ترجمات أجنبية

فورين أفيرز: نحو إعادة صياغة سياسات الأمن القومي

فورين أفيرز ١٦-٣-٢٠٢٤، بقلم: عاموس يدلين*: نحو إعادة صياغة سياسات الأمن القومي

في السابع من أكتوبر 2023 فشلت العقيدة الأمنية الإسرائيلية، ولم تعد إسرائيل تملك أي خيار سوى الاستثمار بصورة أكبر في أمنها ما قد يؤدي إلى صعوبات اقتصادية.

منذ الهجوم الذي شنته “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وجدت إسرائيل نفسها متورطة في حرب متعددة الجبهات للمرة الأولى منذ ما يقارب الـ 60 عاماً. فهي تقاتل في غزة، وتحارب الجماعات المسلحة في الضفة الغربية، وتواجه هجمات صاروخية من العراق ولبنان وسورية واليمن. إذاً، تبدو إسرائيل أقل أماناً مما افترضه معظم الإسرائيليين في السادس من أكتوبر [أي قبل السابع من أكتوبر]، ويتعين على قياداتها الآن أن تعيد صياغة سياسات الأمن القومي في البلاد من هذا المنطلق.
في الوقت الحالي، تتمحور أولويات إسرائيل حول تأمين إطلاق سراح الرهائن المتبقين، والقضاء على قدرات “حماس” العسكرية، وضمان العودة الآمنة لمئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين إلى مجتمعاتهم في شمال البلاد وجنوبها، ولكن يتعين على إسرائيل أيضاً أن تتخذ مزيداً من الخطوات البعيدة المدى من أجل تجنب تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، يجب على الدولة أن تعمل على تكثيف الإنفاق الدفاعي وتعزيز القوات على حدودها. ولا بد أن تكون الدبلوماسية مع الفلسطينيين جزءاً من الصورة، ولكن أي ترتيب يتفق عليه الطرفان لحكم المناطق الفلسطينية يجب أن يتضمن أحكاماً صارمة تمنع إعادة إنشاء منطقة فلسطينية مسلحة. وأي تقدم في الأهداف الطويلة المدى، مثل حل الدولتين، الذي ينظر إليه معظم الإسرائيليين حالياً على أنه غير ممكن، لا بل حتى منفصل عن الواقع، سيتطلب دعم الولايات المتحدة وتطبيع العلاقات مع السعودية ودول عربية أخرى.
وفيما تستمر الحكومة الإسرائيلية في التركيز على الأهداف العسكرية المباشرة، يتعين عليها التعامل أيضاً مع السيناريوهات التي قد تحدث بعد انتهاء القتال. فالفشل في التخطيط لإيجاد بديل لـ”حماس” يهدد بإطالة أمد الوجود الإسرائيلي في غزة، وقد يؤدي إلى فرض حكم عسكري هناك.
من الممكن تحقيق مستقبل أفضل، بيد أن الأمر سيتطلب من إسرائيل العمل مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين، بما في ذلك مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، لإنشاء إدارة فلسطينية مؤقتة تكنوقراطية تنخرط في إعادة الإعمار، لا الإرهاب.
وإضافة إلى إعادة ترسيخ الردع وتعزيز قدراتها الاستخباراتية، يتعين على إسرائيل أيضاً أن تستعيد مكانتها الأخلاقية كدولة ديمقراطية تقدمية، من خلال الدفاع عن المؤسسات الديمقراطية وتعزيزها ودعم الاقتصاد والإبداع التكنولوجي، ومن خلال الاندماج أكثر في المنطقة.
إذا كانت إسرائيل ترغب في التعافي من فاجعة السابع من أكتوبر، عليها أن تعمل على تحقيق الأمن، والدبلوماسية، والإصلاح السياسي في آن معاً ومن دون تأخير.

مسائل عالقة
بعد خمسة أشهر من القتال في غزة، أحرزت قوات الدفاع الإسرائيلية تقدماً ملحوظاً.
تعد المنطقة واحدة من أكثر مناطق القتال تعقيداً في العالم، وتتميز بمعالم حضرية متداخلة [وتخطيط عمراني معقد] وكثافة سكانية غير عادية، وتتضمن عدواً ينفذ أعماله العسكرية بين السكان المدنيين، باستخدام شبكة واسعة من الأنفاق والمرافق تحت الأرض. ومع ذلك، تمكنت قوات الجيش الإسرائيلي من تفكيك مراكز القيادة والهياكل التنظيمية الخاصة بـ”حماس” في مدينة غزة وخان يونس وإضعاف البنية التحتية الإرهابية بصورة كبيرة في أجزاء أخرى من القطاع. وأنشأت منطقة أمنية عازلة بين غزة والأراضي الإسرائيلية.
ومن خلال القيام بذلك، تمكنت إسرائيل من القضاء إلى حد كبير على التهديد البري المباشر الذي تتعرض له البلدات والقرى القريبة من غزة، ما سمح للسكان بالعودة تدريجياً إلى منازلهم التي أخليت في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر. وفي الوقت نفسه، على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، إذ تستمر المناوشات اليومية مع “حزب الله”، اكتسب الجيش الإسرائيلي الأفضلية، بعد أن قضى على أكثر من 200 عنصر من قادة الجماعة ومقاتليها. ودمرت إسرائيل عدداً كبيراً من مواقع إطلاق الصواريخ والبنية التحتية العسكرية التابعة لـ”حزب الله” على طول الحدود.
إن تحقيق هذه الأهداف الصعبة فرض ثمناً باهظاً على سكان غزة، حيث أدى الوضع الإنساني إلى زيادة الضغوط على إسرائيل من أجل الحد من عملياتها.
ومع ذلك، فإن مطالبة تل أبيب بوقف عمليتها أمر سابق لأوانه. فـ”حزب الله” يواصل عدوانه على إسرائيل، مانعاً بذلك عودة السكان إلى منازلهم على طول الحدود الشمالية. إضافة إلى ذلك، لا تستطيع إسرائيل أن تضع حداً للصراع في غزة ما دام الرهائن الإسرائيليين محتجزين هناك، ومن دون صفقة لتحريرهم، قد تضطر إسرائيل إلى تكثيف الضغط على “حماس”، ربما من خلال توسيع العمليات إلى رفح.
إذاً، يكمن الحل لهذا الوضع المعقد أولاً في صفقة لتحرير الرهائن تشمل وقفاً مؤقتاً للقتال. ويجب أن يتبع ذلك جهد تنسقه مجموعة من الحلفاء والشركاء، بقيادة الولايات المتحدة، يهدف إلى إنشاء إدارة فلسطينية جديدة ومؤهلة في غزة. علاوة على ذلك، يمكن لإسرائيل أن تشير إلى استعدادها لمناقشة عملية سياسية على أساس مبدأ الدولتين، حتى لو كان واضحاً بالنسبة إلى جميع الأطراف أن تحقيق تلك العملية قد يكون مستحيلاً في المستقبل المنظور. ففي الواقع، ستسهم خطوة من هذا النوع في تخفيف التوترات مع إدارة بايدن وستعطي جميع الأطراف أفقاً سياسياً طويل المدى يتطلعون إليه.
ومع تراجع حدة القتال في غزة، يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة وشركائهما العرب أن يعملوا على تعزيز الجهود السياسية الرامية إلى إيجاد بديل فلسطيني معقول لـ”حماس”، على أن ينفذ ذلك في البداية في المنطقة الشمالية من القطاع. ولا بد أن يكون هذا البديل قوياً بدرجة كافية لمنع “حماس” من إعادة تجميع صفوفها واستعادة سيطرتها. وقد يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى إطالة أمد القتال في غزة وزيادة صعوبة عملية إعادة إعمار القطاع.

ترميم الدفاعات
أثارت الإخفاقات الدفاعية والاستخباراتية التي حدثت في السابع من أكتوبر دعوات من القادة العسكريين الإسرائيليين تطالب بتطوير استراتيجية أمنية جديدة، ولكن من يذكر أن التحليل الأولي الذي أجرته منظمة “مايند إسرائيل” MIND Israel (التي أتولى رئاستها) [وهي منظمة تقدم الاستشارات لمؤسسات الأمن القومي ذات الصلة بإسرائيل]، يشير إلى أن الانهيار ربما حدث أيضاً نتيجة لأسباب وعوامل ظرفية معينة. لذا، ينبغي توجيه الجهود نحو تحديد وتصحيح أوجه القصور التي كانت سبباً ربما في هذه الإخفاقات المحددة عوضاً عن إلغاء كل العقيدة الأمنية التي تبنتها إسرائيل والقائمة على مبادئ الردع والإنذار المبكر والدفاع والنصر الحاسم. وحالياً، تعمل إسرائيل على إعادة تفعيل الردع من خلال تحركات الجيش الإسرائيلي ضد “حماس” و”حزب الله”. ويتعين عليها في الأشهر المقبلة أن تتعلم من هفواتها الاستخباراتية المرتكبة في السابع من أكتوبر لتحسين نظام الإنذار المبكر لديها، وفي حالة توسع الحرب في غزة إلى الشمال، عليها أن تعزز استعدادها العسكري لضمان تحقيق نصر حاسم.
الأولوية القصوى بالنسبة إلى إسرائيل هي تعزيز دفاعاتها. قبل أن يتمكن مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين النازحين من العودة بأمان إلى مجتمعاتهم، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى تعزيز وجوده على طول حدود إسرائيل. وهذا يعني إنشاء خط دفاع ثانٍ داخل الحدود، وتحصين المواقع الحدودية الموجودة، وإنشاء مراكز حدودية إضافية. ويجب على البلاد أيضاً تطوير استراتيجيات جديدة ومبتكرة لحماية المباني الحدودية من النيران المباشرة.
ستحتاج إسرائيل أيضاً إلى دفاعات صاروخية أكثر قوة. في الواقع، استخدم كل من “حزب الله” وجماعة الحوثي صواريخ دقيقة وطائرات من دون طيار في هجماتهما، ورغم أن إسرائيل تمتلك قدرات دفاعية مبهرة ضد الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار، فإن دفاعاتها قابلة للاختراق. لذا، يجب على إسرائيل تسريع عملية تطوير أنظمة الليزر المضادة للصواريخ والمضادة للقذائف. وعليها أيضاً أن تنقل أنواعاً معينة من البنى التحتية الحساسة، مثل محطات الطاقة ومراكز الاتصالات والبيانات، إلى مواقع تحت الأرض، وعندما لا يكون ذلك ممكناً، يجب أن تحظى هذه المرافق بحماية مادية معززة. وأخيراً، يجب أن تكون جميع المباني العامة مجهزة بمساحات آمنة أو ملاجئ تحت الأرض، بدءاً بالمدارس.
بالطبع، إن أفضل وسائل الدفاع تتمثل في تنظيم هجوم جيد، ويجب على إسرائيل إعادة إحياء النهج الاستباقي، المعروف باسم “المعركة بين الحروب”، الذي طبقته في سورية، حيث نفذ الجيش الإسرائيلي ضربات بصورة مستمرة منذ 2013 من أجل إضعاف قدرات العدو واستباق التهديدات المستجدة. علاوة على ذلك، يتعين على إسرائيل أن تحاسب الدول التي تستضيف منظمات إرهابية مثل لبنان وأن تنتقم منها عسكرياً عند الضرورة، في حال حدوث تصعيد واسع النطاق. كذلك، على إسرائيل أن تعمل على توسيع خياراتها العسكرية في ما يتعلق بمهاجمة البرنامج النووي الإيراني في حال فشلت المساعي الدولية الرامية إلى لجم هذا البرنامج.
وتستلزم السياسة الاستباقية والوقائية أيضاً أن تكون إسرائيل مستعدة للتصعيد العسكري في ساحات متعددة في الوقت ذاته. وهذا بدوره يتطلب منها أن تعمل على بناء قواتها العسكرية لكي تتجاوز المستويات التي كانت عليها في السابع من أكتوبر. لقد ردت إسرائيل على الهجوم باستخدام جيشها الاحتياط، الذي تمت تعبئته بسرعة وقاتل بفاعلية. ولكن من أجل ردع خصومها، وإذا لزم الأمر خوض حرب متعددة الجبهات، يتعين عليها زيادة حجم الجيش الإسرائيلي النظامي، بما في ذلك عن طريق إلحاق مزيد من المجندين من الطائفة اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة في البلاد، الذين يعفون حالياً من الخدمة العسكرية.
وتستطيع إسرائيل أيضاً زيادة قوتها القتالية من خلال منح المجندات دوراً موسعاً في العمليات القتالية.
إضافة إلى ذلك، يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى مزيد من صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية، والذخائر الجوية الموجهة بدقة، وذخائر الدبابات والمدفعية، ومركبات المشاة القتالية. ونظراً لشبكة أنفاق “حماس” الواسعة، يجب على جيش الدفاع الإسرائيلي أن يطور ويكتسب تكنولوجيات متقدمة جديدة بصورة عاجلة لتدمير البنية التحتية الموجودة تحت الأرض.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، يتعين على إسرائيل أن تبني قاعدة صناعية دفاعية خاصة بها.

أصدقاء أكثر، أمان أكبر
وبالتوازي مع تفكيك “حماس” في غزة، يتعين على إسرائيل أن تتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل إرساء واقع جديد في المنطقة. في الواقع، ليس لإسرائيل أي مصلحة في احتلال غزة أو تحمل المسؤولية الكاملة عنها. ولكن ما دامت غزة مسلحة والهجمات ضد الأراضي الإسرائيلية مستمرة، فستضطر إسرائيل إلى الحفاظ على سيطرتها الأمنية المطلقة هناك. ونتيجة لذلك، يتعين على إسرائيل أن تنسق مع تحالف يضم الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة من أجل إنشاء إدارة فلسطينية تكنوقراطية في غزة بموجب تفويض دولي. ويجب أن تتولى مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة توجيه هذه اللجنة والإشراف عليها، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية المعاد إصلاحها وتنشيطها.
ومن الممكن إعادة تقييم هذا الترتيب الموقت بعد خمس إلى 10 سنوات، على أساس التقدم الذي تحرزه الإدارة الفلسطينية على صعيد الأمن والاستقرار. وسوف تضطر إسرائيل إلى الحفاظ على سيطرتها الأمنية المطلقة ما دامت حاجاتها الأمنية غير ملباة، وما دام قطاع غزة مسلحاً، وما دام هناك بنية تحتية إرهابية سواء فوق الأرض أو تحتها، وما دامت الهجمات ضد الأراضي الإسرائيلية مستمرة.
وفي الوقت نفسه، لا تملك إسرائيل أي مصلحة في حكم ملايين الفلسطينيين في غزة أو الضفة الغربية، لذا ينبغي ألا تضم تلك الأراضي. ويتعين عليها أيضاً أن تتخذ تدابير قانونية ضد العنف الذي يمارسه المتطرفون اليهود، وتفكيك البؤر الاستيطانية غير القانونية، ووقف بناء المستوطنات الجديدة، في حين تعمل في المقابل على تشجيع مشاريع البنية التحتية المتقدمة للفلسطينيين، بما في ذلك في المنطقة “ج”، التي تخضع حالياً للسيطرة الإسرائيلية.
وأخيراً، تحتاج المؤسسات الدولية العاملة في غزة إلى الإصلاح. في الـ26 من كانون الثاني، قدمت إسرائيل أدلة تشير إلى أن ما لا يقل عن 12 عاملاً في وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة شاركوا في مذبحة السابع من أكتوبر، ما أثار موجة من الغضب بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والدول المانحة الرئيسة، ودفع بعضاً منها إلى تعليق تمويلها. وفي وقت لاحق، كشف الجيش الإسرائيلي عن مركز قيادة عسكري لحماس يقع تحت مقر “الأونروا” في مدينة غزة.
وفي آذار، وجد تقرير للأمم المتحدة أن هناك “أسباباً وجيهة تدفع للاعتقاد” بأن مقاتلي “حماس” ارتكبوا أعمال عنف جنسي، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، في السابع من أكتوبر.
وفي أوائل آذار، أصدر الجيش الإسرائيلي تسجيلاً صوتياً لموظفين في “الأونروا” يتفاخرون بدورهم في اختطاف امرأة إسرائيلية شابة. وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، كان رد الأمم المتحدة هو التحقيق مع أفراد محددين عوضاً عن اعتبار منظمة “الأونروا” مؤسسة فاشلة.
وعلى المدى القصير، يجب توفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة من خلال منظمات الإغاثة الدولية والدول العربية المعتدلة.
وبعد الحرب، يتعين على الدول المانحة أن تفكر في إصلاح “الأونروا” أو استبدالها بمؤسسات محايدة مكرسة لحل أزمة اللاجئين الفلسطينيين سلمياً.

إعادة بناء الحصن الأميركي المنيع
لن يتغير دور الولايات المتحدة باعتبارها الشريك الاستراتيجي الرئيس لإسرائيل، رغم اتساع الهوة بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن في ما يتعلق بطريقة شن الحرب.
غالباً ما وقفت واشنطن إلى جانب إسرائيل حتى عندما تعرضت الأخيرة لانتقادات دولية شديدة.
ومع ذلك، ومن أجل ضمان أمنها واستقرارها في المستقبل، يجب على إسرائيل أن تعزز تعاونها مع الولايات المتحدة في مجموعة من المبادرات الدبلوماسية والاقتصادية، وتهدئة المخاوف الأميركية في شأن الكلف الإنسانية المترتبة على الحرب في غزة.
واستطراداً، يجب على إسرائيل أن تعمل مع واشنطن لحل الصراع في غزة. وينبغي على البلدين أيضاً أن يطورا استراتيجية منسقة للتأكد من أن حزب الله يلتزم بقرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي يطالب الجماعة بإلقاء سلاحها في جنوب لبنان والانسحاب من المنطقة الحدودية، وحشد الدعم لعملية عسكرية إسرائيلية في لبنان إذا فشلت الجهود الدبلوماسية. عليهما أيضاً تنسيق السياسات الرامية إلى مواجهة الأنشطة الإيرانية الخبيثة من خلال ممارسة الضغط الاقتصادي والعسكري المباشر على طهران عوضاً عن الاكتفاء بالتركيز على وكلائها.
إضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى بذل جهود متضافرة لوقف تقدم طهران النووي. وبطريقة موازية، يمكن للدولتين ممارسة الضغط على قطر لكبح جماح “حماس” من خلال قطع الدعم المالي عنها.
في غضون ذلك، يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة العمل على تعزيز دعم السلام والتطبيع في الشرق الأوسط. ويمكنهما تحقيق ذلك من خلال تمهيد الطريق لصفقة كبرى مع السعودية، تؤدي إلى تطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل مقابل معاهدة أمنية أميركية، وبرنامج نووي مدني تزودها به الولايات المتحدة، والتزام من إسرائيل بمبدأ حل الدولتين. وينبغي أن يقترن هذا الاتفاق باستئناف المفاوضات السياسية التي تشمل سلطة فلسطينية معاد إصلاحها. في الوقت نفسه، يجب أن يتضمن أي اتفاق ضمانات أميركية لإسرائيل بأن حصول السعودية على برنامج نووي مدني يجب أن يلتزم بما يسمى المعيار الذهبي، وهو بروتوكول وضعته الولايات المتحدة في عام 2009 لا يسمح بأي تخصيب أو إعادة معالجة للمواد النووية من دون التوصل إلى اتفاق آخر من طريق التفاوض، عوضاً عن التزام المعايير الأكثر مرونة المتبعة في الاتفاق النووي للعام 2015 مع إيران.
علاوة على ذلك، يجب أن تؤكد هذه الضمانات أن قدرات السعودية لن تؤثر في قدرة إسرائيل في الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي، أو تفوقها في التقنيات والقدرات الدفاعية مقارنة بالقوى الإقليمية الأخرى.
في الواقع، يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة الحفاظ على التفوق الإسرائيلي من خلال إنشاء تحالف تكنولوجي رسمي.
على سبيل المثال، يمكنهما التزام صورة مشتركة باستثمار مليارات الدولارات في المشاريع التعاونية والشركات الناشئة التي تعمل على تطوير الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، وتكنولوجيا الرقائق، واستكشاف الفضاء، والطائرات من دون طيار.
وإلى جانب مساعدة إسرائيل، فإن هذا التعاون سيعزز المصالح الأميركية في المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين.
ومقابل زيادة المساعدات الأميركية، يجب على إسرائيل تعديل سياساتها تجاه بكين، وعلاقتها مع روسيا. ورغم أنه يتعين على تل أبيب ألا تحول الصين إلى عدو لها، فإنها تحتاج إلى الحد من العلاقات التي تؤدي إلى الاعتماد على بكين أو التي قد تعرض إسرائيل للتجسس والتهديدات التكنولوجية الصينية. وفي ما يتعلق بروسيا، يتعين على إسرائيل أن تفكر في اتخاذ خطوات إضافية من أجل المساعدة في دعم أوكرانيا، ربما من خلال تعزيز قدراتها على مواجهة التهديد الذي تشكله الطائرات المسيرة الروسية الانتحارية الإيرانية الصنع، فضلاً عن التأييد العلني للجهود الغربية الرامية إلى صون سيادة كييف.

من الأزمة إلى التوافق
في السابع من أكتوبر 2023 باءت العقيدة الأمنية التي تتبناها إسرائيل بالفشل، وسوف تتطلب الجهود التي تبذلها من أجل تفكيك “حماس” التزاماً طويل الأمد.
في الواقع، لا تملك إسرائيل أي خيار سوى الاستثمار بصورة أكبر في أمنها، ما قد يؤدي إلى صعوبات اقتصادية قد تمتد لعقد من الزمن إذا لم تتصرف الحكومة بحذر وإذا تحملت بمفردها أعباء هذا الصراع، وهي أعباء كبيرة بالفعل بالنسبة إلى إسرائيل. ولذلك يتعين على البلاد أن تتبنى استراتيجية وطنية بعيدة النظر لا تعزز أمنها فحسب، بل تقوي أيضاً تحالفاتها ومكانتها الدولية.
لا يمكن الجزم أن الحكومة الحالية في إسرائيل، التي تتأثر إلى حد كبير بالاعتبارات السياسية، والمقيدة بأعضائها اليمينيين المتطرفين، ستتمكن من قيادة الإصلاحات الضرورية.
وفي نهاية المطاف، إن التحديات غير المسبوقة التي تواجه إسرائيل ستتطلب تشكيل حكومة جديدة قادرة على تعزيز التوافق الوطني الشامل وإخراج البلاد من واحدة من أصعب الأزمات في تاريخها.

* جنرال متقاعد في سلاح الجو الإسرائيلي، شغل منصب الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية من العام 2006 إلى العام 2010. وهو مؤسس ورئيس شركة “مايند إسرائيل” الاستشارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى