أقلام وأراء

عماد شقور: حكومة نتنياهو مئة يوم من الفوضى

عماد شقور ١٣-٤-٢٠٢٣م: حكومة نتنياهو مئة يوم من الفوضى

بل قد يكون من الأدقّ عَنوَنَة المقال بـ«أوّل مئة يوم من الفوضى والفشل والتراجع لإسرائيل في ظل حكومة نتنياهو» حيث أن التدهور في أداء الحكومة الإسرائيلية، في كافة الوزارات، (من الأمن إلى المالية والخارجية والقضاء والأمن القومي وغيره) متواصل بوتيرة متسارعة، دون أي ظهور لمؤشّرات ملموسة على طريق انزلاق هذه الحكومة الفاشية، التي فشلت في تحقيق أيٍّ من أهدافها. أكثر من ذلك أن مجمل ما أقدمت عليه من خطوات أدّت الى نتائج عكسيّة.

حدّد نتنياهو الأهداف التي ستسعى حكومته السادسة إلى إنجازها في نقاط محدّدة:

1ـ منع إيران من الوصول الى انتاج سلاح نووي.
2ـ توسيع دائرة السلام مع دول المنطقة، (سلام أبراهام).
3 ـ تطبيع العلاقات مع السعودية.
4 ـ العمل على مواجهة غلاء المعيشة.
5 ـ تحسين الشّعور بالأمن الشخصي للمواطنين.

في كل واحد من هذه الأهداف المعلنة تحقق عكس ذلك عملياً وعلى أرض الواقع الملموس:

1ـ أنجزت إيران تقدّماً كبيراً للغاية في موضوع رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، إلى درجة ملامسة القدرة على انتاج أوّل قنبلة نوويّة، إن هي قرّرت ذلك. وحصّنت إيران نفسها من خلال توثيق تحالفها وتعاونها مع روسيا عل جميع الأصعدة، وأهمها التعاون على الصعيد العسكري والأمني، بالإضافة، طبعاً، للمجال الاقتصادي. كذلك متّنت إيران علاقاتها مع الصين، وخاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وكانت ثمرته الأكبر، (حتى الآن) إعادة العلاقات مع السعودية. وآخر ما يمكن الإشارة اليه في هذا المجال، هو ما ذكرته جريدة «بوليتيكو» الأمريكية يوم أمس (الأربعاء) من أن «إيران تجري محادثات سريّة مع كلٍّ من الصين وروسيا لشراء وقود للصواريخ» وهوما يمثّل كسراً لقرار الأمم المتحدة بحظره.

2 ـ في موضوع توسيع دائرة «سلام أبراهام» لم تتحقّق أي خطوة جديّة. وأكثر من ذلك فإن «درّة التاج» في مصيدة سلام أبراهام، وهي دولة الإمارات العربية المتّحدة، أخذت خطوة تراجعية ملموسة في موضوع التطبيع والتعاون مع إسرائيل، حيث ألغت زيارة نتنياهو لها، وهي تلك الزيارة التي تباهى نتنياهو أنه سيقوم بها بعد أيام قليلة من تشكيل حكومته.

3 ـ أما على صعيد هدف حكومة نتنياهو إحراز تقدّم في «تطبيع العلاقات مع السعودية» فإن إسرائيل لم تصح ُبعد من مفاجأة البيان المشترك بين السعودية وإيران والصين، الذي صدر في العاصمة بكين، يوم 10 آذار/مارس الماضي، وأعلنت فيه الدول الثلاث، عن أنه «تم توصّل المملكة العربيّة السّعوديّة والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة الى اتفاق يتضمّن الموافقة على استئناف العلاقات الدّبلوماسيّة بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدّة أقصاها شهران» وذلك «استجابة لمبادرة كريمة من رئيس الصين، شي جين بينغ». هكذا، انتظرت إسرائيل تطبيع العلاقات مع السعودية، ففاجأها بيان تطبيع السعودية لعلاقاتها مع إيران.

4 ـ لم تنجح حكومة نتنياهو في التقدم لإنجاز هدف مواجهة غلاء المعيشة، وأكثر من ذلك: انخفض سعر العملة الإسرائيلية (الشيكل) وانخفض الدخل من الضرائب، وغير ذلك الكثير من علامات الضعف في مواضيع الاستثمار وسحب الأرصدة من البنوك الإسرائيلية وبدء بحث العديد من الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل، عن مواقع جديدة في أمريكا وأوروبا وغيرها، لتنتقل إليها.

5 ـ في موضوع هدف حكومة نتنياهو «تحسين الشعور بالأمن الشخصي» يكفي، لمعرفة تحقّق عكس ذلك تماماً، متابعة دعوات قيادات إسرائيلية أساسيّة متواصلة لضرورة حمل كل من لديه ترخيص بحمل سلاحه الفردي بشكل دائم. وإذا كانت مصادر إسرائيلية قد ذكرت قبل بضع سنوات، أن 21٪ من اليهود في إسرائيل يضعون مسدّساتهم تحت وساداتهم، فإنه ليس من المستبعد أن تكون هذه النّسبة قد تضاعفت في هذه الأيام.
إذا أضفنا الى ما تقدّم حقيقة افتقار إسرائيل الى غالبية عناصر القوة الثابتة، واعتمادها جرّاء ذلك بالكامل، تقريباً، على ما تمتلكه من عناصر القوة المتغيّرة، وأهمها: عنصر انسجام المجتمع، وعنصر متانة التحالفات، فإن نظرة سريعة لما وصلت اليه أوضاع إسرائيل في هذه المرحلة، تكشف مدى المأزق الذي بلغته، على كلا الصعيدين:

ـ مجتمع منقسم على ذاته.

ـ وتحالفات في طور التآكل.

هكذا تبدأ مرحلة التراجع والإندثار.

ويحضرني في هذا السياق، ما ركّز عليه الرئيس الإسرائيلي السابق، رؤوفين ريفلين، في تحذيراته العديدة والمتكررة، من مخاطر تفكك المجتمع اليهودي في إسرائيل الى طوائف متصارعة، وإلى مقولته الشهيرة بـ«ضرورة أن تقوم السياسة الخارجية لإسرائيل على ثلاث قواعد: الأولى هي المحافظة على التحالف الاستراتيجي مع أمريكا، والثانية هي المحافظة على التحالف الاستراتيجي مع أمريكا، والثالثة أيضاً: المحافظة على التحالف الاستراتيجي مع أمريكا». ومتابعة لما صدر من الإدارة الأمريكية في الأسابيع القليلة الماضية من انتقادات لتصرفات الحكومة الإسرائيلية، وصل حد التصريح العلني بعدم توجيه الدعوة لنتنياهو إلى البيت الأبيض في موعد قريب، بما يناقض التقليد المتّبع على مدى عقود في هذا المجال، يشير بشكل بالغ الوضوح إلى حجم الهوّة بين إسرائيل و«حليفتها الاستراتيجية».

بلغ عمق واتساع المأزق الذي سبّبته الحكومة الإسرائيلية الفاشية، في المئة يوم الأولى من تشكيلها، حد التلميح بضرورة القيام بما يمكن اعتباره انقلاباً عسكرياً. ففي افتتاحية جريدة «هآرتس» الإسرائيلية بعنوان «حكومة فوضى» يوم الأحد الماضي، انتهت بفقرة تقول: «في ظل غياب قادة سياسيين، تقع المهمة على عاتق قادة الأجهزة الأمنية».

رغم كل هذا التدهور للأوضاع في إسرائيل، على كل الأصعدة، ليس هناك ما يوحي بأي بوادر للانفراج. وقد تحمل الأسابيع القليلة المقبلة، بعد انتهاء عيد الفصح اليهودي، وبدء موسم ذكرى مذابح النازية، وإطلاق صفّارات الإنذار حداداً على قتلى جنود وضباط جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، وصفّارات الإنذار احتفالاً بما يسمّونه في إسرائيل «عيد الاستقلال» بل وربما خلال هذه المناسبات، زيادة في عمق واتساع ما تشهده الساحات الإسرائيلية من مآزق تخلخل قواعد تماسك المجتمع اليهودي في إسرائيل، من جهة، وتضعف مجمل الروابط بين إسرائيل وحُماتها في الغرب.

كل هذا يتم في مرحلة يشهد فيها العالم انتهاء نظام عالمي قديم، حظيت فيه الحركة الصهيونية العنصرية وإسرائيل بمكاسب لا حصر لها، وبدء تشكّل نظام عالمي جديد، نظام متعدد الأقطاب، لن تنعم فيه إسرائيل بالبقاء خارج دائرة المحاسبة.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى