أقلام وأراء

حسن عصفور: حرب غزة فاضحة النظرة الاستعمارية بوريل نموذجا

حسن عصفور 22-11-2023: حرب غزة فاضحة النظرة الاستعمارية بوريل نموذجا

ما أن تم الكشف عن أحداث 7 أكتوبر 2023، بما رافقها من تفاصيل كثيرها لا زال منها غامضا، وبعضها خرج للنور، ودون معرفة الحقيقة، سارعت دول الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة لتشكيل “جبهة سياسية – إعلامية” خلال زمن قياسي هدفها المركزي وضع الأحداث في سياق “الإرهاب الداعشي”، وانطلق الرئيس الفرنسي ماكرون يسوح في بلاد الغرب والعرب من أجل “خلق” التحالف الدولي لمحاربة داعش حماس”، ما فتح عليه النار داخل بلاده، قبل أن يكشف عورته كأداة تنفيذية لمخطط “سري” ترضية للنزعة الأمريكية عله يكون جزءا مما سيكون نتاجا لما بعد حرب غزة.

عندما سارع الرئيس الأمريكي (الصهيوني حتى النخاع وفق لاعترافه وسلوكه خلال عمله البرلماني) الاتصال مع قادة دول الاستعمار الغربي، كان ماكرون وسوناك وخلفهما شولتز الألماني المصاب بعقدة هتلر، قاطرة لمشروع تصفوي للقضية الفلسطينية بمسمى محاربة “حماس – داعش”، وجوهره الحقيقي ترتيبات تتفق والمشروع الأمريكي الكبير، الذي كشفه بايدن في مقاله بصحيفة “واشنطن بوست” يوم 17 نوفمبر 2023، حول “شرق أوسط جديد”، خال من الاستقلالية الفلسطينية وخلق كيانية تحت الوصاية اليهودية وبعض الإقليمية.

ورغم قيام الرئيس الفرنسي تعديل اللسان لاحقا، تحت ضربات الرفض لنظرته الاحتلالية الاستعمارية داخل فرنسا، خاصة أن بلاده لم تنته بعد من صفحات تاريخها الأسود في الجزائر وأفريقيا، التي بدأت في طرد بقاياها الاستعماري، خاصة من مالي، فحاول القيام بحركة التفافية عله يخدع البعض بعدم قبوله “عمليات قتل الفلسطينيين العشوائي”.

وبعد جولته في المنطقة قدم المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ملخصا سياسيا الى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، جوهرها أن “قيام دولة فلسطينية هي أفضل السبل لضمان أمن إسرائيل”، الى جانب قضايا أخرى، حول حماس والبعد الإنساني في الحرب، ومستقبل قطاع غزة.

ويبدو أن الثقافة الاستعمارية لم تغادر بوريل أبدا، فمعياره لوجود دولة فلسطينية، ليس انطلاقا من حق سياسي وفقا لمبدأ تقرير المصير وإنهاء الاحتلال الاخير في الكوكب الأرض، وتنفيذا لقرارات الشرعية الدولية، أو احتراما لمبدأ حق الشعب الفلسطيني الإنساني في قيام دولته، بل كان معياره الأساسي أن قيام دولة فلسطينية هو “الضمانة الأفضل لأمن إسرائيل”، أي اعتبارها كجدار حامي لمستعمر وليس خروجا عن مسمار مستعمر.

رؤية بوريل هي قمة التكثيف لعنصرية سياسية حديثة للمستعمرين القدامى، بأن يضع الحق لخدمة مستلب الحق، وكأنه يعلن أن وظيفة الشعب الفلسطيني خدمة “السيد اليهودي” كي يبقى موجودا، كما يرى مستعمري فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا لدول أفريقيا وبعض آسيا وطبعا بلاد العرب.

لم تكن تلك الخلاصة الاستعمارية البيضاء وحدها ما عبر عنه فكر بوريل، بل أنه وخلال لقاء قناة عربية، سأله المذيع “المؤدب” حول ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة والضفة الغربية، وهل هي جرائم حرب، سارع بلا تفكير، بالتشكيك بها، وهروبا تركها للجنة تحقيق دولية، ولكنه بلا أي تفكير أو بحث عن لغة التفافية، اعتبر ما قامت به حماس في بلدات شرق السياج الفاصل مع قطاع غزة، جرائم حرب دون تحقيق او تدقيق، فقط لأن دولة الكيان وحكومتها المتهمة من غالبية اليهود بأنها الخطر الأكبر على اليهود، قالت أن ما حدث جرائم حرب، علما بأن الإعلام العبري كشف الفضيحة الأهم، بأن “يهود قتلوا يهود وأجانب في الحفل الموسيقي”، لكنه تجاهل ذلك، وقرر أنها جريمة حرب تستحق العقاب الفوري بلا محاكمة أو تحقيق.

إحاطة بوريل الأخيرة، لا يجب أن تقف “الرسمية الفلسطينية” وخاصة حكومتها، كون الرئاسة باتت خارج الوعي السياسي تحت التهديد الأمريكي بانتهاء زمن الرئيس عباس، بعدم تمرير تلك الإحاطة الاستعمارية العنصرية، وان تعلن موقفا صريحا، برفضها واعتبارها مشاركة مباشرة في جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين، وأن جرائم الحرب ضده التي تمارس على الهواء مباشرة لا تنتظر لعثمة سياسية.

يجب الرد الفوري على المستعمر الأبيض بوريل، بأن قبول إسرائيل في المنطقة واستمرارها كدولة شرطه الأساس أهل فلسطين الأصليين، فهم قبل غيرهم من يحدد مصيرها ومستقبلها، وليس العكس.

رغم كل ما كان من حرب غزة جرائم حرب وتدمير، وثمن لم يدفع منذ انطلاق الصراع بين شعب ومستعمر فوق ارض ستبقى لأهلها الأصليين، تقبل تعايشا لمن يحترم قواعد التعايش، لكنها قدمت “خدمة تاريخية” لشعوب المنطقة لإزاحة غبار مكذبة دول الغرب “الإنسانية” لتظهر جوهرها الاستعماري – العنصري الأبيض.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى