتمكن على المدى الطويل من تعزيز النمو المتجدد وتحقيق النصر في نهاية المطاف. كما أن جماعات إرهابية أخرى، مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية وطالبان الأفغانية والشباب الصومالية، مرت بدورات الازدهار والذبول أيضاً، لكن هذه المنظمات تمكنت من إعادة تجميع أنفسها بنجاح واستعادة القوة بعد خسائر جسيمة في الرجال والمعدات والأرض، عن طريق الاحتفاظ بتركيز طويل الأمد. وكما هو الحال في أي حملة عسكرية، فإن تقدم المجموعة في طيف التشدد لا يكون دائماً سلساً، لأن التغييرات في الاتجاه يمكن أن تقود إلى ذرى، وسفوح، ونكسات.

من المهم أيضاً فهم أن الأدوات الحاضرة في الطيف المتشدد ليست حصرية بالتبادل. وتستطيع منظمة تتباهى بالقدرة على إدارة حرب مناورة كند لند أن تنخرط أيضاً في حرب تمرد أو في الإرهاب من أجل زيادة قدراتها. وفي واقع الأمر، استخدمت مجموعات، مثل “الشباب” الصومالية، في كثير من الأحيان الإرهاب بالإضافة إلى تكتيكات التمرد وأعمال الحرب الهجينة المختلطة. ويعمل شن الهجمات الإرهابية على تثبيت قوات الأمن التي تحمي العاصمة أو المراكز السكانية الأخرى، بحيث توفر للمتمردين المزيد من حرية النشاط العملياتي في المناطق البعيدة عن المدن. كما تستطيع مثل هذه المجموعات أيضاً شن هجمات إرهابية لمعاقبة الجهات الفاعلة الأجنبية على دعمها العدو، والضغط عليها حتى تنسحب بحيث يضعُف العد.

مع ذلك، من الضروري ملاحظة أنها لا توجد علاقة تبادلية وتعالق مباشر بين عدد الهجمات الإرهابية وبين قوة الجماعة المتشددة المعنية. فالهجمات الإرهابية تظل اقتصاية إلى حد ما من حيث المقاتلين والعتاد؛ وفي الحقيقة، يمكن لمعركة تقليدية واحدة أن تستنفد إمداد المجموعة من المقاتلين والذخائر، في حين أن نفس القدر من الموارد يمكن أن يدوم لعدة سنوات إذا قصرت المجموعة نفسها على الهجمات الإرهابية. كما أنه ليس من المفاجئ أن تكون هجمات الكر والفر (اضرب واهرب) التي يشنها المتمردون أكثر اقتصاداً أيضاً من المعارك المحدَّدة سلفاً من حيث الزمان والمكان –خاصة ضد عدو يتمتع بقوات وقوة نيران متفوقة.

على الرغم من أنها ليست قاعدة حديدية، فإن اللجوء إلى الإرهاب يشير في كثير من الأحيان إلى ضعف المجموعة –وليس قوتها. فبينما تضعف المجموعة المعنية، فإنها تصبح أكثر اعتماداً على الإرهاب لزعزعة استقرار خصمها ولكي تبقى ذات صلة من الناحية العسكرية. وقد جسدت مجموعة “داعش” هذه الظاهرة في العام 2010، عندما شنت عدداً كبيراً من الهجمات بالعربات المفخخة ضد أهداف حكومية داخل بغداد، في وقت شهدت فيه المجموعة ضعفاً نسبياً. وعلى النقيض من ذلك، ربما يحدث انخفاض في الهجمات الإرهابية عندما تصبح المجموعة المعنية أقوى وتكون في حاجة إلى مواردها للاحتفاظ بالأرض وحكمها، وهو ما يضمن شعورها بالقليل من الالتزام تجاه شن هجمات إرهابية مشهدية لكي تبقى ذات صلة.

النوع قبل الكم

في نهاية المطاف، يتطلب احتلال الأرض والاحتفاظ بها وحكمها قدراً من الأفراد والموارد أكبر بكثير مما تتطلبه عمليات التمرد أو الهجمات الإرهابية. ولهذا السبب، يمكني أن أزعم أن عدد الهجمات الإرهابية في المراكز السكانية لا يشكل بالضرورة وفي حد ذاته مقياساً جيداً لقوة المنظمة المتشددة المعنية. والأكثر من ذلك، هو أنني قد أزعم أن من الحاسم إجراء فحص دقيق لنوعية الهجمات الإرهابية التي تنفذها المنظمة المعنية، وليس مجرد كميتها. وعلى سبيل المثال، نفذت “جماعة أنصار الدولة” الإندونيسية عدداً غير مسبوق من الهجمات الإرهابية على مدى تسعة أيام في أيار (مايو)، لكن الهجمات كانت رديئة التخطيط والتنفيذ، وهو ما يكشف الكثير عن ضعف المجموعة أكثر مما يشير قوتها. ويعتمد تنفيذ هجوم إرهابي “نوعي” على عدد ونوع الأسلحة المستخدمة، والتكتيكات المستخدمة ودرجة التخطيط والتنفيذ. كما شنت منظمة ولاية السودان الغربي التي يقودها أبو بكر شيخو، والمعروفة أكثر باسم “بوكو حرام”، عدداً غير مسبوق من التفجيرات الانتحارية –بما فيها العدد الكبير في العام منذ العام 2015 والأكثر استخداماً للانتحاريات النساء في التاريخ- منذ أن تمكن الجيش النيجيري من طرد المجموعة من معاقلها في شمال البلد وإلى الغابات. ومع ذلك، كانت هجمات “بوكو حرام” بائسة التخطيط والتنفيذ، مما يعطي المجموعة ريحا من الضعف واليأس أكثر مما يعطيها من مؤشرات القوة.

في النهاية، من الصعب قياس وضع مجموعة متشددة مسلحة والتنبؤ بمساراتها بشكل قاطع. ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة قريبة على أهداف المجموعة وموقفها في الطيف المتشدد، وكذلك إجراء تقييم لقوتها العاملة المتاحة، ومستوى التمويل، والوصول إلى الأسلحة والقدرة على التخطيط للهجمات وتنفيذها، يمكن أن يوفر مؤشرا فعالا على ما إذا كانت عمليات مكافحة التمرد وعمليات مكافحة الإرهاب تُحدِث أثرا على ميدان المعركة المادي.

لكن أي تقييم ذي معنى يجب أن يذهب أبعد من ميدان المعركة المادي إلى تأمل نظيره الأيديولوجي. وتعتمد المنظمات الثورية المتشددة بكثافة على الأيديولوجيا. وطالما استمرت أيديولوجية المجموعة في كسب الجاذبية التي تزودها بالفضاءات البشرية المرغوبة، فإن القضاء على المجموعة المعنية سيكون صعباً. ولأن القوة النارية وحدها لا تستطيع تدمير مجموعة متشددة مسلحة، فإن تخفيف التهديد بالقوة، بينما تجري مكافحة الأيديولوجية الكامنة خلفها، هو اسم اللعبة. ويجب أن يذهب أي تقدم حقيقي يتم إحرازه إلى ما هو أبعد من المرحلة الأولى، “تنقية، وإدامة، وبناء” نموذج مكافحة التمرد، لأن النجاح الدائم سوف يتحقق فقط عندما يفقد المقاتلون المتشددون قدرتهم على “السباحة بين الناس بسهولة”.

*نائب رئيس قسم التحليل التكتيكي في مركز التنبؤات الاستراتيجية (ستراتفور). يتولى الإشراف على تحليلات المركز لقضايا الإرهاب والأمن. وقبل الانضمام إلى المركز، كان عميلاً خاصاً لدى وزارة الخارجية الأميركية لمدة عشر سنوات، وكان مشاركاً في المئات من التحقيقات المتعلقة بالإرهاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى