أقلام وأراء

لا منقذ خارجيا للبنان ..!!

هشام ملحم *- 28/9/2021

تطرق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين إلى الوضع المأساوي في لبنان خلال خطابه قبل أيام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وتحدث بصراحة عن “الظروف المعيشية اليائسة” لملايين اللبنانيين المحرومين من الأغذية والكهرباء والماء، ودعا إلى جهود دولية منسقة لإخراج لبنان من محنته.

وكان العاهل الاردني ناقش الوضع المتردي في لبنان خلال لقائه بالرئيس جوزف بايدن في البيت الأبيض قبل بضعة أسابيع  بما في ذلك نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، ونقل الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا إلى لبنان.

الملك عبدالله هو المسؤول العربي الوحيد الذي يبدي اهتماما جديا بلبنان، وهو طلب عمليا من الولايات المتحدة أن تستثني الأردن ومصر ولبنان من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا وفقا “لقانون قيصر”، رغم أن هذا الاستثناء سوف يخدم النظام السوري بشكل غير مباشر.

جهود الأردن لمساعدة لبنان دوليا ومحاولة إقناع واشنطن بلعب دور أكبر في هذه الجهود، هي آخر تعبير عن قلق الدول الصديقة تقليديا للبنان من احتمال تحوله بالفعل إلى دولة فاشلة غير قادرة على توفير الحد الأدنى من الخدمات المعيشية والطبية والأمنية لشعب لبنان الذي تحّول ثلثيه إلى فقراء خلال أقل من سنتين، والذي يقترب من المجاعة بعد أكثر من قرن من المجاعة التي زارته خلال الحرب العالمية الأولى، وحصدت مئات الآلاف من أبنائه.

خلال الأشهر والأسابيع الماضية نشرت منظمات دولية، من بينها البنك الدولي ومنظمات غير حكومية فضلا عن المطبوعات والمواقع الإلكترونية المحلية والدولية، عشرات التقارير والمقالات حول الانهيار اللبناني البطيء، وكما يبدو، غير القابل للتوقف باتجاه الفوضى الشاملة، مع ما يحمله ذلك من احتمال انفجار النزاع الأهلي.

وفي هذا السياق، قدمت الدول والمنظمات العالمية مساعدات إنسانية وطبية إلى المحتاجين اللبنانيين، على خلفية عقد مؤتمرات دولية لدراسة كيفية توفير دعم اقتصادي ومالي مشروط بتشكيل حكومة جديدة تلتزم بالحد الأدنى من الشفافية وببرنامج إصلاح مالي واقتصادي.

وتركزت جهود دول عربية وإقليمية مثل الأردن وقطر والمغرب وتركيا، ودول غربية مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، على كيفية مساعدة المؤسسة اللبنانية التي يلتقي الجميع على ضرورة إنقاذها من الانهيار التام، أي القوات اللبنانية المسلحة. ومنذ أشهر تقدم هذه الدول وغيرها المساعدات المادية من أغذية وأدوية للجيش، التي تغطي جزءا محدودا من احتياجاته.

وتعترف قيادة الجيش اللبناني أنها عاجزة عن توفير رواتب العسكريين، التي انهارت قيمتها مع انهيار الليرة اللبنانية وارتفاع معدلات التضخم، كما هي عاجزة عن توفير الأغذية والأدوية والمحروقات إلى العسكريين وعائلاتهم. وتقدم الولايات المتحدة القسم الأكبر من المساعدات والهبات التي تحصل عليها القوات اللبنانية المسلحة. ووصلت قيمة هذه المساعدات إلى 2.5 مليار دولار منذ 2006، ووصلت إلى 216 مليون دولار في السنة المالية 2020.

ولكن الولايات المتحدة، مثلها مثل معظم الدول الغربية غير قادرة –قانونيا- على تقديم مساعدات مالية كرواتب مباشرة للعسكريين اللبنانيين. وهناك تحفظات وحتى معارضة في العواصم الأوروبية، إضافة إلى واشنطن لفكرة دفع رواتب العسكريين اللبنانيين، بسبب صعوبة مراقبة كيفية إنفاق وتوزيع هذه الرواتب، في حال تمت الموافقة على دفعها، في دولة معروفة بصيتها السيء كدولة فاسدة تحكمها طبقة مفترسة نهبت أموال وودائع الشعب اللبناني في المصارف التي يفترض أن تصون أمواله.

وأكثر ما تخشاه الدول التي تحاول مساعدة الجيش اللبناني هو انهياره وتفككه على أسس طائفية ومذهبية، إذا استمر الانهيار المالي ورافقته أعمال عنف وفوضى. انهيار القوات اللبنانية المسلحة يعني ازدياد قوة وهيمنة الطرف الثاني الأكثر تسلحا وتنظيما في البلاد، أي حزب الله، الذي تموله وترعاه إيران وتستخدمه كذراعها العسكرية في المنطقة.

جميع الحكومات التي تعاقبت على لبنان منذ انفجار النزاعات الأهلية والاجتياحات الخارجية في 1975 التزمت لفظيا بالإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري، لكنها دون استثناء أخفقت عن عمد في تحقيق أي إصلاحات جدية أو نوعية. وإذا كانت الدول الغربية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي جادة في مطالبتها للبنان بتقديم برنامج إصلاح اقتصادي ومصرفي جدي فإن الطبقة السياسية-المصرفية سوف ترفض ذلك لأنها لا تريد ممارسة الانتحار الجماعي.

وفي غياب استعداد أميركي وفرنسي لفرض عقوبات اقتصادية ضد أي شخصية لبنانية أو حزب لبناني، مع ما يحمله ذلك من تجميد ودائع خارجية وحظر سفر وغيرها من العقوبات، فإن هذه المحاولات سوف تفشل كما فشلت مساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي بذلها في هذا المضمار منذ انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020.

كل المؤشرات تبين أن إدارة الرئيس بايدن سوف تواصل تقليص اهتمامها بقضايا الشرق الأوسط وتخفيض وجودها العسكري في المنطقة، بعد الانسحاب من أفغانستان، وتركيز اهتمامها ومواردها في منطقة شرق آسيا لمواجهة القوة الصاعدة للصين.

وهذا يعني أن فريق بايدن المعني بالشرق الأوسط سوف يركز أولوياته على المفاوضات النووية مع إيران – إذا وافقت إيران على استئنافها – ومنع حدوث انفجار آخر بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، وليس لإحياء مفاوضات السلام، والتصدي لإرهاب تنظيمات مثل القاعدة وداعش.

المساعدات الأميركية للبنان سوف تبقى على معدلاتها الراهنة، والدبلوماسية الأميركية في لبنان سوف تعمل وتنسق مع دول إقليمية وأوروبية لتخفيف وتيرة الانهيار اللبناني، وربما محاولة وقفه من خلال إجراءات مؤقتة، ولكن دون بذل الجهود الدبلوماسية المكثفة لمعالجة مشكلات لبنان بشكل جدي، كما حاولت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن دون نجاح في 2006.

خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، كان بين أعضاء الفريق المعني بالشرق الأوسط من يدعو إلى فرض عقوبات اقتصادية ضد أي شخصية سياسية لبنانية تعرقل تشكيل حكومة لبنانية، أو تعرقل أي اصلاح جدي، أو تكون مسؤولة عن انتهاكات لحقوق الإنسان.

خلال حملته الانتخابية، وفي الأسابيع الأولى في ولايته، وضع الرئيس بايدن مسألة دعم القيم والدول الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان في جوهر سياسته الخارجية. وفي هذا السياق وجه بايدن انتقادات لاذعة للسجل السيء لقادة تركيا ومصر والسعودية وغيرها من دول المنطقة في مجال حقوق الإنسان وجّمد بعض شحنات وصفقات الأسلحة التي وقعتها هذه الدول مع إدارة الرئيس السابق ترامب.

ولكن بايدن سرعان ما تراجع عن هذه المواقف، واستأنف شحنات الأسلحة التي جمدها في البداية، بما فيها تلك المخصصة لمصر رغم انتهاكاتها السافرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك لمواطنين من حملة الجنسيتين الأميركية والمصرية.

وخلال الاجتماعات التي عقدها وزير الخارجية أنطوني بلينكن مع نظرائه العرب والتركي، لم يرشح عن هذه الاجتماعات أي شيء عن حقوق الإنسان ولم يتطرق إليها أحد في التصريحات العلنية. وكان صمت الولايات المتحدة حيال الإجراءات غير الدستورية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، مثل تعليق البرلمان وغيرها، مؤشرا على أن إدارة بايدن لا تريد الدخول في مناوشات مع هذه الدول باسم حماية حقوق الإنسان.

الموقف الفاتر الذي اعتمدته إدارة الرئيس بايدن في أعقاب اغتيال المثقف والناشط السياسي اللبناني لقمان سليم، كان بمثابة صدمة قاسية لكل مواطن لبناني يريد أن يضع حدا للانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي يمارسها حزب الله ضد منتقديه في لبنان.

البيان كان عموميا ولم يتطرق إلى دور لقمان سليم في كشف انتهاكات وتجاوزات حزب الله. هذا الموقف يقوض أي تمنيات يمكن أن تساور ذهن أي لبناني بأن تستخدم واشنطن مفاوضاتها النووية مع إيران، لفرض الضغوط عليها لتغيير سياساتها العدوانية تجاه بعض دول المنطقة، أو للجم عملائها ووكلائها.

في أفضل الأحوال قد تنجح الحكومة اللبنانية الجديدة، في الحصول على دعم اقتصادي مؤقت يمكن أن يؤدي إلى تخفيف أوجاع اللبنانيين بعض الشيء، ولكن لا توجد هناك أي معطيات محلية أو دولية تدعو لأي تفاؤل حذر بأن انزلاق لبنان إلى مرتبة الدول الفاشلة سوف يتوقف في أي وقت قريب.

أيها اللبنانيون، الوطن في الأسر، ولا يوجد هناك منقذ من الخارج.

*هشام ملحم – كاتب وصحفي يغطي الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط منذ 35 سنة ، زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، ومراسل ومحلل سياسي في صحيفة “النهار” اللبنانية. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى