أقلام وأراء

عماد شقور : نظام إقليمي جديد برعاية صينية

عماد شقور 16-3-2023: نظام إقليمي جديد برعاية صينية

لا يصح الكلام عن كل قضايا عالمنا المتفجّرة، بالغة الأهمية والدلالات والأبعاد والتأثير، على حاضرنا الفلسطيني، وعلى عالمنا العربي ومحيطنا الإقليمي، وعلى الصعيد الدولي دون التوقف، بفرح، لتهنئة المناضل الفلسطيني الفتحاوي الكبير، «شيخ الأسرى» (83 سنة) الأخ والصديق، فؤاد الشوبكي، باستعادة حريّته يوم الإثنين الماضي، بعد 17 سنة من الأسر في زنازين ومعتقلات الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، والتي جاءت بعد اسابيع قليلة من نيل المناضلَين الكبيرين: كريم يونس، (67 سنة) وماهر يونس، (65 سنة) بعد 40 سنة كاملة من الأسر. إنّهم، (وكل أسرى شعبنا) منارات و«مانديلات» تقول للعالم كلّه، أن فجر تحرر كلّ الشعب الفلسطيني من الاحتلال والاستعمار الصهيوني العنصري آت لا ريب فيه.

مبروك للمناضل كريم يونس.

مبروك للمناضل ماهر يونس.

مبروك للمناضل فؤاد الشوبكي.

ثم،

ماذا عن كل قضايا عالمنا المتفجّرة هذه الأيام، بالغة الأهمية والدلالات والأبعاد والتأثير، على الصعيد الدولي، وعلى الصعيد الإقليمي، وعلى صعيد عالمنا العربي، وعلى حاضرنا الفلسطيني؟

بالمعنى التاريخي للكلمة، فإن إطلاق روسيا لأول قذيفة في حرب أوكرانيا، يوم 24.2.2022، كان في حقيقته، وفي بُعده التاريخي، إعلان إطلاق مشروع «نظام عالمي جديد» يكرّس حقيقة بدء انهيار «نظام القطب الواحد» الأمريكي، ويفسح المجال لـ«نظام متعدّد الأقطاب». وكان البيان الختامي لزيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للصين، قبل إطلاق تلك القذيفة بعشرين يوماً، ولقائه بالرئيس الصيني، شي جين بينغ، قد تضمّن عبارات واضحة لقرب انطلاق قطار التغيير، على الصعيد الدولي، وكان من أبرز تلك العبارات: «مولد شراكة استراتيجية عميقة، هدفها تحقيق التّوازن في مواجهة التأثير الخبيث للولايات المتحدة في العالم» وكذلك: «وضع حدّ للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي» وأيضاً: «إن الشراكة بين الدولتين ليس لها حدود، وتشتمل على عدّة جبهات، من بينها: الطّاقة والفضاء وتغيير المناخ والذّكاء الصناعي والتحكّم في الإنترنت» ولم ينته البيان المشترك قبل أن يصف العلاقة بين الصين وروسيا بأنها «ما فوق استراتيجية»!.

في هذا السّياق، تحديداً، نقرأ بيان الإعلان عن التوافق السعودي الإيراني، يوم الجمعة الماضي، الذي تمّ في بكّين، برعاية صينية، لإعادة العلاقات السياسية والديبلوماسية بين البلدين. إنها خطوة حاسمة في الإتجاه الصحيح، وهي بداية إعلان صريح لـ«نظام إقليمي جديد» بضمانات صينيّة، ينهي عقوداً من صراعات قوميّة (عربيّة فارسيّة) وطائفيّة (سنّيّة شيعيّة) سياسيّة ودمويّة، عبثيّة في غالبيّتها العظمى.

هذه الصّراعات التي حرّضت عليها أمريكا، وعملت على مدى سنين عديدة ومتواصلة على تأجيجها، لم تخدم مصالح أي من الأطراف المُكتوية بنيرانها، لا العربية ولا الفارسية، لا السنيّة ولا الشيعيّة. وكانت إسرائيل، والحركة الصهيونيّة العنصريّة، المستفيد الوحيد منها. ففي ظلّ هذه الصراعات، وبفضل انعكاساتها على مجمل مناحي الحياة في دول المنطقة، وعلى المزاج العام في شوارع دول وشعوب الإقليم، أحرزت إسرائيل اختراقات في الصف العربي الرّسمي، وألحقت أضراراً بالغة بالتضامن العربي البديهي، وتضامن دول وشعوب المنطقة، مع نضال شعبنا الفلسطيني، على طريق التحرّرمن الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي.

على أنّ الأهمية الأكبر في هذا الحدَث بالغ الأهمية، حدث بدء تشكّل «نظام إقليمي جديد» لا تقتصر على مدى تأثيره وتأثير ارتداداته المباشرة والفورية فقط، بل تتعدى كل ذلك بفضل كونها تتمّ في ظلّ برنامج متكامل هو «مبادرة الأمن العالمي من أجل السلام والإستقرار العالميّين» مكوّن من ستة مبادئ، أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يوم 21.4.2022، والتي لا يضاهيها أهمية، (في التاريخ الحديث) إلا مبادرة «مبادئ ويلسون الأربعة عشر» التي أطلقها الرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون، يوم 8.1.1918، والتي نصّت على حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، والتي نصّ البند الرابع عشر والأخير منها، على «إنشاء عصبة الأمم» مع نهاية الحرب العالمية الأولى، لتشكّل بذلك نظاماً عالمياً جديداً، ظلّ قائماً إلى أن ورثه نظام عالمي جديد، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وتم فيه تشكيل «هيئة الأمم المتحدة» الذي ظلّ قائماً بدوره حتى انتهاء «الحرب العالمية الثالثة غير الدمويّة» المتعارف على تسميتها «الحرب الباردة» بانهيار الاتحاد السوفياتي 1990ـ1991.

كانت الأمة العربية بجميع دولها وشعوبها في الجانب الخاسر في نظام ما بعد الحروب العالمية الثلاث. وكان الشعب الفلسطيني هو أكثر الشعوب العربية خسارة. ولا يضاهي خساراتنا إلا خسارات الشعوب الكردية، (أو قل شعوب الأُمة الكرديّة) في إيران والعراق وسوريا وتركيا.

في ظل «النظام العالمي الجديد» قيد التشكّل هذه الأيام، وصلنا في الأسبوع الماضي الى وضع «حجر الأساس» لـ«نظام إقليمي جديد» واعد وإيجابي للشرق الأوسط، أولى لبناته هو «تفاهم وتصالح» المملكة العربيّة السّعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

دخول الصين، (الصين الشيوعيّة تحديداً) بقوة وثبات ووزن كبير، على ميدان السياسة العالمية، في مرحلة تشكيل «نظام عالمي جديد» هو حدث غير مسبوق. فمنذ انحسار دور «الدولة الإسلامية» (وآخرها «دولة الخلافة» في زمن الإمبراطورية العثمانية) اقتصرت المساهمة في تشكيل «النظام العالمي» على دول الطوائف المسيحية الثلاث: الكاثوليكيّة، الأرثوذكسيّة، والبروتستانتيّة (والأقرب الى اليهودية والصهيونية) بكافة تشعّباتها، بين البروتستانتيّة الرئيسيّة والأنجليكانيّة والكلفينيّة وغيرها. هكذا تحالفت البروتستانتيّة والكاثوليكية وفرضتا «النظام العالمي» لما بعد الحرب العالمية الأولى. ثم شاركت الأرثوذكسيّة (بقيادة روسيا) في فرض «النظام العالمي» لما بعد الحرب العالمية الثانية. ولحق بذلك تحالف بروتستانتي كاثوليكي (قمة جبل الجليد فيه كانت بولندا وأحداثها، بتحريض الفاتيكان، في زمن البابا يوحنا بولس الثاني البولندي الأصل، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، زبيغنو بريجنسكي، البولندي الأصل أيضاً، و«اختراعهما» معاً للنقابي البولندي، ليخ فاليسا، زعيم «حركة التضامن البولندية») أدّى الى انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء «الحرب الباردة» والإنقضاض على «روسيا الأرثذكسيّة».

مع بدء انحسار دور «أمريكا البروتستانتيّة» (الـ»واسب») نلاحظ لجوءها الى «أوكوس» (مختصر أسماء دول أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) وهذه المرة لتحريض أستراليا للتحرّش بالصين، كما حرّضت أوكرانيا للتحرّش بروسيا.

في هذه الأيام، يدخل الى حلبة صراع تشكيل «النظام العالمي الجديد» اللاعب الصيني القوي الجديد. متى يستعيد العرب والإسلام دورهم في المشاركة في تشكيل النظام الذي يضبط قوانين وقواعد التصرف، في حالات السلم، وفي حل النزاعات والصراعات الدمويّة وغير الدمويّة في العالم؟ التفاؤل ليس عيباً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى