أقلام وأراء

عماد شقور: باب التفاؤل الفلسطيني مفتوح: نظام عالمي جديد

عماد شقور 15-9-2022م

حملت أيام الأسبوع الماضي أنباءً عن تطورات مهمة في ما يخص ما تسميه روسيا «العملية العسكرية» في أوكرانيا، أبرزها نجاح القوات الأوكرانية في توجيه صفعة للقوات الروسية في محيط مدينة خاركوف، في الشمال الشرقي من أوكرانيا.

لكن الأهم من ذلك هو ما قد تحمله أيام الأسبوع المقبل، وما يليه، من نتائج لمؤتمر قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» الذي يُعقد اليوم (الخميس) وغداً في مدينة سمرقند، في أوزبكستان، بحضور رئيسي الدولتين العظميين الصين وروسيا.

تفتح أحداث الأسبوع الماضي في ساحات المواجهات العسكرية في أوكرانيا طريقين واسعين، في اتجاهين متعاكسين، أمام الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، ومناصريه في أمريكا ودول حلف شمال الأطلسي، (الناتو)، ودول المعسكر الغربي عموماً. وفي كل واحد من هذين الطريقين مسارب متعددة:

ـ الطريق الأول، هو طريق التصرف بحكمة، بانتهاز فرصة نجاح القوات الأوكرانية في تضليل القوات الروسية، بجعلها تتوقع إقدام تلك القوات على شن هجومها المضاد على مواقع القوات الروسية في مناطق جنوب شرق أوكرانيا، (وهي المناطق التي تهم روسيا في الواقع)، وتوجيه ضربة قوية وخاطفة للقوات الروسية في شمال شرق أوكرانيا، وإرغام تلك القوات على الانسحاب من مدينة خاركوف ومحيطها.

هذا الإنجاز العسكري الكبير للجيش الأوكراني، الذي احتفل به زيلينسكي وداعموه، واعترفت روسيا به علناً، منح الرئيس الأوكراني فرصة ذهبية لتحويله الى سلّم ينزل بفضله بكرامة، (الى حد بعيد)، عن «عنترياته» والمبالغات التي اتّسمت بها تصريحاته وتصرّفاته منذ اندلاع «العملية العسكرية» الروسية قبل أكثر من ستة أشهر، ويوم 24 شباط/فبراير الماضي، ويتّجه نحو الدخول في مفاوضات جدّية مع روسيا، يعترف فيها بحق روسيا في تحديد ما تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها، جرّاء محاولات أوكرانيا الانضمام الى حلف الناتو، مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر لا يمكن لروسيا القبول بها، والتوصّل، بالمفاوضات الجدية والمباشرة، الى تسويات يمكن لروسيا التعايش معها.

ـ الطريق الثاني، هو استمرار زيلينسكي في الطريق الذي اختاره منذ بدء الصراع الروسي الأوكراني، طريق العناد والمكابرة، الذي شجعته عليه أمريكا وحلف الناتو، ومدّته بموجبه بأحدث الأسلحة وبمليارات الدولارات، للتصدّي لروسيا، وللقتال حتى آخر جندي أوكراني، وتدمير أوكرانيا تماماً.

روسيا، التي تمتلك أكثر من سبعة آلاف رأس نووية، وتمتد على طول تسع مناطق زمنية، وتمتلك أكبر احتاطي في العالم من الموارد المعدنية والطّاقة، وأكبر احتياطيات العالم من الغابات، ومن البحيرات التي تحتوي على نحو ربع المياه العذبة في الكرة الأرضية، لا يمكن لعاقل الاعتقاد باحتمال هزيمتها، أو منعها من فرض ما تعتقده، وبحق، دفاعاً عن أمنها ومستقبلها.

يكفي أن نذكر، في هذا السياق، تصريح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الأسابيع الأولى من بدء «العملية السكرية»، الذي قال فيه، (ردّاً على التساؤل حول مخاطر احتمال أن تقود تلك التطورات الى حرب عالمية مدمّرة، تستخدم فيها أسلحة نوويّة): «لا حاجة الى وجود عالم لا مكان فيه لروسيا».

هكذا هي صورة الواقع في هذه الأيام. ولا أستبعد أن يرفض الرئيس الأوكراني الاحتكام الى المنطق، (حتى لو طالبته بعض دول أوروبا العاقلة بذلك)، وأن يواصل مغامرته القاتلة، اعتماداً على تشجيع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي ضاعف مقامرته، (ولا أقول مغامرته)، الخاسرة، بدفع تايوان الى طريق المواجهة والصّدام مع الصين. هذه التطورات على الساحة الأوكرانية، وهي في غاية الأهمية، لفتحها مسرباً وطريقاً واسعاً أمام زيلنسكي للتصرف بحكمة، مع الحفاظ على بعضٍ من ماء الوجه.

لكن، (وكما قلت في مقدمة هذه الأسطر)، فإن انعقاد مؤتمر قمّة «منظّمة شنغهاي للتعاون» اليوم، وخاصّة بسبب حضور رئيس الصين، (مليار و420 مليون نسمة)، شي جين بينغ، (في أوّل رحلةٍ له خارج حدود الصين منذ انفجار جائحة الكورونا في بداية سنة 2020)؛ وحضور رئيس روسيا، (144 مليون نسمة)، فلاديمير بوتين؛ ورئيس حكومة الهند، (مليار و355 مليون نسمة)، ناريندرا مودي؛ ورئيس حكومة الباكستان، (240 مليون نسمة)، شهباز شريف؛ ورئيس إيران، (85 مليون نسمة)، ابراهيم رئيسي؛ ورئيس تركيا، (85 مليون نسمة)، رجب طيّب أردوغان؛ وغيرهم.

هؤلاء وحدهم يمثّلون أكثر من 3.5 مليار نسمة، أي ما يعادل نصف البشرية؛ ومنهم أربع دول نووية: روسيا والصين والهند والباكستان.

مختصر ما قاله أمس الأول وزير خارجية الصين السابق، والذي ما زال يحتفظ بمنصب دبلوماسي رفيع في الحكومة الصينية، يو وانغ جي تشي، للسفير الروسي لدى الصين، أندريه دانيسوف هو: « إن الصين مستعدّة للعمل بالتعاون مع روسيا للدّفع في اتجاه نظام عالمي جديد أكثر عدالة ومنطقية».

عالم اليوم على عتبة انهيار نظام عالمي غير عادل. وشعبنا الفلسطيني هو الأكثر تضرّراً من هذا النظام العالمي.

كنّا، كأُمّةٍ عربية بشكل عام، وكشعبٍ فلسطيني بشكل خاص، الأكثر تضرّراً من نظام ما قبل وما بعد النظام العالمي الأسبق، نظام ما أسفرت عنه الحرب العالمية الأولى: من خرائط سايكس بيكو التي قطّعت بلاد الشام، (سوريا الكبرى)، الى سوريا ولبنان وشرق الأُردن وفلسطين، واستفرد ذلك النظام بفلسطين، وقدّمها للحركة الصهيونية العنصرية، بحجج أساطير مخطوطة.

كنّا: كأُمّةٍ عربية بشكل عام، وكشعبٍ فلسطيني بشكل خاص، الأكثر تضرّراً من النظام الذي تلاه مع انتهاء الحرب العالمية الثانية: مجازر النازية ضد اليهود، (وغيرهم)، وكان الثمن والتعويض من جغرافيتنا وحياتنا لجرائم لا علاقة لنا بها.

كنّا: كأُمّةٍ عربية بشكل عام، وكشعبٍ فلسطيني بشكل خاص، الأكثر تضرّراً من النظام الذي تلاه، مع انتهاء «الحرب الباردة»، والتفرّد الأمريكي على قمّة هرم العالم، وهي، أمريكا، ومعها المعسكر الغربي، وعملاؤه في عالمنا العربي، وغيره.

نحن على أبواب نظام عالمي جديد، ولا أبالغ إن قلت أن قمّة سمرقند ولقاء وتوافق رئيسي الصين وروسيا، بينغ وبوتين هي واحدة من المحطّات الرئيسية الأولى في هذا النظام العالمي الجديد.

هذه الحقيقة هي واحدة من أهم الأسباب التي تعطي للقمة العربية في الجزائر في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أهميّة خاصة جدّاً ومميّزة جدّاً.

لن يحمل أي نظام عالمي جديد انحيازاً للحركة الصهيونية، فاقعة العنصرية، ولإسرائيل، على نمط ما هو قائم، وما نعاني منه منذ أكثر من قرن من الزّمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى