أقلام وأراء

عماد شقور: أزمة نظام الحكم في إسرائيل ودور فلسطينيي الـ48

عماد شقور 16-2-2023: أزمة نظام الحكم في إسرائيل ودور فلسطينيي الـ48

يروون في إسرائيل، عن رئيس حكومتهم الأسبق، مناحيم بيغن، أنّ تعليقه الأول، على حرب الخليج الأولى، في سبتمبر/أيلول 1980، (وهي الحرب التي سمّاها العراق «قادسيّة صدّام» في حين سمّتها إيران «دفاع مقدّس» وأعلن فيها كِلا الجيشين: العراقي والإيراني تصميم كل واحد منهما على تدمير الآخر) كان قوله: «أتمنى أن يحقق الطرفان المتصارعان أهدافهما»!.

تعود هذه الرواية الى الذاكرة هذه الأيام، ونحن (والعالم) نتابع «أزمة الحكم» المحتدمة في إسرائيل. فهل نكرّر قول بيغن «نتمنى أن يحقق الطرفان المتصارعان في إسرائيل أهدافهما» ونزيد عليه: «فخّار يكسّر بعضه»؟.

صحيح أنها أزمة سياسية حزبية، وليست صراعاً في ميادين القتال بالحديد والنّار، ولكنها، رغم ذلك، تخلخل أسس الحُكم، بل و«نظام الحُكم» نفسه في إسرائيل، من خلال التشنّج البالغ في مواقف قادة المعسكرين المتصارعين، ومن خلال ما يحتشد في هذا الصّراع من كلام وشعارات وتحريض.

لم تشهد إسرائيل من قبل أزمة حُكم شبيهة، ولا قريبة الشّبه من الأزمة الحالية، التي تعصف بها منذ الأيام الأولى لتشكيل حكومتها الجديدة، (الحكومة السادسة برئاسة بنيامين نتنياهو) في الأسبوع الأخير من كانون أول/ديسمبر الماضي. وقد بدأت هذه الأزمة منذ نحو أربع سنوات، حيث تخلّلها مسلسل انتخابات عامّة من أربع جولات متتالية، في ظل تنافس بالغ الإحتقان، بين أحزاب صهيونيّة عنصريّة جميعها، تتمدّد على كامل الخريطة السياسية هناك، ابتداءً من تلك الأحزاب التي تطلق على نفسها صفات اليسار والإعتدال والوسط، الى أحزاب يمينيّة، ويمينيّة عنصريّة، ويمينيّة فاقعة الفاشيّة، إضافة الى الحزبين الدينيّين لليهود الأرثوذكس (الحريديم) الإشكناز والسّفاراديم.

أساس الخلافات بين هذه الأحزاب الصهيونية المتصارعة، في الأزمة التي بلغت هذه الأيام ذروة جديدة، هو ما يطلق عليه الإئتلاف الحاكم حالياً «التعديلات في جهاز القضاء الإسرائيلي» في حين يرى المعترضون عليه، والرّافضون له، أنه تغيير جوهري لـ«نظام الحُكم» و«انقلاب على جهاز القضاء» هدفه تحكّم نتنياهو والأحزاب العنصريّة الفاشيّة في حكومته، وتغيير النظام القضائي والتحكم في اختيار القضاة، بما في ذلك، أساساً، قضاة المحكمة العليا، لضمان التلاعب في القضايا التي يحاكم نتنياهو فيها كمتَّهَم بالإرتشاء، وبغير ذلك من قضايا جنائية، من جهة، في حين تدعمه بالكامل لتحقيق ذلك، ثلاثة من الأحزاب والكتل الانتخابية: حزب الصهيونيّة الدينيّة الفاشي، برئاسة بتسليئيل سموطرِتش، وزير المالية والوزير في «وزارة الدّفاع»؛ وحزب «عوتسما يهوديت» (القوة اليهودية) الفاشي، برئاسة إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي؛ وحزب شاس لليهود الشرقيين الحريديم، برئاسة أريه درعي. ولكل واحد من هذه الأحزاب الثلاثة أجندته الخاصة، حيث يلزمون نتنياهو بها مقابل دعمهم له. ويبدو نتنياهو، في نظر كثير من الإسرائيليّين، أسيراً لدى قيادات هذه الأحزاب الفاشيّة، الى درجة إجباره على وضع في وزارة «الدّفاع» ويضحّي، من أجل دعمهم ومساندتهم له، بما تعتبره أحزاب المعارضة الصهيونية الأخرى برئاسة يائير لبيد، وبيني غانتس، وأفيغدور ليبرمان، «ديمقراطية دولة إسرائيل» و«استقلالية الجهاز القضائي» و«الحريات الفردية» وإرباك الجيش الإسرائيلي بتعيين «وزير في وزارة الدّفاع» الى جانب «وزير الدّفاع» و«إلحاق جهاز حرس الحدود بوزير الأمن الوطني» مع كل ما يترتّب على ذلك نتائج، وأهمّه في نظر هؤلاء:

1ـ التأثير السلبي الشديد على الاقتصاد الإسرائيلي.

2ـ تعريض كل القيادات العسكرية الإسرائيلية الى احتمال الاعتقال وتقديمهم للمحاكم الدولية، في حال كشف غطاء «استقلالية الجهاز القضائي في إسرائيل».

لهذه الأزمة الإسرائيلية الحادّة، والى كيفية تطوّرها، ووصولها الى محطّتها الأخيرة، انعكاسات كثيرة على أصعدة عديدة:

ـ على الصعيد الداخلي، في ما يخص اليهود في إسرائيل، من حيث خلق ارتباك في مرجعية هيئة أركان الجيش، وأجهزة الأمن الأخرى المرتبطة والمنبثقة عنه، وإلحاق جهاز «حرس الحدود» بوزير «الأمن القومي» (وتعيين « وزير في وزارة القضاء» الى جانب وزير القضاء) إضافة الى تقييد غير مسبوق للحريّات العامة، الاجتماعية والسياسية، وكذلك الأوضاع الاقتصادية.
ـ

على الصعيد الدولي، (وخاصة في أمريكا ودول الغرب في اوروبا خاصة، وفي غيرها من الدول) فإن انفضاح عنصرية إسرائيل، وتولّي فاشيين علنيين لمناصب وزارية أساسية، ستكون له ردود فعل شعبية في هذه الدول، بحيث لا تستطيع حكومات وقيادات هذه الدول تجاهل الرأي العام لشعوبها، واضطرارها الى تغيير طريقة وأسلوب تعاملها مع السياسات العنصرية الإسرائيلية. ولعل البيان المشترك، أمس الأول، لوزراء خارجية أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بخصوص «تشريع تسعة بؤر استيطانية/استعمارية في الضفة الغربية» واستنكار قرار الحكومة الإسرائيلية توسيع المستوطنات/المستعمرات بترخيص بناء آلاف المساكن الإضافية فيها، يشكّل بداية تغيير ما في سياسات هذه الدول الفاعلة، على الصعيد الدولي، تجاه إسرائيل.
ـ

على الصعيد الفلسطيني، فإن الأكثر تضرّراً من سياسات وقرارات وتصرفات الحكومة العنصرية الفاشية الإسرائيلية، وجيشها وأجهزة الأمن المتعدّدة فيها، (وكذلك مدّ الحبل أكثر وأكثر لقطعان مستوطنيها) هم الفلسطينيون في مناطق الـ1948، وفي مناطق الـ1967.

قبل أيام، وفي نقاش حول ما هو جدير بالفلسطينيين من حاملي بطاقة الهوية الإسرائيلية أن يقوموا به في هذه الأزمة المتصاعدة في إسرائيل، قال أحد المشاركين في النّقاش: «هذه الأزمة وهذا الصّراع الدّاخلي في إسرائيل، هو صراع بين يهود إسرائيليّين عنصريّين، ويهود إسرائيليّين أكثر عنصريّة وأكثر فاشيّة» وتابع، مكرّراً لقول دارج مأثور: «بقَر الدّير، بزرع الدّير».

لكن، ورغم أن في هذا الكلام شيء من الصّواب، (و»فشّة خُلُق» كما نقول في اللهجة الدّارجة المحليّة) فإن المصلحة الوطنية الحقيقية، هي المشاركة العمليّة والجدّيّة، في الجهد المبذول لمواجهة الفُجر العنصريّ والفاشيّ للحكومة الإسرائيليّة الحالية، ومحاولة إسقاطها، ذلك أنّ لهذه الجماهير الفلسطينية في إسرائيل «حِصّة» في «زرع الدّير» إضافة الى ضرورة مواجهة التوجّهات الحكوميّة المعلنة للتضييق أكثر على جماهيرنا الفلسطينية في مناطق الـ48، تحت يافطات «تطوير (أو قل «تهويد») الجليل والنّقب، و«فرض القانون» في المدن والقرى العربية داخل حدود «الخط الأخضر».

واضح تماماً أنّ الأحزاب الصهيونية العنصرية الإسرائيلية، التي ترفع شعارات ليبراليّة ويساريّة، ترغب في استبعاد الجماهير الفلسطينية في إسرائيل من المشاركة في مظاهراتها المناهضة للحكومة الصهيونية الفاقعة العنصريّة والفاشيّة الحاليّة، لكن البديل الذي يجدر بالجماهير الفلسطينيّة الوطنيّة في إسرائيل اختياره، هو تسيير مظاهرات في المدن والقرى الفلسطينيّة في إسرائيل، بل وفي المدن المختلطة أيضاً، والترحيب بأي مشاركة يهودية فيها، مظاهرات مندّدة بالحكومة الإسرائيلية الحالية وممارساتها وسياساتها المعلنة.

لا ينسى الفلسطينيون في إسرائيل، المقيمون في بيوتهم ومدنهم وقراهم، ولا ثلثهم المهجّرون من قراهم وأحيائهم، أنّهم ضحايا حكومات الاحتلال التي شكّلتها أحزاب صهيونية عنصرية ترفع يافطات اليسار والعمّال والليبرالية، حكومات «الحكم العسكري» ومصادرة الأملاك والأراضي، والتّمييز العنصري.

لكن الحكمة السياسيّة تقتضي، بالضّرورة، التّمييز في المعالجة، بين ما هو بالغ الأهميّة حقيقة، وبين ما هو فوري. والفوري في هذه المرحلة هو العمل والمساهمة في التّصدّي لحكومة نتنياهو العنصرية الفاشيّة والدّمويّة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى