أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: إنقاذ الحوار الوطني في مصر قبل تفخيخه

محمد أبو الفضل 24-7-2023: إنقاذ الحوار الوطني في مصر قبل تفخيخه

يبذل القائمون على الحوار الوطني في مصر جهودا كبيرة لإنقاذه من الانهيار بعد أن أخذت الرهانات عليه لتحريك المياه السياسية تتراجع، فقد مضى أكثر من عام على إطلاقه ولم يتمخض عن تقدم ملموس، وبدأت اجتماعاته العملية تعقد منذ مايو الماضي دون أن تقدم ما يكفي للتفاؤل بأن يحقق هدفه لتقارب الرؤى بين المعارضة والنظام.

أرسل رئيس مجلس الأمناء ضياء رشوان رسائل إيجابية في أوقات مختلفة، لكن لا تزال الشكوك تساور الكثير من المتابعين حول قدرته على تقريب المسافات بين الحكومة والمعارضة كطرفين رئيسيين في الحوار، وتصحيح مسارات سياسية واقتصادية واجتماعية تبين أن جزءا منها لا يتماشى مع تطلعات المعارضين.

كاد الحوار الوطني أن يتم تفخيخه قبل أيام عندما حكم على الناشط السياسي باتريك زكي بالسجن ثلاث سنوات، حيث أدى إلى انسحاب ثلاثة من المشاركين في الحوار اعتراضا على حكم يتنافى مع أحد أبرز مطالب المعارضة، المتعلقة بالإفراج عن المعتقلين في قضايا رأي وليس الزج بالمزيد منهم، ما يعقّد فرص التفاهم حول العديد من القضايا محل النقاش.

قد يكون الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نزع فتيل أزمة باتريك وقرر الإفراج عنه وناشط آخر هو محمد الباقر، غير أن الحصيلة التي وصلت إلى المعارضة أن هذا الملف لن يتم إغلاقه وسيتم توظيفه كسيف على رقابها عندما تقتضي الضرورة، وشروطها أو مطالبها لن يلتزم بها النظام الحاكم إلا في الحدود التي يراها مناسبة.

تشعبت قضية باتريك زكي وتجاوزت أبعادها ما يجري في الداخل المصري، إذ طالبت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني بالإفراج عنه، وحذرت الخارجية الأميركية من مغبة تنفيذ الحكم الصادر بحقه.

وفي هذه الأجواء جاء الإفراج الرئاسي عنه وكأنه لحاجة خارجية، ما يعني أنه لم يكن محاولة لإنقاذ الحوار الوطني ومنع تفخيخه سياسيا، وعدم اعتراف بأن ملف الإفراجات هو عربون الصداقة بين الحكومة والمعارضة ويجب تعزيزه.

يواجه الحوار الوطني مشكلة حقيقية إذا لم يتمخض عن نتيجة تدعم سقف الطموحات الذي رفعته وسائل إعلام مصرية عندما أعلن الرئيس السيسي عن انطلاقه، حيث راودت بعض قوى المعارضة أحلام وخيالات بإمكانية تغيير بعض الأوضاع من الداخل من خلال المشاركة وليس المقاطعة التي مالت إليها قوى أخرى رأت صعوبة حدوث تغيير في التوجهات التي يتبناها النظام المصري.

يؤدي انعدام الثقة في الحوار الوطني إلى فقدانها في قدرة النظام الحاكم على التغيير والإصلاح السياسي الذي وعد به مسؤولون قريبون منه وبشروا المواطنين والأحزاب بأن فجرا جديدا سوف يبزغ عبر فعاليات الحوار.

وانتبهت بعض الجهات الخارجية إلى ما يمكن أن يسفر عنه الحوار من تطورات، ووضعته تحت المجهر لقياس مدى الاستجابة التي يبديها النظام المصري للتفاهم مع قوى معارضة على أصول اللعبة السياسية في الفترة المقبلة.

يضع فشل الحوار في تحريك المياه، ولو جزئيا، الكثير من العراقيل أمام الانتخابات الرئاسية المقدر لها أن تجرى قبل نهاية العام الحالي أو بداية العام القادم، فقد وضعت قوى معارضة رهانها بالمشاركة فيها بمخرجات الحوار الوطني الإيجابية التي يجب إعلانها قبل فتح باب الانتخابات ليتسنى الفصل في مسألة المشاركة من عدمها.

لا يحتمل الحوار أن يتحول إلى عملية سياسية مستمرة ومطلوبة في حد ذاتها، أو أداة لجر قدم المعارضة المؤثرة والجلوس مع الحكومة على أرضية وطنية مشتركة، لأن اللعبة لن تظل خفية وسوف تتكشف أبعادها يوما ما.

إذا لم يقدم الحوار ما يوحي بأن الحكومة لديها استعداد للإصلاح السياسي والاقتصادي والمجتمعي فلن تتمكن من الحصول على ثقة كبيرة داعمة لتصوراتها المقبلة التي تزداد حساسية مع تراجع القدرة على ترميم الأخطاء التي وقعت فيها.

يقود انسحاب المعارضة التي تحظى باحترام لدى شريحة كبيرة من المعارضين ولا تنافق الحكومة أو تسايرها في توجهاتها، إلى زيادة الشكوك في سياسات النظام برمته، والذي يحتاج إلى شبكة أمان شعبية تساعده على مواجهة صعوبات تواجهها الدولة داخليا وخارجيا، وقد يواجه أزمات في تخطيها إذا جرى نسج حوار مواز يفرغ الحوار المعلن من مضامينه التي أطلق بموجبها.

يمر الحوار الوطني بمنعطف حاد، إما أن يتم إنقاذه بالإعلان سريعا عن تبني توصيات ترفع إلى رئيس الدولة، أو يفقد الأمل الذي أوجدته عملية سياسية اعتقدت بعض الدوائر أنها أحد التحركات المهمة التي تجري في مصر في العقد الأخير، ويمكن أن تعيد ترتيب الأمور على أسس وطنية مشتركة تسمح بتخطي الكثير من العقبات.

عندما تتأكد قوى معارضة من وجود مماطلة في الحوار الوطني وأنه اتخذ ذريعة لحاجة سياسية في نفس النظام المصري، سيكون رد فعلها مؤلما وربما قاسيا، فعلى الرغم من عدم قدرتها على التأثير البعيد، إلا أن مشاركتها وفرت زخما للحوار ومنحته متابعة في الداخل والخارج، وأشارت إلى ارتفاع حجم التعويل عليه.

يتسبب إحباط المعارضة أو انتهاء الحوار كما بدأ أو حتى تحويله إلى عملية بلا أفق سياسي واضح، في زيادة الضغوط على النظام، ويتم تصويره على أنه لا يتقبل الرأي الآخر، ما ينعكس على مستوى المشاركة السياسية والشعبية في انتخابات الرئاسة.

أعتقد أن ممثلي الجانب الحكومي في الحوار الوطني تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة، ونزع الألغام التي يمكن أن تعيق وصوله إلى أهدافه المعلن عنها عند بداية انطلاقه كي يتمكن النظام المصري من إجراء انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة ويحظى الرئيس الفائز فيها بشرعية لا لبس فيها أو اتهامات ربما تلاحقه في المستقبل.

تأتي أهمية الحوار من القيمة المعنوية التي يمثلها عند من راهنوا على قدرة الحكومة على تعديل بعض توجهاتها، فإخفاقه في توفير الحد الأدنى من النجاح في الملفات المعروضة عليه يعني قطع الطريق على فكرته أساسا في المدى المنظور، في وقت تواجه فيه مصر جملة كبيرة من العقبات لا تستطيع جهة واحدة في الدولة تجاوزها وتحمل تبعاتها بمفردها، فقد انطلق الحوار من بوابة التضامن والمشاركة في المسؤولية العامة وليس من رحم معركة من ينتصر أو يخسر فيها.

يمنح النجاح أملا في قدرة النظام على فهم الواقع ومعطياته المتشابكة، بينما يفضي الفشل إلى قطيعة بين السلطة والمعارضة وقد تدخل شريحة كبيرة من المواطنين في هذه المعادلة، خاصة هؤلاء الذين رأوا أن نتائج الحوار يمكن القياس عليها في عملية الإصلاح المنشود لتتمكن الدولة من الصمود والتصدي ومواجهة تحديات وجودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى