محمد أبو رمان: لماذا على الأردن مراجعة سياساته الإقليمية؟
محمد أبو رمان 30 اغسطس 2022
من الواضح أنّ هنالك أجندة إسرائيلية – إقليمية لتصفية مشروع إقامة الدولة الفلسطينية، ولتطبيع العلاقات الإسرائيلية، والوصول إلى صيغ تتعارض مع الرؤية التقليدية الأردنية للمصالح الوطنية، فيما ما يزال التمسّك الأردني الرسمي والديبلوماسي بالخطاب التقليدي “إقامة الدولة الفلسطينية” و”حل الدولتين”، وهو أمر مهم بلا شك، ولكن من دون تقديم تصورات استراتيجية واضحة للتعامل مع انهيار هذا الخيار.
على صعيد العلاقات الأردنية الإسرائيلية، فإنّها على الرغم من تحسنّها المؤقت، بعد مغادرة نتنياهو رئاسة الحكومة، إلا أنّ ما يدركه صانع القرار الأردني أنّ البنية الاستراتيجية التي شكّلت المعادلة بين الطرفين تغيرت جذرياً، وأنّ المشروع الإسرائيلي الذي كان ينظر إلى الأردن من منظور أهمية الاستقرار السياسي تحول نحو المنظور الذي إما يرى في الأردن هامشياً أو حلاً للأزمة الديمغرافية، وقيمة الدور الاستراتيجي للأردن تراجعت لدى قيادات الكيان هناك، حتى أولئك الذين لا يحملون مواقف حادّة كما هي حال نتنياهو، لا تغطّي مواقفهم الحقيقة الناصعة أنّ الحسابات تغيرت جذرياً!
ما هو أسوأ من ذلك القلق الأردني من عودة نتنياهو، بعد الانتخابات الوشيكة، ما دفع الأردن إلى البحث عن أدوات مفيدة (للأسف في الوقت الضائع)، من خلال بعض الشخصيات الفلسطينية من في أراضي 1948، لكن مثل هذا التصور كان يتطلب عملاً متراكماً وتصوراً استراتيجياً ولا يدار بعقلية المياومة!
وبالرغم من العلاقات الاستراتيجية الأردنية الأميركية، وتحسّن العلاقات الاردنية الأوروبية بصورة كبيرة خلال الأعوام الماضية، إلا أنّ الهاجس الأردني يتصاعد من عودة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بعد عامين، وهو السيناريو الكابوس في حال تزاوج ذلك مع رجوع نتنياهو.
في المجمل، هنالك تحوّلات بنيوية وجوهرية وبيئة دولية وإقليمية متغيرة، وديناميكيات جديدة؛ ودور إيراني ونفوذ كبير له في المنطقة المحيطة بالأردن، وعدم وضوح أردني في ترسيم هذه العلاقة، بالرغم مثلاً أن هنالك حوارا سعوديا – إيرانيا وتقاربا إماراتيا مع طهران، وغزلا تركيا مع سورية، وذلك كلّه يمثل تشكّلاً لإقليم جديد من دون وجود قراءات استراتيجية معمّقة لهذه التحولات والخيارات والبدائل.
ما يحتاجه الأردن اليوم بناء منظورات استراتيجية معمقة، تقرأ التحولات والتغيرات ومصادر التهديد والفرص والخيارات والرهانات بعقل موضوعي وبعيون مستقبلية، ولعلّ ما قد يثير الدهشة، وربما الصدمة، أنّنا لا نجد أي كتاب أو مرجع، رسمي أو غير رسمي، من أكاديميين وسياسيين أردنيين يعيد تعريف الأمن القومي الأردني في ضوء هذه المتغيرات، فضلاً عن وجود قراءات ومقاربات لما يحدث وكيف يتم التعامل معه، ولا حتى يوجد حوار استراتيجي أردني داخلي لقراءة ذلك وتفكيكه، بالرغم من إقرار النخب السياسية أنّ حجم التحوّلات ضخم وكبير!
ما نزال نُحكم بعقلية الفزعة والصدمة من خطوات، مثل مطار رامون أو العسكرتاريا الإيرانية على الحدود الأردنية – السورية أو توقف مشروعات واعدة مع العراق وتعطلها، وهكذا دواليك، بالرغم من أن ذلك كلّه مرتبط بتغير السياقات والمسارات والتحولات الهائلة التي تتحكّم بالمصالح الاستراتيجية الأردنية.
لم تعد المقاربات التقليدية صالحة للاستعمال، بل أصبحت تمثل إضراراً ملحوظاً وباتت هي ذاتها تهديداً للأمن الوطني والمصالح الاستراتيجية الأردنية؛ فإمّا يكون مطبخ القرار قادراً على إنتاج سياسات ابتكارية فعّالة تعيد صياغة الدبلوماسية والدور الأردني، أو أنّ حجم الخسارات سيتضاعف خلال الفترة المقبلة.