أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم: قمّة العلمين ومسألة التطبيع

عبد المجيد سويلم 2023-08-17: قمّة العلمين ومسألة التطبيع

لم يأتِ بيان “قمة العلمين”، لا من قريب، ولا من بعيد ــ ظاهرياً ـ على مسألة “التطبيع” الذي يدور حوله حديث غير مسبوق بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، ولم تتضمّن بنود البيان أي إشارات مباشرة، ولم يتمّ تأييده أو التحفُّظ عليه، ولا حتّى بصورة مواربة، أو “الالتفاف” على أيّ محتوى من محتوياته المفترضة، أو المرجوّة، ولا حتى “المتخيّلة”.

قد يقول قائل، إنّ “قمة العلمين” ما كان بإمكانها التطرُّق إلى هذا “التطبيع” طالما أن كل ما يُقال، وما قيل بشأنه حتى الآن هو إما: طيّ الكتمان، أو الغموض، أو أنّ الأمر لم يأخذ الطابع الرسمي المُعلن سواء من جانب الولايات المتحدة الأميركية، وهي صاحبة المبادرة في كلّ ما يُقال وقيل حول هذا “التطبيع”، ولم تعلّق العربية السعودية رسمياً، أو بصورة مباشرة على كلّ ما قيل ويُقال، والطرف الوحيد الذي أشبع الفضاء الإعلامي والسياسي، بحثاً وتعليقاً، ونشر تفصيلات وسيناريوهات، وعراقيل وعقبات، وتوقُّعات وإمكانيات… هو الطرف الإسرائيلي “استناداً” إلى مصادر رسمية أو شبه رسمية إسرائيلية، كانت المصادر الإعلامية الأميركية أوّلاً قد “أفصحت” عنها، وهي مصادر مقرّبة جداً من البيت الأبيض، وهي التي تسبق خطوات الإدارة الأميركية في العادة، وتمهّد لها، وتحضّر الأجواء للإعلان اللاحق عنها.

ومن هذه الزاوية تحديداً فإن “قمة العلمين” ما كان بإمكانها التطرُّق لـ”التطبيع” الذي تعجّ به وسائل الإعلام إقليمياً ودولياً على حدٍّ سواء.

اللافت في بيان “قمة العلمين” هو أنّ في أكثر من 90% من مضمونه تعلّق بفلسطين، والحقوق الوطنية الفلسطينية، وثوابت الموقف العربي منها، واستمرار الالتزام بها كاملة غير منقوصة، وعلى أعلى درجات الوضوح والتحديد، ودون مواربة أو تمويه أو غموض من أي نوع كان.

وقد يُقال، أيضاً، إن مسار “قمة العلمين” هو مسار مختلف، وأنه يأتي في إطار متابعة الاجتماعات التي سبقته في إطار “الجهود” لإعادة “إحياء” عملية السلام، أو العودة إلى المفاوضات، أو إعادة التأكيد على “حلّ الدولتين”، أو غيرها من الصيغ التي تناولتها هذه الاجتماعات التي سبقت هذه القمة.

أمّا الحقيقة فإن القمة لم “تُناقش” سوى بند “التطبيع” ــ على ما أظنّ ــ لأن كل البنود التي أعلنها بيان القمّة هي بنود ليست بحاجة إلى نقاش، ولا تحتاج إلى قمة لإقرارها، وذلك بكل بساطة لأنها بنود تكاد تكون مكرّرة حرفياً عن قمم سابقة، وتكاد تكون نسخة طبق الأصل عمّا يتمّ بصورةٍ مستمرة ودورية التأكيد عليه والتشديد على مضامينه.

وكلمة “السرّ” في هذا النقاش ــ كما أرى ــ هو أن الزعماء الثلاثة، الذين لديهم ما يكفي من مضمون ما يتمّ الحديث عنه من “تطبيع”، ولديهم ما يكفي من التقديرات حول فرص نجاحه من عدمه، وحول العقبات التي تقف في طريقه، وحول الآليات التي يمكن أن يتمّ اللجوء إليها لتذليل هذه العقبات، وربّما لديهم، أيضاً، ما يكفي من الوقائع التي ستتمّ المباشرة بها، وأُخرى سيتم تأجيلها إلى مراحل لاحقة.. كلمة السرّ هي أنّ الإقليم ربما للمرة الأولى منذ طرح “مبادرة السلام العربية”، وإلى يومنا هذا، تلوح في الأفق “فرصة” قد لا تتكرّر أبداً، وقد تكون الفرصة الأخيرة قبل أن يدخل الإقليم كلّه في مخاضٍ لا يعلم إلّا الله مساره وتبعاته وربّما أخطاره، أيضاً.

ومصدر قوّة هذه التقديرات ليست المراهنات التي تعوّدنا عليها من “النظام العربي”، وليست “قلّة حيلة” هذا النظام في مواجهة الصلف الإسرائيلي، وليست ــ للمرّة الأولى ــ رغبة المجتمع الدولي، ومواقف المؤسّسات والمنظّمات الدولية، وإنّما هي حاجة أميركا من وجهة نظر إدارتها الحالية لإنجاز مثل هذا “التطبيع”، قبل الانتخابات الأميركية، وحاجة نتنياهو التي وصلت إلى درجة الاستماتة لمثل هذا “التطبيع”، وحاجة الإقليم لدفعة كبيرة من هذا النوع وهذا الوزن قبل أن يأتي “الطوفان” الذي يهدّد الجميع، ودون أيّ استثناء، وذلك بالنظر إلى عدم إمكانية السيطرة على توابعه عند حدود معيّنة إذا بدأ، وانطلقت موجاته.

أميركا بدأت تعيش أزمة الزعامة المطلقة، وتواصل الوقائع والأيّام قضم هذه الزعامة على كلّ المستويات. و”الغرب” كلّه يحاول إخفاء اهتزازه الذي قد يؤدي إلى “ترنّح” بعض قلاعه الكبيرة، والإقليم العربي كلّه ما زال في مرمى النيران إن كان على مستوى حرب إقليمية تفتعلها إسرائيل، أو تعمل وتعدّ العدة لها، وما زال هذا الإقليم يئنُّ تحت الحروب الداخلية أو الأزمات الداخلية التي يمكن أن تمتدّ إلى حروب أهلية جديدة ومتجدّدة، وما زالت إسرائيل تفشل في الخروج الآمن من وحل الأزمة التي تضرب مفاصلها في كلّ المجالات والاتجاهات.

أمام هذه الأزمات كلّها، قد يشكل “التطبيع” المخرج الذي يعيد إلى بايدن كلّ ما خسره حتى الآن جرّاء انخراطه في حربٍ لا يستطيع أن يربحها في أوكرانيا، وليس لديه أمل بتجاوز الصين وصعود دورها، ويرى أنّ ما يجري في إسرائيل قد يمثّل تهديداً للمصالح الأميركية، وخطراً على دور إسرائيل من نفسها، ويرى في العربية السعودية الدولة الوحيدة التي تستطيع إعادة ترتيب منطقة الإقليم بأقلّ درجة من التهديد للمصالح الأميركية.

القمّة التي عقدت في العلمين المصرية، حتى وإن لم يتضمّن بيانها أيّ إشارات مباشرة لكل هذه الأمور فإنّها ــ على ما أعتقد ــ قد ركّزت، بصورةٍ خاصّة، وعلى هذه الدرجة من التحديد على مسألة “التطبيع”، وربّما تكون قد توافق الزعماء الثلاثة على كيفية الوسائل والأساليب والطرق التي من خلالها سيحاولون “التكيُّف” مع معطياتها القادمة.

بقي أن نؤكّد أنّ العربية السعودية تفرّق بين شروط المفاوضات من أجل “التطبيع”، وشروط “التطبيع” نفسه، وتفرّق بين “التطبيع” بحدود معيّنة وبين “التطبيع” بحدودٍ أخرى، وأظنّها تفرّق بين حاجة أميركا لهذا “التطبيع”، والحاجة الإسرائيلية، وكذلك حاجة الإقليم كلّه، وحاجتها، ما يعني أنّ الحسابات السعودية ربّما تكون أكثر تعقيداً ممّا تجعجع به وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهي في مطلق الأحوال كلّها تمتلك الوقت الكافي لدراسة خطواتها، على عكس الآخرين الذين يشكّل الوقت السيف المُسلَّط على رقابهم.

 

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى