أقلام وأراء

د. وفاء صندي: قراءة فى هجوم موسكو

د. وفاء صندي 30/03/2024: قراءة فى هجوم موسكو

بعد أيام قليلة على انتخابات الرئاسة الروسية، التى شهدت نسبة مشاركة وأصوات هى الأعلى على الإطلاق منحت فلاديمير بوتين الاستمرار لولاية خامسة، استهدف الإرهاب ضواحى العاصمة موسكو، فى هجوم يعتبر هو الأسوأ خلال العقدين الأخيرين.

بعد وقت قليل من الهجوم، سارع تنظيم داعش – خرسان إلى إعلان مسئوليته عن حدوثه. ونشرت وكالة أعماق التابعة للتنظيم، تصريحا نسبته إلى مصدر أمنى يؤكد فيه أن مقاتلى «الدولة الإسلامية» استهدفوا تجمعا لـ النصارى فى ضواحى العاصمة الروسية، وأنهم انسحبوا إلى قواعدهم بسلام. وفى محاولة لتبرير هذه العملية، أورد التنظيم أن الهجوم «يأتى فى السياق الطبيعى للحرب المشتعلة بين الدولة الإسلامية والدول المحاربة للإسلام». بعد ذلك نشرت ذات الوكالة مقطع فيديو يظهر لقطات من الهجوم كما سجله أحد المنفذين، كنوع من تأكيد صلة الجناة بتنظيم داعش.

رغم إعلان داعش مسئوليته عن الهجوم الإرهابى، ورغم التحذيرات الأمريكية، التى سبقته، بوجود مخططات إرهابية تستهدف تجمعات بشرية داخل روسيا، فإن موسكو تصر على توجيه أصابع الاتهام نحو أوكرانيا التى سارع رئيسها الى نفى أى علاقة لبلده بهذا الهجوم. ومع اعتقال المنفذين الأربعة وسبعة آخرين، صرح الرئيس الروسى بأن المنفذين حاولوا الاختباء والتوجه صوب أوكرانيا، حيث، كانت ثمة نافذة مجهزة لهم على الجانب الأوكرانى لعبور حدود الدولة.

يبدو من تصريحات بوتين والمسئولين الروس انهم غير مقتنعين ببيانات داعش وفكرة تبنيه مسئولية الهجوم. موسكو التى تمرست على التعامل مع داعش فى سوريا، لديها اقتناع بأن التنظيم مجرد بيدق، وأنه تم توظيفه من قبل دول أخرى لتنفيذ الهجوم. وهى ترى ان التنظيم، حتى ولو كان هو المنفذ فعلا، فإنه مخترق أمنيا من قبل أجهزة الاستخبارات العالمية، ويتم توظيفه بشكل رئيسى وأساسى لخدمة الأجندات العالمية. وترى موسكو ان إلقاء القبض على المنفذين على مقربة من الحدود الأوكرانية يعنى تورط كييف فى هذه العملية الإرهابية.

بغض النظر عما اذا كانت الرواية الروسية صحيحة ام لا، هناك أسئلة مشروعة لابد من طرحها بخصوص أهداف داعش من وراء هذه العملية وكيفية تنفيذها. وهناك أيضا ملاحظات بخصوص اعترافات أحد المنفذين.

بخصوص الهدف من العملية، يقول داعش إنها تأتى فى السياق الطبيعى للحرب المشتعلة بين الدولة الإسلامية والدول المحاربة للإسلام. صحيح أن تنظيم داعش- خرسان نفذ خلال سبتمبر الماضى عملية انتحارية ضد السفارة الروسية فى كابول ما أدى الى مقتل موظفين فى السفارة، ما يعنى ان العداء بينه وبين روسيا قائم دائما، لكن توقيت العملية السياسية داخل روسيا وفى ظل الحرب الهوجاء التى تعيشها غزة، يطرح شكوكا بخصوص نيات داعش وأهدافه.

ثانيا، اعترافات أحد المتهمين بأنه اشترك فى الهجوم مقابل الحصول على المال، تفند نظرية الدافع الأيديولوجى كمحرك للإرهاب. كما ان اعترافه بأنه تم تجنيده من خلال مجموعة على تطبيق تلغرام، دون أن يعرف هوية المسئول يعكس عدم الانتماء الهيكلى للتنظيم وأيضا غياب فرضية الذئاب المنفردة. اما القول إن السلاح وجد مخبأ فى أحد الأماكن التى تم توجيهه إليها، فهذا يعكس عمل عصابات منظمة. ما يثير الشكوك أيضا حول اعترافات المتهم التى تبدو غير مقنعة، هو قوله بعدم معرفته بباقى المنفذين، فى الوقت الذى تمت فيه العملية بشكل ممنهج ما يعكس نوعا من التفاهم والانسجام والتنسيق بين جميع المنفذين، وما يعنى أيضا انهم ربما خضعوا لتدريبات مشتركة لفترة معينة.

بخصوص آليات تنفيذ الهجوم، نوعية الأسلحة المستخدمة والاستهداف العشوائى للضحايا والرغبة فى إسقاط اكبر عدد من القتلى هو أسلوب داعشى بامتياز، لكن خروج المنفذين أحياء من مسرح الجريمة وهروبهم هو تكتيك غريب على أدبيات ومخططات داعش. فدائما عملياته الإرهابية تنتهى بتفجير المنفذين لأنفسهم او يتم قتلهم فى أثناء العملية.

على كل حال، الأسئلة المتعلقة بخبايا العمليات الإرهابية واختيار مواعيد تنفيذها والأهداف المرجوة منها، والجهات الواقفة وراءها أو المستفيدة منها، تبقى دائما أسئلة دون إجابات واضحة تذكر. الأكيد ان تداعيات هجوم موسكو ستكون كبيرة. بالإضافة الى فقدان الإحساس بالأمان والاستقرار داخل روسيا، وتزايد الاسلاموفوبيا والكراهية ضد المسلمين، ربما سيتم استهداف مراكز حيوية داخل أوكرانيا، وسيتم رفع مستوى السلاح الروسى المستخدم، مع سعى موسكو حسم الحرب وفرض واقع بأسرع وقت ممكن. أما ردة الفعل الغربية فتبقى مفتوحة على كل الاحتمالات!

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى