أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: احتجاجات الأردن إنذار مبكر لمصر أيضا

محمد أبو الفضل 22-12-2022م: احتجاجات الأردن إنذار مبكر لمصر أيضا

يراقب المصريون ما يجري في الأردن من احتجاجات لأسباب اقتصادية باهتمام شديد، لأن العوامل التي أدت إلى خروج المواطنين رفضا للسياسات التي تنتهجها الحكومة الأردنية لا تختلف كثيرا عما تنتهجه نظيرتها في مصر، الفرق بينهما في أن هناك كتلة سكانية رفعت صوتها مستفيدة من هامش الحريات المتاح في الأردن.

أكدت تجربة ثورات سابقة في دول عربية عدة وقعت خلال العقد الماضي سهولة انتقال العدوى من قُطر إلى آخر، ومن يعتقدون أنهم يمتلكون عصمة ضد الاحتجاجات أو حصانة تمكنهم من عدم الوقوع في فخاخها غير قادرين على تنفيذ ذلك.

عندما انطلقت الشرارة الأولى من تونس رددت أبواق نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أن مصر غير تونس، ولم تمض أسابيع قليلة حتى لحقت الاحتجاجات في مصر بتونس، ووصلت إلى المصير نفسه في إسقاط رأس الحكم.

ليس المقصود أن ما يجري في الأردن سوف يحدث قريبا في مصر، لكنه إنذار مبكر يؤكد أن الشعوب إذا تزايدت عليها الأزمات الاقتصادية يمكن أن تتخلى عن صبرها وحكمتها ولن تضيرها العواقب الناجمة عن خروجها على المألوف.

بدأت مصر تشهد تململا في أوساط شعبية نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار السلع والخدمات وإقدام الحكومة على تبني تصورات اقتصادية لا تراعي كثيرا الطبقات الكادحة، ولا تستطيع برامج الحماية الاجتماعية سد الفجوة بين الدخول المتدنية لشريحة من المواطنين وبين الزيادة المستمرة في الأسعار التي أخفقت الحكومة في ضبطها.

يأتي القلق المصري مما يحدث في الأردن من تشابه الكثير من المشاكل الاقتصادية، من نواحي البطالة والتضخم وتوقف المساعدات والمعونات والمنح الخليجية وارتفاع الأسعار، والالتزام بتطبيق روشتة قاسية فرضها صندوق النقد الدولي.

يكمن الفرق في أن مصر مرت بتجربة الثورة مرتين على منظومة الحكم، في يناير 2011 ويونيو 2013، وتعلمت بعض الدروس المهمة، في مقدمتها أن الثورات ليست حلا منتجا دائما، ففي المرتين لم يحقق المصريون أحلامهم، وهناك فئة ليست قليلة أبدت ندما على تأييدهما، مع اختلاف الدوافع، فدولة الرفاهية والرخاء والعدل لم تتحقق في مصر، على العكس ازدادت المعاناة على شريحة كبيرة من الناس.

لذلك فانتقال العدوى من الأردن إلى مصر عملية محفوفة بمخاطر عديدة، فالتجارب السابقة لم تحقق أهدافها، غير أن هذا لا يعني القبول بكل تصرفات الحكومة التي أرهقت كاهل شريحة من المواطنين، والدليل أن ثمة رفضا شعبيا بدأ يطفو على السطح عندما اقتربت الحكومة من بعض الثوابت في مسألة خصخصة بعض الشركات.

قد يكون الرفض الضمني أول إشارة لتحريك المياه السياسية الراكدة وتغيير القناعة الراسخة لدى الحكومة بأن المصريين لن يثوروا مرة أخرى على نظام الحكم، أو يعترضوا على إجراءات الحكومة وتكونت لديهم مناعة تمنع الإقدام على هذا الفعل.

ما حدث في الأردن إشارة أو شرارة بأن مناعة الشعوب ليست محصنة على الدوام، يمكن أن تخرج عن السياقات المرسومة لها، فالوضع الأردني أشبه بعرض فيلم كان متوقعا بعد تأجيله سنوات، بينما الوضع في مصر لا يزال تحت السيطرة، حيث استفادت الأجهزة الأمنية من التجربتين السابقتين، وقامت بتحزيم المفاصل السياسية والحزبية والنقابية والفئوية التي يمكن أن تخرج منها الاحتجاجات.

تخلو مصر من الدور الاجتماعي للعشائر في دعم أو كبت الثورة، كما هو حاصل في الأردن، وكان الرهان دوما على دور الحركات السياسية، والتي جرت السيطرة عليها أو تدجينها، بما جعل عملية الحراك في الشارع عصية حتى الآن، إلا إذا بلغت الأزمة الاقتصادية مستوى يصعب قبوله بالنسبة إلى المتضررين.

تأتي الخطورة من هذا الباب، وتحاول السلطات المصرية إيجاد وسائل تمنع الوصول إلى حالة الانفجار الشعبي من خلال تجميد أو تأجيل أو إلغاء بعض التصورات الاقتصادية التي تثير غضبا في شارع تصعب السيطرة عليه إذا غلت فيه المياه.

المشكلة أن هناك جيلا مصريا دخل معترك الحياة والعمل ولا يعرف الكثير عن الماضي ودروسه، قد لا يتردد في الذهاب إلى الشارع محتجا على إجراءات الحكومة، يكاد يكون منفصلا عن حقيقة ما جرى في ثورتين سابقتين ولا يعلم عنهما الكثير.

وهذا الجيل يمثل كتلة حرجة يمكن أن تشعل النار إذا أخفقت الحكومة في التعامل معها قبل أن تمتد إلى فئات أخرى غاضبة لأسباب متباينة، قد تتسلق على أكتاف شباب يعتقدون في قدرتهم على التغيير، بصرف النظر عن نتائجه ومدى النجاح في تحقيق الأهداف.

تعاملت السلطات الأردنية مع الاحتجاجات التي اندلعت في مدن مختلفة بطريقة أمنية صارمة، لأنها تفتقر إلى الأدوات الناجعة التي تساعدها على حل الأزمة الاقتصادية، ولا تملك عصا سحرية تمكنها من توفير حلول سريعة ترضي طموحات المحتجين، ما زاد الأوضاع تفاقما وأدى إلى صعوبة السيطرة على حركة الشارع الغاضب.

وهي الآلية التي يمكن أن تلجأ إليها السلطات المصرية في ظل عدم قدرتها على تقديم حلول منتجة للأزمة الاقتصادية، لكن الفرق بين القاهرة وعمّان أن الأولى تعلمت من دروس الثورتين السابقتين وأيقنت أجهزة الأمن أن تصدرها المشهد عبر كبت أيّ احتجاجات مدخل غير حكيم، ربما تتولد عنه تبعات تعاني منها عناصر هذه الأجهزة.

من الصعوبة أن تلجأ أجهزة الأمن في مصر إلى الصدام المباشر حال خروج احتجاجات، ومن الصعوبة ترك المواطنين على حريتهم تماما إذا قرروا التظاهر، فالتوليفة التي يمكن اللجوء إليها قد تكون مبتكرة ومن خارج هاتين الدائرتين.

ربما تتمكن القيادة المصرية من علاج الموقف من داخلها قبل وصوله إلى حد التأزم، فالكتلة السكانية الكبيرة في مصر لا تحتمل مجازفة في التعامل معها بالهراوات والعصي وطلقات الخرطوش، والتي ثبت عدم جدواها في ثورة يناير، ولا تزال تمثل شبحا يطارد البعض ممن شاركوا فيها أو صمتوا عنها.

جاءت احتجاجات الأردن والطريقة التي جرى التعامل بها في توقيت بالغ الأهمية للسلطات المصرية لتتيقن أن الحل الأمني يزيد الأزمات اشتعالا، فبعد مضي نحو أسبوعين من تغليبه لم تتمكن السلطات الأردنية من السيطرة على الموقف، واضطرت للجوء إلى كبار العشائر للحد من الخسائر وتطويق الاحتجاجات.

في مصر لا توجد عشائر ولا توجد أحزاب أو حركات سياسية نشطة يمكن الاعتماد عليها، ما يعني أن الحكومة وحدها تملك الحل والعقد، وعليها إيجاد وسائل سريعة لعلاج الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية، وعدم السماح بوصول الأمر إلى المستوى الأردني، في ظل وجود عناصر تتربص بالنظام المصري في الداخل وتنتظر أول كرة لهب تنفخ فيها كي تتسع رقعتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى