أقلام وأراء

جميل مطر: الصعود أم الانحدار من قمة لأخرى؟

جميل مطر 14-9-2023: الصعود أم الانحدار من قمة لأخرى؟

أطفئت الأنوار في قاعة مؤتمرات في جوهانسبرغ معلنة نهاية قمة مجموعة البريكس، لتشتعل أنوار أخرى في قاعة مؤتمرات في نيودلهي، مؤذنة بافتتاح قمة مجموعة العشرين. ولم نكد ننتهي من قراءة بيان البريكس إلا وجدنا على مكاتبنا نسخة مبكرة من الإعلان الذي صدر عن قمة العشرين.

وبين القمة والأخرى أيام قليلة، ولكن حافلة بأكثر من مفاجأة مثيرة. إلى جانب أن كل قمة من القمتين نجحت في إثارة الاهتمام العالمي ببنود في جدول أعمالها لم تخلُ من الطرافة والأهمية، نوقشت فكثرت الاستفسارات. وأغلب البنود استهلك، كما اتضح لنا، وقتاً طويلاً في الإعداد، وبعضها ظهر أكثر ابتعاداً عن واقع الحال، وواحد منها على الأقل، خرج أقرب ما يكون إلى حكاية افتراضية على نمط وإبداع ما أنتجته مؤخراً، استوديوهات هوليوود تحت عنوان «باربي»، وحققت من ورائه أرباحاً مذهلة، وغير مسبوقة في تاريخ السينما الأمريكية.

عن صدى قمة البريكس نتحدث أولاً. فقد عم التفاؤل كل أركان العالم النامي، بين جهات تطمئن إلى أنها من الآن فصاعداً سوف تنهض بلادها باستقلال وبعيداً عن التدخل الخارجي. وبالغ الكثيرون، وهي عادة من يتخلفون في النهضة. ووصفوا البهجة، التي رافقت الاستعدادات والاتصالات الجارية لعقد قمة لمجموعة البريكس تقرر التوسع في العضوية لتشمل عدداً أكبر من الدول النامية، بالثورة الناجحة ضد هيمنة الرجل الأبيض.

وبدا منطقياً وتاريخياً، التحرك المتوازي في إفريقيا خلال فترة قصيرة، لالتفاتتين: التفاتة من جانب فصيل من العسكر في عاصمة دولة من دول الساحل في إفريقيا حين تحرك الفصيل ضد حاكم طال عهده يحكم في حماية مظلة الاستعمار الفرنسي، والتفاتة من مجموعة صغيرة أو كبيرة في دولة أخرى قررت الخروج إلى الشارع لتعترض على رئيس ورث الاستبداد عن أبيه.

توقعنا، أقصد توقع أفراد في مجموعات تراقب، أن تتدخل فرنسا عسكرياً بالسرعة الممكنة. وتوقع آخرون أن تدفع فرنسا، أو تحث أو تجبر، الجماعات «الجهادية» المنتشرة بإحكام في هذه الدول لتثير فوضى، وتهاجم العواصم فيستحق إعلامياً للقوات الفرنسية التدخل لاستعادة السيطرة لموظفيها وشركاتها. وتوقع بعض آخر أن ترفض أمريكا هذا التوجه الفرنسي الذي تراه جاء متأخراً، بخاصة بعد أن سربت أنها تضغط من أكثر من عامين على فرنسا لتغيير سياساتها في الدول الخاضعة لها، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، لأن هذه السياسات، حسب ما ورد في التسريبات، أصبحت تمثل ضرراً مباشراً على مصالح أمريكا واستراتيجياتها الأمنية في إفريقيا، بخاصة الساحل، واستراتيجيتها في الشرق الأوسط بخاصة في لبنان.

ولم يكن مفاجئاً لنا قرار أمريكا شن حملة دبلوماسية على دول إفريقية مارست التقارب مع روسيا والصين، الأولى حين أقبلت دول بعينها غنية بالثروات أو بالموقع على التعاقد مع مرتزقة «فاغنر» الروسية، والثانية حين أقدمت هذه الدول نفسها، أو مع دول إفريقية أخرى، على عقد صفقات لمد خطوط وبناء منشآت بنية تحتية تمولها قروض صينية.

وسبقت الحملة الدبلوماسية حملة إعلامية أمريكية تهاجم برامج الصين القائمة على مبادرة الطريق والحزام. واتهمت الحملة الصين بأنها تغرق الدول الإفريقية والآسيوية بالقروض، واثقة من عدم قدرتها على سداد فوائدها وأقساطها فينتهي الأمر بانتقال مسؤولية تشغيل أو ملكية هذه المشروعات إليها. لم تفلح الحملة الأمريكية، واستمرت العلاقة الصينية بإفريقيا تتوطد على حساب الغرب. وفجأة، أو للمرة الثانية خلال مئة وخمسين عاماً، تهرع الدول الكبرى للدخول في سباق وحشي على موارد الثروة الإفريقية.

أتصور أنه، وفي ضوء ما خرجت به القمتان وما توافقت عليه سراً أو اختلفت الدول المشاركة من دون الإعلان أو التصريح عمّا توافقت عليه واختلفت، يتعين على بقية دول الشرق الأوسط إعادة النظر في مشروعات تنمية وإنشاءات وتحولات رقمية نفذت، أو جار تشييدها. من هذه المشروعات مدّ طرق للنقل وتطوير الموانئ، بخاصة الواقعة على خطوط مبادرة الحزام والطريق مثل الموانئ الإيطالية واليونانية بخاصة، منها أيضاً المشروعات ذات العلاقة بقناة السويس والموانئ المصرية والإسرائيلية وطرق الإمداد المقامة لخدمتها.

لم يبالغ أصحاب مشروع «الممر العظيم» عندما تنبأوا بشرق أوسط مختلف في كلياته وفي تفاصيله، إذا قدر لهذا المشروع أن ينفذ كاملاً.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى