أقلام وأراء

عماد شقور: شتاء ساخن في فلسطين والمنطقة

عماد شقور 2-02-2023: شتاء ساخن في فلسطين والمنطقة

أذكر من أيام الدراسية في المدرسة الثانوية البلدية في الناصرة، في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، أن برنامج تعليم اللغة العبرية، كان يتضمّن مادة إسمها «بِركِي أفوت» التي تعني «من أقوال (أو حِكَم) الأجداد)؛ وفي أحد دروسها كانت المادة عن «قول مأثور» للرّاب هيليل، أو هيليل العجوز، في العقد السابع، والأخير من عُمْر مملكة الحشمونئيم اليهودية، (وإسرائيل، بالمناسبة، تعيش هذه الأيام عقدها السابع)؛ تقول تلك الرواية أنّ هيليل هذا رأى جُمجُمة رجل قتيل تطفو على سطح مياه بركة، فخاطبها باللغة الآرامية، (لتنتشر على نطاق واسع في ذلك الزمان) وقال لتلك الجُمجُمة: «عَل دِأطفْت أطَفوخ، فِسوف أُوطفايِخ يِأَطَفون» والتي تعني: «لأنّكِ قَتلتِ (وجعلتِ جُمجُمة القتيل تطفو على السطح) قُتلتِ، ونهاية قاتليك القتل».

أعادت الأحداث الدموية التي فجّرتها إسرائيل باقتحام مخيّم جنين يوم الخميس الماضي، وما تلاها من عمليات فلسطينية يومي الجمعة والسبت التاليَين، الى ذاكرتي هذا القول المأثور. وقد يكون من البديهي أن يذكر قادة وجنود جيش الإحتلال والإستعمار الإسرائيلي، ورئيس حكومتهم، بنيامين نتنياهو، ووزراؤه العنصريّون والفاشيّون، مثله، حكمة حاخامهم هيليل. لكنهم لا يتّعظون.

ماذا غير الإجرام الإسرائيلي يجعل شاباً فلسطينياً في مقتبل العمر، هو خيري علقم (21 سنة) يحمل مسدّساً ويقتل، في أربع دقائق، سبعة مستعمرين/مستوطنين، ويجرح آخرين، في حي نفي يعقوب في القدس العربية؟.

ماذا غير الإجرام الإسرائيلي يجعل فتىً فلسطينياً، هو محمد عليوات (13 سنة) يحمل مسدّساً ويطلق النار ويصيب مستعمراً/مستوطناً وابنه الضابط في جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي؟.

من المفارقات العجيبة أن الشهيد خيري علقم، هو حفيد الضحية خيري علقم، الذي قتله مستعمر/مستوطن بثلاث طعنات في الظّهر، وهو في طريقه الى عمله، كعامل بناء، بعد أن صلّى صلاة الفجر في المسجد الأقصى يوم 13.5.1998. وبعد أربع سنوات من اغتيال خيري علقم الجد، وُلِد خيري علقم الحفيد. هذا الحفيد الشهيد، صلّى هو أيضاً صلاة الجمعة في المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي، وانطلق من هناك الى مستعمرة/مستوطنة نفي يعقوب ونفّذ عمليته.

من المفارقات المذهلة أيضاً، أن محامي الدفاع عن المستعمر/المستوطن العنصري المتّهم باغتيال الجد خيري علقم، الذي برّأته المحكمة الإسرائيلية، هو أيتمار بن غفير (ماغيره) الذي أصبح «وزير الأمن الوطني» في حكومة نتنياهو الحالية.

على أنه لا يضيرني هنا التّذكير، بأن الرئيس الإسرائيلي في حينه، عايزر، أدّى زيارة تعزية نادرة للجدّة دلال، أرملة الجد خيري علقم. كانت تلك أيام تُموّه فيه الحركة الصهيونية، وتخفي وتخجل من كونها حركة عنصرية، وقال وايزمان للأرملة دلال علقم: «عملية القتل هذه هي عمل جبناء». وطلبت عائلة علقم من وايزمان العمل على اعتبار خيري ضحيّة عمل عدواني، فأكّد لهم بأنه سيهتم بهذا الأمر، ولكن مؤسّسة «التأمين الوطني» الإسرائيلية رفضت تلبية الطلب. وكان عنوان الخبر الذي نشرته جريدة «يديعوت أحرونوت» يوم 18.5.1998، عن زيارة التّعزية هذه: «وايزمان: لإعطاء حقوق ضحايا الأعمال الإرهابية لعائلة القتيل الفلسطيني».

في ظل هذا الوضع الدموي المتفجّر في فلسطين، تأتي كثافة زيارات مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية لإسرائيل لتشير بشكل واضح، الى احتمال أن في الجو تحضير لحدث كبير في المنطقة. فخلال عشرة أيام فقط، قام جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، بزيارة لإسرائيل، (يوم الخميس من الأسبوع قبل الماضي) ولحقت بذلك زيارة وليم بيرنز، رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، يوم الخميس الماضي، ثم تمّ تتويج هذا المسلسل، بزيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكين، يوم الإثنين الماضي. وجميعهم التقوا في إسرائيل برئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، وبنظرائهم في القيادات الإسرائيلية.

هذه الزيارات واللقاءات في إسرائيل، والتي تم في بعض ثناياها زيارات لرام الله والقاهرة، وربما لدول أخرى في المنطقة، تطرّقت بالتّأكيد للتطوّرات المتلاحقة في فلسطين، وكذلك للتطوّرات في الساحة الإسرائيلية الداخلية، في ظل التغييرات الكبيرة التي سارعت حكومة نتنياهو، البالغة اليمينية والعنصرية، الى اتخاذها فور تشكيلها، والتي تلقى رفضاً غير مسبوق في الشارع الإسرائيلي، ومظاهرات متواصلة في مدنها الكبرى كل اسبوع، لكن كثافة هذه الزيارات، وعلى هذا المستوى العالي سياسياً وعسكرياً وأمنياً، تعطي الإنطباع بأن هناك ما يستدعي التنسيق الدقيق والمتواصل بين الجيش وأجهزة الأمن في أمريكا مع قاعدتها في المنطقة، إسرائيل، لعمل عسكري كبير ما.

يضاف الى ما يجعل هذا الاحتمال وارداً، تطورات على صعيد المنطقة وعلى الصعيد الدولي، يمكن تسجيل أهمّها في نقاط محددة:

1ـ العدد الهائل من الغارات المنسوبة لإسرائيل، على أهداف في عمق الأراضي الإيرانية، مثل المصانع العسكرية في أصفهان، (والإيحاءات أنها استهداف لتطوير صواريخ إيرانية تفوق سرعة الصوت بأكثر من خمسة أضعاف) بمساعدة خبراء من الجيش الروسي؛ وعلى طرق إمدادات إيران لحلفائها في العراق وسوريا ولبنان، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره استفزازاً لإيران، وشبه دفعٍ لها للرد بصورة ما، لاعتبار ذلك الرد هو مبادرة إيرانية لحرب إقليمية بالغة الخطورة.

2ـ يجيء ذلك في مرحلة تجميد (وربما انهيار) المحادثات حول العودة الى الإتفاق النووي بين إيران والدول الخمس العظمى زائد ألمانيا.

3ـ الانزعاج الأمريكي، والأنكلو ساكسوني، بشكل خاص، وبعض الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل عام، من التطورات الأخيرة في جبهات القتال في أوكرانيا مؤخّراً، وتحقيق انجازات روسيّة في تلك الساحة، بعد مسلسل من اندحار القوات الروسية في الأشهر القليلة الماضية.

4ـ اعتقاد أمريكا والمعسكر الغربي أن الدعم العسكري الإيراني لروسيا، وخاصة بتزويد جيشها بالمسيّرات الإيرانية، هو العامل الحاسم الذي مكن روسيا من إلحاق هزائم بالقوات الأوكرانية، وتدمير أعداد هائلة من المنشآت الحيوية في العاصمة كييف خصوصاً، وفي طول الأراضي الأوكرانية وعرضها، وأن هذا ما يستدعي توجيه ضربة لإيران، وردع أي دولٍ أخرى قد تتجرّأ على دعم روسيا في «عمليتها العسكرية» في أكرانيا.

لا يغيب عن الذهن، في هذا السياق، التصريح الواضح للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم 7 آذار/مارس من الماضي، (وبعد أسبوعين فقط من بدء تلك «العملية العسكرية»): «لماذا نحن في حاجة لهذا العالم إن لم تبقَ روسيا موجودة» وكذلك ما نشره الرئيس الروسي السابق، ديمتري مدفيدييف، حليف بوتين، ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي، على تيليغرام، يوم الخميس الماضي: «إن هزيمة قوة نوويّة في حرب تقليدية قد تشعل حرباً نوويّة، والقوى النوويّة لا تخسر أبداً في صراعات كبرى يتوقّف عليها مصيرها».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى