أقلام وأراء

د. محمد السعيد إدريس: خريطة طريق عربية للأزمة السورية

د. محمد السعيد إدريس 5-5-2023: خريطة طريق عربية للأزمة السورية

بعد الزيارات المفاجئة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد، إلى كل من سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، ثم زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق حاملاً دعوة سعودية للرئيس الأسد لزيارة المملكة، كانت كل المؤشرات تقول إن الاجتماع الخماسي لوزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والعراق وسوريا، الذي استضافه الأردن مؤخراً، ستكون مهمته الأساسية هي الإعداد للعودة السورية إلى جامعة الدول العربية، خصوصاً أن اجتماعاً مماثلاً لوزراء خارجية دول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق، عقد قبل أسبوعين، في جدة لمناقشة أجندة تتركز حول الأزمة السورية، في ظل أجواء ترقب لعودة سوريا وحضورها القمة العربية المقبلة التي تستضيفها السعودية في 19 مايو/ أيار الجاري، لكن على عكس هذه التوقعات، لم تصدر عن اجتماع عمّان إي إشارة تتعلق بالعودة السورية إلى جامعة الدول العربية، وعندما سئل أيمن الصفدي وزير خارجية الأردن عن ذلك قال إن «قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يتم اتخاذه من قبل الجامعة وفق الآليات المتبعة».

وكشف البيان الختامي الصادر عن اجتماع عمّان، الذي حضره وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، عن «إطلاق دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة السورية وفق منهجية خطوة مقابل خطوة، والمبادرة السعودية وطروحات عربية أخرى». وكشف البيان أيضاً، أن اللقاء هو بداية ضمن سلسلة أخرى من اللقاءات والمحادثات التي تستهدف الوصول إلى حل للأزمة السورية ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية.

معنى ذلك أن اجتماعَي جدة وعمّان استهدفا بلورة «خريطة طريق عربية» لحلّ الأزمة السورية بمشاركة سورية، وليس بمعزل عنها، شرط أن تكون منسجمة مع الجهود الدولية السابقة، وبالذات القرار الدولي رقم 2254. لكن هذا الاستهداف يأتي ضمن سياق دولي- إقليمي جديد، أبرز معالمه وجود حراك دولي للحد من وطأة السيطرة والهيمنة الأمريكية على مقاليد العالم، وقضاياه، لمصلحة شراكة دولية أكثر اتساعاً من أطراف قوى عالمية كبرى أخذت تزاحم الولايات المتحدة في هيمنتها العالمية، ما يعني أن الحراك العربي الجديد بشأن حل الأزمة السورية سيكون أكثر تحرراً من الضغوط الأمريكية، وأكثر تفهماً للمواقف السورية. كما أن هذا الحراك يأتي في سياق إقليمي جديد أبرز معالمه التقارب السعودي- الإيراني بوساطة صينية، هذا التقارب هيأ فرصة سانحة لمزيد من التقارب العربي مع سوريا. تقارب بدأته الإمارات وسلطنة عُمان ومصر والجزائر وتونس، وها هي المملكة العربية السعودية تتحمل، طوعياً، قدراً كبيراً من مسؤولية إنهاء العزلة السورية وتفكيك الحصار عن سوريا، ومن ثم أضحى الاندفاع نحو حل الأزمة السورية بمنهاجية عربية يحظى بأولوية غير مسبوقة في هذه الأيام التي تسبق انعقاد القمة العربية في الرياض.

لكن هل هذا يعني صرف النظر عن السعي من أجل مشاركة سوريا في هذه القمة العربية، أي إرجاء إلغاء قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية لحين إتمام حل الأزمة السورية وفق البنود التي تضمنها بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب فى عمّان، أم أن سوريا يمكن أن تحضر القمة العربية جنباً إلى جنب مع الانخراط في عمليات وجهود حل الأزمة السورية، أي أن تحضر سوريا القمة العربية بالتوازي مع جهود حل الأزمة وفق خريطة الطريق المقترحة؟

الاحتمال الأول، أي إرجاء حضور سوريا القمة العربية لحين اكتمال حل الأزمة السورية بأبعادها، السياسية والأمنية والإنسانية، يعني أن جهود اجتماعَي جدة وعمّان ملتزمة بمنهاجية «خطوة مقابل خطوة»، أي جعل التقارب العربي مع سوريا ملتزماً بحدود الاستجابة السورية لمطالب حل الأزمة، وهذه هي رؤية الدول العربية الرافضة للعودة السورية للجامعة العربية الآن.

أما الاحتمال الثاني الحريص على التعجيل بالعودة السورية إلى الجامعة العربية فيمكنه أن يعتبر انخراط سوريا في خريطة العمل الجديدة لحل الأزمة السورية وفق بيان عمّان بمثابة التزام سوري مسبق للوفاء بالشروط المطلوبة للتقارب العربي، ومن ثم تكون الفرصة مهيأة لمشاركة سوريا في قمة الرياض المقبلة.

إجابة وزير الخارجية الأردني عن سؤال حضور سوريا لقمة الرياض، ربما تتضمن هذا المعنى، وهو أن القرار سيكون للقمة نفسها، والأجواء التي سوف تشهدها، وأن هذا مسار منفصل عن مسارَي اجتماعَي جدة وعمّان المعنيين بحل الأزمة السورية برؤية والتزامات عربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى