أقلام وأراء

عماد شقوريكتب – ضرورة التنسيق الفلسطيني الأردني المصري

عماد شقور *- 29/7/2021

كثيرة هي القضايا المتفجرة في العالم العربي التي تستدعي المتابعة، والكتابة حولها :

ـ الأزمة الحادّة في لبنان، وما يعانيه الشعب اللبناني جرّاءها، وما تنطوي عليه من تهديد جدّي لكيان الدولة اللبنانية، وحياة اللبنانيين ذاتها.

ـ الأزمة المتواصلة في تونس منذ ثمانية أشهُر، والتي بلغت في مطلع هذا الأسبوع، (ليلة الأحد/ الإثنين) ذروة جديدة، دفعت الرئيس التونسي، قيس سعيِّد، الى اتخاذ إجراءات حازمة، شملت إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان التونسي، وتوليه شخصياً رئاسة السلطة التنفيذية لمدة شهر، اضافة الى سلسلة لاحقة من قرارات لا تقل عنها أهمية، الأمر الذي دفع كثيرين لترديد تعبير: «تونس على صفيح ساخن».

ـ زيارة رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، لواشنطن، وإعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، «انتهاء المهمّة القتالية» للقوات الأمريكية في العراق مع حلول نهاية العام الحالي.

ـ اوضاع كل «المغرب العربي» من الصراع في ليبيا وعلى ليبيا، الى الخلافات وتبادل الإتهامات بين الجزائر والمملكة المغربية، حول العديد من القضايا والملفّات.

ـ تفجّر قضية «بيغاسوس» (بفضل تعاون 17 مؤسسة صحافية عالمية رئيسية) واصدارها تقريراً شاملاً حول برنامج تجسس إسرائيلي، تم بيعه للعديد من دول العالم، أبرزها انظمة حكم عربية، وما يبدو حتى الآن وكأنه بداية لمسلسل متعدد الحلقات من فضائح عابرة للدول والقارات.

ـ حروب المياه في المنطقة العربية، التي بدأت من تحويل مجرى نهر الأردن، وقاد الى حرب حزيران/يونيو 1967؛ الى إقامة تركيا، لسدود عديدة عند منابع ومجرى نهري دجلة والفرات، مع إجحاف بحقوق سوريا والعراق كدولتي ممر ومصب؛ وصولاً الى إقامة إثيوبيا في أيامنا لـ«سد النهضة» وما في ذلك من إجحاف خطير بحقوق السودان ومصر كدولتي ممر ومصب لنهر النيل.

كل واحد من هذه العناوين المقلقة جداً، جدير بالمتابعة والتدقيق. لكن ما يسبقها، (على أهميتها) بالنسبة للشعب الفلسطيني، هي زيارة الملك الأردني، عبدالله الثاني، لأمريكا، ومباحثاته مع الرئيس بايدن، ومع لجان الكونغرس، والعديد من مراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة بقضايا المنطقة، إضافة الى وسائل الإعلام الرئيسية هناك.

في محاولة لتفسير الإهتمام الفلسطيني الشديد، بزيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن، وما أجراه هناك من مباحثات، يكفي أن نذكر سببين:

1ـ العلاقات الفلسطينية الأردنية المتشعبة والمتداخلة بفعل «دكتاتورية الجغرافيا» التي جعلت من الشعبين الفلسطيني والأردني علاقات توأمة، وليست فقط علاقات شعبين شقيقين في عالم الأمة العربية الواحدة.

2 ـ (أ) التوقيت: فأن يكون الملك عبدالله هو الحاكم الأول في المنطقة، الذي يتلقى دعوة من الرئيس بايدن لزيارة رسمية للبيت الأبيض، (وحتى قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية، «الحليف الاستراتيجي» الأقرب لأمريكا) فهذا ليس مسألة شكلية، وانما هي رسالة سياسية بالغة الدلالة لإسرائيل أولاً، ولجميع حكام وحكومات الدول العربية والشرق الأوسط ثانياً، تُفيد بأن ما كان من عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من سكوت في البداية، ثم من تشجيع مبطّن، ومكشوف لاحقاً، على تجاوز الدور الأردني، وتجاوز مصالحه، بل وربما «التآمر» على نظامه، ليس هو ما سيكون.

(ب) ـ ومن حيث الشكل الذي أحاط بالزيارة الملكية لواشنطن، والتي تميّزب بمبالغة في الترحيب والإحتفاء بها، فقد كانت هي أيضا رسالة صريحة، تؤكد مدى اهتمام أمريكا بعلاقاتها الودية مع الأردن، وحرصها على استقراره.

(ج) ـ ومن حيث جوهر ومضمون الزيارة، فقد بدا واضحاً مدى اهتمام سيّد البيت الأبيض أولاً، وأعضاء الكونغرس ولجانه المتخصصة، والعديد من مراكز الدراسات في واشنطن، بسماع رأي الملك الأردني، ونصائحه، حول كيفية التعاطي مع كل الملفات الشائكة الخاصة بقضايا المنطقة، وأولها ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، كما ظهر ذلك جلياً من خلال التغطيات الإعلامية هناك.

حَرِص الملك الأردني على إيفاد وزير خارجيته، أيمن الصفدي، الى القاهرة، خلال اقل من 48 ساعة من عودته الى عمّان، حاملاً رسالة منه الى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يبلغه فيها، (على ما يبدو واضحاً) بفحوى وجوهر مباحثاته في أمريكا، وذلك بعد أن كان الملك قد أوفد الوزير الصفدي الى رام الله قبيل بدء زيارته لأمريكا، لتنسيق المواقف الفلسطينية الأردنية.

مصر، بالنسبة لفلسطين وللفلسطينيين، ليست مجرد «الشقيقة الكبرى». فهي على مدى التاريخ، الجدار القوي الذي تستند اليه وعليه فلسطين، في كل محاولات غزوها، من أيام الهكسوس، الى أيام الإسكندر المقدوني، ومرورا بزمن الحروب الصليبية، (التي دحرها التوافق والتنسيق والتكامل بين مصر وبلاد الشام في عهد صلاح الدين الأيوبي) ووصولاً الى عهد محمد علي، ( في النصف الأول من القرن التاسع عشر) مؤسس «مصر الحديثة» الذي بنى سياسته على قاعدة اعتبار فلسطين اساساً، وكل «بلاد الشام» بشكل عام، الحاجز الذي يقي مصر من الشمال والشرق، وانتهاء بدور مصر في محاولات التصدي للغزو الصهيوني لفلسطين وإقامة إسرائيل سنة 1948، وما تخلل ذلك من معارك وحروب، (بل قل من حرب واحدة متواصلة الحلقات والمستويات والأصعدة، حتى يومنا). ولم يكن الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، وحيدا عندما كان يكرِّر: «أنا مصريّ الهوى» بل كان يعبر بذلك عن المزاج الفلسطيني العام.

على مدى عقد كامل تربّع فيه بنيامين نتنياهو على كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، عمل جاهداً وحاول القفز عن «الجسر الفلسطيني» لتجنّب اضطرار إسرائيل دفع ما يترتب عليها من استحقاقات تجاه «المرحلة الأولى» من مراحل استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه التاريخية المشروعة، وهي مرحلة «حل الدولتين» وعندما عجز عن تحقيق حلمه هذا، بفضل عامل الصمود الفلسطيني اولاً، وبفضل عوامل عديدة أُخرى، أهمها على الإطلاق، الدعم الأردني الثابت والمتواصل لحقوق الشعب الفلسطيني، وحماية للمصالح الوطنية الأردنية العليا، استعان نتنياهو بالرئيس الأمريكي السابق، غير المتوازن، وبصهره الصهيوني الأرعن، وبـ»جوقة» كاملة من صهيونيين وأفانغليست متصهينين، للقفز عن «الجسر الأردني» ايضاً، وتحوّل الى «كراكوز طائر» (على حد توصيف وزير المالية الإسرائيلي الحالي، أفيغدور ليبرمان) وراح يوقِع بمصيدته حُكّاماً عربا، ويوقّع معهم «اتفاقات أبراهام».

تسبّبت سياسة نتنياهو غير الحكيمة بخسارة إسرائيل للنصف الديمقراطي في الساحة الأمريكية، وجاءت بعض تصرفات الرئيس الديمقراطي، جو بايدن، وبيانات وتصريحات إدارته، (التي لم تطبّق عملياً بعد) لتبيّن فشل المحاولات الإسرائيلية في تجاوز «الجسر الفلسطيني».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى