أقلام وأراء

محمد أبوالفضل – مصر تتجاهل مجموعة الأربع الأفريقية

محمد أبوالفضل ٤-٣-٢٠٢٢م

لا أعلم هل تجاهل وسائل الإعلام والجهات الرسمية في مصر تشكيل مجموعة الأربع الأفريقية أو G4 المكونة من نيجيريا والجزائر وجنوب أفريقيا وإثيوبيا لحل صراعات القارة الأفريقية هو من قبيل الثقة في عدم قدرة هذا التحالف على ممارسة دور حقيقي بما يؤدي إلى فشله، أم نتيجة الفقر في المعلومات الكافية حول أهدافه الخفية.

في كل الحالات من الضروري أن تعرف الإدارة المصرية ما يدور من تحركات جديدة، ولو كانت على سبيل المناكفات السياسية، فكم من المناكفات خلقت مشكلات، وكم من التصورات الخيالية تحولت إلى واقع لم يتمكن أحد من تغييره.

لن تجدي سياسة التجاهل الرسمية والشعبية حيال ما يحاك من خطط، فهذه المجموعة ظهرت في توقيت بالغ الحساسية، حيث تواجه علاقات مصر مع إثيوبيا مطبات كبيرة بسبب سد النهضة، لم تفلح المسكنات أو المفاوضات أو حتى التهديدات في تجاوزها.

ربما تكون هناك تحركات سياسية غير معلنة تقوم بها القاهرة، لكن مجرد الإعلان عن هذا التحالف يشير إلى أنها يمكن أن تصبح أكثر الدول تضررا منه، فإن لم يؤد إلى نتائج عملية إيجابية فقد يضع مسمارا جديدا أمام رغبتها في إعادة صياغة منظومة روابطها مع دول القارة، ويمنح أديس أبابا ورقة تستثمرها وتناور بها الفترة المقبلة إذا حان وقت الجلوس حول طاولة المفاوضات مرة أخرى.

أعلن رؤساء نيجيريا محمد بخاري والجزائر عبدالمجيد تبون والجنوب أفريقي سيريل رامافوزا ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد في العشرين من فبراير الماضي تشكيل هذه المجموعة على هامش قمة عقدت في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي بهدف معلن هو التشاور والتنسيق لإيجاد حلول لقضايا أفريقيا. 

لم يتم الإفصاح عن تفاصيل القضايا المفروض حلها ومدى القدرة على تقديم مقاربات ناجزة لحل الصراعات المتجذرة في القارة أو تحديد طبيعة الآلية التي يمكن التعامل معها، ما يعني أن المجموعة شُكلت بلا دراسات كافية، وغرضها الإيحاء بأن قادة هذه الدول يحتلون مكانة خاصة في القارة، بصرف النظر عن حدود الأزمات التي تعصف بكل منهم في الداخل وإخفاقهم في تسوية أزماتهم مع دول أخرى.

إذا عرفنا أن صاحب المبادرة هو رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد ستتكشف على الفور بعض المعالم التي تقف خلف تحالف ظهر فجأة، بلا مقدمات سياسية واضحة، الأمر الذي يفسر الخصوصية التي تحظى بها الدول الثلاث مع أديس أبابا وأسباب إخفاقها في تحقيق تقدم في مبادراتها حول تسوية أزمة سد النهضة في حالتي جنوب أفريقيا والجزائر، أو أزمة التدخل العسكري في إقليم تيغراي في حالة نيجيريا.

لن يقود غياب الاهتمام المصري إلى إلغاء طموحات رئيس وزراء إثيوبيا الذي يحاول ارتداء ثوب الرشادة السياسية عقب انتقادات تعرض لها بسبب انتهاكات حدثت من جانب قواته في تيغراي وأفضت إلى ارتفاع صوت المطالبات بسحب جائزة نوبل للسلام منه وتهديد جهات قوية في المجتمع الدولي فرض عقوبات قاسية على بلاده.

يمثل الإعلان عن مجموعة الأربع في هذا التوقيت رسالة دعم لآبي أحمد في مواجهة القاهرة قد يوظفها في التلويح بأنه عاد رجل سلام ومن ثم تجديد الرهانات الغربية عليه في هذا المضمار، ويطوي صفحة قاتمة التصقت به وتصوراته جراء غطرسته في مفاوضات سد النهضة مع مصر والسودان، وما ارتكبه من تجاوزات في حق بعض الشعوب الإثيوبية، خاصة من قاطني إقليمي تيغراي والأورومو.

تعيد الدول الأربع التذكير بفصول معركة سابقة تزعمتها نيجيريا وجنوب أفريقيا في مواجهة مصر في بداية هذه الألفية بشأن الحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي نيابة عن قارة أفريقيا لا تحظى بحق النقض أو الفيتو، وهي محاولة كتب عليها الفشل لأن هناك قناعة لدى البعض في القارة بصعوبة تنحية مصر كصاحبة ثقل سياسي ودور حيوي وخبرة تاريخية جعلتها رقما مهما في ربوعها. 

تسعى مجموعة الأربع لاختبار قدرة قادتها بشأن إعادة تكرار هذه المحاولة مع إضافة دولتي إثيوبيا والجزائر كنوع من تجميل الصورة دون أن تستفيد من دروس التجربة السابقة التي تحطمت إقليميا على صخرة خلاف حول من يمثل أفريقيا.

تستخدم إثيوبيا كل الأدوات المتاحة لتشير إلى أنها من الدول القائدة في القارة، وليست هامشية ولو كانت مريضة حاليا، وذلك من خلال الزج بنفسها ضمن تحالف لحل النزاعات الأفريقية التي لعبت هي دورا في تغذيتها وقت أن رفضت الانصياع إلى القوانين الدولية وقررت منفردة تدشين سد النهضة بلا اكتراث بنتائج التصرفات الأحادية وما تحمله من مخاطر على دولتي المصب والأمن والسلم الإقليميين.

لن تكفي هذه النوعية من التحركات منح إثيوبيا أفضلية تساعدها على فرض المزيد من الهيمنة على أدوات العمل في القارة، لأن المجموعة المقترحة تخطط للقيام بدورها بالحصول على مشروعية داخل الاتحاد الأفريقي وتريد عقد قمة قريبا تضع فيها العناوين العريضة لطموحاتها، ولن يفضي التجاهل المصري إلى وأد هذا التحالف.

من السهل أن تعلن الدول عن تدشين تحالف معين، لكن من الصعب تحويله إلى أداة فعالة على الأرض، طالما أن المسألة تتعلق بدول أخرى عريقة في العمل الأفريقي، قامت بأدوار يشهد عليها تاريخه، فمصر التي قادت عملية التحرر الوطني في القارة لا أحد يصدق أن تكون خارج مجموعة تخطط لحل صراعات القارة، ما يجعل من عدم تركيز القاهرة عليه يخضع لتوازنات إقليمية وليس اعترافا به.

توحي طريقة تكوين المجموعة من رحم مقترح إثيوبي أن مصر إحدى الدول المستهدفة، لأن أديس أبابا باتت أكثر انزعاجا من تطور العلاقات بين القاهرة وغالبية الدول الأفريقية القريبة منها وتخشى أن يقود ذلك إلى انخراطها في تسوية الأزمات المحتدمة بما يحرج إثيوبيا التي تراكمت عليها المشكلات الداخلية والخارجية.

قد تكون المردودات السياسية للمجموعة ضئيلة حاليا، إلا أن مجرد التفكير فيها والإعلان عنها يؤكدان أن ثمة توجهات لإعادة ترتيب أوضاع القارة، وهو ما يجب أن تنتبه إليه مصر وتتعامل معه بجدية كافية قبل أن يتحول إلى عمل ملموس.

يحمل هذا العمل في باطنه تطورات تضاعف من التحديات التي تواجه القاهرة، إذ يبدو أن الهدف الرئيسي الذي تخطط له أديس أبابا هو تشكيل تحالف يبعدها عن أي ضغوط في أزمة سد النهضة التي لا تزال مفتوحة على مصراعيها.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى