أقلام وأراء

سميح صعب: هامش المناورة لدى بايدن يضيق

سميح صعب 10-11-2023: هامش المناورة لدى بايدن يضيق

رغم أن أصوات المعترضين في الداخل الأميركي على الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة آخذة في التصاعد، يحاذر الرئيس جو بايدن وفريقه توجيه أية انتقادات علنية لإسرائيل على هذا العدد الكبير من المدنيين الفلسطينيين الذين يسقطون في الحرب، التي تخوضها ضد غزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر).   

 ولم تنجح المساومة التي خرج بها بايدن وهي معارضته القوية لوقف نار دائم، في مقابل طرح “هدنات تكتيكية” موضعية محددة بالزمان والمكان. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يدرك أن بايدن لن يجرؤ على خلاف علني مع إسرائيل، اشترط للهدنات الإنسانية إطلاق “حماس” كل الأسرى والرهائن لديها. هذا شرط من يريد استمرار الحرب وتأجيجها وليس التقيد باي هدنة.
الكارثة الإنسانية التي يعانها المدنيون في غزة، تحاول إسرائيل تحويلها عبئاً على “حماس” وتحميلها المسؤولية، بحجة أن الأنفاق ومراكز القيادة للحركة موجودة في المناطق الآهلة وقرب المستشفيات.
وبعدما محا القصف الإسرائيلي أحياء بكاملها في مخيم جباليا الأسبوع الماضي، من جراء إلقاء قنابل تزن طناً، وجدت إدارة بايدن الحل ليس بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب، وإنما بتزويدها قنابل أخف وأكثر دقة بهدف التقليل من الخسائر بين المدنيين.
القرارات التي يتخذها بايدن تهدف إلى تهدئة الأميركيين المعترضين على سكوت واشنطن بإزاء الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. هناك شريحة واسعة من الشباب الأميركي والجناح التقدمي داخل الحزب الديموقراطي، ممن في يدهم ضمان إعادة انتخاب بايدن لولاية ثانية، وهؤلاء يطالبون بوقف دائم لإطلاق النار. وحتى أن هناك قسماً من الموظفين في وزارة الخارجية الأميركية من المستوى المتوسط والأقل بعثوا برسالة إلى وزير الخارجية أنطوني بلينكن يعربون فيها عن قلقهم مما يجري في غزة وينتقدون الصمت الأميركي.
بايدن يسعى إلى توازن مستحيل في غزة. لا يمكنك أن تقف إلى جانب القتل سواء لشخص واحد أم للآلاف. لا يمكن أن تقول للإسرائيلي اقتل ولكن باعتدال، هذه معادلة غير أخلاقية وتنم عن أسلوب يتوسل الخداع والمراوغة كي لا تلامس الولايات المتحدة لب الموضوع.
في واقع الأمر، ليس هناك عجز أميركي عن لجم إسرائيل، بل لا توجد إرادة سياسية في البيت الأبيض لفعل ذلك. ثمن الإصطدام بين بايدن و”حكومة الحرب” الإسرائيلية، سيرتب ثمناً كبيراً على الرئيس الديمقراطي في الانتخابات المقبلة. ولتحاشي هذه النتيجة وجدت الديبلوماسية الأميركية أن المخرج هو بالهدنات الإنسانية الموقتة التي لا يمكن أن تحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية من جانب، وترضي المعترضين على الحرب داخل أميركا والمطالبين بإدخال المساعدات الإنسانية على وجه السرعة إلى القطاع الذي شارف على الانهيار صحياً وغذائياً.
ولكن بالمضي في هذه السياسة، يجازف بايدن بخسارة أصوات المعترضين على الحرب، وهم يزدادون يوماً بعد يوم. ليس بالضرورة أن يصوت هؤلاء لدونالد ترامب، يكفي ان يمتنعوا عن التصويت كي يخسر بايدن. والاستطلاعات الآتية من الولايات المتأرجحة التي تقرر مصير الانتخابات، لا تصب في مصلحة بايدن أبداً وتعطي الأرجحية لترامب.
لا أحد يطالب بايدن بالضغط على إسرائيل كي تقبل بحل الدولتين. هذا أمر بات من التاريخ. لكن الألحاح هو على وقف المجزرة المستمرة منذ أكثر من شهر تحت سمع الغرب وبصره.
الأهداف العالية التي وضعها نتنياهو للحرب وهي القضاء على “حماس” عسكرياً وسياسياً وتغيير الشرق الأوسط، غير قابلة للتحقق، حتى ولو صمتت الولايات المتحدة عن المجزرة.
ما يجري في غزة لا ينهي الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل هو يغذيه ويجعله يستمر لأجيال ممتدة، وتالياً يبقي الشرق الأوسط بكامله من دون استقرار.
وواشنطن والغرب عموماً الذي لم يفعل شيئاً لحل القضية الفلسطينية منذ أكثر من سبعة عقود، امتهن على ما يبدو إدارة الأزمات والحروب، أكثر من البحث الجدي عن حلول نهائية لها.
حرب غزة اليوم هي نتاج الإهمال الغربي للقضية الفلسطينية والركون إلى مبدأ أن إسرائيل تملك من القوة ما يمكنها من حماية نفسها، وهذا كافٍ بالنسبة للولايات المتحدة ولإداراتها المتعاقبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى